بعد شهور طويلة من الانعقاد، أصدر المجلس الأعلى للقضاء أخيرا قراراته النهائية الخاصة بترقيات وتعيينات وتأديبات القضاة. أبرز مستجد في قرارات المجلس الجديدة، تمثّل في إحجام وزارة العدل والحريات عن الكشف عن لائحة القضاة الذين شملتهم القرارات التأديبية، متراجعة بذلك عن مبادرتها غير المسبوقة والتي أقدمت عليها في السنة الماضية، بنشر أسماء القضاة المعاقبين. تراجع، قالت مصادر قضائية إنه جاء استجابة لمطالب العديد من القضاة، والمتمثلة في عدم القيام بنشر الأسماء على موقع الوزارة، في انتظار تفعيل المقتضيات الدستورية الجديدة التي سمحت بالطعن في قرارات المجلس. فيما اعتبر المحامي عبد العزيز النويضي، أن خطوة عدم نشر أسماء القضاة المعاقبين، إيجابية «مادام لهم حق الطعن فيها رغم أننا مازلنا لم نفعّل بعد هذا المقتضى بسبب تأخر صدور القوانين الخاصة به، لكنه يبقى حقا دستوريا ويسمو على القوانين التي يستمر العمل بها حاليا». وفيما اكتفى بيان وزارة العدل بتبرير استبعاد محمد نميري من مسؤولية الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، بالتحضير لتوليه مسؤولية قضائية جديدة، قالت مصادر « اليوم24» إن الأمر يتعلّق بمنصب رئيس غرفة بمحكمة النقض. وحملت القرارات الجديدة، دماء جديدة إلى مواقع المسؤولية، حيث تم إعفاء رئيسين أولين لمحكمتين استئنافيتين، ووكيل عام للملك وأربعة رؤساء محاكم، فيما تم تعيين 9 مسؤولين جدد في المحاكم الابتدائية و6 آخرين في محاكم الاستئناف. محكمة الاستئناف بالرباط، ذات المكانة الاستثنائية، انتقلت رئاستها من إدريس بلمحجوب الذي أحيل على التقاعد، إلى محمد سلام الذي كان يشغل المهمة نفسها في سطات. فيما غادر محمد البار المصالح المركزية لوزارة العدل، ليصبح رئيسا أول لمحكمة الاستئناف بالعيون. العنوان الأبرز لقرارات التأديب الجديدة التي صدرت في حق القضاة، هو عزل قاضيين كانا موضوع فضائح فساد مدوية في السنتين الماضيتين، أولهما القاضي بمحكمة طنجة الذي كان قد ضُبط متلبسا بتلقي رشوة من مستثمر تونسي قام بالتبليغ عنه لدى المصالح المركزية لوزارة العدل، فيما يتعلّق ثاني قرارات العزل بالنائب السابق للوكيل العام للملك بالجديدة، والذي ضُبط شهر مارس من العام الماضي، متلبسا بتلقي رشوة مالية من مواطن له ملف قضائي في ورزازات، حيث كان يشتغل القاضي الموقوف سابقا. النقيب محمد أقديم، الذي كان يؤازر «قاضي طنجة» أمام المجلس الأعلى للقضاء، قال إنه ينتظر التوصل بالقرار الخاص بموكله، «ونحن مازلنا نؤكد على براءته لكون الأفعال المنسوبة إليه غير ثابتة». وفيما يفتح القرار الجديد للمجلس الأعلى للقضاء، الطريق أمام الغرفة الجنائية بمحكمة الاستئناف بالرباط للشروع في النظر في ملف «قاضي طنجة» المتهم بالارتشاء، قال أقديم إن قرار المجلس الأعلى للقضاء قد يؤثر على مسار الملف قضائيا، «ونتمنى أن يكون القضاء قادرا على الصمود أمام هذا القرار الجديد وإن كان الأمر صعبا ومتعلقا بجرأة وقوة القضاة الذين سينظرون في الملف». وكان ملف «قاضي طنجة» أحد أولى الملفات التي فجّرها وزير العدل والحريات المصطفى الرميد بعد توليه مسؤولية الوزارة، حيث باتت شكايات المواطنين ضد القضاة تحظى بالاهتمام والتدقيق، فيما بادر القاضي المعزول مؤخرا إلى التلويح بمقاضاة رئيس الحكومة عبدالإله بنكيران، مدعيا أن هذا الأخير أثر على ملفه بتصريحات أدلى بها ضده. بيان صادر عن وزارة العدل والحريات، قال إن 14 قاضيا قُدموا أمام المجلس الأعلى للقضاء في دورته الأخيرة، «وقد تراوحت المخالفات المنسوبة إلى هؤلاء القضاة ما بين ارتكاب أعمال خطيرة تمس بسمعة القضاء وشرفه، والإخلال بالواجبات المهنية». وفيما نال قاضيان اثنان البراءة، وزّع المجلس لائحة عقوبات تمثلت في عزل قاضيين وإحالة اثنين آخرين على التقاعد التلقائي والإقصاء المؤقت عن العمل في حق قاضيين، والتأخير عن الترقي من رتبة إلى أخرى في حق قاض واحد، فيما نال ثلاثة قضاة عقوبة التوبيخ واثنان آخران عقوبة الإنذار. رئيس نادي قضاة المغرب، ياسين مخلي، الذي استفاد من ترقية نقلته من المحكمة الابتدائية لتاونات إلى استئنافية مكناس، قال ل» اليوم24» إن المكتب التنفيذي للنادي سيجتمع يوم فاتح مارس المقبل للنظر في تظلمات القضاة تجاه القرارات الجديدة للمجلس الأعلى للقضاء، «تعزيزا لدور الجمعيات المهنية في الرصد والملاحظة والرفع من شفافية عمل المجلس الأعلى للقضاء». وفي انتظار صدور الموقف الرسمي للنادي، قال مخلي إن إشكالا رئيسيا يظل مطروحا، «يتمثل في غياب معايير واضحة وشفافة في التعيين في مواقع المسؤوليات، علما أن الإدارة القضائية من أهم الأعطاب التي يعاني منها القضاء». وعن موقفه من قرارات التأديب الجديدة الصادرة عن المجلس، قال مخلي إن جمعيته «تطالب بإيقاف البت في جميع الملفات التأديبية في انتظار تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية، حتى يتم تفعيل مسطرة الطعن في القرارات الصادرة». وأضاف مخلي أن النادي كان من بين أول المطالبين بنشر أعمال المجلس، «لكننا نرفض أن يتم هذا النشر في موقع وزارة العدل، بل يجب أن يتم في موقع خاص بالمجلس الأعلى للقضاء».