بنكيران وإن بدا مترددا وكثير التفكير في ما يُعلنه من أفكار ومواقف، إلا أنه جاء ليقف أمام شباب حزبه مدافعا عن نهجه الاستراتيجي القائم على الانحناء أمام العواصف وحُسن تحديد الخصوم قبل الشروع في محاربتهم. وأول ما فعله بنكيران في خطابه، هو تحييد الملك من أي صراع يخوضه حزبه تحت قيادته، معتبرا أن المؤسسة الملكية تبقى ركنا أساسيا تقوم عليه المملكة. وفيما يخوض مشاورات لتكوين أغلبية حكومية جديدة مع حزب التجمع الوطني للأحرار، بعد انسحاب حزب الاستقلال من الأغلبية؛ عاد بنكيران ليصوّب مدفعيته الثقيلة نحو الحزب الذي أسسه المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة، حزب الأصالة والمعاصرة.
الإصلاح بدأ في التعليم ولن تفسد علاقتي بالملك
رغم أن كلمته الخطابية أمام شبيبة حزبه استغرقت قرابة الساعة، إلا أن الترقّب ظلّ مرتبطا بما سيقوله رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، بشأن الخطاب الملكي الأخير بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، وتضمّن تقييما قاسيا لأداء الحكومة في مجال التعليم. بنكيران وإن بدا حذرا وحريصا على القفز فوق المواضيع الملغومة، توقّف ليقول إن «التعليم بدأت فيه بوادر الإصلاح، صحيح باقي ما كملش، كاينة ملاحظات ما عندنا ما نقولو، لكن بدأت بوادر الإصلاح وما بقاتش الاضرابات والناس فرحانين بنتائج الباكالوريا واخا كانت ناقصة، الأمور غاديا فالتعليم والتجهيز ومختلف المجالات تدريجيا». بنكيران بدا حريصا على عدم الانجرار إلى المواجهة المباشرة مع المؤسسة الملكية، وحاول امتصاص غضب شباب حزبه من التطورات الأخيرة، وقال لهم بنبرة الأب الناصح: «لقد حبا الله هذه البلاد بخصوصية حافظ عليها المغاربة عن وعي وإصرار، هي الملكية. نعم، قولوها بملء أفواهكم، وعنداكوم تظنوا أنني أقول هذا الكلام لأنني رئيس الحكومة، فانتم تعرفونني، والملكية أساس وركن ركين في أسس قيام هذه الدولة، ولولا أن جلالة الملك رفض حل الحزب في 2003 لكان قد حُلَّ فجزاه الله خيرا». وفيما كان بنكيران في المؤتمر الأخير للشبيبة الذي نظّم في الرباط، قد أوصاه بالتمسّك بالمرجعية الإسلامية، فقد انتقل، أول أمس إلى الدارالبيضاء، ليقول لشباب حزبه تمسّكوا بالملكية كمكوّن لمرجعيتكم. «خاصكوم تبقاو عاقلين آ الشباب على مرجعيتكم وعضُّوا عليها بالنواجذ، ولا تتراجعوا فيها، أقصد الملكية، تمسكوا بها بإخلاص وصدق، والذين يقوولون لي لماذا تردد هذا الكلام كثيرا، فلأن هذا الكلام يؤلمهم وأنا سأبقى أردده أعجبهم الحال أم لم يعجبهم. وكل الذين يحاولون أن يفسدوا ما بين الملكية والعدالة والتنمية لا يفقهون شيئا، ولا يفقهون معنى التحالفات. حنا ما متافقين مع الملك ديالنا على حتى شي حاجة، هو ملكنا وفوق رؤوسنا انتهى الكلام، لكننا في البلاد سنتدافع مع قوى الفساد والاستبداد التي تريد أن تحافظ على منهج التحكم ليستمر في يدها استغلال الخيرات بطرق مشروعة وغير مشروعة».
لا نريد انتخابات مبكرة وخلافنا مع الأحرار لم يكن قطيعة
بدا رئيس الحكومة عبد الإه بنكيران، في كثير من الأحيان، كما لو يبذل قصارى جهده ليتمكن من السباحة ضد التيار العام في صفوف شبيبته. وأمام اندفاع بعضهم نحو المطالبة بقلب الطاولة والذهاب إلى انتخابات مبكرة، قال بنكيران: «ماشي معقول نمشيو لانتخابات سابقة لأوانها، نشوفو عاوتاني على الله، وحنا داخلين فحوار مع حزب سياسي آخر كلكم تعرفونه، والسياسة هي فن الممكن، وخاص الشباب كونوا كايتفهموا قرارات القيادة، وخاصهوم يكونوا كايساندوها ويدافعو عليها، أنا لا أضحك عليكم ولا أخونكم ولا أغدركم، بل أبحث عن مصلحتكم بقدر فهمي». ومضى رئيس الحكومة في الدفاع عن قرار التفاوض مع حزب الحمامة، قائلا إن «هاد الناس راه عدد كبير منهم علاقتنا معهم على أحسن ما يكون، ويلا وقع كاع خلاف شي نهار، ضروري هداك الخلاف نديرو بيه القطيعة؟ وفي جميع الأحوال لم يقع بيننا خلاف كما وقع مع هذا الأمين العام الجديد للي ما خلا فينا ما قال، هادي هي السياسة آ الإخوان يلا بغيتو مصلحة بلادكم وشعبكم». وعن مآل المفاوضات التي يجريها مع رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، قال بنكيران: «حنا غاديين مع سي مزوار شوية بشوية، يلا تيسر الأمر غادي نشكلوا الحكومة، ويلا ما تيسّرش غادي نمشي عند جلالة الملك ونقولو راه هادشي ما بغاش، ولجلالة الملك واسع النظر وحزب العدالة والتنمية مستعد لكافة الاحتمالات». بنكيران بعث رسالة تحد إلى خصومه السياسيين، داعيا إياهم إلى إسقاط الحكومة والذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها. «التشويش كثير، والكلام سلبي والتقييمات سوداوية، ولكن، الحمد لله، أين هو المشكل، هذه حكومة أقلية اليوم، والأغلبية هي اليوم في المعارضة، وإذا ارتأوا أن هذه الحكومة لا تستطيع القيام بواجبها، يمكنهم الدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها، أين هو المشكل؟ ويمكنهم القيام بملتمس رقابة، نحن مستعدون للقيام بدورنا من أي موقع، لكن مادمنا في المسؤرولية سنقوم بها».
إشادة قوية بالرميد واستحسان للرباح والخلفي وتجاهل للعثماني
رغم أن الخرجة الأخيرة لرئيس الحكومة بدت لبعض الحاضرين كما لو كانت مزيجا من المقتطفات الواردة في خطاباته السابقة، مع «توضيب» وترتيب جديد؛ إلا أن أبرز ما تضمّنه الخطاب من جديد هو حرص عبد الإله بنكيران على الإشادة الواضحة والمتكررة بوزير العدل والحريات، المصطفى الرميد. بنكيران جعل تمكّن هذا الأخير من إنهاء إضرابات المحاكم وكذا إنهاء عمل الهيئة الوطنية للحوار حول إصلاح العدالة، أولى الأمثلة التي ضربها للدفاع عن حصيلة حكومته. «الحمد لله عندنا وزير ديال العدل، ياما قيل عنه وياما هوجم وياما جُمعت له الجهات، لكن كل هذا مناورات تذهب أدراج الرياح، صبر واستطاع إخراج التوجهات الاساسية للاصلاح واستقبله جلالة الملك ووشحه رفقة لجنته، ولم يكن أحد يقول إن ذلك اليوم سيأتي، لكن الله بغاه يوصل، وغادي تمشي العدالة تدريجيا نحو الإصلاح» يقول بنكيران. فيما كان نصيب مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الذي رافق بنكيران وعبد الله بها في طريقهما إلى القاعة التي احتضنت اللقاء؛ إشادة بالمساطر الجديدة التي وُضعت لانتقاء البرامج التلفزيونية. «الجميع آخذ على برامج رمضان، لكن كل الشركات، بما فيها تلك التي كانت تفوز بالصفقات من قبل، تقول إننا على الأقل بتنا نخضع لمقاييس موضوعية، وبرامجنا تعرض على لجان تنظر فيها». أما وزير النقل والتجهيز، مؤسس شبيبة الحزب عبد العزيز الرباح، فنال بدوره عبارات إشادة متكررة، حيث ردّد بنكيران أن إصلاحات كبيرة في مجالي النقل والتجهيز أخذت مسارها. في مقابل هذه الإشادات، تجاهل بنكيران سلفه في زعامة الحزب، سعد الدين العثماني، والذي يشغل مهمة رئيس المجلس الوطني (برلمان الحزب). أكثر من ذلك تضمّن حديث بنكيران تلميحات إلى سوء تدبير الحزب في الفترة التي تولى فيها العثماني مسؤولية الأمانة العامة. فخلال سرده التاريخ الطويل للحزب منذ قرّر هو وبعض رفاقه الانخراط في المشهد الحزبي أواخر الثمانينيات، توقّف بنكيران عند المحطة الانتخابية لسنة 2007، وقال إن الناخبين لم يضيفوا لرصيد الحزب سوى أربعة مقاعد، «، كما لو أن الشعب قال لنا لم تحسنوا إدارة المعركة» يقول بنكيران في إشارة إلى تداعيات تفجيرات 26 ماي 2003، مضيفا أن الشعب لم يضف للحزب سوى أربعة مقاعد، «وعندما جاءت 2008 وقررتم اختيار هاد الأخ ديالكوم أمينا عاما، قامت قيامتهم، وسارعوا إلى تأسيس حزب جمعوا له الناس جمعا».
ال«بام» هو خصمنا لأنه «ما فيدّوش» كلما اعتقد المتتبعون أن المعركة الطاحنة التي دارت بين حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة، قد وضعت أوزارها، خاصة بعد خروج أصوات أخرى لمواجهة إسلاميي المؤسسات، كالامينين العامين لحزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي؛ عاد عبد الإله بنكيران ليذكّر أن خصمه السياسي الأول اسمه ال»بام». هذا الأخير قال عنه بنكيران إنه تأسس مباشرة بعد انتخاب حزب المصباح لعبد الإله بنكيران أمينا عاما بدلا من سعد الدين العثماني. «وأمدوه بالإمكانيات المادية والمعنوية، وحنا كنا عارفين أن هاد الحزب ما عندوش أساس، حزب مهزوز وحزب تبنا بالدوباج وساعداتو السلطة وتعطاتو إمكانيات غير معقولة». وفي ما يشبه التذكير بنهجه التدبيري الناجح، قال بنكيران إنه لم يتردد في التصدي لهذا الحزب، «واجهناه بذواتنا وإمكانياتنا، وضيّق علينا وحوربنا، أخذت منا طنجة التي كنا سنسيرها مع الأحرار، والدارالبيضاء سيرناها 6 سنوات إلى جانب ساجد، وانظروا إلى السنوات الست الأخيرة كيف أصبحت بعدما دخل فيها الحزب المعلوم. بغاو يديو لينا الرباط فهزمناهم وأعطيناها للإخوان في الاتحاد الاشتراكي رغم مواقفهم المستغربة، مازلنا نقف إلى جانبهم وندعمهم، ثم أخذنا أكادير ومنحناها للاتحاد الاشتراكي. ليس لأننا ضد هذا الحزب أو حسدناهم، ولكن ما فيديهومش، وما غايديرو والو للبلاد، ما جايينش يخدمو، جايين ياكلو، وسرعان ما ظهرت حقيقتهم وسقطت أمطار الربيع العربي فانكشفت حقيقتهم ومشا الماكياج».
نحن من أعاد الاستقرار إلى الشارع عاد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية مرة أخرى، إلى التذكير بالدور الذي لعبه في إنهاء الاضطراب الذي شهده الشارع المغربي خلال موجة «الربيع العربي». «ساعدتها حزب العدالة والتنمية الذي ينطلق من المبادئ، ويعتقد أن المصير والحساب عند الله قبل التاريخ والجماهير، وقف وقال نعم للإصلاح ولا للمساس بالمؤسسة الملكية والشعب سمعنا وتجاوب معنا وفرح بنا، ولما جاءت الانتخابات صوت علينا»، يقول بنكيران، مضيفا أن الذين يقولون هذه الحكومة لم تحقق شيئا، «أذكرهم بالحالة التي كان عليها المغرب قبل مجيئها، وأذكرهم بما كانت عليه الشوارع من مئات المظاهرات في كل أسبوع، وكيف كنا نشعر بالخوف على البلد واستقراره ونحن نرى ما يقع في جوارنا. ومرة أخرى جاءت حكمة جلالة الملك وصدرت التعليمات بأن تكون النتائج هي الحقيقة والواقع، والله وحده يعلم ماذا كان سيقع. يكفي هذه الحكومة شرفا أنها يوم عيّنها جلالة الملك، هدأ الشارع المغربي واطمأن وتوقف عن الخروج بعد شهر. هل هناك من يقدّر ثمن هذا؟ المغرب اليوم منطقة آمنة مستقرة في محيط مضطرب. الناس اليوم يقصدون المغرب لقضاء عطلتهم حتى لم يعد هناك مكان للاصطياف، كل هذا لا يُذكر لهذه الحكومة».
«شباط بسم الله الرحمان الرحيم» «أعلم أنكم مشوشون، ومنزعجون مما يقع في الأرض ومما ترونه في الصحف والمجلات وبعض القنوات إن لم تكن كل القنوات المغرضة والمستفزة وغير المنصفة»، يقول عبد الإله بنكيران لشباب حزبه، قبل أن يضيف: «ومن بعض الزعماء السياسيين، الذين يدعون المعارضة ويستهدفون الحكومة وحزبنا خصوصا، حتى أن بعضهم قرأت له اليوم أنه يطالب بحل حزب العدالة والتنمية». هنا بدأ بنكيران في الحديث المباشر عن غريمه حميد شباط، دون أن يأتي على ذكر اسمه أو اسم حزبه. «بقيت كانفكر ولقيت عندو الحق، لأنه من الطبيعي، مادام هو عمدة المدينة وهزموه الدراري ديالنا وجابوه الثالث فالانتخابات من بعد ما فازوا بجوج مقاعد، كيفاش غادي يدير يغلب هاد الحزب فالانتخابات المقبلة؟ اللهم يحلو ويتهنا…»، ثم عاد بنكيران ليعلّق على التصريحات الأخيرة لشباط معتبرا أن ما يشابه هذا الكلام «يجب أن يخجل منه صاحبه، أنا لم أذكر الحزب المعني، لأنه حزب للي كانت عندنا معاه أحسن العلاقات، ولم أذكر الصفة، لأن هذا الحزب كان زعيمه هو علال الفاسي رحمه الله». وبعدما تطرّق لمواضيع أخرى متفرقة، عاد بنكيران مرة أخرى ليتحدّث عن شباط، واصفا إياه ب»هاد الأمين العام الجديد ديال الحزب للي قلتليكوم، ما عرفتوش آش بغا باسم الله الرحمان الرحيم، وبقا داخل معايا فالسبان والشتم وأنا ما رديتش عليه إلى اليوم، قال كل شيء وما خلا ما قال، آش غاترد؟ ترد على حزب وقّرنا حتى في وقت الشدة وشكلنا معه حكومتنا الأولى ووزراؤه ما دارو حتى شي حاجة طايحة، ويلا ردينا عليه غادي نوليو كلنا دراري».
الحسن الثاني منعنا من المشاركة في انتخابات 1993 مجهود «بيداغوجي» كبير بذله عبد الإله بنكيران لإقناع شبيبته بقرارات قيادة الحزب وضرورة دعمها. ولكي يقول إن القرارات التي تتخذ اليوم وتبدو مؤلمة وتثير غضب القواعد سديدة وحكيمة، عاد بنكيران عشرين عاما إلى الوراء ليضرب أمثلة أخرى. أول هذه الأمثلة كان ما رواه بنكيران عن الملك الراحل الحسن الثاني، والذي قال إنه بعث إليه من يطلب منه عدم المشاركة في الانتخابات المحلية للعام 1993، حين كان إخوان بنكيران قد التحقوا بحزب الراحل عبد الكريم الخطيب، «فاجتمعنا للتشاور، وقلنا إننا إن شاركنا سنعرض الحركة للخطر، ونحن لا نشتغل في العمل السياسي فقط، بل نقوم بأعمال مختلفة، فلم نشارك وغضب منا الدكتور الخطيب رحمه الله، وصبرنا معه حتى رجع للخاطر ديالو». ثم اعاد بنكيران سرد قرارات التنازل الأخرى التي أقدم عليها حزب العدالة والتنمية، بالحد من مشاركاته في الانتخابات، بدءا بانتخابات العام 1997، «خوفا من انتصار غير محسوب يربك المعادلة، فالسياسة تمارس بقدر الإمكانيات، ومن يسوق يهمه أن تصل حافلته بسلام… هل هذا يعتبر جبنا؟ فكيف يسر له الله هذه النتائج التي تشهدونها اليوم؟». أما عن انتخابات 1997 فقد قال بنكيران إن حزبه غطى 145 مقعدا من أصل 333 المعروضة للتنافس خلالها، «وساعتها الدكتور الخطيب سأله الأمريكيون فقال لهم NO ONE (ولا واحد)، والحمد لله انتزعنا تسعة مقاعد واعترف شخصان آخران أنهما أخذا مقعدين من مقاعدنا، وكان العدد في الحقيقة أكثر من ذلك، وكان صدى تلك المقاعد التسعة في الإعلام الوطني والدولي أكثر من أحزاب حصلت على ثلاثين مقعدا، لأن الناس ينظرون إلى النوعية والفكر والسلوك أكثر من الأرقام».
أبحث عن مصلحتكم ومن أراد الثورة فلا يأتي إلى العدالة والتنمية غلبت نبرة الأب الناصح والحريص على مصلحة أبنائه، على الخطاب الذي وجّهه بنكيران لشباب حزبه مساء أول أمس، «فبطبيعة الحال، الشباب دائما متحمسون، ودائما مستعدون للتضحية، لكن المسؤولين يجب أن يساعدوا الشباب على أن يوجهوا طاقاتهم في المجال والاتجاه الذي ينفع بلدهم، حتى تكون خطواتنا خطوة تلو الأخرى تقدما نحو الأمام» يقول بنكيران، مضيفا أن الديمقراطية الحقيقية ليست قرارا، «بل هي مسار وخطوات يتلو بعضها بعضا، الكرامة الإنسانية، احترام القانون، دولة الحق، هذه هي الديمقراطية، وإن اقتضى الأمر أن نضحي في يوم من الأيام بكل ما نملك في سبيل أن تتحقق هذه المعاني التي لا يجوز أن نبقى متخلفين عن البشرية فيها، فلا بأس في ذلك، لكن كل شيء بطريقة معقولة وفي وقته، وهذه مسؤوليتنا نحن، وبالتشاور معكم». بنكيران دعا الشباب إلى الاقتداء بتجربته هو ورفاقه وما حقّقته من نتائج. «هذا إذا كنتم تعتبرون أن المسار الذي قطعناه كان إيجابيا، وهو كذلك ولله الحمد، وبعدما كنا جماعة صغيرة مفتوحة على كافة الاحتمالات، أصبحنا حزبا سياسيا يتصدر المشهد الانتخابي ويترأس الحكومة، وله أكثر من مائة برلماني، وهو إيجابي لأنه بهذه الطريقة تحجزون كثيرا من الفساد وتدفعون في اتجاه كثير من الصلاح، وإن كنتم لم تحققوا كل ما تريديون، لكن شتان بين أن تكونوا في رئاسة الحكومة وبين أن تكونوا خارجها بالمرة، شتان بين أن يكون لكم مائة برلماني وبين ألا يكونوا». وبعدما دعا أتباعه الشباب بنبرة الواعظ الديني إلى الصبر والاستمرار من أجل تحقيق ولو أصغر الإنجازات لفائدة المواطنين، قال بنكيران: «نحن هنا مستمرون، مادام ذلك في مصلحة البلد، نهار لا قدر الله ما يكونش فمصلحة البلد، لن نحتاج أن يقول لنا أي أحد شيئا، بلادنا عزيزة علينا ومستعدون للتضحية من أجلها بكل شيء، وحرام أن نتخلى عن المسؤوليات وليس من أجل السلطة جئنا».
لقاء الزعيم بشبيبته بدا رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، مُحرجا خلال مشاركته في افتتاح الملتقى التاسع لشبيبته بمدينة الدارالبيضاء، بسبب هيمنة موضوع الانقلاب الذي قام به الجيش المصري على حكم الإخوان المسلمين. بنكيران ظل محاصَرا بشارات الأصابع الأربعة وشعارات من قبيل «الشعب يريد إسقاط السفير». وهو ما ردّ عليه بنكيران بضحكته المعتادة وعبارة «آودي الله يهديكوم». وفي كلمته الخطابية، تحاشى بنكيران التطرق للملف المصري بشكل مباشر، تجنّبا منه، في ما يبدو، للاختلاف مع الموقف الذي كانت برقية تهنئة ملكية قد عبّرت عنه، والتي وُجّهت إلى الرئيس المصري المؤقت الذي عيّنه الجيش المصري. فيما حملت كلمة بنكيران عبارات تدلّ على عدم الرغبة في الانسياق مع مشاعر التأييد للإخوان المسلمين، حيث قال إن في المغرب «مدرسة خاصة»، وإن ما يجب فعله في هذه الظروف هو خدمة البلاد وتحقيق تقدمها، « السلطة ليست هدفنا، بل لنا هدف واحد، وارجعوا إلى مواثيقكم الأولى، إن الله غايتنا، وما دون ذلك ليس إلا طعام دون طعام ولباس دون لباس وأيام قلائل». في مقابل تجاهل بنكيران لموضوع مصر، أبدى الكاتب الوطني لشبيبة العدالة والتنمية، خالد البوقرعي، حماسا كبيرا في الحديث عما وقع فيها مؤخرا، حين بدأ كلمته الحماسية بتوجيه التحية «إلى أحرار مصر وثوار الكرامة وثوار الحرية، والخزي والعار لكل من ارتد وخان وغدر وأهان». وكشف البوقرعي، منذ البداية، أن الهدف من اجتماع شبيبة الحزب، «هو الإصرار على إكمال المسار، حيث شبيبة العدالة والتنمية متشبثة ومصرة على أن تحقق نجاح تجربة الشعب المغربي وكل ما يأمل من هذه الحكومة». وفي خطاب مباشر إلى خصوم الحزب، قال البوقرعي: «شتانَ بين مَن هَمّه الوطن ومن همّه مصلحة خاصة أو عائلية أو حزبية، أنتم واهمون، فالتاريخ لن يعود إلى الوراء». خطاب وإن كان بنكيران لم يردّد كل ما جاء فيه، إلا أنه انتزع تصفيقاته حين انتهى البوقرعي من إلقائه. وبينما كان شباب حزب العدالة والتنمية يهتف باسم «رابعة» ويصفق لخطاب عبد الإله بنكيران، كان شباب بيضاويون آخرون في الجهة المقابلة من الشارع، وتحديدا في مدرجات ملعب مركب محمد الخامس، يهتفون باسم فريق الرجاء البيضاوي ويشجعونه ضد فريق أولمبيك آسفي. تزامنٌ أدى إلى حالة من الاستنفار الأمني، تخوفا من لحظة خروج الجمهور من الملعب، فيما حرص بعض المشاركين في ملتقى شبيبة حزب المصباح على الخروج قبل انتهاء مباراة كرة القدم، والتوجه بسرعة نحو أقرب نقطة توجد فيها سيارات الأجرة، من أجل مغادرة المكان قبل خروج الجمهور. وكإجراء احتياطي، قام الأمن الخاص بالقاعة المغطاة التي احتضنت افتتاح ملتقى شبيبة المصباح، بإغلاق الأبواب المقابلة لملعب كرة القدم، فيما ظل بعض الضيوف يترجونهم بفتح الأبواب لمغادرة المكان قبل نهاية المباراة.