- "كنت مترددا بأي خطاب أخاطبكم، لأنني أعلم أنكم مشوشون بما يقع في بلدكم، وما تتابعونه في القنوات والصحف المغرضة، وكلام بعض الزعماء السياسيين الذي يدعون المعارضة ويستهدفون الحكومة، حتى أن بعضهم يطالب بحل حزب العدالة والتنمية.." هكذا خاطب عبد الإله بنيكران، أمين عام حزب "العدالة والتنمية" شبيبة حزبه، مساء الأحد 25 غشت، في ملتقاها الوطني التاسع الذي احتضنته القاعة المغطاة لمركب محمد الخامس بمدينة الدارالبيضاء. كانت هذه العبارة وحدها كافية ليُفهم منها أن بنكيران جاء إلى ملتقى شبيبته وغايته محاولة إزالة التشويش الذي تعاني منه حكومته، سواء بخصوص مشاوراته مع مزوار لترميم الحكومة مع ما يواجهه من تهديدات وهجومات من خصومه السياسيين أو سواء بخصوص القضايا الإقليمية وموقف الحزب منها خاصة الملف المصري. اندفاع الشباب ورزانة بنكيران بنكيران بدا، من خلال مداخلته، مدركا لفورة شبيبته وغليانها العاطفي بسبب الأحداث الداخلية المرتبطة بمشاوراته مع حزب ظل يتهمه هو بنفسه بالفساد وأنه حزب "مهزوز أو مفيدوش" وكذا بسبب الزلزال الذي أحدثه خطاب العرش الأخير وسط الحزب وهو ما عكسه الإنقسام الذي ظهر وسط الحزب حول تقييم مضامين ذلك الخطاب، ما بين رافض لتحميل الملك الحكومة مسؤولية أزمة التعليم وبين قيادات باركت الخطاب الملكي مثل عبد الله باها، وأخرى بينها بنيكران فضلت الصمت، إضافة إلى عامل آخر خارجي مرتبط بالتطورا ت الأخيرة في مصر خاصة وأن الشبيبة تنتظر من أمينها العام موقفا صريحا حول ما يجري، الشيء الذي جعل بنكيران يقول في محاولة لتهدئة هذا الغليان: "اللحظة التي يعيشها المغرب ليست عادية وليست سهلة، أخاطب شبيبة حزب العدالة والتنمية في هذا الظرف الذي تعيش فيه منطقتنا هذه الاضطرابات القوية، والذي نعيشه داخل حزبنا ووطنا بتداعياته قلت أو كثرت، الشباب دائماً متحمس ومتحفز ومستعد للتضحية، لكن المسؤولين يجب أن يساعدوا الشبان ويوجهوا طاقاتهم للحفاظ على الوطن والتوجه نحو المستقبل حتى تكون خطوتنا متقدمة". وركز بنيكران كثيرا في خطابه على مسألة استقرار المغرب وأمنه وردد هذه العبارة في أكثر من مناسبة خلال مداخلته، وحاول أن يقنع أعضاء شبيبته بأن الحياة ليست اندفاع وعاطفة كما يعبر عن ذلك الشباب وإنما رزانة وتعقل وتقدير للظروف والمعطيات، مبررا بذلك ضمنيا سر صمته وعدم إبدائه لموقفه اتجاه عدد من القضايا الساخنة بداعي الحفاظ على الأمن وتقدير المصلحة الوطنية، وهو الأمر الذي سبقه إليه خالد بوقرعي، الكاتب الوطني لشبيبة العدالة والتنمية، حين قال قبل أن يتدخل بنكيران وهو يثني على الأخير بان المغرب لم يعرف رجلا مثله وأنه هو من أعاد القيمة والمواطنين للسياسة بعد أن هاجروها، مادحا أمينه العام بالقول: "بنكيران صمته بليغ، وعندما يتكلم يكون لكلامه معنى. والصدق سبق لسانه ". بنكيران بين شباط ومزوار "واش نوليو كلنا دراري" فجأة أصبح "شباط" "دري" في نظر بنكيران، بعد أن كان حليفه في الحكومة وشاركه أكثر من اجتماع وظل صائما عن مهاجمته وعدم التعرض له قبل أن يصفه ب"الدري" بعدما انسحب شباط من الحكومة وفتح بنكيران مشاوراته مع مزوار لترميم أغلبيته. فبعد أن وصف مزوار في أكثر من مناسبة بأنه "شخص مهزوز ومافيدوش" وبانه "ماشي راجل" لأنه لم يجرؤ على التوقيع بنفسه على العلاوات غير الشرعية التي كان يظفر بها رفقة الخازن العالم للملكة نور الدين بنسودة، وبعد أن اعتبره بأنه شخص غير مستقل بقراره وبأن الياس العماري هو من جاء به إلى الأحرار بعد ان نجح في إزاحة مصطفى المنصوري، بعد كل هذا يعود بنكيران ليقول مخاطبا شبيبة حزبه: "أنا أخدم مصلحتكم وأبحث عنها ولا أخدعكم، هؤلاء الناس (في إشارة إلى الأحرار) علاقتنا معهم على أحسن ما يكون، وإذا وقع خلاف مع أحد فهل بالضرورة أن تكون القطيعة، هاد الأمين العام (في إشارة إلى مزوار) ماخلا ما قال فينا، ولكن ماشي مشكل". المستمع لبنكيران لا يمكنه أن يخلص إلا إلى خلاصة واحدة، مفادها أن رئيس الحكومة اشتم نهاية تجربته، خاصة بعد خطابي الملك الأخيرين، وقطع مزوار للمشاورات وذهابه إلى قضاء عطلته في اسبانيا، الشيء الذي جعله يهدد لأكثر من مرة بالذهاب إلى الإنتخابات السابقة لأوانها وبأن حزبه مستعد لكل الإحتمالات، بما فيها عدم فوزه في الإنتخابات القادمة. فاستحضار بنكيران لتاريخ الحزب ومساره وكيف كان وكيف أصبح وكأن بنيكران يهيئ شبيبته نفسيا لإمكانية مغادرتهم الحكومة خاصة مع التطورات المصرية والانقلاب على "الإخوان المسلمين" الذين ينفي حزبه أية علاقة تنظيمية بهم لكنه لا يستطيع ان ينكر وجود مرجعيات مشتركة كثيرة تجمع بين فكرهما. بنيكران يقود حملة انتخابية لوزرائه لم يسبق لبنكيران أن خص وزراء حزبه بعينهم دون غيرهم بالثناء الذي خصصه لهم خلال نفس اللقاء، وقال مشيدا بوزيره في قطاع الإتصال مصطفى الخلفي إنه لأول مرة أصبحت البرامج التلفزيونية تعرض ويجري انتقاء الجيدة منها من طرف لجنة، فيما أشاد بوزيره في قطاع النقل حين تساءل هل كان المغرب يمتلك مثل هذه الطرقات التي يمتلكها اليوم، قبل أن يخصص ثناء فريدا لوزير العدل مصطفى الرميد، الذي كابد بحسبه المعانات والدسائس والإضرابات ونجح في شلها وقاد الحوار الوطني حول إصلاح العدالة بنجاح رغم كيد الكائدين حتى وفقه الله ووشحه الملك رفقة أعضاء لجنته في لحظة لم يكن أحد يحلم بها. بنكيران يستحضر الصعاب التي واجهها حزبه المثير في كل مداخلة بنيكران هو الحيز الكبير الذي خصصه لتاريخ ومسار الحزب والصعاب التي واجهها منذ نشأته حتى وصوله لرئاسة الحكومة، وحرص بنكيران عند عودته إلى مسار الحزب إلى تمرير فكرة أن عبد الكريم الخطيب مؤسس الحزب لم يكن على قدر كبير من الوعي بقوة الحزب عندما صرح لإحدى الصحف الأجنبية بان الحزب لن يظفر بأي مقعد قبل أن يحصد تسعة مقاعد خلال انتخابات 1997، ولا كان الخطيب، بحسب بنكيران، مدركا لمصلحة الحزب عندما ألح في فترة من الفترات على ضرورة المشاركة في الإنتخابات في حين عارض بنيكران هذه المشاركة. بنكيران وقف عند استحضاره لمسار الحزب عند فترة يعتبرها إحدى الفترات العصيبة في تاريخ الحزب بعد أن اهتزت الدارالبيضاء على وقع أحداث 16 ماي، متهما بعض خصومه بأنهم استغلوا هذه الفرصة ليطلبوا من الملك حل الحزب بعد أن حملوه المسؤولية المعنوية عن هذه الأحداث، "ولكن الملك رفض حل الحزب.. ونشكره" يضيف بنكيران. وعاد بنكيران مرة أخرى إلى مهاجمة حزب "الأصالة والمعاصرة" بنفس الأسلوب الذي دأب عليه في المرات السابقة، واصفا إياه بأنه "مهزوز أو مافيدوش.. ساعدته السلطة وبأنهم ماجايينش يخدموا جابين يكالوا". أنا مع الملكية ويوقع لي يوقع وفجأة يتفرغ بنكيران للملك ليمطره بعبارات الثناء على حكمته في قيادة المغرب نحو الرخاء والديمقراطية، رغم أن الملك هاجمه في خطاب العرش حين اعتبره ورث وضعا سليما عن الحكومات السابقة ومع ذلك بقي الحال على وضعه، قبل أن يهاجمه بشكل أعنف خلال خطاب "ثورة الملك والشعب" حين حمل حكومته أزمة التعليم المغربي، بعد أن تركت له حكومة عباس الفاسي مكتسبات في التعليم لم يعمل على استثمارها بحسب الملك. ومما قاله بنكيران متحدثا عن الملك: " الملكية أساسا رئيسيا في المغرب، لا تتنازلوا عن مرجعيتكم، ودافعوا عن ملكيتكم بإخلاص وصدق، وعضوا عليها بالنواجذ.. أّنَا غَادِي نْقُولْ لِيكُمْ أَنَا مْعَ الْمَلَكِيَّة وْيُوقْعْ لِّي يُوقْعْ". لا موقف اتجاه مصر المثير في مداخلة بنيكران هو عدد الكلمات التي خصصها للأزمة السورية ولما يجري في مصر، إذاما قورن الأمر بالشعارات التي رفعت بالقاعة والتي كانت في أغلبها تنتصر لإخوان مصر وتتضامن معهم وتدين حكم العسكر الذي انقلب على حكمهم، بل إن شعار رابعة العدوية كان على أقمصة الحاضرين وشارتها رفعت على أيدي الملوحين بها ممن كانوا يهتفون بحياة المصريين ويطالبون بطرد السفير المصري من المغرب وإسقاط حكم العسكر، غير أن بنيكران اكتفى بالإشارة إلى أنه يتابع ما يجري عبر التلفزين وبأن تلك الصور فظيعة قبل أن يعود ليذكر شببيته بالاستقرار المغربي وكيف حافظ عليه الأجداد والأباء، لكنه لم يستطع أن يخفي هو الآخر تضامنه مع بات يسميهم الإخوان المسلمون في مصر والعالم "شهداء رابعة العدوية"، عندما رفع هو نفسه على استحياء الشعار الذي يرمز إلى مقتل المآت من أنصار الإخوان برصاص العسكر الذي أعلنت حكومة بنكيران رسميا تأييدها!