أول أمس جلس عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، وصلاح الدين مزوار، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، حول طاولة فطور واحدة، من أجل التوافق على عقد قران جديد بين حكومة الأقلية وحزب الأحرار، الذي كان، إلى وقت قريب، في المعارضة. لكم أن تتصوروا «نفسية» بنكيران وهو يضع يده في يد لاعب «الباسكيط» السابق بعد كل ما قاله فيه أثناء الحملة الانتخابية لسنة 2011 وبعدها، ولكم أن تتصوروا فرحة مزوار وهو يتلقى مكالمة بنكيران ودعوته إلى دخول الحكومة، بعد أن اضطر حزب الزرق إلى الجلوس في مقاعد المعارضة التي لا يعرف شكلها ولا طعمها، فمنذ ولد حزب عصمان في خرقة بيضاء في قصر الحسن الثاني سنة 1978، وهو عضو دائم في كل الحكومات التي عرفها المغرب. حزب من الأعيان لا لون له ولا طعم ولا رائحة. يستعمله المخزن حيث يرى ويشاء… ماذا قال بنكيران عن مزوار قبل أن يجلس معه، أول أمس الاثنين، حول طاولة الإفطار؟ وصفه بأنه «رجل مهزوز»، وبأنه «ما يصلاحش ليه». قال له في تجمع خطابي في وجدة يوم 30/9/2012 مشككا في نظافة يده: «أنا ما بقاوش فيا الفلوس. هدوك البريمات في وزارة المالية… أنت وقعت لموظف ليأخذ 8 ملايين، أنا قابل، لكن أنت عطيتي لموظف يوقع ليك، علاش؟ ياك تدير حاجة قانونية، وقع لراسك وديرها ديال الرجال وكون راجل». في مراكش يوم 22 نونبر 2011، قال بنكيران مخاطبا مزوار: «ابتعد عن رئاسة الحكومة راها بزاف عليك. رئاسة الحكومة باش تدير الفلوس داز وقتها، رئاسة الحكومة ديال الوجاهة داز وقتها…». في 23 نونبر 2011 في الرباط، هذه المرة اتهم بنكيران مزوار بالانقلاب على المنصوري، وبأن إلياس العمري هو من وضعه رئيسا للحزب، وقال له: «منين غادي تجيب الاستقلالية ديال القرار، ومنين غادي تجيب القوة لرفض التعليمات التي تأتي من أناس يدعون القرب من المحيط الملكي؟ أنت لا تملك هذه القوة وما عندكش، اسمح لي، ما فيديكش». هذه بعض المقاطع من رأي بنكيران في شريكه الجديد، وهي موجودة على قناة «يوتوب» لكل من يريد التحقق منها، لأن ذاكرة السياسيين قصيرة مثل ذاكرة السمكة أو أقل. الآن لنطل على رأي مزوار في بنكيران. في مدينة مكناس بتاريخ 10-11-2011، نعت مزوار بنكيران بالحلايقي الذي لا يتوفر على أي منظور سياسي ولا على برنامج اقتصادي، وعاب عليه ازدواجية الخطاب وتوظيف الدين في السياسة. وفي ماي من هذه السنة، أي قبل شهرين فقط من اليوم، وصف مزوار حكومة بنكيران بأنها عاجزة، وأن نيتها في تطبيق الدستور غير سليمة… لكن أكبر ضربة وجهها مزوار إلى العدالة والتنمية هي قبوله التحالف مع الأصالة والمعاصرة ضمن تجمع G8، وهو تحالف رأى فيه بنكيران محاولة لتبييض وجه الجرار، وإنقاذا له من تسونامي 20 فبراير… هل تغير بنكيران من ماي إلى اليوم؟ هل تغير مزوار في ظرف أقل من سنة؟ أبدا، الرجلان مازالا كما هما، ورأي كل واحد منهما في الآخر، على الأرجح، مازال كما هو، الذي تغير هو «الظرف السياسي». بنكيران وقع في ورطة.. واحدة من عجلات سيارته الحكومية «تعطلت»، ومزوار لديه عجلة صالحة «سكور» زواج متعة إلى حين، هذه حسابات السياسيين. لكن ماذا عن الشعب؟ ماذا ستقولون له؟ كيف سيشرح بنكيران للرأي العام دعوة مزوار إلى بيت الحكومة بعد كل ما قاله فيه؟ كيف سيقتنع البسطاء بمبررات السياسيين؟ وكيف يتهم بنكيران مزوار في ذمته المالية واستقلالية قراره السياسي وضعف شخصيته ثم يدعوه الآن إلى تسلم ست أو سبع وزارات؟ إما أن اتهامات بنكيران باطلة ويجب أن يعتذر عنها، وإما أنه من طينة السياسيين البراغماتيين المستعدين للتحالف مع الشيطان من أجل الكرسي و«الأبهة» والأضواء المسلطة على المنصب. إنه تمرين بيداغوجي وأخلاقي وسياسي لا بد من ممارسته ليبقى للناس بعض احترام للسياسة، خاصة وأن بنكيران كان أمامه خيار أفضل من التحالف مع التجمع الأحرار هو الانتخابات السابقة لأوانها والرجوع إلى الشعب ليقول كلمته الفصل، هكذا يقول المنطق،- إذا كان في المغرب السياسي من منطق.