أجد عسرا في الكتابة هذا الصباح، تلازمني أعراض اللاجدوى.. فحين تصبح الوطنية براميل سب وشتم وتخوين متفجرة في كل فضاءات التواصل.. وحين تجد نفسك دون سابق إنذار مجبرا على البرهنة على ولائك للوطن لحفنة من السماسرة، والمسترزقين، ومحترفي ركوب الأمواج، ومترصدي حركة الأسهم في بورصة النفاق السياسي. وحين تصبح المطالبة بإطلاق سراح معتقلي الرأي، واحترام الحق في الاحتجاج السلمي، والقبول بالاختلاف، تسمى مزايدة على "الدولة" في ظرف حساس.. وكل ظروف الزمان والمكان حساسة في وطني، تقتضي إجماعا لامتناهيا في عرف تجار الأزمات. وحين تصبح حركة سياسية تجر وراءها ماضيا من التعذيب في السجون، والشهداء، والمنافي القسرية، وحاضرا من الدفاع عن العدالة الاجتماعية والحقوق والحريات، تصبح في رمشة "بيان" خائنة، فيما رصاصات التخوين تخرج من مسدسات ورثة نهب المال العام، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتهريب العملة الصعبة للملاذات الضريبية الآمنة.. حين يقع هذا وأكثر منه.. والأكثر منه أن وطنا في الوقت الذي يحتاج فيه إصلاح ذات البين، والإنصات للجميع... تنتصب فجأة أعوادالمشانق الرمزية.. ويظهر أفراد شرطة في أحياء/مواقع التواصل الاجتماعي يوقفون الناس، ويطلبون منهم تحديد هوياتهم، ويعقدون لهم محاكم تفتيش للنيات. حين يقع كل هذا، وتجد نفسك قد بدأت تشذب أظافر يديك اللتين تكتب بهما وتمارس رقابة ذاتية، تلعن شيطان التردد الذي كان مختبئا، والذي يطل عليك كل مرة قررت كتابة غاضبة، ليعيدك إلى مربع لا يسمي الأمور بمسمياتها الحقيقية. حين يقع كل هذا، فالأجدى هو اعتزال هذه الحفلة التنكرية، التي لا يتقن الرقص فيها سوى الذين مردواعلى النفاق. وعوض الكتابة، أرسل وردة.. وردة لذلك الجندي المرابط في الحدود الذي نجهل اسمه.. عادة يقال: إن الحروب يخوضها الجنود، ويربحها الجنرالات لأنها تخلد باسمهم.. أما اليوم، ففي الوقت الذي يحرس الجنود الوطن، ويستشهد أطباء وممرضون في معركة الكوفيد 19، يحول المتاجرون تضحياتهم لرصيدهم في سوق التسابق لإظهار الولاء، والقتل الرمزي للمخالف، وأحيانا تكون "البيعة والشرية" لا تتجاوز سباق الحمقى نحو "جيمات" ينتشي بها الفاقدون للمعنى. المعنى الذي يشيده كل صباح عمال النظافة، وهم يكنسون الأزبال والعفن. كيف كانت ستكون الرائحة لولا عمال النظافة...