في خضم موجة الاحتجاجات السلمية التي طالت عدة قطاعات و مجالات حيوية لها ارتباط يومي أو شبه يومي بالمواطن، لوحظ اهتمامٌ «محتشم» بمجال البيئة رغم حيويته وأثره المباشر على أثر صحة المواطن. لم يلاحظ رفع لوحة أو لافتة تستنكر عدم التعامل مع هذا المجال بما يفرضه استمرار المجال الطبيعي، كما لم تتطرق صفحات الفيسبوك لهذا الموضوع! أكثر من ذلك، لم يتردد بعض المحتجين في «التطاول» على المجال البيئي باحتلال ساحات خضراء وحدائق عمومية قريبة من مكان الاحتجاج، كما حدث، مثلا، بساحة بوشنتوف المتنفس الوحيد لساكنة المنطقة! أثناء تأملي لهذا الوضع، لم أشعر وأنا أتابع احتجاجات الشباب والشعارات المرفوعة، حتى وجدت نفسي متكئا على شجرة بحديقة الساحة، وحين انتبهت أردت تقديم اعتذاري إليها فردت علي: «لا بأس، أنت فقط اتكأت علي، أما الكثيرون فيعتبرونني بلا قيمة، رغم أنني الرئة الخضراء والمتنفس الأساسي للناس». أجبتها: صحيح أنني أعرف مزاياك الكثيرة، بالاضافة إلى الاوكسجين، فعندك نجد الراحة والمنتزه والملاذ لممارسة الرياضة. فردت علي بانفعال: بل بالعكس أصبح بعضكم يمنح الأولوية لكل ما هو إسمنتي على حساب أي شبر أخضر من خلال التراخيص الاستثنائية، ولتذهب صحة غالبيتكم إلى الجحيم. كما أنني في سنوات ماضية، كنت أرحّل، رغم أنفي إلى شوارع معينة، التي تعرف الزيارات، حيث يطالنا (نحن الأشجار) النسيان والإهمال، عوض إرجاعنا إلى مكاننا الاصلي. وحتى تواجدنا في بعض الڤيلات لم يسلم من الهجوم والقتل الوحشي و تعويضنا بالاسمنت عبر «الحرب» التي يشنها علينا «حزب العقار»، أما المتواجدة منا داخل ما تبقى من الحدائق البيضاوية، فتموت عطشا، أُنظر ما يقع لأختي التي بجانبي» . حين التفتت وجدت رجلا مسنا رفع جلبابه و أخذ يتبول عليها. سلوك زاد من غضبي فصرخت في وجهه، ليغادر المكان هربا. أتمت حديثها: ليس هذا هو المشكل، فالمشكل هو تحويل المراحيض إلى محلات تجارية فبدأنا نقوم مقامها. أين الحراس الذين كانوا يحافظون على نظافتنا و يبعدون عنا الغرباء؟ أين الأدوية التي كانت تقوم بها مصلحة حفظ الصحة لصالحنا بين الفينة والأخرى؟ أين عمال البستنة الذين كانوا يشذبون أوراقنا الميتة؟ إننا نحمي مدنكم من التصحر بحزامنا الأخضر... فوائدنا كثيرة، منا من يطعمكم، ومنا من يقيكم الشمس الحارقة، وحتى التي لا تليق لأي شيء تصلح لتدفئتكم من البرد القارس. عبر تاريخ الوجود لم أتعرض لمحنة شديدة، كالتي أمرمنها في عهدكم، حيث عرفت القهر والابادة الجماعية لأغلبية إخوتي . إننا نعاني كثيرا وعدونا الأساسي هو حزب العقار، الذي ينهشنا ويقلل عددنا. كل الأدوارالتي كنت أضطلع بها، شُلّت وأصبحت أجد صعوبة بدوري في التنفس، خاصة مع استغلال الحافلات وسيارات الأجرة، الحدائق كمحطات لها، نافثة سمومها القاتلة.. ولا أحد يدافع عنا. أصبحتم تعيشون في فوضى في كل شيء...فكرت مثل بعض شبابكم، في الهجرة إلى الضفة الاخرى للهروب من هذا السواد... عيدنا الوحيد، عيد الارض، تقيمونه بطريقة محتشمة، تأخذون بعض الاطفال وتعلمونهم غرس بعض الشجيرات، في حين كان عليكم، ومن واجبكم، غرس مجموعة من القيم التربوية المواطنة في الناس بأهمية حضور البيئة في المنظومة البيئية والحفاظ على الموروث الطبيعي... إن المؤشرات الحالية لا تدعو إلى التفاؤل، وبالتالي فمن غير المفاجئ ان أنضم بدوري إلى وقفات احتجاجية قادمة». حزنت لحزنها، وتألمت لتألمها، موضحا لها أنني ترافعت من أجلها في مقالات متعددة دفاعا عنها، إلا أنه لا أحد يهتم من منتخبين ومسؤولين و... وودعتها بهدوء، وقلت مع نفسي«قد أستفيق ذات صباح على انتفاضة صاخبة للأشجار وسط المدينة».