لقاء يجمع وهبي بجمعية هيئات المحامين    نهاية أزمة طلبة الطب والصيدلة: اتفاق شامل يلبي مطالب الطلبة ويعيدهم إلى الدراسة    الحكومة: سيتم العمل على تكوين 20 ألف مستفيد في مجال الرقمنة بحلول 2026    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    هولندا.. إيقاف 62 شخصا للاشتباه في ارتباطهم بشغب أحداث أمستردام    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا ابتداء من 11 نونبر الجاري بالرباط    الطفرة الصناعية في طنجة تجلعها ثاني أكبر مدينة في المغرب من حيث السكان    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    امستردام .. مواجهات عنيفة بين إسرائيليين ومؤيدين لفلسطين (فيديو)    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    الحجوي: ارتفاع التمويلات الأجنبية للجمعيات بقيمة 800 مليون درهم في 2024    هذه الحصيلة الإجمالية لضحايا فيضانات إسبانيا ضمن أفراد الجالية المغربية    المغرب يشرع في استيراد آلاف الأطنان من زيت الزيتون البرازيلي    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    "إل جي" تطلق متجرا إلكترونيا في المغرب    الأمانة العامة للحكومة تطلق ورش تحيين ومراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية وتُعد دليلا للمساطر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر        نقطة واحدة تشعل الصراع بين اتحاد يعقوب المنصور وشباب بن جرير    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    مجلة إسبانية: 49 عاما من التقدم والتنمية في الصحراء المغربية    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    الأمازيغية تبصم في مهرجان السينما والهجرة ب"إيقاعات تمازغا" و"بوقساس بوتفوناست"    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على هامش السيرة المسيحية
نشر في هسبريس يوم 09 - 06 - 2017


تقديم:
كاتب مغمور، يدعى "محمد سعيد" وهو اسم مستعار على ما يبدو، له أثرة وحظوة عند هيئة تحرير جريدة هسبريس ينشرون له كل شيء مما يكتب؛ أغثه وسمينه ضعيفه وهزيله بل يؤثرون نصوصه بالأولوية في تصديرها على صفحة جريدتهم،وهم في ذلك أحرارا فيما يفعلون ونحن كقراء ومساهمين على هذه الصفحة بالنقد والكتابة أحرار أيضا فيما نقبل وما لا نقبل مما تفرضه علينا الصفحة، لذلك وانطلاقا من إيمان الجريدة بحرية الرأي والاختيار الذي بنت عليه مبادئها الإعلامية،أ قوم من باب الأمانة العلمية كتابة هذا المقال النقدي لأوضح بعض الإشكالات المنهجية حول ما سماه الكاتب ب"سيرته المسيحية" وتجلية بعض مما أشكل عليه في علم الأدب ومناهجه التي لا يسمح لأحد أن يكتب كتابة دون أن يطلع عليها ويمتلك زمامها.
نشر هذا "الكاتب"على صفحة الموقع(هسبريس) عددا من مقالاته سمى بعضها "شدرات من سيرتي المسيحية"،ونظرا للخلط الذي توجد عليه النصوص المعنية والتي ما كانت لتقرأ ولا لتنشر، لولا أنها حظيت بالنشر في منبر له من الاحترام والسمعة الكثير ويتمتع بمصداقية إعلامية،خصوصا أن الكاتب يتناول الموضوع بطريقة تتداخل فيها الأفكار بشكل عشوائي وتبرز التيمات متعددة غير منظمة وتعرف الأحداث والوقائع فيها تصاديا متنوعا وغير متجانس ؛فمن محاولة سرد الأحداث إلى فلسفة الموضوع إلى أمزغته إلى تسيب منواله الفني والثقافي وإلى غير ذلك من تجاوزات الشكل والمضمون.
يدعي الكاتب في أحدى خرجاته،انه انتهج هذا النهج من الكتابة لأنه سبيله للمعرفة الربانية وطريقه لاكتشاف الحقيقة والقرب من الله،كما يدعي ،تحقق له فتح باهر في ذلك، فارتد عن إسلامه لأنه اكتشف الله في المسيح وهو ما كان ليدلنا على هذا الاكتشاف الذي غاب عنا وعن مفكرين وفلاسفة طوال الأزمنة لولا أنه وجد أن الله وابنه المسيح يوجدان أقرب إلينا من حبل الوريد فدلنا عليها وله في ذلك الشكر الكثير ،وطبعا الفضل في ذلك يعود طبعا للكتب التي قراها والمعارف التي درسها وفتحت عينيه على حقيقة لا مراء فيها وهي عدم ثبوت نبوءة محمد صلى الله عليه وسلم، فكتب متوقحا على عقول الأمة عبر تاريخها الواسع العريض في ذلك عدة نصوص" تنويرية" كما يقول لم تخطر على قريحة أحد المفكرين من قبل.
يعتبر الكاتب نفسه كما قال في مقال له "مجرد مستفز للميولات المعرفية وفاضح للإدلوجة المستترة بعباءة الدين والتدين، ومنتقد صمت وكتمان ما يعلمُه هؤلاء الإيديولوجيون من حقائق بخصوص هذه المسألة التي (عالجناها) - كذا- يقول الكاتب بضمير الجمع وصيغة الكبرياء والعلو،" في خمسة مقالات عبر هذا المنبر المتميز" يقصد(هسبريس).
وفي هذا السياق أرى شخصيا أن الكتابة رسالة،ومسؤولية وتعبير عن الواقع والذات وعن الآخر أيضا.. كل ما يعني "الآخر" في حياته كما يقول "جون بول سارتر" ميولاته سيكولوجياه آلامه أحلامه حقوقه الذاتية والموضوعية وضعه في مجتمع يتعايش بمنظومة قيم وأخلاق معينة. لكنني أجد أن ما يكتبه هذا الكاتب خرج عن هذا السياق وكأنه إ، لكنأراد أن يكتب "شيئا ما" فكتبه مساقا بنزعة ما ودوافع معينة،و دون أن يحترم ذكاء قرائه ودون أن يؤسس كتابته على مبدأ المعرفة والعدالة،التي تعتبر شرط الكتابة الأول،وهي أساس رسالة الكاتب،مضى يكشف لنا جهوده في البحث عن الله،ولكن وبكل أسف عندما عثر عليه وجده مصلوبا على خشبة في جبل صهيون فجثي له وطلب منه الغفران.قد تبدو الكتابة سؤالا غريبا يطرح سبيل التعرف على واقع أغر، لكنن حين تغيب الرؤيا الصافية عن الواقع تصبح مجرد تساؤل غير منطقي يحيل على أجوبة غير عقلانية وغير مقنعة.
أما فيما يتعلق بدور المنهج في تحديد نوعية الكتابة التي يكتب بها هذا الكاتب النحرير وخصوصا أنه اختار لها تجنيسا أدبيا معينا وقال "سيرة"،فإن دور النقد الأدبي والسوسيولوجي أن يحرر معنى الفكرة من عقال الاصطلاح العرضي الذي يفرض على المعنى لغة ليست من أصوله مبديا كثيرا من الجهل وعدم المعرفة بأصول الأجناس الأدبية والكتابة،وحينها يجب على الناقد أن يضع تعريفا منهجيا سوسيولوجيا وأدبيا، لنوع الكتابة تلك ويشرح معناها اصطلاحيا،وهذا ما قمت به في التدخل التالي كوني لا أجد غضاضة في التبرم بمضمون الكتابة جملة وتفصيلا وهذا ليس عدلا فحسب ولكن تجاوز وغمط لكتابة لا تستحق أن النشر، فبسبب غياب المعطى الفكري الوجيه الذي لا يأتي بجديد ويقدم نفسا إبداعيا يستحق التنقيب والنبش في خصوصياته ومرفوداته الثقافية،نرفض المحاولة بكاملها. ولكن نقدم درسا لمن يهمه أمر الكتابة ويجد في نفسه قدرة على استيعاب التوجه الديداكتيكي لمزيد من الفهم والتنوير.
الدراسة تمحورت حول الاصطلاح ومعناه الديداكتيكي النقدي لأن كتابا كثرين ينبرون للدفاع عن أطاريح كتابية تحتاج إلى تقنين وتوجيه.كتابات يتلقاها قراء ليست لهم دراية بأصول النقد ومعرفته فيعممون الحكم عليها.أقدمها حبا في قارئ "هسبريس" لا إعجابا بمنتوج ثقافي أقل ما يقال عنه أنه غير ناضج مشتت من الناحية المعرفية ويقع بين نقطة افتراق فكري ومنهجية الكتابة إبداعية يبحث عن طريق التبست معالمه فصعب العثور عليه.
السيرة /المذكرات اليومية/ الرواية / الأطوبيوغرافية:
تعريف منهجي مختصر :
1-1- ما هي السيرة الذاتية ؟
قبل تعريف ماهية السيرة الذاتية نطرح سؤال هل هناك إمكانية تنويع السيرة الذاتية وتشطيرها على مستويات عدة من الناحية التعريفية،كان نقول مثلا سيرتي الذاتية الوظيفية أو سيرتي الذاتية الإيمانية أو سيرتي الذاتية الإنسانية أو ما شابه ذلك ؟
السيرة الذاتية أساسا هي عمل يأتي في خريف التجربة الثقافية أو السياسية أو المهنية بالنسبة للأدباء والمثقفين والباحثين وكبار الشخصيات الحكومية والقادة السياسيون.فهؤلاء يكتبون السيرة الذاتية لمشوارهم في الحياة ينقلون فيها خلاصات متنوعة ومتناقضة لحياتهم الشخصية ومواقفهم وخبايا كانت في طي المجهول باعتبارها أحيانا أسرارا بالغة الأهمية بعضها قد يكون من خصوصيات الدولة والصراعات السياسية والمواقف المتضاربة.كمذكرات المناضل محمد البصري ومذكرات عبد الهادي بوطالب ومذكرات عبد الواحد الراضي المنشورة مؤخرا تحت عنوان "الطريق الثالث" ومذكرات المحجوبي أحرضان وغيرها مما يدخل في باب السيرة الذاتية. وقد تكون هذه السيرة أو المذكرات على قدر من الخصوبة الذهنية والفكرية والنضالية وقد تكون خصوبتها ذات أهمية خاصة بما لشخصياتها من أهمية وقد تكون ذات سياق تاريخ معين فتحمل العديد من المغامرات والمخاطر التي يأبى صاحبها إلا أن يشرك فيها القارئ ليطلعه على جانب مسكوت عنه من تاريخ بلاده ومن خبابا وسلوكيات تلك الشخصيات، ويتم ذلك طبعا في خريف العمر لا في شبابه أو وسطه،والسبب هو أن السيرة الذاتية في ريعان العمر تأتي منقوصة وتتحدث عن فترة زمنية محدودة من تاريخ الراوي يمكن له أن يصنفها مذكرات شخصية أو مقالات لا سيرة ذاتية .وفي هذا السياق لا يليق بكاتب مبتدئ أو بالكاد دخل تجربة الكتابة يبدأ حياته الأدبية بتقديم أحداث واستيهامات عاشها ويعيشها بفردانية مطلقة ينقلها إلى الناس على أساس أنها خلاصة تجربة حياتية وبحث عميق في الميتولوجية والمتافيزيقا والفكر الغيبي يسميها سيرته الذاتية.
وانطلاقا من هذه الفرضية بالذات أسوق للكاتب ملاحظاتي التالية عله يستفيد منها ليست دروسا توجيهية للكاتب ولكن أعتبرها بكل صدق رابط مثاقفة حقيقي لتناول الأعمال التي تنشر على موقع هسبريس باعتباره موقعا يحظى باحترام القارئ المغربي وتقديره، وكي لا تبقى النصوص التي تنشر على صفحاته جامدة تحمل سجية صاحبها حتى يبقى كل من أراد أن يقول شيئا يفرضه على متلقيه في السياق الذي يريده وخصوصا ما تعلق منها بمجال الفكر والكتابة ذات النسق المعرفي،علاوة على أن كل النصوص سواء أدبية أو فكرية أو سياسية أو اقتصادية ، كلها كتابات قابلة للنقد والتشريح والتمحيص وإعادة النظر والإضافات الثقافية والأدبية التي تحرك دينامية الإبداع وحركة التجديد التي ما أحوجنا إليها .؟ واعد نفسي أن أقوم بهذا العمل عل بعض ممن يكتبون يتريثوا قليلا قبل أن يخوضوا تجربة نشر ما يكتبون،وأخلصكم القول أنني اطلعت على كتابات بعض طلبتي في الجامعة تستحق النشر ويتهيب أصحابها من أن يدفعوا بها إلى أتون الطبع.
2-1- نظرة في منهجية النص :
أولا- إن الغرض من هذه النظرة هو تحديد مجموعة من الملاحظات التي تدخل في سياق التعريف بالجنس الأدبي للسيرة الذاتية، وفي نظري هو أيضا تنبيه للكاتب الذي قدم عملا أدبيا وقال عنه بكل تجاوز "سيرة ذاتية"،فوجب نصحه على أنه يجنس عملا "أدبيا" لا يمكن تجنيسه في هذا الباب من الكتابة الأدبية على هذا النحو الذي هو عليه،مما يجعل الناقد حياله وبعد قراءته يبدي قدرا من التحفظ على أن يكون هذا العمل عملا أدبيا صرفا بالأحرى كونه سيرة ذاتية،وبالتالي يصرف نظره عن قراءته .إلا أنني وبفضول أكيد أزعم أن ما قرأته في صحيفة صاحبه المسمى محمد سعيد (شدرات من سيرتي المسيحية)، جعلني أندم على أنني غامرت بوقت ثمين وقضيت برهة أتتبع وهما أبقا بين السطور يدعى "معنى الكتابة"،غير أني لم أجد سوى فراغا وسرابا وتخبطا للكاتب الشاب في منهجية أدبية غير محبوكة تفتقر للعناية المركزة أو الإنعاش الأدبي إذا صح التعبير.أجزم على أن ما ورد في مقالات الكاتب هو مرحلة فقط من مراحل ما قبل الكتابة لا في كونه أدبا أو في سياقه كسيرة ذاتية كما يقول كاتبه.
الدكتور شوقي ضيف في كتابه تاريخ الأدب العربي، يقول إن السيرة الذاتية عمل إبداعي يتطلب كثيرا من الجهد.وضرب مثلا برواية مارسيل بروست "البحث عن الزمن الضائع" التي تبقى في مضمونها العام أوتوبيوغرافية حقيقية. الكاتب مزج ما هو معرفي بما هو ذاتي في سياق كتابي فقد التنسيق والخيط الرابط بينها وحشد أنواعا من المدارس الفكرية والفلسفية وأسماء الأعلام والمصطلحات في عجالة وهو توهيم جزافي مقصود يهدف استجلاب قارئ بعينه ليوهمه أن هناك إلمام ودراية معرفية وإطلاع، في حين تنم إحاطة الكاتب بالثقافة الأدبية والتجنيس والعمق المعرفي عن خصاص كبير في القراءة ومحدودية اكبر في تفاعل (فكره) مع مرفوده المعرفي وحسه النقدي التقويمي ورقابته الداخلية على النص المكتوب كما يقول رولان بارت والدليل تقاطع وتزاحم الأسماء والمثل والمدارس الأدبية والفكرية دون أن يبدي عارضها أي دينامية ونوعية من التقابل مع مضامينها كي يمدنا بعلامات عن قدراته الفكرية على الاستيعاب والفهم والتحوير والتناول.ولعل هذا هو المقصود من البحث في تخصصات السلك الثالث الجامعي.هدفنا أن يستنير الطالب وينير لا أن يحشد كل شيء كحاطب ليل ويدعي أنه قدم طرحا فكريا قابلا للنقاش.
ثانيا - يقول الكاتب الكبير عبد الكريم غلاب في كتابه "فن القول" ، "أن الكاتب عندما يشتغل على الموضوع يكون في كامل حرية اختياره" وله شرح طويل في ذلك بدءا من الشعر إلى الرواية إلى النثر إلى المقامة إلى القصة القصيرة وقصيدة النثر والمقالة والسيرة وما إلى ذلك من أغراض الأدب.وبالتالي فإن حرية الكاتب تناول موضوع ما يختار له مكانته وحجمه فيصبح مسؤولا عن منهجته ورسمه وترسيخ نوعيته الكتابية.
ثالثا- يمكن إطلاق اسم "التداعي السلس للكلام" على ما جاء به (الكاتب) من إنتاج قد يجد له وقعا وموضعا لخصوصية ما.وكأني بالكاتب يريد فقط أن يقول؛: "إن كل ما لدي هو هذا الشرح المبتسر لموقفي وقراراتي من نفسي" وتلك بالطبع خصوصيات ذاتية شملتها إرادته وعزمه في توضيح أسباب انسلاخه عن دين القوم وعقيدتهم وهويتهم،وكأن من وراء ذلك عزمه الأكيد على الدفاع عن قضية "ما" وتوجيه اتهامات لجهة ما يهمها أمر الدين والتدين والهوية والإتنية ،أما الناقد فلا يرى أي داع لكتابة اعترافات لهذا التحول لأنه لا ضير فيه فكثير من المتحولين لا يجدون ضرورة لتفسير مواقفهم وقراراتهم من أنفسهم أمام العالم .والمطلوب متاح حينئذ والقصد هو التعبير عن أفكاره ومواقفه بالمباشر لا إشكال في ذلك،و ليس للناس حاجة ليقضوا معك وقتا ما كي يعرفوا تحولك من عقيدة لأخرى من خلال قصة تحكي حول الذاتي،إنها كتابة على أية حال لكنها فارغة من كل معنى. إن الكتابة الإبداعية في السيرة الذاتية شكلت محور إبداع عند عشرات الكتاب باللغة العربية الذين تباروا هذه السنة عن جائزة البوكر العربية- في دورتها العاشرة.فالقائمة القصيرة ضمت كلا من رواية "السبيليات" للكويتي إسماعيل فهد إسماعيل، و"زرايب العبيد" لليبية نجوى بن شتوان، و"أولاد الغيتو.. اسمي آدم" للبناني إلياس خوري، و"مقتل بائع الكتب" للعراقي سعد محمد رحيم، و"في غرفة العنكبوت" للمصري محمد عبد النبي، و"موت صغير" للسعودي محمد حسن علوان،وفازت بها في دورتها السابقة رواية "مصائر.. كونشرتو الهولوكوست والنكبة" للفلسطيني ربعي المدهون وهذه السنة رواية"موت صغير" للكاتب السعودي محمد حسن علوان.كل الموضوعات التي تم تنقيتها لتتنافس على المرتبة الأولى في هذا الحفل الثقافي الكبير، كانت سيرة ذاتية بامتياز تم تحويرها بذكاء ودراية وإبداع إلى رواية مفتوحة على تعدد القراءات.
رابعا- وهو الأهم كون (الكاتب) ضائع معرفيا ووجدانيا ويتخبط كمن يتخبطه الشيطان من المس وكأنما قذف به إلى عالم غير عالمنا ووجد نفسه وحيدا في فراغ كبير يسيجه، لذا تمر في قراءتك على حشد كبير من الأفكار المستوردة حيث تتزاحم كثير من النظريات والمعارف التي تلتقط بسبق الإصرار والترصد وتراجع عن كثب بآليات ثقافية متواضعة لا قدرة لها على النفاذ إلى أعمق. فالمعلومة الإلكترونية المشاع بين الناس،هي المسؤولة عن تمييع المعرفة حين تعالج بهدف الاستشهار والإشهار،وهي من الأهمية بمكان حين يتم التصرف فيها بمعنى وموضوعية الكيف لا بعشوائية الكم،لأنها تعري صاحبها معرفيا وتفضح ضحالته الثقافية وحصيلته التعليمية وذكاءه حيث أنه بانقلابه من الدين الإسلامي إلى المسيحية يبدو له أنه حقق قفزة فكرية وروحية لا تتصور،فلو تريث قليلا وهو الذي نشد طريق الصلاح والصواب والبحث عن الحقيقة عن طريق المعرفة والحكمة ليقرأ ما كتبه الوجوديون في الفلسفة الإسلامية والتصوف والفلسفة الإلهية التي لم يسبق له أن أشار ولو إلى علم واحد من أعلامها كابن عربي والحلاج والفارابي وابن سبعين وعمر الخيام والرازي وابن سينا وأبي حامد الغزالي وغيرهم .يمكن القول أن الرجل لو أتيحت له قراءة كتب من هذا المعين لأحجم عن التنصر الذي لا فائدة منه إذ كيف يعقل أن يتحول مؤمن عن جماعة من المؤمنين بحثا عن الحقيقة الغائبة ويدخل في جماعة مؤمنين هم أضل سبيلا.يعمد الكاتب المدعي أنه مفكر ويظن انه بانتمائه إلى مجموعة أو جماعة تبحث في جانب من المعرفة أنه صار فريد عصره ووحيد زمانه في الفكر والعلوم، فكثير من الكتاب حين يضعون في ذيل مقالاتهم "عضو المركز الفلاني أو باحث في مركز كذا" يحسبون ذلك قيمة علمية مضافة،في حين أن ذلك وحده يشعر القارئ بانحسار الأفق العلمي والثقافي لهؤلاء ويقلل من شأن الطرح الفكري الذي يزعمونه.ما أكثر المراكز والمعاهد والمجمعات الثقافية والعلمية وما أقل العلم والثقافة والفكر ولإبداع.
خامسا- ، الجهل الذريع بقانون اللعبة،ما دام لكل لعبة قانون، و(الكاتب) صاحب (شدرات من سيرته الذاتية)،جاهل بقانون اللعبة التي يلعبها، ولعلمه،أنها لعبة تشتعل من الداخل ولا تشبه علبة الكبريت التي تحرق أصابع الأطفال، فهي اخطر من ذلك بكثير، فالكتابة التي تنبع من العمق هي الأنقى، أما الزبد فيذهب جفاء الريح وتشطب عليه الأيام بسرعة.فما أكثر الذين بدءوا ثم انتابهم الصمت المخرس حين أيقنوا أن ما يكتبون لا يساوي قيمة الحبر الذي نزل به.
لا يصير الكاتب كاتبا حين يتسلق شجرة الاختلاف ويجاهر على الملء بكفره وجحوده لمبادئ وعلاقات عشائرية كانت تجمعه مع قومه ويفقد احترامه أو يتقمص قضية وهمية اختلقتها الظرفيات السياسية والإقليمية ولا يدري ما يصنع بها التاريخ في مستقبلها القريب أو البعيد،فنشأة القضايا المزيفة ترتكز إلى الحاجة الإستراتيجية لها وحسابات السياسوي وأهداف القادة ،وحين تتغير خريطة المصالح النفعية وتتغير الحسابات، تنتهي بأسرع مما بدأت....ما أكبر الكتابة التي تتشبع بالحس الفكري الأوقيانوسي على حد تعبير سيف الرحبي ، لتدون تاريخ المبادئ الإنسانية الكبرى وما أدومها.
سادسا- ،(شذرات من سيرتي الذاتية) هي "كتابة ذاتية" بامتياز ولعل صاحبها يظن أن هذه من عندياتي لأنه يجهل نظرية التصنيف الإجناسي للأدب، (بارت وكوهن وسورل وهايدغر)ولن ادخل في موضوع نشأة النوع الأدبي في الفكر الغربي، لأنه عمل النقد الأدبي ووظيفته.نجده عند كل من سيمون دو بوفوار وسارت وبارت وجاك دريدا الذي أشار إليه الكاتب عرضا على أنه تفكيكي الكل يعلم مآل المدرسة التفكيكية لجاك دريدا فأورد المصطلح جزافا لأن دريدا اشتهر عليه التفكيك وكثيرون لا يتفحصون الجانب الجمالي في كتاباته،ولو قلت له هل قرأت"درجة الصفر في الكتابة"؟ يكون كاذبا إدا أجاب بنعم لأن هذا الكتاب وحده كفيل بتفسير المعنى المتشظي المفكك داخل النص وتحديث مكنون الكتابة التي تنام بين الملفوظ والمكتوب وما يبقى ثاويا في غور الذات المبدعة التي لا تستطيع كاتب رسم كل ما بداخلها على الورق خصوصا في الفصل الذي يتناول فيه تجربة الكاتب الفرنسي البوهيمي "جون جونيه". القراءة الجيدة لكتاب "رولان بارت" "الأدب والحقيقة" تستطيع أن تجنب المبدع / الكاتب/ الروائي / الحاكي كل الأخطاء المنهجية التي يمكن أن يسقط فيها وهو يصنف أدبه/كتابته وتسوقه منحنياته القصيرة إلى دروب الإبداع بموضوعات هادفة وصلبة.
نحن هنا بصدد مذكرات يومية تصدر تحت عنوان "سيرة ذاتية" إن حمولة الفكر تترجمها القراءات وكل الذي استسهل خطاب اللغة وقدم شيئا ما، سرعان ما يحوله شيئه إلى لاشيء،هذا إذا لم يتشيئ في كتابته كما يقول تروتسكي. ماذا يريد أن يقول كاتب من خلال سرده "مجموعة من الأحداث" لا رابط بينها وهو يحدد صنف كتابته في "السيرة الذاتية" ؟ حين يلج القارئ أو الناقد هذا النوع من النصوص يجد أنها تختلف تماما عن قواعد السيرة الذاتية وان صاحبها سماها كذلك لجهله المطبق بتاريخ نشأة النوع الأدبي في العالم العربي وهو يخلط بين الاعترافات الدينية والكشف عن الذات والمذكرات. فالسيرة الذاتية هي كشف عن العصر من خلال الذات وليس تعرية الذات حد الصلف المقيت وتقديم خوائها في وعاء فارغ.
- سادسا، التعلم ليس عيبا بل فصيلة والتجريب ليس خطيئة بل مزية، المرفوض هو المغامرة غير المحسوبة النتائج والصلف، لو أن الكاتب تريث في نشر مذكراته تلك وعرض بعضا منها على ناقد متمرس وقدم له النصائح لكان أفضل له من حرق أوراقه على مذبح التسرع من أجل الشهرة ولأقترب أكثر من المدارس الأدبية التي تصقل موهبته وتعرف عن قرب على المدارس النقدية الغربية التي اكتسحت مجال النقد العربي بوصفها ثقافة كونية ؛ كوجودية مارتن هيذعر وجان بول سارتر وتوليدية لاكان وبياجي في اللغة وبنيوية بارت وتفكيكية ديريدا وتبئيرية سورل وشاعرية كوهن وحداثة فرجينيا وولف وسواهم وكلها مدارس نقدية تكاملت في المنهج النقدي الشمولي.
3-1- مرجعيات السرد والأطوبيوغرافية في الأدب العربي :
نشأ في العالم العربي منذ ثلاثينات وأربعبينات القرن الماضي نوع من الكتابة السردية له جذور في التراث العربي انطلاقا من حكايات الرحلة والمغامرة والرواية والسيرة الذاتية التي يلعب فيها ضمير المتكلم الدور الأساسي في سرد الحدث، فخرج ما يمكن تسميته بالإرهاصات الأولى للرواية العربية ذات الطابع السردي الذاتي ومنها رواية "زينب" للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل.وتعتبر جزءا من التاريخ الشخصي لكتابها.بعض الكتاب يرفضون الخلط بين إبداعاتهم في الرواية وسيرتهم الذاتية ويتذرعون بكون الكتابة جزء من شخصية الكاتب لا بد أن ينخرط في تسجيلية متواترة لأوطوبيوغرافية تفرضها الذات المرسلة دون أن يكون لذلك إرادة ذاتية منه. فما زلت أذكر حين قرأت روايةّ "زمن الأخطاء" للكاتب العالمي الكبير محمد شكري رحمه الله بمحضره بنادي الثقافة بالعرائش، من تنظيم "جمعية البحث حول تاريخ بلاد الهبط" التي كان يرأسها الأستاذ المبرز محمد اللعبي ومجموعة من رفاق الدرب هناك كالدكتور عبد المالك السلوي والدكتور عبد العزيز أشهبار والدكتور محمد بن عبود وعدد من الأساتذة ممن لم أذكر ،وقدمت تحليلا في موضوع الرواية وأشرت إلى الجانب الأتوبيوغرافي في رواية"زمن الخطاء"، وان الأوتوبيوغرافية حتمية الراوي ومحور متنها الأدبي مهما حاول الكاتب الهروب من ذلك،قال لي محمد شكري رحمه الله "يا أستاذ ،إن العمل الروائي وإن شابته خاصية الأديب لا يمكن أن يكون سيرة ذاتية.".رحم الله شكري لقد كان صائبا ولكن منهجية النقد المتكامل عبرت عن قصور النظرية التي لم تقدم فصلا تاما بين سلطة الراوي وسيرته الخاصة،فكان التعبير بالرواية والحكي المجتنب لضمير المتكلم احتراما وتهيبا للدخول في زمن السيرة الذاتية لأنها أكبر من أن يقتحمها مقتحم كيفما اتفق.؟
هناك طفرة بالفعل نقلت كثيرا من ثقافات العالم إلى الحداثة الأدبية وكان للسيرة الذاتية نصيبا منها وجانبا من جوانبها في تمحيص إبداع كبار الكتاب العالميين من خلال دمج السيرة في الإبداع الأدبي وفي الرواية والقصة والشعر،دون الاقتصار على السيرة الذاتية الخطية التعاقبية المنمطة في سياق التطور الزمني لمراحل حياة الكاتب /الراوي/ الشخصية الثقافية والاجتماعية أو السياسية التي تتشظى ذاتيا على صفحات الورق، وتنتج المواقف من خلال شخوصها وأبطالها الافتراضيين. فهي فعلا كتابة الذات المتفجرة بين أساليب الشفهية وتداخل النوع الأدبي.تقول فرحينيا وولف "تحمل الرواية من كاتبها كل شيء؛ تعدد الشخوص وتلون الظلال وتغير اللوحات الطبيعية وتناقض الواقع يبهج العمل السردي ،وذلك كله يساعد الكاتب على تحجيم وقاحته وتسريبها إلى القارئ بكل سلاسة". "سورل" يوضح قائلا :"تتعدد شخوص العمل السردي ضمن الرواية لكنها تتمثل بشخصية واحدة محورية هي كل العمل في حجم المعاناة الإبداعية وهي معطى مركزي في كتابة السيرة الذاتية من خلال الرواية". نعثر على هذه الخاصية في كتاب "بحثا عن الزمن الضائع" "لبروست" كما نجدها أيضا في كتاب "في الطفولة " لعبد المجيد بن جلون وفي رواية "قنديل أم هاشم" ليحي حقي. في الآداب العالمي نسترشد ب"البحث عن الزمن الضائع" لبروست و"الطفولة" "لنتالي ساروت".فالنظرية النقدية في علم الأدب تقول إنه لا يمكن فصل الذات المبدعة عن شخوصها ولا عن الأحداث التي تؤثث عالم الشخوص.الناقد الفرنسي "فيليب لوجون" يقول:"إن السيرة الذاتية هي هذا القص الاستيعادي الذي تقدمه شخصية واقعية عن حياتها عندما تركز على حياتها الخاصة ولا سيما على تاريخ نمو سماتها الشخصية. نص "السيرة الذاتية"في مجمله يبدو حسب قول" لوجون" أنه يستدعي تفكيكا ما ،فالسيرة الذاتية هي شكل الكتابة المتشظية في أصوات مرادفة لصوت الراوي،أصوات تعارض المتحدث المركزي في المروي الحكائي.وضع لوجون نقطتين اساسيتين للتعريف بذاك:
- التماثل بين المؤلف والراوي والشخصية الأساسية للنص،
- البعد المرجعي لسرديات السيرة الذاتية.
القواعد العلمية التي ارتكز عليها الأدب جاءت من تفصيل ميكانيزمات النقد في مشروع الكتابة ولا يمكن الخروج عنها من حيث السياق أو تصنيف نوعها وجنسها على الهوى والتلقائية، كقول صاحبنا"شدرات من سيرتي الذاتية" في حين تم توضيح جنس المنتوج الثقافي لديه ونوعه كما سبق.
أكيد أن الكتابة تعاقد بين الكاتب ومرجعياته الكتابية،فالسيرة الذاتية في الأساس تسير في زمن سوي وممتد وتعاقبي كما قال لوجون.ونجد أمثلة ساطعة في الأدب العربي لكل ذلك أتمنى من الكاتب أن ينكب عليها ليقرأ ما ينفعه عند كل من شوق ضيف ومحمود أمين العالم ومحمد أنور الجندي وبطرس غالي في كتابه"أقواس الهزيمة" من أروع ما كتب في الأدب المصري الملتزم،وعدد من النقاد المغاربة كنجيب العوفي ونورالدين صدوق وغيرهم من الكتاب المغاربة الذين يبدعون ويبحثون في صمت ودون بهرجة متعاملين مع الفكر والإبداع بالتواضع اللائق الذي يجب التعامل به.
السيرة الذاتية كما وصفها "مارسيل بروست" في مقدمة كتابه "بحثا عن الزمن الضائع "قائلا "إنها منتوج ذهني لا يتحرك في خط التعبير السردي المنعرج كما هو الشأن بالنسبة للرواية. تهيب "بروست" من أن يتهم بكتابة السيرة الذاتية،جعله يعنون كتابه بالعنوان التالي :"بحث عن الزمن الضائع" كان رواية من معين حياة الكاتب وحمل أفكاره وقلقه الأنطولوجي ولم يتقيد بحي ما حدث له بل وسع الفكرة لتشمل عمق ثقافة المرحلة التي جاءت لتحتج على العصر وتقدم وشهادة ضده وليست حكي ذاتي مفضوح يتعرى على القارئ ويتوقح عليه.
زمن الحكي الغاضب ضد إكراهات المرحلة يكتب من مقلة الحزن والغضب.السيرة الذاتية لفدوى طوفان يمكن العثور على الزمن المتشظي الذي يمزق تماسك الفكر وانسجام الروح وفقدان الهوية والمكان.في "حملة تفتيش" للكاتبة المصرية لطيفة الزيات،إدانة صريحة لزمن الصمت في المرحلة الساداتية انبرى الجميع نحو الانفتاح وتجمدت الجماهيرية فجاء كتابها "حملة تفتيش"،وهي سيرة ذاتية بلبوس روائي، لتتحدث عن ضمور المرحلة وتمزقات الوعي السياسي والتخوين والرفض والرفض المضاد. عند فكري الخولي ولطيفة الزيات ومريد البرغوتي زمن متشظي واحد هو زمن المنفى.في "حريق الأخيلة" عند إدوارد الخراط،سيرة ذاتية تقديم شهادة ضد العصر وتتصدي لزمن مثقفي الأربعينات في المجتمع المصري وبالخصوص في مدينة الإسكندرية التي كتب عنها إدوارد الخراط كل شيء.في روايته "المعلم" بتشديد العين توضيح لأن الكاتب لم يقرأها يوما لكاتبها عبد الكريم غلاب ، تأتي السيرة الذاتية مشفوعة بالحكي ووثيرة السرد الاستيعادي لتحكي سيرة الطفولة ومراحلها صعبة قطعها الكاتب ليصنع شيئا.ذكرني هذا في كتاب"ألفونس ضوضي" " الشيء الصغير" وهو سيرة حدافيرية مفصلة لحياة الكاتب.لا عيب أن تتماثل السيرة الذاتية في الحكي والروائية وتشعرنا أن المرويات في المثن المحكي حقائق واقعية.
خلاصة عامة:
فقد يبدو أن تناول الكتابة من وجهة نظر فلسفية ودينية تعرف طالب العلم عن القواعد العامة لتلقي المعرفة وتدمجه في مكان وزمان المعرفة ولكن في حالة "الكاتب المبتدئ" الذي قدم للقراء ما سماه "سلسلة من كتاباته" تحت عنوان "شدرات من سيرتي المسيحية "، لم تقم الكتابة لديه سوى بكشف مضمون الخواء الفكري والعقدي الذي هيمن على تجربته وحوله عن المجال الاجتماعي العام الذي يعيش فيه ليتفاعل معه فكريا، إلى عالم ميتافيزيقي مشبع بالرؤى والخيالات والخرافة الدينية المسيحية،إذ ما جدوى الكتابة عن الذات والأحاسيس والفلسفة الوجودية والتفقه في التيولوجيات في غياب تام عن معاناة المجتمع الذي يعيش فيه الكاتب والذي يعج بالقهر والتسلط والاستعباد والفساد والموت المقصود الذي يعانيه أطفال وأمهات مجتمعه بسائر طوائفه المجتمعية.ما جدوى سيرتك الذاتية التمسيحية المسيحية التي تعرف الناس على تحولك من عقيدة أفضل إلى عقيدة أضل، من واقع إيماني غامض في بعض جوانبه،إلى واقع إيماني وثني وميتافيزيقي ومضحك،لأنني أراك قد غيرت طريقك من المسجد حيث تقف وجها لوجه مع ربك إلى كنيسة لا يسمح لك فيها بعبور طريق الألوهة قبل أن تجثو راكعا أمام بشري مدنس يمسح الذنوب عن رأسك ويعطيك أيقونة السيدة العذراء وشارة المصلوب لتقبلهما ثم تقوم لتقف في الصف استعدادا لتريد الصلوات.أهذا هو اكتشافك الفكري العميق الذي قضيت فيه ردحا من الوقت وأنت تقلب أوراقه ذات اليمين وذات اليسار وغارق بين كتبك ومجلداتك التي يعلوها التراب كما قال "هايني" بطل رواية "فاوست" لكاتبها الكبير "جوته" ترجم منها الكابت المصري الكبير توفيق الحكيم جزء تحت عنوان "عهد الشيطان".لو كتبت لنا مقالا حول الوضعية المزرية التي يعيشها بنو جلدتك في الأطلس الصغير والكبير والمتوسط والريف وبنو قومك في السهول والهضاب والبحار وجردت معاناتهم مع الطقس اليومي لسطوة الفقر والحاجة والامتهان الذي يعيشونه من كل نوع وخبرتنا بقصة صغيرة هادفة عن الحامل التي تلد على ظهر دابة تقطع بها طريقا وعرا وخطيرا لتصل بعد نصف يوم من المشي الحثيث إلى حافة طريق معبد تمر منه العربات ذات المحرك، علها تصل حية إلى مستشفى قريب، أو نقلت لنا كيف يتدبر أهل القرى البعيدة قوت يومهم وكيف يعيشون بدون ماء وكيف يبحثون عنه في المسافات البعيدة،لو كتبت قصة جميلة أسمها "أديا" خالية من الإيديولوجية والتعصب والمزايدة السياسية لكان ذلك أجمل ما كتبت في حياتك، ومثيلات "أديا" تستنسخ الأحداث مصيرهن ومصيرهم كل يوم على الطرقات وفي المستشفيات التي غادرها الشفاء وضمير الطبيب وحدب الممرضة وإنسانية الممرض وهيمن عليها عنفوان الإداري وقسوته وموت ضميره واختفت منها الأمصال والأدوية والحقن والضمادات وخيط العمليات الجراحية،لو انك التفت يمينا ويسار لوجدت في كل التفاصيل التي يوجد فيها هذا الوطن حزن دفين وحكرة وشماتة الشامتين الذين يتمرغون يمينا وشمالا في نعيم أهله . لو انك جئت بكلام بعيد عن السماء لأن الأرض والإنسان ورحلة العذاب التي يعاني منها الإنسان في هذا الوطن كل إنسان،هي أقرب إليك من حبل الوريد وأسهل وأبسط في التعبير والتحوير والمعنى،ولكان ذلك أفيد من أسئلتك الميتافيزيقية التي لن تجدد لها جوابا ولن تعرف لها سبيلا. لقد شغل الله به العالم وقلوب الحيارى من عباده وجعل بعضها تحترق من فرط الوجد وبعضها في حركة ظلم الجهل تعاني عذاب الأسئلة وحرقة المعرفة وسطوة الجهل والله قائم في عليائه يضحك من الجاهلين الذين يبحثون عنه في نصوص الكتب السماوية وفي فكر الفلاسفة والمتفيهقين من كهنة الدين والمفسرين الجهلة وال
كيف أمكنك معرفة الله وأنت لم تعرف حتى حقيقة نفسك أولا،ألم يقل سقراط"اعرف نفسك أولا".إن تعرفك عن الله ووصولك إلى الحقيقية المبهرة حرف عقيدتك وغشك ولبس عليك.لقد أنزلت الله من عليائه ليجلس إلى جوارك تحت ناقوس الكنيسة وأنت جاث تحت ركبة القسيس تعترف وتطلب الرحمة والغفران والرهبان حولك يتلون تسابيح من "كتابك المقدس" الذي اخترت أنه أفضل الكتب بدليل كشفه حقيقة زيف الرسالة المحمدية
إن شرط الكتابة في كل زمان وكل مكان أن لا نرفع التحدي من أجل الدفاع عن قضية جزئية في كيان متعدد النوع ونعتبرها قضية لدرجة يبلغ فيها العناد إلى التحول عن العقيدة والملة والدين الأصل والتنكر لجمعانية كيان الأمة والبحث عن بدائل غاية في البلادة من أجل أن يقال أن فلان اختلف.؟ ولعل هذا هو السبب في التحدي الذي رفعه (الكاتب) ليتحول عن عقيدته إلى معتقد غيرها بمبررات النبش في عمق هويته التاريخية التي يدافع عنها، مما جعل منسوب الأفكار التي أدرجها تتزاحم في حيز ضيق من ذاكرته الثقافية المحدودة.
من منطلق الإيمان بحرية الرأي وحرية اختيار العقيدة والدين لا أرى في ذلك أي مانع وليس هناك ما يحول بين المرء –في نظري –وبين حقه في أن يقلب عقيدته وإيمانه كما يشاء،ولا أن يفلسف مشاعره الوجودية كيف شاء، فالرسالات السماوية كثيرة والأديان أكثر وبدائلها موجود على الأرض وليست المسيحية هي الخيار الوحيد،فهناك اليهودية وهي أكثر منها تطورا وأكثر عقلانية وأفضل شريعة وهناك غيرها من الأديان غير السماوية ومنها ما هو أفضل من المسيحية وأكثر عمقا وفكرا،ولا أجد فرقا بين من يجثو في صلاته ومن يركع ومن يسجد ومن يصيح في الخلاء مثل الهوام ولا من يرفع يديه نحو السماء ويتمتم،فكلهم عباد رب العالمين و"الله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.