ولكني سأغادر... لأفرغ كل المكان... لأخلي كل الزمان... مما يصدر عني... مما ليس مرغوبا فيه... مما لا يحتمل... من دهاقنة أشكال النفاق... إنني لا أحمل نفسي مالا تحتمل... رغبة في أن تصير حرة... ولا أحمل الغير ما لا يحتمل... رغبة في أن يعيش حريته... *** فما لهذا الشعور يضايقني... يؤزم نفسي كلما باغتني... يفقدني حريتي... وأصير مستعبدا... لا أملك أية قدرة... على تحرير نفسي... من بؤس الخوف... من مضايقة غيري... فما أكتبه... لا أدرك أني... بكتابته أضايق غيري... وما أرصده من خلال الكتابات... أراه ضرورة... لتوضيح الرؤى... لا للنيل من الغير... ممن لا يتصف... بما أرصده... وما أتمناه... أن يصير من يتصف... بما أرصده... ممارسا لنقد ذاته... حتى يتراجع... عن انتهازيته... عن السلوكات البئيسة... ليصير إنسانا يتنزه... على فعل مالا يقبل فعله... في واقعنا... في واقع الشعب البئيس... اليتأذى من سلوكات الأفراد... من تدمير الذات بالسلوكات البئيسة... *** وإن كنت أحلم... بما لم أقله بعد... فأنا لا أتوقف عن القول... حتى أخرج... كل ما أفكر فيه... كل ما لم أقله بعد... لأبرئ فكري... لأبرئ قولي... لأبرئ نفسي... من الصمت الرهيب... اليعتبر... مؤامرة في حق الشعب... سلوكا فيه خيانة... لمعاناة العمال في كل المعامل... في كل المناجم... في كل المزارع... الينتجون الخيرات بدون حقوق... الساهمون في تكديس الثروات... في جيوب المترفين... اليشتغلون من أجل العيش الكريم... اللا يتحقق... *** وأنا لا أستطيع... خيانة الشعب العزيز... خيانة كل العمال الأجراء... خيانة باقي الكادحين... خيانة معنى الإنسان... مما يلزمني بالاستمرار... في احتضان الشعب / العمال / الأجراء... في احتضان الإنسان... في احتضان نفسي... حتى لا أتناقض... مع معنى الإنسان... مع معنى التضحية... *** وأنا حين أغادر... لا أغادر نفسي... سأبقى حبيسا في فكرتي... لا أغادرها... إلى حيث شاء من يهوى السكوت... من يهوى تكسير القلم... من يهوى تقطيع الورق... من يهوى تعطيل الحواسيب... حتى لا ينفضح... حتى لا تصير ممارسته منتقدة... حتى لا يصير مثالا للفساد... *** فها أنت يا وطني... التعلمني الصدق حين أحبك... وحين أعشق منك الإباء... يريدون مني الكلام... لا يعبأون بما أقوله... لا يدركون أن الكلام... تعبير عن واقع... صار منه الفساد جزءا... والفساد ملتصق بكل السلوكات... بمجرى العلاقات البئيسة... بكل الكلام المنمق... اليراود فكر النفاق المروج... في واقعنا... وفي كل المجالات الندية... وأنا يا وطني... لا أتمالك نفسي... لا استطيع إنتاج النفاق... لا أستطيع تدبيج كلام النفاق... لا أستطيع بناء قصور النفاق... لان النفاق كلام معسول... والكلام المعسول مسموم... وما كان مسموما... يقتل مستهلكه... *** فلماذا يا وطني تبيح النفاق؟... تجعله لنهب الثروات وسيلة؟... لتكديس المنهوب منها فضيلة؟... لتحويل الناهبين إلى عملاء... للحاكمين في كل أرجاء الوطن؟... للرأسمال في كل العالم؟... لإنتاج التخلف فيك يا وطني؟... وفي كل العالم؟... لإبقاء الشعب فقيرا؟... لتعميق واقع الفقراء؟... لإذلال الكادحين فيك؟... لتشغيل العمال بدون حقوق؟... لتحقيق المزيد من الثروات؟... لتصير الثروات أكواما؟... من عقاراتك يا وطني؟... أموالا بدون حساب... لا يعادلها إلا تعميق البؤس الرديء؟... إلا تعميق فقر الكادحين... اللا ملاذ لهم... إلاك يا وطني... فهل نتقدم؟... وهل نتخلف؟... ونحن نعاني... من البؤس... من جوع الفقراء... من انتشار المراض بدون علاج... في صفوف الفقراء... من انتشار العطالة... بين الخريجين من كل المدارس... من الجامعات... ودولتنا / حكومتنا... لا تعير الأمر اهتماما... تزيد الطين بلة... ترفع كل الأسعار... تقتل فينا الإرادة... لحفظ كرامتنا... تدفعنا... إلى الارتماء في أحضان التخلف... *** فهل تقبل مني... أن لا أتكلم؟... يا وطني... أن لا افضح عمق النفاق؟... أن لا أجعل من يقرأني... يتساءل؟... لماذا صار النفاق وسيلة... لتكديس الثروات؟... *** محمد الحنفي *** ابن جرير في 20 / 05 / 2015