حين تكتب المرأة، فإن لهمسها رجع الصراخ وسط العتمة. وهي تمسك بخيوط الحروف بتؤدة، تبدو كمن يمسك بمفك برغي يكتشف أسرار ماكينة الحياة، بتناقضاتها وأوجاعها، يأسها .. بعشق الروح والجسد وعبثية الأقدار لتعيد صياغة الواقع من جديد، تشذب أغصانه النافرة كي تبدو الحياة أقل بشاعة، وأكثر ظلا مما نعيشه. حين تكتب المرأة، تأخذ الأشياء مكانها، يصبح الفرح مثل بالونات ملونة تطير في السماء، يستعيد الألم حدته، ويخرج الحزن من حدقة الحرف.. ينتصب الصدق وينحني الزيف والنفاق. وهي في سعيها الحثيث الى الإمساك بشيفرة هذا العالم الضاج بالنفاق، لا تني تواجه بسيل من الاتهامات والإسقاطات، لعل بداياتها كانت مع التشكيك في قدرتها على الابداع الشفيف الذي تبدو منه عورة المجتمع، فانبرى وقتها من ينسب كتاباتها الى رجل خفي ( نازك الملائكة، نظيرة زين الدين، فدوى طوقان، أحلام مستغانمي...)، فوجدنا كثيرا من الأديبات يكتبن تحت أسماء مستعارة خوفا من المواجهة الصريحة مع المجتمع الذكوري. حين تكتب المرأة، تكتب بلا عقد... متحررة من الخوف مثل فراشة يجذبها ضوء هارب فتمسك به سعيدة بالاحتراق. وحين تحكم قبضتها على الواقع، تسقط كل أوراق التوت التي تخفي المستور، تبدو البشاعة أقرب الى جرح غائر ينز مع كل قطرة مداد. وحين تقترب من الأنثى داخلها، يقف الرجل عاريا تحت جلد ميت يخفي جبروته ...تبدو مثل لبؤة جامحة من عرين أسود، مثل جسد ناشز من سرير التقاليد، كطائر يحلق بجناحين من ورق. ولأن جسدها ملكية مشتركة وإرث على الشياع، فإن اقترابها من أسراره وفك ألغازه على الملأ، جر عليها انتقادات وأحكاما أخلاقية من طرف القارئ والنقاد («ذاكرة جسد» لأحلام مستغانمي، «برهان العسل» لسلوى النعيمي، « المرأة والجنس» نوال السعداوي...). فالقارئ العادي تحركه الرغبة في التلصص والاثارة، وقد يعيد قراءة نصوص كتبتها المرأة أكثر من مرة ليتصيد ما قد يعتبره هفوة أفلتت من عقال الرقابة الذاتية للكاتبة، ليخرج صك الإدانة منطلقا من حكم مسبق بأن كل عمل أدبي للمرأة هو خلاصة تجربة شخصية. أما النقاد فإنه من غير المقبول منهم إطلاق أحكام قيمة على إبداع المرأة بمنطق محاكم التفتيش أو عزله عن السياق الأدبي العام وتصنيفه. بالمقابل، على المرأة المبدعة أن تتخلص من هاجس المتلقي، وألا تنتبه الى الضجيج الخارجي حول ماهية أدبها. عليها أن تخصي ذكورية اللغة لتكتب بملء حريتها وتنخرط في عملية الكتابة بلا عقد .