منذ تولي عبد المجيد تبون الرئاسة في الجزائر، يُلاحظ الاستعمال السياسي المُبالغ فيه لقضية الصحراء المغربية. لجأ تبون إلى ذلك منذ حملته الانتخابية للرئاسة، وفي يوم تنصيبه رئيسا للجزائر، ثم في جل خرجاته الإعلامية والسياسية والمؤسساتية بعد ذلك، وآخرها تصريحاته في لقاء مع قيادة الجيش الجزائري السبت الماضي، ولا يبدو أنه سيتوقف عن ذلك خلال المرحلة المقبلة، فالرجل يبدو أن لديه استعدادا قبليا ولاشعوريا لعدم الاعتراف بالواقع والحقائق كما هي في الجغرافيا والتاريخ، أو بلغة علماء النفس، يبدو الرجل مصابا بمرض (خلل نفسي) إنكار الواقع. كان سيغموند فرويد أول من توقف عند مرض (خلل نفسي) إنكار الواقع، باعتباره إحدى الآليات الدفاعية التي يستعملها العقل الباطن للإنسان من أجل تلافي الشعور بالقلق أو التوتر، بغرض حماية الذات من التهديد، فيقوم المصاب بإنكار الحقائق أو بتغييرها أو التلاعب بها، قصد التخلص من القلق والتوتر الناتج عن مشكلة ما، بدل التخلص من المشكلة ذاتها. يلجأ الشخص إلى مثل هذه الآليات، في الغالب، لأنه يجد صعوبة في تحمّل متطلبات موقف ما، أو بسبب عدم قدرته على التكيف ومسايرة تحول معين، فيلجأ إلى آلية الإنكار. ويمكننا أن نلاحظ هذه الظاهرة بشكل أوضح في ميدان السياسة، خصوصا في صفوف أنصار الأنظمة المستبدة، فهؤلاء الأنصار يلجؤون بشكل مكثف إلى الإنكار باعتباره آلية دفاعية نفسية للتعايش مع واقع الاستبداد ومساوئه، حتى لا يضطرهم العقل الواعي إلى التحول إلى معارضين لتلك الأنظمة. من يتتبع تصريحات القيادة الجديدة في الجزائر، يُمكن أن يستنتج الأمر نفسه، فالرئيس الجزائري لايزال وحده (إضافة إلى قيادة البوليساريو) الذي يقول إن حل الصحراء يكمن في الاستفتاء، ولو عاد إلى التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة، لما وجد ذكرا لهذه الكلمة ولو مرة واحدة. وربما يحتاج إلى من يقول له إن تقارير الأمين العام وقرارات مجلس الأمن في السنوات الأخيرة لم تعد تستعمل خيار الاستفتاء إلا عرضا، وأحيانا لا تشير إليه، بعدما حصلت لديها قناعة أن الاستفتاء غير ممكن، وأن الحل الوحيد هو الحل السياسي المتوافق عليه. لكن الجزائر لا تريد الاعتراف بهزيمتها على الأرض، وفي رحاب الدبلوماسية، وتصر على تكرار أسطوانة مشروخة عفّى عليها الزمن، تدرك جيدا أنها لن تأتي بأي شيء، لا للجزائر ولا لجبهة البوليساريو ولا للمنطقة وشعوبها. المُلاحظ أن إصرار القيادة الجزائرية على إنكار مثل هذه الحقائق يرتفع منسوبه كلما تلقت هزيمة جديدة يصعب عليها تقبلها، فتلجأ، من شدة الوجع والألم والقلق، إلى التهجم باستعمال عبارات وحجج متهافتة، لا أساس لها في الواقع أو في القانون الدولي، بل مجرد آلية دفاعية تخفي بها الحقائق وتتلاعب بها. وإلا كيف يمكن فهم تهجم الرئيس تبون على المغرب في الوقت الذي اتهمت فيه قيادة البوليساريو الأمين العام للأمم المتحدة بالكذب، بحجة أن تقريره الأخير «لا يعكس الواقع» في نظر قيادتي الجزائر والبوليساريو؟ بل كيف يمكن مصابين بمرض إنكار الواقع أن يتهموا الأممالمتحدة بأن تقريرها لا يعكس الواقع؟ إنها حلقة مفرغة. يمكننا أن نلاحظ، في هذا السياق أيضا، أن تصريحات تبون الأخيرة تتساوق مع ما أوردته مجلة «الجيش» الجزائري -وهي مجلة تغرف من لغة دعائية قديمة أكل عليها الدهر وشرب- التي خصصت ملفين لقضية الصحراء المغربية في ظرف شهرين، يندرجان في الدفاع عن الموقف العدائي للجيش الجزائري من الوحدة الترابية للمغرب، حيث يبدو كأن هناك تنافسا بين الطرفين؛ الرئاسة والجيش، حول من يستغل ورقة الصحراء والمغرب أكثر من الآخر لصرف انتباه الجزائريين عن تفاقم مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. إن قيادة جزائرية مثل هذه يمكن أن تشكل عامل عدم استقرار في المنطقة، خصوصا أن الجزائر مقبلة على اعتماد دستور جديد يسمح للجيش الجزائري بالتدخل خارج حدود بلاده، في الوقت الذي تشجع قيادة البوليساريو على اختلاق مناوشات في معبر الكركرات على الحدود بين المغرب وموريتانيا، قصد التشكيك في قناعة المجتمع الدولي بخصوص الوضع الهادئ والمستقر في الصحراء، كما عبر عنها التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة، وهي الحقيقة التي قد تدفع الجزائر والبوليساريو إلى ارتكاب حماقات صغيرة قد تستعينان بها للاستمرار في سياسة الإنكار فترة أخرى.