كيف عشت تجربة الإصابة بمرض "كوفيد 19′′؟ كانت التجربة عبارة عن جحيم.. بعدما تأكدت إصابتي من طرف السلطات الصحية بمدينة فاس، جرى إخباري أن المكلفين سيصلون إلى بيتي من أجل توفير البروتوكول العلاجي، خاصة وأني مصاب ولا يجب أن أغادر بيتي وأن ألتزم بالحجر المنزلي، وهو ما كان، لكن للأسف لم تكن هناك لا متابعة ولا شيء، بل جرى إهمالي بشكل مطلق من طرف مصالح وزارة الصحة حتى مرت 9 أيام، ما اضطرني إلى كتابة تدوينة على الفايسبوك أحكي فيها تفاصيل ما حدث معي من معاناة وإهمال وفقدان البوصلة للمسؤولين الجهويين في قطاع الصحة، وبعد التدوينة المذكورة تواصل معي عدد من المواطنين والأسر الذين تشكوا من المعاناة عينها بخصوص عدم توفير المتابعة والدواء، والأخطر من ذلك هو إهمال تطويق المخالطين للشخص المصاب كي لا تنتقل العدوى وهو ما لم تقم به المصالح المختصة، أيضا كانت الإصابات خلال تلك الفترة على مستوى الأطر الطبية في الجهة ممن يشكون الشيء عينه وأكثر، رغم نقط الضوء الكثيرة في مواجهة الجائحة. في تلك الفترة من الإصابة، ما هي الأعراض التي صاحبتك؟ وقتها بدأت المعانات الكبيرة، فالمصاب بالفيروس التاجي يكون غير قادر على التحكم في جسمه بالشكل العادي، ويفقد حاستي الشم والذوق، إضافة إلى ارتفاع الحرارة وحرمانه من النوم، ثم يكون معرضا لعملية التفريغ طيلة الوقت، كانت الأعراض منهكة جدا، خاصة عندما يضيق صدرك ويكون من الصعب سحب الأوكسجين والتنفس، وهذا ما حدث معي عندما تطورت حالتي بسبب الإهمال، إذ جرى نقلي إلى إحدى المصحات الخاصة من أجل الاستفادة من البروتوكول العلاجي الذي لم أخضع له طيلة الأيام الماضية، وأيضا لأحظى بالعناية الصحية اللازمة. انتقلت إذن من العلاج المنزلي إلى العلاج في المستشفى بعدما ساءت حالتك.. للأسف، وكم أتمنى تعميم تجربة الطب العسكري ببلدنا المتفوقة والرائدة دوليا على الطب المدني المنهك.. صحيح بعدما انزعج البعض من تدوينتي توصلت باتصالات عديدة من مسؤولين قالوا لي إذا أردت يمكننا نقلك إلى إحدى المصحات، فأجبتهم وقتها لو أردت ذلك لكنت ذهبت من تلقاء نفسي وبإمكانياتي المادية الخاصة، لكن أنا تصرفت مثل أي مواطن مغربي أصيب بالفيروس، وليس كبرلماني أحظى بامتيازات لو أردتها لاتصلت بوزير الصحة مباشرة.. حقيقة لم أرد أن يتكرر مع المغاربة ما وقع لي ولم يكن بإمكاني السكوت عن هذا العبث، خاصة وأن موضوع الصحة لطالما شغلني وكان موضوع أسئلتي البرلمانية باعتباره أولوية، سواء على مستوى المواعيد أو الأجهزة وغيرها. لذلك يجب أن نعطي النموذج على هذا الأساس.. الجميع كان يقول إنه مستعد لمواجهة للجائحة حتى أنه جرى إيقاف العمليات الجراحية والإسعافات العادية، والحقيقة أن الكل كان مجندا، لكن مجموعة من الكفاءات التي تشتغل في الطب العمومي صارت تنزاح إلى الطب الخصوصي وتبقى المرافق العمومية فارغة.. أين يكمن الخلل؟ هل الأمر مرتبط بسوء تدبير السلطات الصحية للأزمة الوبائية؟ المنظومة الصحية معتلة ويجب معالجتها في الشق المرتبط بالموارد البشرية والشق المتعلق بالحكامة الإدارية وربط المسؤولية بالمحاسبة، على اعتبار أن اللوبيات المرتبطة بهذا القطاع والمتخصصة في الصفقات العمومية ناشطة، فيما المواطن يؤدي فاتورة ذلك، ثم نعم هو سوء تدبير للازمة، المغاربة أبانوا عن تضامن كبير، لكن مسؤولي وزارة الصحة فشلوا في تدبير المرحلة، خاصة وأن الفيروس تأخر في الوصول إلى المغرب وكان بإمكاننا الاستفادة من تجارب دولية بهذا الخصوص، المريض يعاني والأعراض تكون خطيرة منهكة حقا، لكنه إذا وجد العناية اللازمة واطمأن قلبه سيبدد خوفه ورعبه من هذا الفيروس الذي كان يعتبر "قاتلا"، ويتحقق الشفاء أيضا، فنفسية المريض تلعب دورا مهما. على ذكر النفسية، حدثنا عن لحظة إخبارك بنتائج الفحص الإيجابية، ما المخاوف التي تبادرت إلى ذهنك في بادئ الأمر؟ أنا شخص يؤمن بالقدر خيره وشره، لكن في لحظة من اللحظات انتابني رعب الإحساس بأن هناك تهديدا حقيقيا لحياتي بسبب فيروس غريب دخل إلى جسمي وأثر على المنظومة البيولوجية لذاتي، كانت إرادتي وصلابتي جد قوية. منذ البداية لم أصدم واجهته بشجاعة، رغم أنني فقدت 6 كيلوغرام من وزني، بسبب فقدان الشهية، كما أنني كنت أفرغ كل ما أتزود به، ومع ذلك كنت في لحظة من اللحظات واثقا من أنني سأودع الحياة، لكن العزيمة والإرادة والتشجيع الذي وجدته من الناس والعائلة لعب دورا أيضا للخروج من هذه الحالة، خاصة وأني كنت مصابا أنا وزوجتي، وبالتالي، كنا نحاول تشجيع بعضنا البعض، وأيضا محاولة البحث في الطب التقليدي المغربي لتقوية المناعة في الأيام التي تلت عشرة الأيام الخاصة بالعلاج، خاصة وأني فقدت الكثير من وزني لأن إصابتي كانت قوية جدا، مقارنة بزوجتي. لم تكن تعاني مرضا مزمنا.. لحسن حظي أنني غير مصاب بمرض مزمن، فأنا رياضي وسني 48 سنة، لكن أرجح أن الإصابة كانت قوية علي، بالرغم من كوني لا أدخن، لاشتغالي وعملي وحركتي وحضوري في الميدان والجماعة ولقاء الناس، كان الجسم متعبا وسهل التقاط الفيروس وتأثيره علي بشكل كبير، كما أنني وقتها توصلت بخبر وفاة أحد أصدقائي في الدراسة، والذي هو إطار في وزارة المالية، بسبب الفيروس وهذا كان له وقع شديد على نفسيتي. خلال فترة العلاج والحجر، هل واصلت عملك السياسي؟ رغم الحجر والمرض، واصلت عملي بشكل عادي عبر تطبيقات التواصل سواء من موقعي كمسؤول برلماني، أو مسؤول في جماعة ترابية. بقيت أتابع كل ما يجري حتى أن الوثائق التي يجب أن تُوقع كنت أوقعها وأتابع الأوراش على مستوى الجماعة، والأهم هو أن عملي السياسي من موقعي كمنسق جهوي لحزب الأصالة والمعاصرة، بقي مستمرا في الجانب التنظيمي، وأيضا متابعة ما يجري في البرلمان على مستوى اللجان ومشاريع القوانين وغيرها.. توقف عملي لأربعة أيام فقط، تأزم فيها وضعي، لكنه بقي مستمرا طيلة فترة علاجي. بعد تعافيك، هل أثر المرض على نشاطك السياسي أو الاعتيادي اليومي؟ بعد خلو جسمي من الفيروس خرجت من جديد إلى الشارع لأتواصل مع الناس، كما أنني صرت أضاعف من الإجراءات الوقائية والاحترازية لأعطي النموذج، فأنا كنت مصابا وعايشت الفيروس وذقت مرارته غير أنه وللأسف أُصدم أحيانا ببعضهم بمن فيهم أصدقاء لازالوا يتساءلون هل الفيروس حقيقي فعلا، وهذا خطير جدا هذه ثقافة مؤسفة حقا، أنا من الناس الذي عانى الأمرين مع هذا المرض وتعافيت بصعوبة منه، فكيف تسألني هل كورونا موجود فعلا؟ استرجعت عافيتي بصعوبة كبيرة والعمل السياسي يأخذ مني وقتا لدرجة أنني أعمل ليل نهار. الآن، وبعد شفائي استرجعت وتيرة عملي لأتدارك ما فات، وأيضا تواصلي واتصالي مع الناس والمواطنين... لا توجد تداعيات أو أعراض جانبية بعد تعافيك؟ يوجد فقط بعض الشك والريبة، إذ في كل مرة تشعر بشيء على مستوى القلب أو الحرارة، حينها تتساءل هل عاد الفيروس مجددا، ليس خوفا وإنما توجسا وحذرا أكثر لأن ما عايشته كان صعبا جدا، خاصة وأنني ألتقي الناس يوميا، ولكن في المقابل أحاول ممارسة الرياضة وأتناول التغذية الجيدة. ما هو الدرس الذي استخلصته من هذه التجربة؟ في حياتنا من الممكن أن نتعرض لخطورة تفقدنا توازننا، وأن المؤمن مصاب، وهذا ما مكنني من مواجهة الفيروس بنوع من الإرادة الواثقة في تغلبي على المرض وفعلت ذلك بعد معاناة حقيقية، ولكن انتصرت بعدما شملني عطف واتصالات ودعوات المواطنين والأصدقاء التي قوتني، وأتمنى أن يشمل هذا القطاع الإصلاح الحقيقي في أقرب وقت ممكن لنرجع للمواطن المغربي الثقة في المنظومة الصحية. محمد حجيرة، برلماني عن "الأصالة والمعاصرة".