طوال فسحة الصيف تقدم «أخبار اليوم» لقرائها ترجمة لكتاب: «المغرب.. الجار الغريب»، الذي أصدره باللغة الإسبانية خافيير أورتاثو، مدير وكالة الأنباء الإسبانية. في هذا الكتاب يطرح المؤلف عُصارة تجربته بالمغرب مع المواطنين والسلطة وباقي الفاعلين في جميع المجالات، مع التركيز بشكل قوي على تحليل المجتمع المغربي. حاول الكتاب تقديم المفارقات اليومية التي يعيشها المغاربة يوميا، وصولا إلى حكاية الانتقال الديمقراطي التي لا تنتهي أبدا في المغرب. الكتاب هو واحد من بين عشرات المؤلفات التي ألفها صحافيون أجانب عن مغرب محمد السادس، إذ يقدم قراءة مختلفة عن القراءات الأجنبية الأخرى أو حتى عند بعض الصحافيين الإسبان، الذين كانوا إلى وقت قريب من المقربين من السلطة قبل أن ينقطع حبل الود. يحضر ما هو دیني وأخلاقی بشكل جلي، خاصة، في رمضان: على غرار القانون الذي يعاقب الإفطار العلني في رمضان، ذلك أن المجتمع یعاقب المخالفین بقسوة، بحیث أنه یمكن للجار أن یبلِّغ الأمن عن جاره المذنب. إذن، من المستحيل أن ترى أحدا يأكل أو يدخن أو يشرب علانية في أماكن عامة في رمضان. بل أكثر من ذلك، أصبح مجرد المناقشة أو خوض الحديث علانية عن الالتزام برمضان من الطابوهات: إذ مجرد أن تسأل غريبا إن كان يصوم أم لا، حتى يتحول الرد على السؤال بسلوك عدواني باعتباره يمس خصوصيته، الأمر الذي لم يكن يحدث قبل عشرين عاما خلت. رجل سافر وجال في الخارج، عاد إلى المغرب بعد سنوات من الغياب، يجهر بسلوكه المثير في رمضان: لا يهمني ما يقولونه؛ أنزل إلى المقهى الذي يفتح في رمضان، وأتناول الشاي بشكل عادي. _ جيد- يرد عليه غريب-، وما رأي والديك في ذلك؟ _ هل جننت. لا يعلمان بأي شيء. هذه القصة تكشف محدودية هذه القضية وقضايا أخرى كثيرة خاضعة للطابو. والداك، وحتى أطفالك، هم بمثابة رقيب عليك، وهم الأوائل من يُسائلون أي سلوك "منحرف" وخارج عن التقاليد السائدة. هذا ما يحيكه المغاربة الذين يعتنقون المسحية، والذين يمثلون القلة القليلة التي تتجرأ وتتحدث لصحافي عن هذه القضية بوجهه مكشوف: يشرحون كيف أن أسرهم لا تتفهم بشكل كبير دينهم الجديد، كما أنها الأقل مساعدة لهم والدفاع عن حقوقهم، بل أكثر من ذلك تدفعهم إلى التخلي عن اعتقاداتهم وممارسة دينهم في سرية مطلقة لكي لا يدنسوا اسم العائلة. حضور الدين الإسلامي قوي في المجتمع المغربي، ما يجعل معتنقي المسيحية يصطدمون بشكل مباشر مع سوء الفهم: "يقبلون أولا المجرم على المسيحي"، يقول زهير. ابن جلدته مصطفى (الذي ليس لديه حق تغيير اسمه بآخر)، يشرح، مثلا، كيف أنه هُمِش في وظيفته منذ أن علموا بأنه مسيحي، بحيث كانوا يتفادون الاقتراب منه. أما حنان فتعترف أنها وجدت نفسها أثناء الانتقال إلى الدارالبيضاء في ظل سوء الفهم الذي كانت تواجهه في محيطها في مسقط رأسها في تارودانت. فيما كان حظ محمد بلادي، الذي كان آخر مسيحي معتقل بسبب دينه، سيئا للغاية، يحكي أن المجرمين أنفسهم في السجن، إذا لم يعتبروك مجنونا، يحاولون إقناعك بالعودة إلى الإسلام. الشيء عينه يقع للمثليين، إذ إن أسرهم آخر من يعلم بمثليتهم، وعندما يخبرونها، تكون السباقة إلى معاقبتهم: بعضهم يحكي كيف أن أشقاءهم الكبار هم الأكثر ضربا في محاولة لإجبارهم على تصحيح وضعهم المثلي. يشعر شفيق، المتحول جنسيا والبالغ 33 عاما الذي تعرض في نهاية 2018 إلى حادث سير، والذي جرى تصويره في الحين من قبل الأمن بلباسه الداخلي ونشر وثائقه الهوياتية؛ أن حياته دُمّرت عندما علمت أسرته بحقيقته، رغم أنه عاش مستقلا عنها بعيدا في مدينة أخرى. شفيق عانى من السخرية الآخرين إلى درجة أنه وجد مخرج واحدا ووحيدا لوضعيته: هو طلب حق اللجوء في الخارج. ورغم أنه جرت معاقبة الأمنيين بسبب المس بخصوصيته، إلا أن حياة المتحول الجنسي تحولت إلى جحيم، لأن المجتمع يشير إليه دوما ودائما بأصابع الاتهام.