طوال فسحة الصيف تقدم «أخبار اليوم» لقرائها ترجمة لكتاب: «المغرب.. الجار الغريب»، الذي أصدره باللغة الإسبانية خافيير أورتاثو، مدير وكالة الأنباء الإسبانية. في هذا الكتاب يطرح المؤلف عُصارة تجربته بالمغرب مع المواطنين والسلطة وباقي الفاعلين في جميع المجالات، مع التركيز بشكل قوي على تحليل المجتمع المغربي. حاول الكتاب تقديم المفارقات اليومية التي يعيشها المغاربة يوميا، وصولا إلى حكاية الانتقال الديمقراطي التي لا تنتهي أبدا في المغرب. الكتاب هو واحد من بين عشرات المؤلفات التي ألفها صحافيون أجانب عن مغرب محمد السادس، إذ يقدم قراءة مختلفة عن القراءات الأجنبية الأخرى أو حتى عند بعض الصحافيين الإسبان، الذين كانوا إلى وقت قريب من المقربين من السلطة قبل أن ينقطع حبل الود. كثُرت الكتب المتخصصة أو العامة حول المغرب. إذ كل الكتب التي كتبها الصحافيون قبلي، ركزت على شخص الملك محمد السادس (ومن قبل، على والده الراحل الحسن الثاني)، والتي في رأيي الشخصي يشوبها العيب عينه: إذ كل مصادرها وشهاداتها هي من الدرجة الثانية أو الثالثة، بحيث لا وجود لمصادر رسمية قريبة ومطلعة، ثم إن الأسرة الملكية تعرف كيف تحفظ أسرارها بشكل جيد. عرفت الكثير من الأجانب الذين عملوا في القصر الملكي أو في مدارس الأمراء، لكن لم يسبق لهم قط، أن أسروا بأي معلومة ولو كانت بسيطة، ملمحين أن هناك نوعا من حفظ الأمانة على الأسرار الذي يقيدهم مدى الحياة. في الواقع، لا يسعى هذا الكتاب إلى الخوض في خصوصيات القصر، ولا تشريح الحياة السياسية للمغرب المستقل والمثير، من ناحية الانتقال اللامتناهي إلى الديمقراطية. لكن في المقابل، سيركز الكتاب على القضايا الاجتماعية التي يمكن أن تكون أفضل ما يتوقف عنده المرء في هذا البلد. إذ بعد سنوات قضيتها في المغرب، حضرت فيها العديد من الأفراح والأعراس والجنائز، دخلت فيها قصور ومراكز أيتام..، فضلا عن ساعات من الانتظار أمام المحاكم ومخافر الشرطة، والمناوشات مع رجال الأمن حول التقاط صورة، والتيه في بعض المسالك الصعبة والمستحيلة بحثا عن شهادة، وشرب الكثير من كؤوس الشاي الساخن لكسر الجليد مع محاورك؛ أظن أنه يمكنني القول، وبكل تواضع، إنني أعرف المجتمع المغربي، رغم أن هناك الكثير من الأشياء التي لن تتوقف عن إدهاشي. خصصت الكثير من فصول هذا الكتاب للقوانين، وبالضبط، كل القوانين التي يمكن أن تسعى إلى نوع من إخضاع حيوات المواطنين. حسنا، ليس النظام السياسي أو الحكم المطلق للملكية، هو الذي يحوّل المغرب إلى بلد ذي ديمقراطية ضعيفة (يحتل المغرب الرتبة 100 من أصل 167 بلدا في مؤشر الديمقراطية الذي أصدرته المجلة البريطانية العريقة The Economist سنة 2018)، بل حتى، خاصة، وكذا مجموع القوانين التي تُقيد الحريات، وتُطيل عمر اللامساواة بين الرجال والنساء. بعض هذه القوانين تناقش أو يجري انتقادها خارج البلد، وهو الشيء الذي يبرز كيف أن المجتمع نفسه متواطئ بطريقة ما مع تقييد الحريات؛ وهناك قوانين أخرى تناقش بشكل دائم، لكن الطبقة السياسية، التي لها الكلمة الأخيرة في مراجعة هذه القوانين، كثيرا ما تدخل في نقاشات بيزنطية، حيث يتضح جليا أن أغلب الأحزاب تعطي الأولوية دوما للاستقرار الاجتماعي والقيم المغربية المفترضة غير القابلة للتغيير قبل الحقوق الفردية. لهذا لازالت هذه القوانين التي تمس حيوات المختلفين أو المعارضين، والتي تحجب المرأة، تحدد حياة البلاد. يقول مثل إسباني: "تُستعمل القوانين حيث يريد الملوك". من المريح إذن، أن يُنسب إلى الملك كل العسف الذي يعاني منه الشعب المغربي، لكن الأمر جد معقد، إذ إن المسؤوليات مشتركة. وهذا ما سأعمل على توضيحه في الصفحات الموالية.