يبدو أن ثقافة منح الهدايا والهبات المالية والعقارية للشخصيات البارزة وللرؤساء الأجانب في البلدان العربية، تحولت إلى كابوس يرافق الملك الإسباني السابق خوان كارلوس، بعد تنازله عن العرش لصالح ابنه الملك الحالي فيليبي السادس في يونيو 2014. إذ إن الملك السابق لم يكن، ربما، يعتقد أن أموالا بالملايير تلقاها من بعض دول الخليج، وأرض أهديت له أو لصديقته السابقة الأميرة الألمانية كورينا لارسن فيتجنشتاين في مراكش، ستصبح موضوع التحقيق من قبل القضاء السويسري والإسباني. لكن هذه القضية عادت بقوة إلى الواجهة في الساعات الماضية مع ظهور معطيات جديدة بخصوص حقيقة عقار مراكش، ومبلغ 100 مليون دولار الذي حصل عليه من الملك السعودي الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، في غشت 2008. في هذا الصدد، كشفت صحيفة "إلباييس" الإسبانية بعد حصولها على نص شهادة صديقة الملك السابق أمام المدعي العام السويسري، إيف بيرتوسا، يوم 19 دجنبر 2018 بجنيف، أنها أسست شركة Mountain Lion Inc بهدف الحصول على أرض غير مشيدة في مدينة مراكش المغربية. تقول صديقة الملك السابق إنها أمرت المحامي السويسري والوكيل المفترض لخوان كارلوس، دانتي كانونيك، بتأسيس شركة Mountain Lion Inc، وأن الشركة تملك أرضا غير مشيدة في مدينة مراكش. وزعمت أن تلك الأرض عبارة عن "هدية من ملك المغرب. كانت هدية لي وليس لخوان كارلوس". وشرحت للمدعي العام قائلة: "زرت ملك المغرب لأشكره على الهدية. كان يعرف أنني كنت أزور المغرب منذ عشرين سنة، وقرر منحي تلك الأرض لكي أستثمر هناك". وعما إذا كان خوان كارلوس حصل على هدية من المغرب أكدت: "أجهل إن كان حصل على هدية من ملك المغرب". لكن ما يثير الانتباه هو أن كلام الأميرة الألمانية يتعارض نوعا ما مع تصريحات سابقة لها تقول فيها إنها تملك أرضا غير مشيدة في مراكش سجلها في ملكيتها خوان كارلوس، الذي حصل عليها بدوره كهدية من ملك المغرب، وهي الأرض التي تبلغ قيمتها 18 مليون درهم مغربية (1.7 مليون أورو)؛ علما أن قضية أرض مراكش ظهرت إلى العلن وتحولت إلى قضية قيد التحقيق، إلى جانب قضايا أخرى، في سويسرا وإسبانيا بعد تسريب أشرطة صوتية لمكالمة هاتفية بين الأميرة الألمانية والمفوض الأمني الإسباني السابق والمعتقل حاليا خوسي مانويلبياريخو، وهي التسجيلات التي اتهمت فيها الملك خوان كارلوس باستعمالها كواجهة. مع ذلك، فالأرض المهداة لخوان كارلوس أو صديقته في مراكش تبقى أقل إثارة للجدل والنقاش في إسبانيا، مقارنة مع قضية حصول الملك السابق على هدية بقيمة 100 مليون دولار من الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز في غشت 2008. في المقال الذي نشرته "إلباييس" يوم 4 يوليوز الجاري تحت عنوان: "كورينا لارسن صرحت أن خوان كارلوس منحها 65 مليون أورو امتنانا". وشرحت أن تحويل ذلك المبلغ الكبير سنة 2012 من الملك السابق إلى حسابها كان ب"دافع الامتنان والحب"، و"ليس من أجل التخلص من المال". وتسعى المحكمة العليا الإسبانية إلى الحصول على شهادة الأميرة الألمانية، لكن هذه الأخيرة ترفض الترخيص بذلك، نظرا إلى أن القانون السويسري يمنح "المستجوبين" الطعن في تسليم شهادتهم إلى جهات خارجية. وأردفت أن الملك منحها ذلك المبلغ لأنه "كان يريد منح هدية لأبنائي ولشخصي. كان خوان كارلوس يريد ضمان مستقبل جيد لي ولأبنائي". وعندما سألها المدعي العام السويسري عن سبب قبولها بتحويل مبلغ كبير إلى حسابها، قالت إن المحامي كانونيكا، وكيل أعمال خوان كارلوس في الواجهة افتراضا، ومدير البنك السويسري "Mirabaud" الذي حُوِل منه المبلغ، أبلغاها "أن تلك الأموال هبة من الملك السعودي عبد الله لخوان كارلوس. لم يشرحوا لي سبب هذه الهبة، لكن يتعلق الأمر بممارسة سائدة بين الملوك، خاصة في الشرق الأوسط. وخوان كارلوس لم يتحدث معي من قبل عن هذا الأمر". هذا وكانت النيابة العامة التابعة للمحكمة العليا الإسبانية قبلت، قبل أيام، تحمل مسؤولية مواصلة التحقيق في تهمتي الفساد المالي وتبييض الأموال الموجهتين إلى خوان كارلوس بسبب ما يعرف بصفقة "طائر الصحراء"، بحيث يشتبه في كونه توسط لمجموعة من الشركات الإسبانية لدى حكام السعودية للفوز بصفقة تشييد القطار فائق السرعة بين مكةالمكرمة والمدينة المنورة مقابل عمولات مالية تقدر ب100 مليون دولار سنة 2008.