تتواصل تطورات قضية انتحار خمسيني بفاس، الذي كان يشتغل قيد حياته زلاجا، تاركا وراءه رسالة مؤلمة وغامضة نسبت إليه، جالت صورها مختلف مواقع التواصل الاجتماعي وتقاسمها روادها بالمغرب وخارجه، حيث أثارت «الرسالة /اللغز» وما تزال ضجة كبيرة وأسئلة عديدة، كما تناسلت حولها العديد من الروايات والقصص المثيرة، توزعت ما بين رواية العائلة والجيران، والتي تحدثت عن إقدام الرجل على شنق نفسه حفاظا على كرامته وعزة نفسه بعدما لم يجد ما يسد به رمقه، فيما ردت سلطات جهة «فاس- مكناس»، بنفيها للرسالة وإنكارها لواقعة تقديم الخمسيني المنتحر لأي طلب للاستفادة من الدعم المخصص للأسر المتضررة من فيروس كورونا. اهتزت الزنقة رقم 10، بلوك "2" بالحي الشعبي "لابيطا ظهر الخميس"، التابع لمقاطعة المرينيين، صباح يوم الخميس الماضي، على انبعاث رائحة كريهة من داخل منزل عامل "الزليج"، بعدما لاحظ جيرانه اختفاءه منذ أيام عن أنظارهم، ما جعلهم، بحسب ما أورده الجيران من معلومات ل"أخبار اليوم"، يتصلون بالسلطات المحلية، التي حضرت إلى عين المكان، وقامت بعد حصولها على إذن من النيابة العامة بكسر باب شقة الخميسني، ليفاجأ الجميع باكتشاف جثته معلقة بركن من مطبخه الصغير، فيما عمت الشقة، تضيف المصادر عينها، رائحة كريهة تزكم الأنوف، مصدرها جثة الخمسيني التي وجدت، بحسب مصدر طبي، في المرحلة الأولى من التعفن، عقب اخضرار منطقة أسفل البطن، وانتفاخ الجثة وانبعاث الروائح الكريهة، وهو ما تأكد معه لجوء الرجل إلى شنق نفسه قبل حوالي 3 أيام من اكتشاف جثته ببيته، وهي الفترة عينها التي حددتها السلطات الطبية اعتمادا على تقنية (PMI) التي تساعد على كشف المدة التي انقضت منذ "موت" وفاة الشخص. بعد اكتشاف واقعة انتحار الخمسيني من قبل السلطات، أمرت النيابة العامة بنقل جثته إلى مصلحة الطب الشرعي بالمستشفى الجهوي الغساني بظهر المهراز، وهناك خضعت للتشريح الطبي، حيث أظهرت نتائجه، والتي توصل بها الوكيل العام للملك بفاس، بأن وفاة الخمسيني كانت نتيجة عملية شنق نفسه بواسطة حبل، وهو ما جعل المحققين يستبعدون فرضية وجود فعل جرمي وراء الحادث، حيث جرى تكييف قضية عامل الزليج على أنها عملية انتحار، ناتجة عن بلوغه قيد حياته درجة حادة من الكآبة. الرسالة اللغز ارتبط حادث انتحار "الزلايجي" كما هو مشهور لدى المغاربة، برسالة تضاربت الروايات حولها، وهي عبارة عن قطعة من "الكارتون"، خطها عليها شخص يعتقد أنه الخمسيني المنتحر، بحسب رواية عائلته، الذي لا يتقن الكتابة، رسالة تحمل عبارات موجعة، تركها فوق أريكة تتوسط غرفة نومه الصغيرة، قبل أن يضع حدا لحياته، جاء فيها: "أنا كنموت بالجوع، مكاينش الدعم، والسلطات كذابين ومنافقين". وما زاد من غرابة هذه الرسالة، أنها ظهرت بحسب الصور المنتشرة حولها، وقد وضعها الخمسيني قبل انتحاره بدقة، بجانب علبة حديدية قديمة تحمل اسم شركة عالمية مشهورة للأدوية، وفوقها دفتر والعلم الوطني المغربي من الحجم الصغير، وهو ما أظهر الصورة على أنها خضعت لعملية "المونطاج" قبل نشرها، أو أنها جرى ترتيبها بدقة لإعطاء مضمون الرسالة، أبعادا وخلفيات ارتبطت بواقعة انتحار عامل "الزليج" بفاس، بعدما لم يجد ما يسد به رمق جوعه في عز الحجر الصحي الذي فرضته السلطات العمومية المغربية، بسبب حالة الطوارئ لمحاربة فيروس كورونا. وفي هذا السياق، واستنادا إلى المعلومات التي جمعتها "أخبار اليوم" من مصادر قريبة من الموضوع، كان أول ظهور لهذه "الرسالة/اللغز" بمقبرة "باب الكيسة"، القريبة من الفندق التاريخي المشهور "فندق المرينيين"، حيث ووري جثمان الخمسيني الثرى يوم الخميس الماضي، حينما قام ابن أخت الهالك، موازاة مع مراسيم دفن خاله بالمقبرة، بتقديم تصريحات للصحافة، كشف خلالها عن الرسالة المكتوبة على قطعة من "الكارطون"، التي حملها معه الشاب كمال إلى المقبرة، ونسبها إلى خاله المنتحر، والذي أراد، كما قال ابن شقيقته، أن يكشف من خلالها سبب إقدامه على وضع حد لحياته شنقا بداخل منزله. رواية العائلة عقب اكتشاف واقعة انتحار الخمسيني، خرج ابن أخته، وهي الوحيدة التي بقيت من أقارب الهالك، لينشر بين الناس قصة لجوء خاله إلى الانتحار، حفاظا على كرامته وعزة نفسه التي عاش من أجلها طوال حياته، كما قال وهو يتحدث عن خاله في تصريحات أدلى بها ونشرت بعدد من الجرائد والمواقع الإلكترونية بالصوت والصورة. وكشف قريب عامل "الزليج" المنتحر، بأن خاله الذي كان يربح حوالي مائة درهم عن كل يوم عمل، انقطع عمله منذ أزيد من ثلاثة أشهر عن وفاته، بسبب تداعيات كورونا، وتوقف مختلف أوراش البناء لدى الشركات والمقاولات، وكذا أصحاب المنازل الذين يرغبون في تغيير "الزليج" أو تركيبه بمحلاتهم السكنية، وهو ما جعل الخمسيني يفقد بشكل كامل مصدر دخله اليومي، الذي كان يعتمد عليه لكسب قوته ومصاريفه اليومية. وزاد المتحدث عينه، أن قريبه بعث قيد حياته، كباقي حاملي بطاقة "راميد"، طلبه إلى الرقم "1212"، والخاص بطلب الاستفادة من الدعم الحكومي المخصص للأسر المتضررة من فيروس كورونا، لكن طلبه قوبل بالرفض، ما جعله يعيد المحاولة مرة ثانية ثم ثالثة عبر تسجيل طلبه ضمن غير المستفيدين من الدعم في القطاع غير المهيكل، باعتباره عاملا مياوما، لكن كل طلباته باءت بالفشل، يحكي ابن شقيقته، وهو ما جعل الحياة تضيق على الهالك، بعدما لم يجد ما يأكله، فيما منعته عزة نفسه من بسط يده طلبا من الجيران أو غيرهم ما يسد به رمقه، ما جعله يقدم على شنف نفسه، صونا لكرامته وكبريائه، بحسب ما جاء في رواية ابن شقيقته، الذي ظل يلوك القصة نفسها بتفاصيلها أينما حل وارتحل، خصوصا أنه لا يزال يرابط بشقة خاله معية أمه حتى الآن لتلقي العزاء من أقربائهم ومعارفهم. رواية الجيران حديث الجيران عن جارهم الخمسيني الأعزب، لا يخرج عن نطاق ما حكته عائلته بلسان ابن شقيقته، لكنهم زادوا أنه عرف بينهم بانعزاله وعدم إشراكه الكلام والطعام مع أحد من الجيران، حيث كان يغادر شقته باكرا متوجها إلى عمله، ويعود إليها ليلا، كما عرف لدى سكان الحي بعزة نفسه وكبريائه، فكان يرفض استلام أي طعام يقدمه له الجيران، بحكم معرفتهم بكونه أعزب قد لا يجيد طهي كل الأطباق، لكنه يصر على عدم قبول مساعدة من أحد، يحكي جيرانه، وهو ما جعلهم يقتنعون برواية إقدامه على الانتحار ببيته، بدون أن يثير انتباه أي حد، بعدما شعر بأن كرامته وكبرياءه مسا، حينما غاب الطعام لأيام عن بيته، فلم يجد ما يشبع به جوعه بعدما انقطع عمله بسبب الجائحة، يقول أحد جيرانه. وكشف الجار ل"أخبار اليوم"، أن صديقه المتوفى اشتكى له قيد حياته، شأنه شأن سكان هذا الحي، من حرمانه من قفة رمضان المخصصة من قبل مؤسسة محمد الخامس للتضامن لفائدة الأسر المحتاجة والمعوزين، كان هو أحدهم، ونفس الشيء بالنسبة لقفة التخفيف من الآثار الاجتماعية لجائحة كورونا، والتي رصدها مجلس الجهة الذي يرأسه محند العنصر، وكذا الجماعة الحضرية لفاس برئاسة إدريس الأزمي. الرواية الرسمية للسلطات سارعت مصالح والي جهة "فاس-مكناس"، سعيد ازنيبر، إلى الرد على الصورة التي جابت مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي داخل المغرب وخارجه، مروجة ما بات يعرف ب"رسالة الجوع" الذي كان وراء انتحار عامل "الزليج"، بعدما حرم بحسب رواية عائلته وجيرانه، من أي دعم أو مساعدة مخصصة للمتضررين من الآثار الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا. وأصدرت السلطات بلاغا بعد مرور أقل من 24 ساعة من اكتشاف جثة الخمسيني، نفت فيه السلطات جملة وتفصيلا ما راج في رواية العائلة، وشددت على أن قريبهم المنتحر لم يترك أي رسالة، ولم يتقدم بأي طلب للاستفادة من الدعم المخصص للأسر المتضررة من فيروس كورونا. وكشفت السلطات عينها أن المعطيات "غير صحيحة" كما وصفتها، والتي جرى "الترويج" لها بشكل "تضليلي" منذ يوم الجمعة الماضي على نطاق واسع، وحجتها على ذلك أن السلطات المحلية والأمنية، والتي انتقلت إلى شقة الهالك يوم إبلاغها من قبل الجيران بانبعاث روائح كريهة من بيت جارهم، لم تعاين وجود أي رسالة كما تم الترويج لها عبر الصور المتداولة بمواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية. سلطات فاس ذهبت بعيدا في روايتها، حيث أنكرت تقديم الخمسيني المنتحر أو أي أحد من أقاربه أي طلب يفيد حاجته إلى المساعدة، حيث شدد البلاغ على أن عامل "الزليج" المتوفى، لم يقدم قيد حياته طلب الاستفادة من الدعم المؤقت للأسر العاملة في القطاع غير المهيكل المتضررة من فيروس كورونا. العائلة تلتزم الصمت في مقابل نفي السلطات، قالت مصادر قريبة من التطورات الجديدة لموضوع الخمسيني، في رواية أخرى كشفت عن معطيات جديدة حصلت عليها "أخبار اليوم"، إن العائلة أعلنت عن احتفاظ هاتف قريبهم المتوفى على الطلبات التي سبق له أن أرسلها للحصول على الإعانة المالية من صندوق تدبير جائحة كورونا، وكذا الرسائل التي توصل بها والتي تخبره برفض طلباته، وذلك ردا على آخر شكاية تقدم بها الخمسيني المنتحر، بعدما بادرت حكومة العثماني منتصف شهر ماي الماضي إلى إحداث منصة رقمية لتلقي الشكايات من غير المستفيدين من الدعم في القطاع غير المهيكل، حتى تتسنى دراستها من قبل لجنة اليقظة الاقتصادية بتنسيق مع السلطات المحلية على مستوى كل عمالة وإقليم. هذه المعطيات الجديدة، المتعلقة بالرسائل التي يحتويها هاتف عامل "الزليج" المتوفى، دفعتنا إلى الاتصال هاتفيا بكمال، ابن شقيقته، للتأكد منها، خصوصا أنها تدحض رواية السلطات التي تنفي وجود ما يثبت تقديمه قيد حياته لطلب الاستفادة من الدعم المؤقت لكونه يشتغل في القطاع غير المهيكل المتضرر من تداعيات فيروس كورونا، لكن ابن أخته رفض الإدلاء بأي تصريح للجريدة وتهرب من الإجابة عن أسئلتنا. المعطى الجديد الذي كشفه رفض الشاب كمال تقديم أي تصريح للجريدة ولباقي الصحافيين الذين يتصلون به، وتفضيله التزام الصمت في قضية خاله، بعدما خرج بعد وفاته وقدم رواية العائلة لما حدث، شاهرا الرسالة التي أثارت ولاتزال لغطا كبيرا حتى الآن، كل هذا جعل الكثير من الأسئلة تطرح من جديد، هل قريب الخمسيني المنتحر كذب في قصة الصور التي تداولت رسالة الانتحار بسبب الجوع والإقصاء من إعانات صندوق كورونا وقفة رمضان، أم أنه يحاول الآن إصلاح خرجاته الإعلامية بالصمت، أو تعرض لأي ضغط من جهة ما لها مصلحة في إقبار الرسالة وإبعادها عن قصة الجوع وإعانات كورونا، وإصرار هذه الجهة على الإبقاء على واقعة الانتحار وربطها حصريا بمعاناة نفسية وحالة حادة من الكآبة كان يعاني منهما عامل "الزليج" فقام بشنق نفسه، وهو ما جعل كل المتتبعين لهذه القضية الشائكة يشككون في رواية العائلة ومثيلتها الصادرة عن السلطات، لتبقى الحقيقة هي تلك التي أخذها معه الهالك إلى قبره. ملاحظات وأسئلة وجيهة تنتظر أجوبة البحث القضائي، الذي طالب بفتحه والي جهة فاس-مكناس، سعيد ازنيبر، من خلال شكاية تقدم بها إلى النيابة العامة، مهددا بمتابعة الأشخاص أو الجهات التي تتهمها سلطات فاس بترويج ونشر صور منسوبة بشكل تدليسي لحادثة انتحار عامل "الزليج".