لم تربك الجائحة وما كشفته من أوضاع اقتصادية واجتماعية، التصور الذي ترسمه لجنة النموذج التنموي للنموذج الجديد، فكورونا «سرّع فقط من وتيرة التفكير» و»التفكير كان منصبا أصلا على التوجهات العامة»، هذا ما يخبرنا به عضو اللجنة والمفكر البارز في العلوم السياسية والاجتماعية، محمد الطوزي، ثم إنه لم ينزع المشروعية عن المطالب التي رفعتها الحراكات الاجتماعية ولا يعتبرها ناتجة فقط، عن نقص في التنمية والخدمات، فالتنمية أحيانا تكون سببا فيالاحتجاجات وفي هذه الحالة تكون أقوى.. يشرح الطوزي بأدوات علم الاجتماع كيف تشكل المدن الصغرى بؤراللاحتجاج «ومختبرات غنية لإعمال الديمقراطية»، وبركان احتجاجات مقبلة، يحدثنا عن التجاذبات التي تعتري الدولة وكيف تظهر بمظهر الأم الحاضنة حينا، وبقبضة سلطوية في أحايين أخرى، بوجه القايدة حورية حينا وبقبضة النائب العام أحيانا، الأمر ليس شيزوفرينيا، إنه اختلاف في تمثلات للسلطة وللحكم. لا يخف الطوزي عدم رضاه عن مستوى الدستور، لكن ذلك ما جادت به موازين القوى الاجتماعية ولن تطوره التعديلات، بل الممارسة السياسية. ليس حراماأن يجمع بين المال والسلطة فترامب أكبر مستثمر، لكن وجود سلطات مضادة وربط المسؤولية بالمحاسبة هو صمام الأمانبين اليوطوبيا وتحكم أصحاب المال. وعن التسع سنوات من حكم العدالة والتنمية، يقول الطوزي إن وجود الإسلاميين فيالحكم مكسب للمغرب وسمح بتجديد النخب، لكن الإخوان لم يقدموا اجتهادا في مرجعيتهم والاختلاف بين بنكيرانوالعثماني هو اختلاف بين مهارات رجلين. واحد يتواصل بشكل جيد، والآخر يعمل بصمت ويجيد لعبة التوافقات، ومع الزمن بالسلطة يعاد النظر في التراتبية ويفقد الداعية دوره لصالح تراتبية أخرى. وفيما يبرح البيجيدي مكانه في صدامالممارسة والمرجعية وفي مستوى التكوين السياسي، يقول الطوزي إن بجماعة العدل والإحسان تكوين متين ومرجعية مؤسسة ذات انتماء مغربي محلي، ومهما كان الاختلاف مع الشيخ ياسين، فهو مؤسس مرجعية إسلامية مغربية الهوية، ولا خوف من الجماعة على الاستقرار أبدا، بل إنها حليف النظام في حفظه ووطنيتها لا يطالها شك. قبل زمن الجائحة كانت كل الأضواء مسلطة على لجنة النموذج التنموي وتحركاتها. كعضو بهذه اللجنة، كيف تتصرفونفي هذه الظرفية؟ حاليا، اللجنة تشتغل بوتيرة أكبر من السابق، إذ هناك اجتماعات يومية تقريبا، سواء عبر الإنصات أو الحوار مع الخبراءأو تدخل في المنصة الرقمية التي أنشأتها اللجنة أو لمتابعة النقاشات مع الناس. وداخل اللجنة هناك مجموعات مختصة تشتغل لوحدها وتعقد اجتماعاتها. ربما انصراف الإعلام لمتابعة أمور كورونا جعلها تغيب شيئا ما عنه. ثم إن الاجتماعات أحيانا تكون مفتوحة للعموم. كورونا أثرت على الزيارات الميدانية، هذا ما تغير. هل أربك الوباء تصور اللجنة للنموذج التنموي الذي تشتغل عليه؟ عموما لا، فقط سرع من وتيرة التفكير. لأن التفكير أصلا كان منصبا على الإطار العام، ومن ضمنه تغير المناخ والحضورالكبير للجانب الإيكولوجي كهم نتقاسمه مع العالم وليس فقط كمغاربة. إذن، فالتفكير كان على مستوى التوجهات العامة لإعادة النظر وللتفكر في المسائل الأساسية حول علاقة الإنسان بالطبيعة والأسئلة الفلسفية الكبيرة التي تؤطر الإنسانبمحيطه، وكذا موقع الدولة وعلاقتها مع الأفراد ومسؤوليتها، أيضا حدة مشكل الصحة والتأخر الذي عرفه المغرب في الاستثمار في هذا المجال إلى جانب التعليم. كل هذه الأمور كانت حاضرة وهي ما كان يؤطر توجهنا على المستوى العام ولم يطرأ عليها أي تغير. قمتم بعدة زيارات ميدانية، من ضمنها زيارة جرادة ومناطق شمال المغرب وقمت شخصيا بأبحاث حول منطقة الريفسابقا، ألم يتم استخلاص أن المطالب التي حملتها الحراكات الاجتماعية في هذه المناطق كانت تعبر عن الطموح لنموذجتنموي جديد، وعن الاختلالات التي تشوب النموذج الحالي؟ طبعا، فقضية شرعية المطالب لا نقاش فيها بجميع مناطق المغرب، وهي غالبا ما تكون نتيجة تأخر في الخدمات العامةوفي جودتها، وتكون أحيانا رد فعل عن التنمية نفسها. فحينما تبلغ منطقة ما مستوى من التنمية وتصلها خدمات، فهذايصعد من حدة المطالب. وهذا قانون في علم الاجتماع. الاحتجاجات قد يكون باعثها عدم وجود خدمات، وقد تكون عدمجودة الخدمات وقد تتغير نوعية الطلب حينما تكون هناك خدمات، وفي هذه الدرجة تكون الاحتجاجات أكثر حدة وأكثرتنظيما وأكثر فعالية. لهذا من الضروري، أثناء التعامل مع الاحتجاجات من النظر في الميكانيزمات التي تنتجها ليتمالتعامل معها وفق المستويات. فحدة الفقر والبطالة غالبة في المجال القروي، لكن الاحتجاجات توجد في المدن الصغرى، لأن في هاته المدن توجد فئة من الناس من حاملي الشهادات وفاعلين في المجتمع المدني الذين يطالبون بمرافق ثقافية أوصحية متقدمة تستجيب لمستوى ما وصلوه من تنمية. هذه أمور معقدة نسبيا على مستوى علم الاجتماع. هناك فكرة قالها عالم الأنتربولوجيا، عبدالله حمودي، في حوار منذ سنتين، عن الاحتجاجات فيما يسمى ب“المحيط“، وفينظره أن الاحتجاجات التي تولدت سنة 2011 لم تنته، وإنما انتقلت من المركز إلى المحيط، وتغير كذلك مفهوم المركزوالمحيط، خاصة مع الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث صارت كل قرية في “الهامش” أو “المحيط” هيفي مركز الاهتمام.. هذا صحيح. ومستقبلا ستزيد وتيرة الاحتجاجات في المدن الصغرى والمتوسطة لأنها هي التي تختزل التطلعاتالأساسية للطبقات التي تتنمّى (في طريق النمو)، هاته الطبقات هي التي تكون حاضرة في هذه المدن وتجاوب الدولة لايكون كافيا بالنسبة إليها. المدينة الصغيرة تنتج إلى حد ما الاحتجاج، لأن تطلعات السكان بها أكثر من تجاوب الدولة. إذا أردنا أن ننقل هذا الكلام لعلم السياسة، هل يمكن القول إن تلك الاحتجاجات تعكس نزعة لتكريس الديمقراطيةالمحلية، أي تزايد رغبة المواطنين للمشاركة في تدبير شؤونهم؟ هذا صحيح، ليس فقط، في علاقة بالديمقراطية التمثيلية، ولكن، كذلك، فيما يخص الديمقراطية التشاركية. لأنه سواء فيالعالم القروي أو المدن الصغرى، وفي المدن الصغرى أكثر، هاته المدن الصغرى قد تكون مختبرات غنية لإعمال تجارب الديمقراطية المحلية لأنها سهلة على مستوى التدبير، وكذلك مختبر جيد ومتميز للديمقراطية التشاركية أي ما يسمى بالعمود الثالث للحكامة وهو المجتمع المدني، وهذه التجارب يمكن أن تكون لها أهمية كبيرة إذا جرى تجاوز هذه العلاقة المتوترة وعلاقة اللاثقة بين الدولة وهؤلاء الفاعلين. لا يجب إغفال أن المدن الصغرى والمتوسطة في المغرب يكون لها إما إرثحضاري وتاريخي كبير أو حتى بعد اقتصادي كبير، وهذا يذكي من الرغبة في تحسين الأوضاع بها، وعدد المدن الصغرى التي بها أقل من 500 ألف نسمة هو عدد كبير بالمغرب. هذه العلاقة المتوترة التي ذكرت، والاحتجاجات التي غالبا ما تثير غضب السلطة وتكون مصدر قلق لها، ألا ترى حسب المعنى الذي تحدثت به، أنها ترفع من نسبة وعي الفرد المغربي بالمواطنة؟ طبعا، لأن التوعية ترفع من نسبة المواطنة ومستوى تدبير الشأن العام والمشاركة فيه، وترفع من مستويات حتى التنمية الاقتصادية. لأن هذه المراكز الحضارية لها مشاكل خاصة، لكن بحكم المحيط والحجم يمكن أن تعطي فرصة لإيجادحلول جديدة للتدبير وللتعامل بين الدولة والأفراد وبين الأفراد المنظمين داخل جمعيات وتعاونيات وغير ذلك. إنه مختبر جدغني. أمام جائحة كورونا ساد نوعان من الخطاب بالمغرب حول مسألة الثقة: واحد يقول إن منسوب الثقة ازداد مع الإجراءاتالتي اتخذتها الدولة، وهناك اتجاه آخر يحذر من الانزلاق نحو السلطوية أكثر ويقول إن دار لقمان ستظل على حالها. مارأيك؟ يجوز الوجهان (يضحك). إذ إن الوجهين حاضران بقوة، وكلاهما لهما رموز. وجه الأمومة، الذي من ضمنه القايدة حورية التي صار المغاربة يتغنون بها، وهو جانب الاحتضان أي الدولة الحامية، وهو (وجه) حاضر. والجانب السلطويالحاضر، كذلك، بقوة لأن الدولة ليست فردا واحدا وليست شخصية منسجمة، الدولة تتنازعها عدة مصالح وعدة تصوراتوتمثلاث. ليست شيزوفرينيا.. ليست شيزوفرينيا، ميزان القوة بين التيارات داخل الدولة يتقلب، ويتقلب على مستوى الزمن، فحتى في ظرفية كوروناكانت هناك مراحل، وميزان القوى يتغير بين الفينة والأخرى. الجانب السلطوي كما قلت حاضر بقوة إلى حد ما، وهو يتأتى من تصور كيف نحكم؟ تصور ما هي الصرامة؟ حيث يكون هناك تصور تقليدي إلى حد ما، ويعطي أحيانا تعارضات. يعطي انطباعا كأن الدولة تعيش نوعا من الشيزوفرينيا. لكن هاته التجاذبات والتصورات داخل مصالح النظام ككل، هيالتي تنجم عنها هذه الحالات المتعارضة. أعطيك مثالا: التصور الذي لدى النيابة العامة للصرامة هو تصور إلى حد مايتعارض كليا مع السياسة الحالية لتدبير الجائحة، لأنه لا يمكن أن يجري فرض الحجر الصحي، وأحيانا قد يكسر بعضالمواطنين الحجر وهو أمر لاحظناه في العديد من الدول، ويجري توقيفهم من طرف السلطات، وأنا أتصور إذا كان مائة خرقوا الحجر، فستون منهم يتفهم من يقومون بالمراقبة وضعهم، أما الأربعون، من حق الدولة أن تتابعهم بالقانون، ولكن تنزيل هذا القانون على مستوى تدبير الجائحة يثير مشكلا، لا يمكن تصور أن اعتقالهم أمر في صالح هذا التدبير. فحين تقبض مثلا على هؤلاء الأربعين وتقدمهم في حالة اعتقال، هذا لم يعد صرامة، وليس فقط سلطوية، بل أكثر من ذلك يسيرضد سياسة الدولة للتدبير، لأنك حينما تعتقل هاته الأعداد الهائلة وكأنها مؤشر على النجاعة والضرب بيد من حديد، ففي الوقت عينه يجري تهديد حياة الناس، ويتم كسر استراتيجية التباعد والحماية، هذا ليس بتدبير وهو أمر غير معقول. ما يتبادر للذهن حين تتحدث عن التجاذبات داخل الدولة.. (مقاطعا)، هذه التجاذبات تعني أن هناك مصالح، ليس بالضرورة شخصية، بل مصالح مؤسساتية مختلفة، كل مؤسسة لها مصالح، ولها تصور لعملها، وثانيا هناك تعارض للتمثلات، وتعارض في الثقافة السياسية. ما يتبادر إلى الذهن من كلامك هو أنه ليس هناك عقل مركزي يدبر، أو بمعنى آخر ليس هناك تنسيق.. أظن أن هناك مستويين من التدبير، المستوى الاستراتيجي وهو واضح وبسيط: صحة المواطن في قلب الحدث وليس هناك أي اعتبار لحسابات أخرى أمام صحة المواطن، الخطاب الاستراتجي الذي صدر من أعلى سلطة بالبلاد هو هذا. ولكن،“كل واحد كيدير خدمتو“. وعلى مستوى تدبير ذلك الخطاب الاستراتيجي تبقى الحكومة هي المسؤولة. طبعا، ليس هناك تنسيق لتدبير الخطابالاستراتيجي أو “شاف أوركسترا” الذي يمكن أن يمنح التناغم، لذلك نجد من يقول ب“الصرامة” وقام باعتقال 48 ألفا أو50 ألفا، إذن ما يقوم به وزير الصحة تنسفه النيابة العامة. هناك من يقايض الديمقراطية بالتنمية. هل في نظرك هذه المسألة جائزة؟ نعم هناك هذه المجازفة الآن، أظن أن هاته المسألة على المستوى المتوسط والبعيد لا تعطي نتائج، لأنه لا خيار سوىمشاركة المواطن في اتخاذ القرار، حيث يتم توزيع المسؤوليات وتسهل عملية التعبئة، وكذلك لأنه عبرها يجري التعامل معأشخاص مسؤولين وليس كأشخاص تقوم بالحجز الأبوي عليهم. هذا الاختيار قد يبدو سهلا، لكن لا يمكن أن يدوم ويعطي نفسا طويلا لأي بلد. الديمقراطية لها سومة ويجب تأديتها، يظهر الأمر صعبا، لكنها الأقل ضررا من اختيارات أخرى في تدبير الشأن العام. مرت تسع سنوات على الدستور الذي كنت ضمن لجنة صياغته، و قيل الكثير طيلة هذه المدة عن تنزيل الدستور، وكذلك عنالانزلاقات التي عرفها.. هل وُضع ليبقى معلقا؟ لنكن واضحين، الدستور ليس برنامجا حكوميا. إذ من المفترض أن الدستور يوضع لزمن طويل، ويؤسس الشروط الأوليةلثقافة سياسية. الدستور لا يضع ثقافة سياسية، بل يؤسس لها ويضع ما يسمى بالحدود. لكن كان المتوقع أننا سندخل مرحلة جديدة. أليس كذلك؟ لقد دخلناها، ربما لم ندخلها بالانتظارات ذاتها، حتى المؤاخذات التي تقال الآن، هي مؤاخذات بخصوص تلك الحدود. كان من المنتظر أن ندخل مرحلة جديدة أفضل. أليس كذلك؟ طبعا. أنا كذلك لست راضيا. لكن أنا محلل ولست سياسيا، فحين مثلا يقول أحدهم تجاوزات أو انزلاقات، تجاوزاتمقارنة مع ماذا؟ مقارنة مع سنوات الرصاص؟ بل تجاوزات بالنسبة إلى الوضع الحالي، حينما نتحدث عن النائب العام،فنحن نتحدث عنه ضمن الدستور الجديد الذي وضع الإطار لذلك. طبعا، الدستور يعرف تجاوزات وهناك عدم تطبيقهوتنزيله.. لكن هذا الإطار موجود. إذن فعملية جرد الحساب لا تبدأ مما كان، بل بالمقارنة مع هذا الإطار. هذا هو المنطلقالأول للتحليل. هذا الوضع الذي يؤسس له الدستور لا يستجيب لمصالح الجميع، هناك من لا يعجبهم أو لا يجدون ذاتهم ضمنه، لكن هناك اتفاقا للأغلبية على “الدستور، كل الدستور، لا شيء غير الدستور“. هذا هو المطروح الآن، ومقارنة مع التاريخ الطويل للبلاد، فهذا مكسب كبير. الآن، الرهان هو على قراءات ذلك الدستور، لحد الآن القراءة ضيقة جدا. لماذاهي ضيقة؟ لأن ميزان القوى داخل المجتمع هو الذي يمكن من تجاوز التعارضات، ميزان القوة في المجتمع حاليا منحالإمكانية لقراءة دون المستوى الذي منحه الدستور. “هادشي لي كاين“. كل مكسب يعطي ردود أفعال لم تكن محددة. لنأخذ الانتخابات على سبيل المثال، لا أحد يمكن أن يقول إن الانتخابات في المغرب ليست مكتسبا، على الأقل على مستوى النخب السياسية، لن نتحدث على نسبة المشاركة لأن الأمر يتطلب وقتا يتعلق بمنسوب الثقة، لكن هناك قناعة قويةلدى الفرقاء السياسيين أنه لا يمكن الوصول إلى قلب القرار إلا عن طريق الانتخابات، أو على الأقل أن الانتخابات تمكنك من الوصول إلى مركز القرار، وإذا نجحت فيها لديك نسبة من السلطة. هذه القناعة المشتركة الآن، ماذا ينبثق منها؟تعطينا تصورا إلى حد ما نقول إنه سياسوي للسياسة، لن نتجاوزه الآن، سنتجاوزه من هنا لخمسين أو ستين سنة. وإذا اطلعت على تاريخ الديمقراطيات والانتخابات، فهذه الأمور كانت لحدود قريبة في دول ديمقراطية، لكن الدستور عينه ليسهو المسؤول عن هذا الوضع، هذا يؤدي بنا إلى أمر آخر وهو أن الانتخابات ليست لوحدها شرطا للديمقراطية. هي شرطمن الشروط. لنأخذ أمرا يهمك كصحافية، المجلس الوطني للصحافة؟ هل أنت راضية عنه؟ (يضحك) لكن المجلس في حدذاته مكسب. كأنك تقول إن ما لدينا من مكتسبات هو بمثابة إطارات. والمحتوى؟ هذا رهين بمستوى الناس وتدبير الصراع بينهم، بالقيم التي يحملونها، وهي أمور لا ينشئها القانون. قال بوبكر الجامعي في حوار معه، إن المشكل ليس في تنزيل الدستور ولا في الانزلاقات عن الدستور، وإنما هو مشكلدستوري في الأصل، لأن ليس به ضمانات فصل السلط وتوازنها، بعيدا عن التقديم العام، أي إنه لا يمنح آليات ممارسةهذا الفصل.. ما رأيك. لقد تحدثنا طويلا أنا وبوبكر حول هذا الموضوع، وهو يحملنا نوعا من المسؤولية أننا لم ننجز دستورا جيدا. ممكن أنه“عندو الحق“. لكن دعيني أعطيك مثال سهلا، استقلال القضاء مثلا، الآليات موجود ومكتوبة وحتى القانون، مسألة أنالملك ضامن لاستقلالية القضاء فحتى رئيس الجمهورية هو ضامن لاستقلالية القضاء. حينما نتحدث عن توازن السلطهو ليس قضية فقهية، بل قضية سياسية، هو مبدأ سياسي تدخل فيه الثقافة السياسية، ولتكتسب تلك الثقافة يلزم كسنوات عديدة من الممارسة. تحدثنا عن عدد المعتقلين في ظل الجائحة، هو أمر ناتج عن استقلالية القضاء، لو أن النائبالعام يشتغل كما في السابق لناداه وزير العدل ليقول له كيف تعتقل كل هؤلاء الناس والسجون ممتلئة؟ وذلك لا يعني الآن أنه لن يناديه.. الدستور ليس فقط نصا، بل ثقافة وتوافقات حول مشروع مجتمعي. إذا لم يكن هذا حاضرا على مستوى الساحةالمجتمعية، فسيكون هناك تضارب في القراءات. في جميع البلدان الرهان يكون على القضاء الدستوري. لأن القضاءالدستوري إذا كان متقدما ومتنورا يمكن أن يطور الوضع. فقد تعيد صياغة الدستور عشرات المرات ولن يكون هناك تقدملأن الممارسة السياسية هي التي ستطوره، وإذا لم يكن هناك تصور متوافق عليه على مستوى المجتمع، يحترم الاختلافوينشئ آليات لتدبير الاختلاف ويحترم الأقليات.. لا يمكن أن يتطور الوضع. قد يجري تأويل هذا الكلام، وفي الغالب يؤول، بالقول إن لكل شعب ما “يستحقه” من دستور ودولة؟ أنا لا أتحدث عن الاستحقاق، باعتبار أن القوانين ليست مكافآت، ثم إن القوانين هي نتاج صراعات مجتمعية. هل هناكماركسية أكثر من هذه؟ أظنها فكرة هيغيلية أن الدولة تعبر عن مستوى المجتمع.. هيغل له تصور فوقي، أنا أتحدث عن أن القوانين هي نتاج صراعات اجتماعية، وتحدثت عن أن موازين القوى هي التيتحدد.. يحملنا الحديث عن دستور 2011، للحديث عما حملته حركة 20 فبراير من مطالب، ألم تظهر السنوات التي مرت أن روحتلك المطالب عبرت عن خلل تعاني منه الدولة، مثلا في علاقة السلطة بالمال، وقد رأينا كيف أن مشروع القانون الذي جرىتأجيل النظر فيه كيف أراد تجريم الدعوة إلى المقاطعة؟ هنا سأصدمك ، من يكون ترامب؟ نعم هو مستثمر، لكن أمامه سلطات يمكن أن توقفه عند حده.. إذن “سالِينا“، هذا هو ربط السلطة بالمحاسبة عبر آليات المراقبة والتتبع، وعبر ما يسمى السلطات المضادة، وعبر قوةالصحافة كذلك.. وليس السكوبات. وحين الحديث عن القانون رأيت كيف أن قوة الرأي العام استطاعت توقيف ذلكالمشروع، ظهر أن هناك رأيا عاما مسؤولا. كيف نظرت إلى القانون ورد الفعل عليه؟ هو زلة وقصر نظر. طبعا، يجب التقنين، لكن ليس بتلك الطريقة. الآن يظهر لك حينما أقول إن المغرب تغير، فطبعا تغير. طوباويا، هناك تعارض السلطة والمال، ولكن على مستوى التجارب الإنسانية فالمال هو الذي يعطي السلطة، المشكل يبقىفي الإطار الذي يحدد العلاقة بينهما وفي المراقبة والمتابعة وتحديد المسؤوليات والمحاسبة وحرية التعبير، إذن ليس مشكلافي حد ذاته أن يمارس أصحاب المال السياسة، ولكن المشكل يكمن في الآليات التي تؤطر تلك الممارسة. كتبت عن الإسلام السياسي والسلطة، الآن حوالي تسع سنوات من تجربة العدالة والتنمية على رأس الحكومة، كيف تنظرإلى هذه التجربة؟ وهل فعلا حدث ما قلته قبل سنوات، إنهم قد يكسبون الرهان، لكن سيعيشون صراعا مع الذات بينالمرجعية والممارسة؟ نعم، ولازالوا لم يخرجوا من هذا الإشكال. أظن أن وجود الإسلاميين في الحقل السياسي هو مكسب للمغرب، لأنه ساهمإلى حد ما في تجديد النخب، وفي تنويع المرجعيات. الإشكال الذي طرحت يرتبط بكون أن انعكاس الوصول إلى التدبيرعلى مرجعية الإسلاميين لم يكن بتلك الوتيرة المنتظرة، ظلوا ضعافا وليس هناك تجديد على مستوى المرجعيات، وحتى على مستوى التكوين يظل فيه ضعف على المستوى السياسي. أما التدبير فأمر واضح. على مستوى تجديد الفلسفة السياسية ظل المردود ضعيفا، أي تجديد المرجعيات وليس الدخولفي سلفية جديدة، لأنهم ظلوا منحسرين على مستوى الفكر الإخواني والمرجعية الإخوانية التي ظهرت محدوديتها. ظلوافي وضعية انحسار لإيجاد إطار جديد حول موقع الدين من السياسة، وهو ما كنا ننتظر، أي هذا الإطار الجديد. كان لدي انطباع أنك، ربما، تعتقد أن وجودهم في السلطة غيّر نسبيا في بنية التفكير وبدؤوا يتقبلون أمورا على عكسسابق عهدهم.. (مقاطعا) هذا أمر آخر يتعلق بالجانب البراغماتي أو الانتهازي، أنا أتحدث عن الأدبيات الفلسفية، أما قضية التأقلم فهميتأقلمون مع كل شيء وهذا يزيد من إضعافهم، لأنه هنا يظهر تعارض المبدأ والممارسة، حينما يقولون الرأي حر والقراريفرض على الجميع. ننتظر أن يتم الخروج من مأزق الفقه القديم ويكون هناك تجديد على مستوى الاجتهاد. هم من يجبأن يجدوا حلا لمسألة المساواة والإرث، لأن هم من لهم مرجعية إسلامية.. ولا ينبغي اجترار ما يُقال في الأزهر. حينما يصل حزب سياسي إلى الحكم، ماذا تنتظر منه حينما يجابه منطق السياسة؟ ننتظر تجديد المرجعية، أماالبراغماتية والحديث عن التدرج فهذا الأمر لا يخدمه، لأنه يخلق تلك المفارقة ويؤدى ثمنها على المستوى الانتخابي. إذا سمحت، ربما مسألة تجديد المرجعيات الفكرية تتطلب وقتا سواء لدى الإسلاميين أو غيرهم.. أنا لم أقل تجديد الذهنيات، بل المرجعيات. ماذا كتب هذا القيادي أو ذاك، انطلاقا من كتاب يتكلم فيه بوضوح وليسمجرد عموميات، يطرح فيه تجديدا. ننتظر أن يصدر منتجا “مقاد“. فمن يقوم بالممارسة السياسية يفكر بشكل متقدم عنمنظمته الدعوية. فأنا حين أسمع أمينة ماء العينين، جيد، ولكن ليس هناك أي صدى على مستوى المرجعية والفلسفةالسياسية، أنا لا أتحدث عن الممارسات. ما هو هذا الاجتهاد الذي تم تقديمه في العشر سنوات الأخيرة موازاة مع محاولات جريئة قاموا بها من قبل. الآن هم في موقع سلطة سياسية وكذلك رمزية، ماذا أنتجوا؟ أما على مستوى التدبير، فهناك محدودية الفعاليات والأطر والتصورات الاقتصادية. أثرت مسألة التعارض بين المرجعية والممارسة لدى البيجيدي، وهو أمر يؤاخذ على بعضهم ويثير اهتماما على وسائلالإعلام، ألا يمكن النظر إلى الأمور من زاوية أخرى، وهو إذا كان هذا التعارض يذهب في اتجاه انفتاح. أين المشكل؟ طبعا ليس هناك من مشكل لدي، لكن من يعترضون ينطلقون من خطاب أخلاقي. أنا لا أنطلق منه. وقد كتبت عن هذاالأمر. وحين أتكلم عن بعضهم ممن يحملون في ممارستهم نوعا من العلمانية وليس مجرد انفتاح، أتساءل عن الصدىعلى المستوى الفكري لهذه الممارسات.. لا يجب النظر إليها على أنها أخطاء يجب أن تصحح في الممارسة والاختيار،ليس هناك مشكل فيما يقوم به الشخص أو يقوله، لكن يجب تطوير العقيدة. كنت أسمع العثماني في ندوات فكرية قبل أن يصير رئيسا للحكومة وكان يعتبره البعض أنه يقوم باجتهادات أكثر ومنفتحأكثر من بقية إخوانه، بل هناك من يقول عنه إنه علماني الإسلاميين. السي العثماني فقيه جيد، لكنه لازال هو الآخر يفكر بأدوات تقليدية، أما الانطباع الذي يعطيه، فهو نابع من شخصيته،الإنسان المسالم والطيب، لكن الأدوات العلمية لازال لم يتم فيها أي تجديد، لننظر إلى تونس مثلا، فعلى الأقل هناكتعارض داخل النهضة واختراقات فكرية متقدمة. إذا أردنا إقامة نوع من المقارنة بين صورة البيجيدي بين قياديين هما عبدالإله بنكيران وسعد الدين العثماني، تغير شيءأم لم يتغير؟ ليست لهما المهارات عينها ولكل واحد خصوصياته. لا أقول إن واحدا أفضل من الآخر. فإذا كان للسي بنكيران طاقةعلى مستوى التعبئة والتواصل بشكل أكبر والحسم بسرعة أحيانا أكبر، فالسي العثماني له جوانب إيجابية أخرى، فهويجيد القيام بالتوافقات ويشتغل بصمت، وفعلا هناك عمل. وحتى على مستوى الحزب فرغم التصدعات التي كانت عادية،فالعثماني يسير الأمور بهدوء، وحضور حزبه في جميع مواقع السلطة في البلاد يزداد بهدوء. لكن على المستوى النظري، فصيرورة تطبيع المشاركة في السلطة، يؤثر بطريقة جذرية على بنيات الحزب، لأنه حينما تكون لك السلطة يطرح مشكلالموارد وكيفية توزيعها حسب التراتبية، وهذه التراتبية تتغير مع الوجود في السلطة.. مثلا، الرمز الأساسي للحزب فيمراحله الأولى هو الداعية الذي يتحدث بشكل جيد ويكون خطيبا، بعد ذلك يتم الوصول إلى المستوى التقني هو من يكونله نفوذ.. أي إنه يتم إعادة ترتيب التراتبية، وحينما لا يجري تدبير هذه الأمور تحدث مشاكل. الحزب يواجه الانتظاراتالتي تخلق لدى الناس من وجوده في السلطة، وحينما تكون في السلطة يزداد الأعداء ولا تتحكم في إخلاص من فيصفوفك فقد يرتفع عدد الانتهازيين وتتغير معايير تدبير الشأن العام، ولا يبق الداعية مهما، وحين لا يصير مهما ولا تمنحهما ينتظر يخلق مشكلا، لماذا يخلق مشكلا؟ لأنك لم تقم بتغيير المرجعية، وهذا ما يعيشونه وما عاشه الإخوان. هل تعتقد أن جماعة العدل والإحسان تشكل فعلا خطرا على استقرار البلاد؟ لم يسبق أن قلت ذلك أبدا، وموقفي من العدل منذ أول لقاء مع عبدالسلام ياسين سنة 1979 لم يتغير. أقول إن العدلوالإحسان هي حليف موضوعي للدولة المغربية، ليس لأنهم يريدون ذلك، بل لأن العدل والإحسان هي التنظيم الإسلاميالوحيد في العالم الذي له بعد محلي فقط. بعد محلي مغربي. ورغم التصادم الذي يعيشونه مع السلطة، والذي يعكس أيضا صراعاتهم الداخلية، رغم كل ذلك فهم حليف موضوعي لاستقرار البلاد، ولا أحد يمكنه أن يشك في وطنيتهم ولا فيمسؤوليتهم، رغم أني لا أتفق معهم، لكن هذه ليس قناعة شخصية، بل ما أستشفه من خلال تحليل المواقف والكتابات وتحليل النسيج الاجتماعي لهم، يمكن أن نؤاخذهم على التطرف في الآراء أو الانغلاق، ولكن موضوعيا لا يمكن التشكيك في وطنيتهم ومسؤوليتهم. فيما يخص المؤاخذات على الآراء، ألا ترى أن خطابهم نوعا ما تطور، وأنه يتم إصدار تقارير حقوقية؟ طبعا، هناك تكوين سياسي متين. لم يحل مشكل علاقة السياسة والدين، ولا أتفق معهم كفاعل سياسي، ولكن علىمستوى الجماعة كجماعة، هناك تطور. قلت إن جماعة العدل والإحسان هي التنظيم المحلي الذي يوجد فقط بالمغرب، قيادة العدالة والتنمية، أيضا، تقول بأن ليسلها أي علاقة تنظيمية بالإخوان المسلمين.. صحيح ليست لهم علاقة تنظيمية مع أي تنظيم عالمي، ولكن على مستوى المرجعية لهم المرجعية عينها، أما ناس العدلوالإحسان فلهم مرجعية واحدة وهي كتابات الشيخ ياسين، والشيخ انتقد قطب وشريعتي .. نتفق أو لا نتفق مع الشيخ، فهو مرجع أسس لتصور إسلامي مغربي يزاوج بين التصوف في التربية والإحسان وبين الحركية، وهي جماعة لا تصدرولا تستورد، حتى التنظيمات العالمية للعدل والإحسان هي تنظيمات مغربية، فيها 95 في المائة من المغاربة، رغم أن لهاإمكانية الاستقطاب، لكن ليس لها هذا التصور. صعود الإسلاميين إلى الحكومة بالمغرب أزعج أطرافا إقليمية، وتابعت هجوم الإمارات أو ما يسميه البعض ب“الذبابالإلكتروني” للإمارات على العثماني وعلى المغرب. كيف تنظر إلى هذا التطاول؟ المغرب محصن، وحينما نقول محصن فمنذ القرن 16 وهو يتسم بهذه المكانة، لنستحضر فقط، تلك الرسائل التي تبادلهاالمغرب مع مراد الرابع خلال الحكم العثماني.. إذن أظن أن لدينا رصيد تاريخي وثقافة تاريخية بما فيه الكفاية للتعامل بقليل من التباعد مع هؤلاء الناس. نرى التدخل الذي يقومون به الآن في الجزائر وفي موريتانيا وفي السعودية وفيتونس.. لكن التدخل في المغرب يأتي عبر حملات إعلامية. ورغم ذلك، فهو بعيد عن مستويات التدخل التي ذكرت. إضافة إلى ما قلت، أليس التشويش الذي تثيره الإمارات ناتج، كذلك، عن موقف المغرب من الأزمة الخليجية ومن حصارقطر تحديدا؟ أظن أن السياسة الخارجية للمغرب هي سياسة متوازنة وهذا إرث كبير، بحكم الموقع التاريخي والجغرافي للمغرب وهذالن يتغير، نحن في الغرب بعيدا عنهم، يمكن أن يكون وجود الإماراتيين بالقرب منا واستثمارهم الكبير في موريتانيا يؤثرعلى التوازنات، ويدفع المغاربة للاجتهاد أكثر لإيجاد حل لتوتر العلاقات مع بلدان المغرب العربي. حينما تدرس التاريخ تجد أن للمغرب خصوصياته والمشرق أو الخليج له خصوصياته، وإعادة بناء تكتل مغاربي هو الذي يمكن أن يحل هذاالأمر، إضافة أنه أمر مرحلي، وهم ديكتاتوريات عيشها ووجودها يأتي مما تملكه من مال، ولن يكون له أثر على المستوىالمتوسط، فهو هش، بسبب العامل الفكري الضعيف، وأيضا العامل الديمغرافي .. هذا القوس سينتهي. ماذا عن وضعية الإخوان المسلمين بعد ما وقع في مصر ومجموعة من البلدان التي عرفت موجة الربيع العربي، هل لازالت صورتهم تثير عدم اطمئنان لدى المغرب؟ الإخوان كتنظيم يعيشون أزمة لن ينهضوا منها، ثم إن الإخوان كفكر ومرجعية سيبقون حاضرين بقوة، لأن تصورا ثالثاومتقدما بين الإسلاميين لازال ضعيفا وقد تحدثنا سابقا كيف خيّب البيجيدي انتظارات الناس.. إذن تظل هناك قوتان هماالإخوان والسلفيون، هم الحاضرون ولا مشروع من هذين المشروعين يؤسس لطفرة جدية. وهذا ما يعطي مجالا كبيراللحضور الفكري للشيعة، لأن هناك محدودية الاجتهاد عند هذه القوى التقليدية، إضافة أن تفكير الإخوان على المستوىالسياسي هو تفكير أتوقراطي وليس ديمقراطيا، إذ يرى الديمقراطية كآلية فقط. إلى حد ما ليس هناك فرق بين الإخوانوالعسكر في مصر على مستوى التفكير، ومحدودية التفكير في الفلسفة السياسية تجعل أن الناس يستعينون أويستحضرون اجتهادات شيعية. هل صحيح أنك كنت تريد أن تكون مخرجا سينمائيا؟ لا، مارست قليلا الإخراج كهاو في الأندية السينمائية وكتبت في السينما قليلا، كانت مرحلة في حياتي. فقد كنت فيحركة الأندية السينمائية في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات بحكم الاشتغال على الثقافة، وقمت بمحاولات في كتابة السيناريو وفي الإخراج والإنتاج. كان ميولا أو كنت متأثرا بجو سياسي لسنوات السبعينيات؟ بما أن الحقل السياسي في ذلك الوقت كان مقفلا، فقد كانت الحركية الثقافية والنضال الثقافي واجهة من واجهاتالنضال أو العمل السياسي المسؤول، ثم إنه كان يتيح إمكانية تثقيف الفرد. بدليل أني تعلمت الكثير من المهارات في تلك المرحلة.. ألا ترى أن هناك حاجة إلى مثل هذه الأندية حاليا؟ طبعا، لأن هناك طلبا كبيرا على الثقافة في المغرب حاليا، فهذا “التوحد” والفردانية تجعل أن مجالات النقاش وساحاتالتعبير عن الاختلاف المسؤول تحتاجها البلاد كثيرا، لأنها تحد من العنف سواء الرمزي أو المادي وتمكن من إعمال الذكاءالجماعي لإيجاد حلول جديدة. فمن خلال الأندية السينمائية المرء لا يشاهد فقط فيلما، بل يساهم في النقاش الذي يكسب العضو المنخرط مهارات واسعة على مستوى التواصل والتعبير عن الاختلاف.. الأندية السينمائية كانت مرتبطة باليسار.. وأين هو اليسار اليوم؟ لذلك أتحدث عن الاجتهاد، ما الذي يمنع أن المسجد الذي يُفتح مدة وجيزة خلال الصلوات ويظل مغلقا طيلة اليوم. ما الذي يمنع أن تكون فيه قاعة قراءة؟ ما الذي يمنع أن تكون به مكتبة بها كتب من غير القرآن؟ أظن ليس هناك حاجز أن يجتمع الشباب على كتاب ويناقشونه؟ هذا يتطلب قليلا من الشجاعة والمبادرة. لا شيء يمنع،“خاص فقط تغيير “اللوجيسيال“.