الوكالة الوطنية للمياه والغابات تعلن عن الانطلاق الرسمي لموسم القنص 2024-2025    انتخاب المغرب على رأس الأمانة العامة للمنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية ذات الاختصاصات القضائية    بوريطة: موقف المغرب واضح فيما يتعلق بالشرق الأوسط    بعد انسحابه بسبب قميص نهضة بركان.. لجنة الإنضباط للكاف تعاقب اتحاد العاصمة الجزائري بغرامة ثقيلة    بعد غارة هي الأعنف من نوعها على لبنان.. نتنياهو يعلن مقتل هاشم صفي الدين خليفة حسن نصر الله    وزارة الثقافة: اختيار اليونسكو للرباط كعاصمة عالمية للكتاب لسنة 2026 ثمرة لالتزام بلادنا بالنهوض بالثقافة وبدمقرطة المعرفة    المغرب أول دولة إفريقية تحصل على علاج "Tpoxx" لمواجهة مرض جدري القردة    تضمنت اتفاقيات شراكة تهم الناظور والدريوش.. مجلس جهة الشرق يصادق على 46 نقطة خلال دورة أكتوبر    البرلمان الأوروبي يرفض إدراج قرار المحكمة الأوروبية في جدول أعماله    المغرب يواجه شبح ارتفاع أسعار المحروقات مع تصاعد توتر الشرق الأوسط        25 قتيلا و2967 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    تصفيات كأس أمم إفريقيا المغرب 2025 توتال إنيرجيز: مواعيد مباريات الجولة الثالثة    طنجة تحتضن فعاليات النسخة الثانية من "ملتقى ومعرض الأعمال المغربي-الليبي"    السكوري: قطاع الهيدروجين الأخضر من المتوقع أن يوفر حوالي 300 ألف فرصة عمل مباشرة بحلول عام 2030    المغرب يؤكد استعداده لاستعادة المهاجرين السريين والقاصرين    المغرب يبدي استعداده لاستقبال المهاجرين القاصرين محذرا من "الفراغات القانونية" في الدول الأوربية    تطوان.. الملتقى الجهوي يوصي بتعزيز التحول الرقمي للتعاونيات الفلاحية النسائية    توقعات أحوال الطقس ليوم الأربعاء        "هِمم" تعبر عن قلقها بخصوص الوضع الصحي للنقيب زيان وتجدد المطالبة بالإفراج عنه    هيئة النزاهة تنتقد تأخر إحداث الوكالة الوطنية الخاصة بتدبير الأموال المحجوزة المتأتية من الفساد    عالم بلا بوصلة    المركز السينمائي المغربي يكشف عن قائمة مشاريع الأفلام الطويلة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    هُويّة المغربيّ وصورته    "الابتكار الثقافي بوابة التثمين الترابي للمناطق الجبلية" شعار مهرجان أجذير إيزوران بخنيفرة    دليلة بلكاس تكشف عن إصدار فيديو كليب جديد وتنتظر دعم جمهورها    توقيف 4 أشخاص بالبيضاء يشتبه ارتباطهم بشبكة إجرامية تنشط في سرقة السيارات    اغتصاب قاصر يورط عشرينيا في تزنيت    مجموعة بريد المغرب والبريد البرتغالي « CTT كوريوس» يطلقان إصداراً مشتركاً لطابعين بريديين    فينتربيرغ يرأس حكام مهرجان مراكش    "التعلم الآلي" ينال جائزة نوبل للفيزياء    الفنان هشام شبري يطلق أغنيته الجديدة «يازين السمية»    نسبة التضخم ترفع الأسعار في المغرب    الإفراط في القهوة والمشروبات المكربنة يجلب السكتة الدماغية    دياز يعود للتدريبات الفردية ويستعد للعودة إلى التشكيلة    ذكرى 7 أكتوبر… مسيرات ووقفات بعدة مدن مغربية للمطالبة بوقف العدوان وإسقاط التطبيع (صور)    دراسة: الرصاص في المنتجات الاستهلاكية يتربص بالأطفال    الرجاء البيضاوي يتفق مع البرتغالي ريكاردو سابينتوظ لتدريب الفريق خلفا لروسمير سفيكو المقال    شعبوية الرئيس تبون و سقطته الجديدة في قعر التفاهة    فلوريدا تستعد لوصول الإعصار ميلتون "الخطير للغاية"    وفاة متسابق فرنسي في "رالي المغرب"    المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة يخوض مبارتين وديتين أمام فرنسا بمركز كليرفونتين    المنتخب الوطني يخوض أول حصة تدريبية استعدادا لملاقاة إفريقيا الوسطى    تنبيه من العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية    بوريطة يجري مباحثات مع وفد جنوب إفريقي من المؤتمر الوطني الإفريقي    الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال أحد قادة حزب الله بغارة دقيقة    أنقرة تتحرك لإجلاء الأتراك من لبنان    القضاء يلزم "غوغل" بفتح المتجر الإلكتروني أمام المنافسة    تحليل ثقافي واحتجاج ميداني.. بلقزيز يستشرف قضية فلسطين بعد "طوفان الأقصى"    أهمية التشخيص المبكر لفشل أو قصور وظيفة القلب    رواندا تطلق حملة تطعيم واسعة ضد فيروس "ماربورغ" القاتل    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ابن تيمية.. من العقلانية الجزئية إلى العقلانية الكلية الخلفية الميتافيزيقية للفلسفة الإغريقية الإسلامية
نشر في اليوم 24 يوم 21 - 05 - 2020

يعد ابن تيمية واحدا من الفقهاء والعلماء في تاريخ الإسلام الذين شغلوا مساحة واسعة من الجدل الديني والفكريوالسياسي منذ قرون طويلة وإلى اليوم، سواء في العالم العربي والإسلامي أو في الثقافة الغربية، بل ربما كان الوحيدالذي ملأ الدنيا وشغل الناس أكثر من غيره، وأثيرت حوله الانقسامات، بل صار في فترات معينة عنوانا لما ليس هو، وتهمةكافية توجه إلى كل من دافع عنه أو تحدث عنه بغير اللغة التي يراد أن يُخاض بها في فكره وحياته وشخصه. بعيدا عنالقراءة الإيديولوجية التي وضعت ابن تيمية خلال العصر الحديث في هذا الصف أو الصف المقابل، وجعلته إما فقيهالسلطة، وإما منظرا للعنف، يحاول الدكتور إدريس الكنبوري تقديم قراءة ثالثة تسعى إلى تخليصه من الصورة النمطية،من خلال إعادة دراسته في واقعه، ووضع فكره وإنتاجه الفقهي ضمن التراكم التاريخي للفكر العربي الإسلامي (تنويهمن التحرير: نظرا إلى كثرة الإحالات والهوامش نعتذر إلى القراء عن عدم نشرها).

ورغم أن الفلسفة اليونانية كانت فلسفة نخبوية، تشتغل بها النخبة المتعلمة ذات المستوى العالي من التكوين، فإن النخبةفي أي مجتمع وفي أي ثقافة لا يمكنها أن تعلو –مهما علت– عن المزاج الثقافي السائد في مجتمعها بشكل كبير.
هذه الخلفية الميتافيزيقية جعلت فلاسفة اليونان يبحثون موضوع العقل داخل موضوع النفس، لأن النفس هي مصدرالمعرفة والفهم والإدراك، أما العقل فليس سوى إفراز من إفرازات النفس. وليس غريبا أن يكون كتاب «النفس» لأرسطوهو الكتاب الذي بحث فيه بشكل مفصل مسألة «العقل»، ويعد المؤلف المرجعي لهذا الفيلسوف الكبير تلميذ أفلاطون،الذي كان يسميه العقل، وكان يقول كلما رآه متغيبا عن الدرس: «العقل لم يحضر».
قد رأى أفلاطون أن النفس هي الفاعل الرئيس في كل المشاعر والأحاسيس التي تعتمل في الإنسان، فهي مصدر التهموالتفكير والتحكم أو القيادة –والمقصود هنا قيادة الجسم لأن النفس والجسم وجهان لعملة واحدة لا قيام لأحدهما بمعزلعن الآخر– ومصدر جميع الوظائف الأخرى. فالمعرفة، بهذا الاعتبار، هي القوة النابعة من النفس، لكن هذه القوة لاتستطيع إدراك سوى الأشياء الموجودة فقط، أو الشيء الكائن. ويعبر أفلاطون عن هذا المعنى في الصيغة التالية: «كلما هو موجود بشكل كلي معروف بشكل كلي، وكل ما هو غير كائن إطلاقا غير معروف إطلاقا». لكنه يطرح سؤالا هو: «كيف يمكننا معرفة ما هو غير معروف؟»، ثم يجيب قائلا بأنه لا بد من «وسيط» بين ما هو معروف وما هو غير معروف،هذا الوسيط يسميه «الرأي».
أما في ما يتعلق بمفهوم العقل، فإننا لا نجده عند أفلاطون، وقد قلنا إن فعل المعرفة أو الإدراك هو واحد من فاعلياتالنفس، أو أحد وظائفها، كل ما نجده هو المعنى القريب من ذاك المعنى الأولي الذي عرفه العرب قبل الإسلام، والذيسنرجع إليه بعد قليل، ونعني بذلك الدلالة على المنع والحجز والحصر. ذلك أن أفلاطون يتحدث عن فعل التعقيل، لا عنالعقل كاسم، فهو يضرب المثل بأشخاص يشعرون بالعطش لكنهم لا يريدون الشرب، ويفسر ذلك بوجود شيء في نفوسهميحثهم على الشرب، وشيء آخر يمنعهم من ذلك، ثم يخلص إلى أن «المبدأ الذي يمنع من كل الحركات، عندما يتدخل، هونتيجة التعقل»، ويميز بين فعل التعقل، وهو الذي يحفز على الامتناع، وبين الرغبات والاضطرابات المرضية، وهي التيتحفز على الاندفاع.
أما أرسطو، فقد رأى أن للنفس أو الروح وظيفتين؛ الأولى وظيفة تحريك الجسم، والثانية وظيفة صناعة الإدراك. وبعدماناقش آراء الفلاسفة الذين سبقوه، مثل الرأي القائل بأن النفس إذا أرادت معرفة العالم المكون من عناصر مختلفة فيجبأن تكون هي نفسها مكونة من عناصر مختلفة أيضا، لأن «المماثل يعرف المماثل» أو «الشبيه يعرف الشبيه»، أو الرأيالآخر الذي يقول به طاليس، وهو أن النفس هي القوة المحركة فقط، أو الرأي القائل بأن الروح تنقسم إلى قسمين؛ قسميقوم بمهمة التفكير، وقسم يقوم بمهمة الرغبة، أو الرأي الذي يرى أن النفس والجسم مرتبطان؛ بعد ذلك يخلص إلى أنالنفس، لكي تستطيع استخدام القسم الذي تفكر وتعرف به، يجب أن تكون صافية غير ممتزجة بأي عنصر من العناصر«حتى تتمكن من السيطرة، أي من المعرفة»، وهو يعزو هذا التعريف إلى أناكساغوراس ويتبناه.
ويميز أرسطو بين الإحساس والإدراك، ذلك أن الإحساس لا يمكن أن يحصل دون الجسد، فيما يحصل الإدراك دونه لأنهمستقل عنه، ومعنى هذا أن الإحساس يلتحم بالشيء المحسوس الموجود في الواقع، فيما الإدراك يدرك المعاني لكن دونأن يتحد معها.
وقد ميز أرسطو بين العقل الهيولاني والعقل الفعال، فالعقل الأول هو عقل منفعل، وعقل بالقوة، وهو بمثابة المادة التي يمكنالتصرف فيها بإعطائها الصور والأشكال المختلفة، أما العقل الفعال أو العقل بالفعل فهو صورة تلك المادة التي تعقلالأشياء. ولكي يوضح أرسطو الفرق بين الاثنين عمد إلى مثال الضوء، فقال إن العقل الفعال مثل الضوء الذي يسلط علىالأشياء التي توجد في الظلام فتصبح قابلة للرؤية، أو للتعقل، فولا الضوء لبقيت محجوبة في الظلمة.
ومع ذلك فإن موقف أرسطو من العقل والنفس ظل غامضا، وقد تكفل بذلك بعده شراحه الذين تباروا لإيجاد تفسيرات لذلكالغموض، وكان من بينهم الإسكندر الأفروديسي، أشهر شراح الإغريق للفلسفة الأرسطية. وقد ذهب الإسكندر إلى القولبأن العقل الفعال الذي يصنع المعقولات ليس جزءا من أجزاء النفس أو وظيفة من وظائفها، بل هو الإله الذي يتمثل فينفوس البشر ويقوم مقامهم في إدراك معاني الأشياء.
وعلينا أن ندرك من خلال هذا أمرين أساسيين؛ أما الأول فهو أن ما نسميه الفلسفة الإغريقية ليس شيئا صافيا تماما، فقدتصرف الشراح في الكثير من الآراء المهمة لكبار روادها؛ فإذا أضفنا هذا إلى ما أشرنا إليه سابقا من كون أيديالمترجمين النصارى لعبت في الترجمة بشكل أو بآخر، وأن الترجمة كانت من لغة وسيطة هي السريانية وليس منالإغريقية مباشرة، نكون أمام ثلاثة عوامل مهمة تفسر لنا جانبا من التشويه الذي قد يكون لحق الفلسفة الإغريقية وهيفي طريقها إلى المسلمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.