«ابنتنا ليلى القاسمي، المعتقلة في سجن الرصافة في بغداد، توجد في حالة نفسية وصحية حرجة جدا، وتعيش في ظروف صعبة، ونحن خائفون عليها في ظل تزايد تفشي فيروس كورونا المستجد في العراق. لهذا نناشد صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله التدخل من أجل إنقاذها، وتخفيف المعاناة عن قلوبنا الممزقة بين طنجةوبغداد». ذلك ما أسر به قريبان مقربان من ليلى، بنبرة حزينة ل«أخبار اليوم» في الساعات الماضية. يتعلق الأمر بأسرة إحدى الفتيات المغربيات اللواتي خدعهن التنظيم الإرهابي داعش، حيث استعمل أزواجهن لتسفيرهن من المغرب إلى تركيا ومن هناك إلى سوريا، ثم العراق. ليلى كانت واحدة من اللواتي قادهن أزواجهن إلى جحيم سوريا، وعندما أرادت العودة نهرها زوجها قائلا: «لا عودة إلى الوراء، أنت زوجتي، وما عليك إلا الخضوع لي. هيا بنا إلى العراق». علما أن 1666 مغربيا التحقوا بالجماعات الجهادية، جزء منهم، نساء ضحايا. وليلى واحدة من ضحايا الزوج خاصة، وداعش عامة، على حد قول أسرتها. من البوغاز إلى الرصافة رأت ليلى النور سنة 1994 في كنف أسرة مغربية عادية بمدينة البوغاز؛ ترعرعت في طنجة، والتحقت بالمدرسة، لكنها غادرتها مبكرا قبل أن تصل إلى المرحلة الإعدادية. في سن العشرين عاما تقدم واحد من أبناء الحي لخطبتها، وعقد الزواج. وحتى زوجها لم يكمل الدراسة، حيث غادرها في المستوى الثالث إعدادي. وفي 2015 سافرا معا إلى تركيا، وهناك طلب منها العبور معه إلى سوريا. «انقطعت أخبارها بعد شهرين من التسلل إلى الرقة، قبل أن تعيد الاتصال بنا قائلة إن زوجها سيأخذها إلى العراق. كانت ليلى تطلب من زوجها دوما تسهيل عودتها إلى المغرب، لاسيما أنه كان وعدها بأنه سيقوم بذلك بعد انتهاء فترة التدريب في معسكرات داعش. وبعد عودته من التدريب، ألحت على العودة، لكنه قال لها إنها زوجته وإن عليها البقاء معه، وهكذا سافرا إلى الموصل، وبقيت معه هناك إلى أن قتل»، يوضح المقرب الأول من ليلى. وتابع المصدر ذاته : «بعد وفاة زوجها، تفاقمت معاناتها، كانت ترغب في الهرب، لكن الخوف استبد بها، لأنها كانت تدرك أن داعش لن يتردد في أن يقتل أمام الملأ كل من سولت له نفسه الفرار». وعندما فضلت «المضافة» على الزواج من الدواعش، ظل التنظيم ينقلها من مكان إلى آخر. بعدها انقطعت أخبارها مدة ستة شهور تقريبا، قبل أن يتصل أحد موظفي الصليب الأحمر بعائلتها في المغرب ليخبرها بأنه جرى أسر كل النساء والأطفال الذين كانوا يوجدون في مدينة «تلعفر» في شمال غرب العراق قرب الحدود السورية، بعد فرار مقاتلي داعش. كان ذلك سنة 2017، لكن المصدر لم يحدد الشهر. وعقب سقوط «تلعفر»، نقلت القوات العراقية ليلى إلى مخيم «حمام العليل» بالموصل. وقضت شهرين هناك، حيث كانت تتواصل سرا مع العائلة بمساعدة بعض الموظفين، قبل أن تقوم القوات العراقية بجمع النساء والأطفال ونقلهم إلى بغداد. وبعد ستة شهور من غيابها، عاد الصليب الأحمر ليتصل بالعائلة ليخبرها بأن القضاء العراقي حكم على ليلى بالسجن المؤبد. وعلمت الجريدة أن الأسرة طرقت أبواب وزارة الخارجية المغربية قبل نقلها ليلى للمحاكمة في بغداد، لكن نداءها لم يجد آذانا صاغية. أزمة صحية ونفسية بدوره، قال قريب ثان من الأسرة ل«أخبار اليوم»: «قبل ستة شهور، تواصلت معنا شابة جزائرية كانت قابعة مع ليلى في السجن نفسه بالعراق. حكت لنا أنها تتعرض لمضايقات وتهديدات من لدن النساء الداعشيات اللواتي مازلن متشبثات بالفكر المتطرف، حيث إنهن يكفرنها، ويتهمنها بالخروج عن الملة»، كما أخبرت الأسرة بأن الجنود الذين يحرسون السجن هم الذين يحمونها من وعيد المتطرفات. «لم تكن ليلى في يوم من الأيام تؤمن بالفكر المتطرف، بل أكثر من ذلك كانت شابة في ريعان العمر مقبلة على الحياة»، يقول أحد أفراد أسرتها. وقبل أسبوع، وفي عز أزمة فيروس كورونا المستجد وما يرافقها من حجر صحي وطوارئ، اتصلت بالأسرة شابة عراقية كانت معتقلة مع المغربية ليلى في سجن الرصافة في بغداد. بعد استفحال تفشي الجائحة، أقدمت الحكومة العراقية على الإفراج عن كل السجينات العراقيات القابعات في سجن «الرصافة»، فيما جرى إقصاء الأجنبيات وبينهن المغربيات. «أخبرتنا الشابة العراقية بأن ليلى تمر بأزمة صحية ونفسية خطيرة جدا، وأن الظروف هناك صعبة جدا، إذ إنها تغيب عن الوعي ساعتين على الأقل في اليوم، كما أنها لا تأكل، وتعاني ارتفاع ضغط الدم ودقات القلب، إلى درجة أن شعرها سقط. الله وحده يعلم حالنا. قلوبنا ممزقة بين المغرب والعراق. لهذا نطالب المسؤولين المغاربة بأن يتدخلوا لمساعدتها طبيا، والعمل على تسريع ترحيلها أسوة ببعض الدول، مثل الجزائر التي رحلت إحدى المعتقلات السابقات مع ليلى»، يبرز القريب الثاني. وفي الوقت الذي ترفض فيه الحكومة المغربية منذ شهور ترحيل المغاربة العالقين في شمال سورياوالعراق، تدخلت السفارة الجزائريةببغداد لدى الحكومة العراقية من أجل ترحيل الجزائريين القابعين في السجون العراقية، وهو الشيء الذي انتهى بترحيل بعض الموقوفين بتهم مرتبطة بالإرهاب إلى الجزائر، بينهم جزائرية كانت معتقلة مع المغربية ليلى. وبعد وصولها إلى الجزائر، اتصلت السجينة السابقة بأسرة ليلى في طنجة تخبرها بواقع حالة ابنتها. وتتخوف عائلات عشرات المغاربة المعتقلين في العراق من إمكانية اجتياح الفيروس الفتاك السجون العراقية، رغم تأكيد وزارة العدل العراقية أنها «لم تسجل أي حالة اشتباه أو إصابة في صفوف النزلاء المودعين في السجون والدوائر الإصلاحية»، وتابعت الحكومة العراقية، في بلاغ لها قبل خمسة أيام، أنها اتخذت «مجموعة من التدابير الوقائية لمنع انتقال الفيروس إلى السجون والدوائر الإصلاحية، وذلك عن طريق منع أي احتمالات قد تتسبب في نقل الوباء إلى النزلاء». وإذا كانت عيون الأسر المغربية توجهت يوم 22 أبريل الماضي إلى العراق وهي تنتظر لحظة إعلان مجلس القضاء الأعلى بالعراق الإفراج عن أزيد من 20 ألف سجين، بينهم معتقلون إسلاميون، تجنبا لتفشي فيروس كورونا؛ فإن أفق انتظارها خاب بعد تأكدها من عدم استفادة المغاربة من العفو. مع ذلك، مازالت عيون هذه الأسر تتنقل بين العراق والمغرب، حيث إنها لا تكتفي بترقب حصيلة الرصد اليومي في المغرب، بل كذلك في العراق. وعلى أي حال، فالأرقام الآتية من العراق لا تطمئن من ينتظر ابنا أو أبا أو أخا أو أختا معتقلة هناك، حيث جرى تسجيل، أول أمس السبت، 76 حالة إصابة جديدة في العراق، و41 حالة شفاء، وثلاث وفيات وبشكل عام، سجل هذا البلد، إلى حدود السبت، 2679 مصابا، و107 حالات وفاة، و1702 متعاف. مناشدة الملك «كانت فتاة عادية كأي شابة في سنها، تسمع الأغاني، وتشاهد الأفلام.. الشيء الوحيد الذي كانت تعانيه هو بعض المشاكل الصحية»، يقول المصدران. لكن حياتها ستتغير رأسا على عقب بعد سنة من الزواج. تزوجت ليلى من شاب يسكن في الحي نفسه الذي تقيم به في طنجة. وتقول مصادر «أخبار اليوم» إنه «كان مزيان، داخل سوق راسو، لا تظهر عليه أي مظاهر التطرف، لم يكن ملتحيا، ولا مقصرا (من التقصير)». أما أحد أفراد الأسرة فيقول: «في الحقيقة، صدمنا عندما أخذها إلى هناك. كان عاديا ومهذبا، لهذا زوجناه ليلى». يلخص أحد أقاربها قصتها قائلا: «تزوجت سنة 2014، وبعد سنة طلب منها زوجها السفر معه إلى تركيا، ومن هناك طلب منها مرة أخرى مرافقته إلى الداخل السوري، وبالضبط إلى مدينة الرقة التي كانت عاصمة لداعش في سوريا. وبعدما حطا الرحال في الرقة، غادر هو إلى أحد معسكرات التدريب، فيما بقيت هي في أحد بيوت الضيافة (مضافة)». شهرين بعد ذلك، عاد زوجها، وطلب منها مرة أخرى مرافقته إلى العراق، حيث استقرا في مدينة الموصل التي كانت عاصمة التنظيم في العراق. وبينما كان هو يشارك في القتال بالجبهة، ظلت هي في بيت خصص لهما. في المنطقة التي بقيت فيها، كانت البيوت متباعدة، كما أن التنظيم لم يكن يسمح للنساء باستعمال الهاتف. هكذا قضت سنة مع زوجها في الموصل بعيدا عن الناس، باستثناء زوجها الذي كان يظهر ويختفي، قبل أن يختفي نهائيا، حيث أخبرها التنظيم بأنه قتل، وترك وصية جاءت بما لا تشتهيه ليلى، وفق أسرتها، حيث أوصى بخط يده بمنعها من الخروج من منطقة نفوذ داعش. هكذا وجدت نفسها بين خيارين لا ثالث لهما، أحلاهما مر، إذ طلب منها التنظيم الزواج من أحد المقاتلين أو الزج بها في «المضافة»، فاختارت المضافة. «لحسن الحظ أنها لم تنجب، كما رفضت الزواج مرة أخرى»، واستمرت على هذه الحال إلى أن اشتد الخناق على داعش في الموصل، حيث ستستعيد القوات العراقية في 2017 مدينة «تلعفر» التي كانت توجد فيها، وستعتقل. أصر قريبا ليلى على إنهاء الحوار معهما بهذه المناشدة في انتظار الفرج: «نناشد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أطال الله في عمره، أن يلتفت إلينا التفاتة سامية، وأن يعطف على أسرة ليلى القاسمي المعتقلة في السجون العراقية التي تعاني فيها كثيرا وفي صمت. إنها معاناة نتقاسمها مع الأسر التي لديها عالقون سواء في مخيمات شمال سوريا أو في سجون العراق».