طال النقاش حول مشروع القانون التعديلي لمجموعة القانون الجنائي، ما الذي يجعله رهين رفوف البرلمان؟ لننطلق من عنوان مشروع القانون 10-16، الذي يغير ويثمن مجموعة القانون الجنائي، فهو قانون يتكون من أربع صفحات، وهو يعدل مشروع قانون الحكومة الذي قدمه السيد مصطفى الرميد، حين كان وزيرا للعدل في الحكومة السابقة، ويضم العديد من الإجراءات المختلفة في مواضيع مختلفة، من الإثراء غير المشروع إلى الإجهاض والعقوبات البديلة، وأيضا مادة رابعة تتعلق بإقرار عقوبة حبسية، في حق من يركب سيارة أجرة وليس في نيته الأداء.. والتي أزيلت من هذا المشروع المقترح، وإذ أستحضر كل ذلك لأظهر للقارئ أن المشروع المقدم يتضمن العديد من الأمور المختلفة، وأنه لا يطرح موضوعا محددا، وليس مشروع قانون لتعديل المادة المتعلقة بالإثراء غير المشروع فقط، أو بالإجهاض.. لكن يبدو أن المادة المتعلقة بالإثراء غير المشروع سببت البلوكاج، أليس كذلك؟ من موقعي كنائب برلماني حين بدأ النقاش في لجنة العدل، واطلعت على مشروع القانون، اعتبرت أن مجموعة من الأمور التي ضمّنتها الفصول المتعلقة بالإثراء غير المشروع، متقدمة وتطرح إمكانية لمحاربة الفساد. لكن، في الآن ذاته بحثنا، كذلك، في الأمور التي لا نوافق عليها في القانون الجنائي، وقدمنا بصددها مقترح قانون لإلغاء عقوبة الإعدام وما يتعلق بالحريات الفردية. كما طالبنا، أيضا، بتشديد العقوبات على مغتصبي الأطفال، وهو مشكل حقيقي اليوم في المغرب، وسحب الفصل 489 الذي يتعلق بالمثلية. وبخصوص المثلية طالبنا بعدم تجريمها، وحتى لا نُفهم خطأ، قلنا إننا لا نشجع المثلية، لكن لا يجب إدخال المثليين السجن بسبب علاقاتهم الرضائية، وكذا الفصل المتعلق بالعلاقات الجنسية الرضائية بين رجل وامرأة، وأيضا إلغاء العقوبة السجنية في حالة الخيانة الزوجية، فبالنسبة إليّ لم يكن السجن أبدا حلا، في حين هناك حلول أخرى.. الكل يقول إن المشكل هو المادة المتعلقة بالإثراء غير المشروع، وهذا تحريف للنقاش، فبالنسبة إليّ ليس لدي أي مشكل في تلك المادة. ما الذي يعرقل إذن؟ فرق الأغلبية قدمت تعديلات مشتركة، ثم تراجعت عن المادة التي أتت بها الحكومة الأولى، بخصوص الإثراء غير المشروع، وهذا لا معنى له، إذ تقول بأن على المجلس الأعلى للحسابات بعد نهاية ولاية المسؤول أن يقوم بمقارنة تصريحه الأول للممتلكات مع التصريح الثاني، وهذا لا معنى له لأن من يختلس ويسرق سيكذب في التصريح الثاني أصلا.. في حين أن الصيغة الأولى تقول إنه سيجري الاعتماد على التصريح الأول والإثراء الظاهر سيتكلف به القاضي وليس المجلس الأعلى للحسابات. إذن، الطريقة التي عدلت بها الأغلبية هذه المادة لا معنى لها. فيما بعد سحبَ حزب العدالة والتنمية اسمه من التعديل، بعدما أمضى عليه. حزب التقدم والاشتراكية قدم تعديلات معقولة فيما يخص الحريات الفردية، في المقابل لم يتناول حزب الاستقلال مسألة الحريات الفردية، لكن في مسألة الإثراء غير المشروع ذهب أبعد مما قدمه الرميد، حيث أدخل العقوبات السجنية.. بالنسبة إليّ سأصوت لصالح المادة الأولى التي قدمتها الحكومة، لكن يجب قبول التعديلات التي قدمتها، ومن ثم ليصوتوا ضدها، فليس هناك أي مبرر دستوري أو قانوني لرفض نقاشي حول الحريات الفردية. هل يمكن أن يحسم هذا الأمر قريبا؟ كنائب برلماني أنتظر اجتماع اللجنة لتقديم التعديلات، وعلى مستوى الحكومي يظهر أنه ليس هناك انسجام بين وزير العدل، الذي رمى بالكرة في مرمى رئيس الحكومة، ولا أظن أن السبب هو المادة المتعلقة بالإثراء غير المشروع، حسب ما يقول حزب العدالة والتنمية. ربما هناك أحزاب تتحفظ ومتخوفة من حملة انتخابية بخصوص هذه المادة، وباستغلالها من طرف “البيجيدي” لصالحه، وهذا منطق غير سليم لأنه يجب تغليب مصلحة البلد. بالنسبة إليّ المطلوب هو فتح النقاش حول المواد المتعلقة بالحريات الفردية حتى يحدث الفرز. مثلا أن تقول السيدة آمنة ماء العينين إنها متفقة معي، لذلك مطروح عليها أن تصوت لصالح الحريات الفردية وليس مجرد كلام، وإلا سيكون ذلك مجرد عبث. التصويت حق لا يُفوض، لذلك يجب على المرء أن يتحمل مسؤوليته حينما يتعلق الأمر بقناعات شخصية جرى التصريح بها في ندوات مختلفة. ثم إنه لا معنى للتعلل بانسجام الفريق، أما بالنسبة إلى الفرق الحداثية، فسنتفاجأ بأن هناك من سيكون ضد الحريات الفردية.