بعدمَا فطن عامل إقليمآسفي “الحسين شينان” إلى أنّ مشروع تهيئة كورنيش مدينة آسفي قد وصل إلى وقت من التأخير تجاوز المعقول، بعدما فشلت الشركة المكلفة في تسليمه للمجلس الإقليمي الوصي على المشروع بعد مرور أزيد من 16 شهرًا من التأخير، أمر عامل الإقليم بفتحه مهمَا كانت الظروف ولو اضطره الحال بنفسه إلى الاستعانة “بتراكس” وفتحه للعموم، مباشرة بعدها، تفجرت “فضيحة” من العيار الثقيل هزت الرأي العام المحلي في آسفي وأخرجت أهل المدينة للاحتجاج لمدة أسبوعين متتاليين. مع افتتاح كورنيش مدينة آسفي بطريقة غير مسبوقة تاريخيًا في افتتاح المشاريع الرسمية، تناقلت هيئات مدنية وحقوقية وضعية “التهيئة” الجديدة والتي كلفت رسميًا حوالي 8.8 مليون درهم في صفقة يُنتظر أنّ يُصرف لها إجماليًا ملياران و160 مليون سنتيم، وأبانَ واقع المشروع الجديد أنه لا يرقى أولاً للمبلغ المرصود له، إذ جرى وضع زليج وافتتح “الكورنيش” وسط ظلام دامس دونَ إنارة ولا حدائق ولا مرافق صحية، وفي هذا الصدد تقول “الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان” إنّها لاحظت أنّ الأشغال شابتها مجموعة من الخروقات والتلاعبات، إذ تعرضت أرصفة وزليج الكورنيش للتلف والاقتلاع قبل انتهاء الأشغال. وأكد المصدر ذاته، أنه قبل تسليم المشروع من طرف الشركة، أتلفت أيضًا جميع المساحات الخضراء بما فيها الأشجار والأغراس واقتلعت الأرصفة الجديدة، مما ينم عن وجود تسرع كبير في الانتهاء من الأشغال، وكشف مصدر في الهيأة الحقوقية المذكورة ل”أخبار اليوم” أنّ أنه جرى استبدال أشجار النخيل بأشجار أخرى ذات جودة ضعيفة ورخيصة الكلفة، كما أنها تُخالف كليا التصاميم الهندسية الأصلية التي بناء عليها تم إطلاق صفقة تهيئة الكورنيش، إذ اكتفت المقاولة المشرفة ببناء أحواض عشوائية مستطيلة بدون أية جمالية هندسية وبدون أي توازن فني، في وقت تؤكد فيه التجهيزات الفنية والأشغال التي أنجزت حتى الآن أنها رخيصة التكلفة وبدون جودة ولا تتطابق مطلقا مع قيمة الصفقة التي فاقت مليارين و160 مليون سنتيم. المشروع الذي يموله المكتب الشريف للفوسفاط ووزارة الداخلية، كان موعد تسليمه مبرمجا خلال شهر يوليوز 2018، بعدما دشنه العامل الحسين شينان بمناسبة عيد الشباب سنة 2017، وحددت مدة الأشغال في 12 شهرا وفقًا لدفتر التحملات الذي اطلعت عليه “أخبار اليوم”، غير أن أشياء غامضة وقعت لاحقًا حوَّلت المتنفس الذي علق عليه أهل آسفي آمالهم إلى “خراب” وموضوع “جدل”. ما الذي جرى؟ في يوليوز من العام الجاري، ومع بزوغ شبهات حول اختلالات تتعلق بتهيئة المشروع، سيتقدم ثلاثة برلمانيين عن حزب العدالة والتنمية أحدهم في صف المعارضة بالمجلس الإقليميلآسفي، وهم إدريس الثمري ورضا بوكمازي وحسن عديلي، بسؤال كتابي برلماني إلى وزير الداخلية بعدما أعلنَ المجلس الإقليميلآسفي عن صفقات عمومية بينها مشروع تهيئة كورنيش آسفي ومداخل المدينة، وقال البرلمانيون الثلاثة في السؤال الكتابي، إن هذه الصفقات أثيرت حولها شبهات وردود فعل متعددة فيما يتعلق أيضًا بمرحلة إعلان الصفقات ومدى احترام تكافؤ الفرص أو في مرحلة إنجاز الأشغال ومدى احترام دفاتر التحملات ودفتر الشروط الخاصة وجودة الأشغال، وساءل هؤلاء وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت عن الإجراءات المتخذة لفتح تحقيق حول مدى احترام المجلس الإقليميلآسفي لشروط المنافسة وتكافؤ الفرص والآجال القانونية للمشاريع المذكورة. وبعد ضغط برلماني وحقوقي، اضطرت معه “الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان” لمراسلة عامل إقليمآسفي ومطالبته بفتح تحقيق أولي، سيقوم هذا الأخير بمراسلة “عبد الله كريم” رئيس المجلس الإقليمي عن حزب الأصالة والمعاصرة، وسيتوصل عامل آسفي في 16 من شهر يوليوز بأول جواب رسمي من رئيس المجلس الإقليمي. ووفقًا للمراسلة التي توصل بها عامل إقليمآسفي من رئيس المجلس الإقليمي وحصلت “أخبار اليوم” على نسخة منها، فإنّ رئيس المجلس الإقليمي كشفَ أنّ مشروع “تهيئة كورنيش أموني” من حيث ما ورد باعتباره يُخالف التصميم الأصلي، فإنّ ذلك غير صحيح، مشيرًا إلى أنّه لم يطرأ عليه أيّ تغيير وأنّ الأشغال المنفذة هي مطابقة لتصميم الأصلي والمصادق عليه من الجهات المختصة. استقالة غامضة فيما يتعلق بالنقطة الأولى تتبعت “أخبار اليوم” أولى خيوطها، سيتبين لاحقًا أن رئيس المجلس الإقليمي عبد الله كريم الذي كشفَ لعامل الإقليم أنّ التصميم الأصلي لتهيئة الكورنيش لم يطرأ عليه أيّ تغيير، وأن الأشغال تمضي وفقًا لمخططه، أعلنَ “يونس حمو” المهندس المكلف بتتبع مشاريع المجلس الإقليميلآسفي، عن استقالته من المجلس. المهندس الذي قدم استقالته من المجلس الإقليمي يُعد متعاقدًا مع وزارة الداخلية والموضوع رهن إشارة المجلس الإقليميلآسفي مكلف بتتبع المشاريع، ودفعت استقالته عامل آسفي الحسين شينان إلى مراسلة رئيس المجلس الإقليمي يطلب منه توضيحات حول أسباب الاستقالة التي قدمها المهندس المذكور، ووفقًا لمصادر “أخبار اليوم” فإنّ تلاعبات في أربعة مشاريع معينة وهي عدم تقييد المجلس الإقليمي بالمعايير الهندسية وببنود منصوص عليها في دفاتر التحملات فيما يخص تهيئة مدخل “سبت جزولة” بآسفي، الذي كلف غلافا ماليا يصل إلى 45 مليون درهم، ومدخل الطريق السيار الذي كلف 28 مليون درهم، ومدخل الحرارة الذي كلف 45 مليون درهم، ومشروع تهيئة كورنيش آسفي الذي كلف 22 مليون درهم. ومن جهة أخرى، اعترف رئيس المجلس الإقليمي “عبد الله كريم” في مراسلة لعامل إقليمآسفي، بوجود تأخر في المشروع، ووصف ذلك بأنّ المشروع “يعرف بعض التأخير”، مشيرًا إلى أن المجلس الإقليمي سيقوم باقتطاع مبلغ الغرامة عن التأخير والمسقفة في 8 في المائة من المبلغ الإجمالي للصفقة، غير أنّه لحدود اللحظة لم يُدل المجلس الإقليمي بأيّ إثباتات تتعلق بفرضه غرامات على الشركة، بينما كشفَ عبر مصدر غير رسمي أنها لم تتقاضى فعليًا مستحقاتها الكاملة. ولاحقًا، في دجنبر الماضي، حل فريق من مفتشي المفتشية العامة للإدارة الترابية منتدبين من قبل الوالي زينب العدوي، إلى مقر المجلس الإقليميلآسفي الذي يرأسه عبد الله كاريم عن حزب الأصالة والمعاصرة، من أجل إجراء افتحاص وتدقيق شامل لطرق صرف الميزانية، وأيضا لمراجعة صفقات 4 مشاريع كلفت غلافا ماليا يصل إلى 14 مليار سنتيم، غير أنّ مصالح الوالي زينب العدوي، لم تكشف لاحقًا عن أيّ معطيات همت الافتحاص المذكور. وبسبب “فضيحة” كورنيش آسفي، وجه النائب البرلماني عن فيدرالية اليسار، عمر بلافريج، سؤالا برلمانيًا لوزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، حول الاختلالات التي عرفها مشروع كورنيش آسفي، والفرق الواضح بين دفتر التحملات والمشروع على أرض الواقع، وفقًا لما أورده بلافريج. وقال البرلماني “عمر بلافريج” والذي يُعد الآن رابع برلماني يدخل على خط قضية كورنيش آسفي، إنّ افتتاح كورنيش آسفي عرف مجموعة من الاحتجاجات وصلت لوقفات احتجاجية من تنظيم أهل المدينة، ومراسلات وجهتها جمعيات حقوقية لجهات متعددة، منها وزارة الداخلية، وطالب النائب البرلماني من وزير الداخلية، بفتح تحقيق في الموضوع للوقوف على حقيقة المشروع، لما شابه من شبهة اختلالات بين دفتر التحملات والمشروع المقام على أرض الوقع. رصاصة طائشة وفي أول محاولة صد الاحتجاجات التي خرجت ضد رئيس المجلس الإقليمي عبد الله كريم، استعانَ بهيأة "المساواة وتكافؤ الفرص، ومقاربة النوع بالمجلس الإقليميلآسفي"، لإصدار بلاغ تُبرر فيه تعثر وفشل صفقة تهيئة كورنيش المدينة، الذي أثار جدلا محليا واسعا بعد افتتاحه. وأصدرت الهيأة المذكورة بلاغا، توصلت "أخبار اليوم" بنسخة منه، قالت فيه إنّها انطلاقا من اختصاصاتها، المتعلقة بالتدخل لضمان تفعيل مبادئ المساواة، وتكافؤ الفرص، ورفع المقترحات، والتوصيات، زارت ورش مشروع "كورنيش" آسفي، وطالبت بلقاء رئيس المجلس بشكل عاجل. وبررت الهيأة ذاتها "فشل تهيئة كورنيش آسفي" بأن القانون ينص على جزاءات مقابل كل تأخير، وأشارت إلى أن الورش عرف فعلا عدة تأخيرات، ولم يجزم رئيس المجلس إن كانت هذه الجزاءات قد طبقها المجلس، وكشفت أن تكلفة الكورنيش لا تتعدى ملياري سنتيم، ولم تصرف منه إلا 8.8 مليون درهم، وقالت أيضًا إن افتتاح المشروع لا يعني انتهاء "الأشغال". وربطت "أخبار اليوم" الاتصال بأعضاء الهيأة المذكورة، حيث كشفَ توفيق الياجيزي، عضو مكتب الهيأة الملحقة للمجلس الإقليمي، والمكونة من هيئات مدنية، أن أغلب الأعضاء لا علم لهم بالبلاغ الصادر، الذي يبرر "إخفاقات" المجلس الإقليمي. ومن جهته قال محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، ل«أخبار اليوم» تعليقا على موضوع تبرير هيأة "المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع بالمجلس الإقليميلآسفي"، إنّ الهيأة لا يحق لها بطريقة أو أخرى تبرير إشكالية مشروع معين للرأي العام، مبرزا أنّ ذلك من مسؤولية المجلس الإقليمي، وما قام به رئيس المجلس "لا يتعدى أن يكون احتقارا للرأي العام". وأكد الغلوسي أن هيأته وضعت شكاية للنيابة العامة، من أجل فتح تحقيق قضائي في موضوع الصفقة، وراسلت مصالح وزارة الداخلية، في انتظار مباشرة تحقيقات هذه الجهات، وتنوير الرأي العام بمعطيات في الموضوع.