ملف قضائي مثير يتعلق بتفويت عقار سلالي لشركة عقارية خاصة لإحداث تجزئة سكنية، من المقرّر أن يجري بشأنه قاضي التحقيق باستئنافية مراكش، الاثنين المقبل (2 دجنبر القادم)، جلسة الاستنطاق الابتدائي للممثل القانوني للشركة المستفيدة من العقار، والمسماة ب”شركة المعاملات والخدمات والاستشارة الزرايدي”. المقاول عبد الرزاق الزرايدي، هو الممثل القانوني للشركة، الذي سبق للوكيل العام لدى المحكمة نفسها أن التمس إجراء تحقيق إعدادي في شأن الاشتباه في ارتكابه لثلاث جنايات تتعلق ب”المشاركة في تزوير محرّر رسمي، استعمال وثيقة مزورة، والتصرف في أموال غير قابلة للتفويت”. كما سيستمع قاضي التحقيق بالغرفة الثانية، عبد الرحيم المنتصر، خلال اليوم نفسه، لإفادة أحد ذوي الحقوق في العقار المسمى أرض «البوكَرينية» نسبة للجماعة السلالية «أولادبوكَرين»، البالغة مساحته حوالي 11 هكتارا، والواقع بدائرة الري المقتطع من التحديد الإداري رقم (س.34) بالمجال الترابي لبلدية قلعة السراغنة. فيما سبق للقاضي المنتصر أناستنطق ابتدائيا، بتاريخ 30 أكتوبر المنصرم، رئيس الجماعة التي فوّتت العقار، ويتعلق الأمر برئيس مجلس جماعة «أولاد بوعلي الواد»، بإقليم السراغنة، ياسر حفيظ، من حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي التمست النيابة العامة التحقيق معه في شأن الاشتباه في ارتكابه لجنايتي «تزوير محرّر رسمي، والتصرف في أموال غير قابلة للتفويت». وقد جاء فتح التحقيق الإعدادي بعد انتهاء البحث القضائي التمهيدي الذي أجرته الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بمراكش، التابعة للفرقة الوطنية للشرطة القضائية، في شأن الشكاية التي سبق للجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان أن تقدمت بها لدى الوكيل العام، وتتهم فيها مسؤولين نافذين بالضغط على الرئيس المذكور للقيام بوساطة عقارية، باسم الجماعة التي يترأسها، من أجل اقتناء عقار سلالي بمنطقة حضرية تبعد بحوالي 40 كيلومترا عن جماعته القروية، قبل أن يقوم بتفويته، في أقل من 24 ساعة، لمنعش عقاري، دون أن تستفيد خزينة جماعته من أية مداخيل مالية، بثمن إجمالي يصل إلى مليار و100 مليون سنتيم. وتعهدت الشركة بأداء المبلغ لذوي الحقوق، عن طريق مجلس الوصاية بمديري ةالشؤون القروية بوزارة الداخلية، باعتباره الجهة الرسمية الوصية على أراضي الجماعات السلالية، في الوقت الذي يؤكد فيه معارضو التفويت بأن الأرباح المفترضة للمشروع لا يمكن أن تقل عن 20 مليار سنتيم. واستنادا إلى الشكاية، فقد سبق لثلاثة من ذوي الحقوق أن تقدموا بطلب إلى العامل السابق لإقليم السراغنة، محمد صبري، يرمي إلى عرض أرضهم على مؤسسة عمومية أو شبه عمومية من أجل إنجاز تجزئة سكنية، طالما أن الأرض أصبحت داخل النفوذ الترابي لعاصمة الإقليم، وبدل اقتراح مؤسسة عمومية لانجاز هذا المشروع، تم إحضار المنعش العقاري المذكور من طرف العامل صبري لإبرام عقد شراكة معهم لإنجاز تجزئة مكونة من أزيد من 500 بقعة تجارية وسكنية، وهي الشراكة التي تنص على 28 في المائة كنصيب لذوي الحقوق، والباقي لفائدة «الزرايدي»، قبل أن يتم التراجع عن مقتضيات العقد ويتم إدخال جماعة «أولاد بوعلي الواد» على الخط، التي صدر عنها مقرّر، في الدورة المنعقدة بتاريخ 4 ماي من 2016، بالموافقة على طلب اقتناء عقار «البوكَرينية». شهورا قليلة بعد ذلك، سيصدر العامل صبري البرقية عدد 3033، بتاريخ 25 غشت من 2016، المتعلقة بالموافقة على طلب اقتناء العقار، قبل أن ينعقد اجتماع، خمسة أيام بعد ذلك، بمقر العمالة للجنة الإقليمية للخبرة، ترأسه الكاتب العام بالنيابة. الاجتماع المذكور، حدد سعر التفويت في 40 مليون سنتيم للهكتار الواحد، أي بثمن لا يتجاوز 40 درهما للمترالمربع، قبل أن ينعقد اجتماع آخر للجنة الإدارية للتقييم، بتاريخ 23 فبراير من 2017، ويرفع السعر إلى 100 درهم للمتر المربع، ليصل الثمن الإجمالي إلى حوالي مليار و100 مليون سنتيم، وهو السعر الذي يؤكد المعارضون للتفويت بأنه بخس ويقل بكثير عن سعر المتر المربع المجهز بالمدينة، الذي لا يقل عن 3000 درهم. معارضو التفويت يقولون إن المسطرة شابتها «خروقات قانونية وغابت فيها الشفافية»، مستدلين على ذلك بأنه لم يتم إجراء أي مناقصة عمومية لاختيار الشركة، التي استفادت منالعقار بدون إعمال للمنافسة. واعتبروا بأن العملية شهدت «تحايلا مكشوفا على القانون»، وذلك بتقديم طلب التفويت في اسم جماعة قروية، فيما المستفيد الحقيقي منها هيالشركة الخاصة، التي تقدمت بطلب تحفيظ العقار تحت اسم «كنزة»، ليتقدم ذوو الحقوق بتعرّض (تقييد احتياطي) لدى المحافظة العقارية بقلعة السراغنة، يطعنون من خلاله فيإجراءات تحفيظ العقار من طرف الشركة. ويستغرب المعارضون مصادقة العامل السابق ومجلس الوصاية على طلب التفويت المقدم من جماعة قروية رغم علمهما المسبق بأنها ستفوّته لشركة خاصة، في الوقت الذي يعتبر فيهالعقار تابعا ترابيا لبلدية القلعة وسلاليا للجماعة القروية المجاورة «المربوح». كما يتساءلون عن السر الكامن وراء عدم تنفيذ رئيس بلدية القلعة لمقرّر سبق أن صادق عليه المجلس فيالدورة العادية، المنعقدة بتاريخ 24 فبراير من 2015، والمتعلق بالموافقة على اقتناء العقار نفسه، وسكوته عن تفويت العقار للشركة الخاصة، بعد أكثر من سنتين على التصويت علىالمقرّر الذي ظل بدون تنفيذ. بل أكثر من ذلك منح رئيس بلدية القلعة، بتاريخ 26 ماي 2017، ترخيصا مؤقتا للشركة من أجل إنجاز تجزئة تحمل اسم «رياض الياسمين»، بالرغممن أن الملف لا يستوفي جميع الشروط، وضمنها انتقال ملكية العقار لصاحب المشروع، وعدم الاعتماد على محضر اجتماع أعضاء لجنة الدراسة التابع للعمالة، الملتئم في تاريخ لاحق على الترخيص (انعقد بتاريخ 2 يونيو 2017). وقد سبق لرئيس جماعة «أولاد بوعلي» أن صرّح، تمهيديا، بأن المجلس صوّت بإجماع أعضائه الحاضرين على اقتناء العقار المذكور، مدليا للمحققين بنسخة من محضر دورة مايمن سنة 2016. في المقابل، صرّح 11 مستشارا جماعيا، خلال الاستماع إليهم من طرف الفرقة الجهوية، بأن المجلس لم يتداول ولم يصادق على أي مقرّر باقتناء العقار أو تفويته، متّهمين الرئيس بأنه اقتنى العقار ثم قام بتفويته بدون الرجوع للمجلس، وموضحين بأنه أصدر قرار فرديا أشّر عليه عامل الإقليم بالموافقة قصد تفويت العقار للشركة. وبخصوص المحضر المدلى به من طرف الرئيس، أوضح المستشارون الجماعيون بأن الأمر لا يتعلق باقتناء العقار موضوع الشكاية، بل بنقطة أدرجها الرئيس ضمن جدول أعمال الدورة المذكورة، تتعلق باقتناء عقار بجماعتهم لإحداث سوق للزيتون، وهو ما يتطابق مع تقرير لقائد «أولاد بوعلي الواد»، الذي حضر أشغال الدورة، وأحاله على عامل الإقليم. وتساءل الأعضاء كيف لجماعتهم أن تقتني عقارا بأكثر من مليار سنتيم، وميزانيتها السنوية لا تتجاوز 250 مليون سنتيم، وتحقق فائضا بالكاد يصل إلى 20 مليون سنتيم؟ وكيف حوّلها الرئيس لوكالة عقارية تتوسط في عملية اقتناء عقار سلالي وتفوّته، في اليوم نفسه، لشركة خاصة؟