ملف قضائي مثير يتعلق بتفويت عقار سلالي لشركة عقارية خاصة من أجل إحداث تجزئة سكنية، حيث من المقرّر أن تعقد غرفة الجنايات الابتدائية باستئنافية مراكش، خلال الأيام القليلة المقبلة، أولى جلسات محاكمة متهمين اثنين فيه، الأول هو (ي.ح) رئيس الجماعة التي فوّتت العقار، ويتعلق الأمر برئيس مجلس جماعة “أولاد بوعلي الواد”، بإقليم قلعة السراغنة، من حزب التجمع الوطني للأحرار، والذي تابعه قاضي التحقيق بجنايتي “تزوير محرر رسمي، والتصرف في أموال غير قابلة للتفويت”، والثاني هو (ع. ز) الممثل القانوني للشركة المستفيدة، والمسماة ب”شركة المعاملات والخدمات والاستشارة “ز”، الذي وجّهت إليه سلطة الاتهام نفسها تهما تتعلق ب “المشاركة في تزوير محرر رسمي، واستعمال وثيقة مزورة، والتصرف في أموال غير قابلة للتفويت”. قرار اقتناء العقار، البالغ مساحته حوالي 11 هكتارا، صادقت عليه وزارة الداخلية والعامل السابق لإقليم قلعة السراغنة، محمد صبري، مع أنه يبعد عن الجماعة القروية المذكورة بأكثر من ثلاثين كيلومترا، ويقع في مركز عاصمة الإقليم، مدينة قلعة السراغنة. الوزارة والعامل كانا على علم مسبق بأن الجماعة ستقوم بتفويته للشركة الخاصة، بثمن إجمالي يصل إلى مليار و100 مليون سنتيم، تعهدت الشركة بأدائه لذوي الحقوق، عن طريق مجلس الوصاية بمديرية الشؤون القروية بوزارة الداخلية، باعتباره الجهة الرسمية الوصية على أراضي الجماعات السلالية، لكن معارضي التفويت يشددون على أن المشروع كان من المتوقع أن يحقق أرباحا تقدر بحوالي 20 مليار سنتيم. العقار “كنزة” لم تكن البقعة الأرضية، التي يطلق عليها سكان قلعة السراغنة اسم “كنزة”، والتي توجد بين حديقة “المربوح” وتجزئة “الهناء 2″، ستثير كل هذا الجدل القانوني والسياسي والحقوقي الحاد، وتتحول إلى قضية رأي عام محلي ووطني، لولا أن منعشا عقاريا شرع، منتصف سنة 2017، في مسابقة الزمن من أجل اتخاذ الإجراءات الإدارية لتحفيظ هذا العقار، الذي يعود حق استغلاله للجماعة السلالية “أولاد بوكَرين”، لفائدة شركته الخاصة، وبالموازاة مع ذلك، تقدم بملف إلى المصالح المختصة ببلدية قلعة السراغنة للحصول على ترخيص بإحداث تجزئة خاصة، أطلق عليها اسم “رياض الياسمين”، مكونة من 592 بقعة تجارية وسكنية، قبل أن تتفجر قضية التفويت المثير للجدل، والذي بدأ بإصدار العامل السابق للإقليم لبرقية، تحت عدد 3033، بتاريخ 25 غشت من 2016، المتعلقة بالموافقة على طلب اقتناء العقار الكائن بالنفوذ الترابي للمقاطعة الحضرية الأولى ببلدية قلعة السراغنة، الذي تقدم به مجلس الجماعة الترابية “أولاد بوعلي الواد”، قصد تفويته لفائدة شركة “ز”. خمسة أيام بعد ذلك، سينعقد اجتماع بمقر العمالة للجنة الإقليمية للخبرة، ترأسه الكاتب العام بالنيابة، وبحضور رئيس قسم الشؤون القروية، وقائد المقاطعة الحضرية الأولى، ومهندس بقسم التعمير بالعمالة، بالإضافة إلى ممثلين عن دائرة الأملاك المخزنية، وممثلين عن مصلحة التسجيل والتنبر، ومكتب الحوز، ونائب الجماعة السلالية، وهو الاجتماع الذي حدد سعر التفويت في 40 مليون سنتيم للهكتار الواحد، أي بثمن لا يتجاوز 40 درهما للمتر المربع، قبل أن ينعقد اجتماع آخر للجنة الإدارية للتقييم، بتاريخ 23 فبراير من 2017، ويرفع السعر إلى 100 درهم للمتر المربع، ليصل الثمن الإجمالي إلى حوالي مليار و100 مليون سنتيم. ولم يمض على الاجتماع الأخير للجنة الإدارية سوى أقل من شهرين حتى أصدر رئيس جماعة “أولاد بوعلي الواد” قرارا، بتاريخ 5 أبريل 2017، من أربعة مواد، قضى في مادته الأولى بالموافقة على اقتناء العقار المملوك لجماعة سلالية، فيما حددت المادة الثانية ثمنه الإجمالي، وأشارت المادة الثالثة إلى الموافقة على الإذن للشركة بالأداء مباشرة من الشركة لمجلس الوصاية، في الوقت الذي عهدت فيه المادة الأخيرة للسلطات المختصة بتنفيذ هذا القرار، الذي أشّر عليه عامل الإقليم السابق بالموافقة، تسعة أيام بعد ذلك. اعتراضات قانونية أولى الاعتراضات القانونية ركزت على أن تفويت الأراضي السلالية لا يجب قانونيا المصادقة عليه سوى لإحداث مشاريع ذات النفع العام، وليس تجزئة عقارية تهدف إلى تحقيق الفائدة الخاصة والمضاربة في ميدان العقار، ناهيك عن عدم تضمن ملف الاقتناء للعديد من الوثائق الأساسية، من قبيل غياب محضر مصادقة مجلس الجماعة القروية “أولاد بوعلي الواد”، بأغلبية أعضائه، على مقرري الاقتناء والتفويت، اللذين تمت الاستعاضة عنهما بقرار الرئيس المؤشر عليه من طرف العامل صبري بتفويت “كنزة” لشركة خاصة. فضلا عن هذا لم يظهر في ملف الاقتناء أي أثر لوثيقة أساسية أخرى تتعلق بمذكرة تقديم تبيّن الدواعي التي دفعت الجماعة إلى طلب اقتناء العقار الجماعي، في حين تم الاكتفاء بإبرام عقد التفويت للجماعة القروية من طرف سلطة الوصاية، ثم عقد ثان لتسليم العقار من طرف الجماعة للشركة الخاصة، وهما العقدان اللذان حُرّرا خلال اليوم نفسه، من طرف أحد الموثقين. كما لم يتضمن الملف تقريرين مفصلين يبرزان رأي عامل الإقليم والسلطة المحلية في عملية التفويت، وكذا موافقة نواب الجماعة السلالية “أولاد بوكَرين” على التفويت في إطار تصريح مكتوب ومصحح الإمضاء. فضلا عن هذه النواقص، تغيب عن اجتماع اللجنة الإدارية الإقليمية للتقييم، المكلفة بتحديد سعر العقار، ممثل الإدارة التي طلبت الاقتناء، أي رئيس المجلس الجماعي أو من ينوب عنه، في الوقت الذي يؤكد فيه معارضو للتفويت بأن الثمن بخس ويقل بكثير عن سعر المتر المربع المجهز بالمدينة، الذي لا يقل عن 3000 درهم، مستدلين على ذلك بأن أرضا سلالية بإقليم أزيلال سبق أن تم تفويتها للمكتب الوطني للكهرباء، في سنة 1996، بمبلغ 300 درهم للمتر، ومتوقعين بأن تحقق الشركة “المحظوظة” أرباحا تتراوح ما بين 14 و20 مليار سنتيم. المعارضون يقولون إن المسطرة شابتها “خروقات قانونية وغابت فيها الشفافية”، مستدلين على ذلك بأنه لم يتم إجراء أي مناقصة عمومية لاختيار الشركة، التي استفادت من العقار بدون إعمال للمنافسة. واعتبروا بأن العملية شهدت “تحايلا مكشوفا على القانون”، وذلك بتقديم طلب التفويت في اسم جماعة قروية، فيما المستفيد الحقيقي هو الشركة الخاصة، التي استفادت من عقار سلالي لا يمكن قانونيا تحفيظه سوى من أجل المنفعة العامة أو لفائدة الجماعات الترابية. المعارضون يشددون أيضا على أن التفويت تمّ في إطار ما وصفوه ب “صفقة متداخلة الأطراف”، مستغربين كيف أن عامل الإقليم السابق ووزارة الداخلية صادقا على طلب التفويت المقدم من جماعة قروية، في الوقت الذي يعتبر فيه العقار تابعا ترابيا لبلدية القلعة وسلاليا للجماعة القروية المجاورة “المربوح”.. جدل حقوقي وسياسي أسابيع قليلة بعد تفجر القضية، تقدمت الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بشكاية للوكيل العام للملك بمراكش، تتهم فيها مسؤولين نافذين، دون أن تسميهم أو تشير إلى المسؤوليات التي يتقلدونها، بالضغط على رئيس الجماعة القروية للقيام بوساطة عقارية، باسم الجماعة التي يترأس مجلسها، من أجل شراء عقار جماعي بمنطقة حضرية، قبل تفويته، في أقل من 24 ساعة، لمنعش عقاري، دون أن تستفيد خزينة جماعته من أية مداخيل مالية. تزامنا مع شكاية الجمعية الحقوقية، تقدم تسعة من أعضاء مجلس “أولاد بوعلي الواد”، بدورهم، بشكاية إلى الوكيل العام يتهمون فيها الرئيس ب”تزوير محرّر رسمي واستعماله”، موضحين فيها بأن المجلس لم يتداول قط أو يصادق على أي مقرّر باقتناء العقار المذكور أو تفويته، ومشيرين إلى أن المجلس سبق له أن تداول في نقطة تتعلق باقتناء بقعة أرضية لإحداث ملعب رياضي وسوق للزيتون، قبل أن يفاجَؤوا بتغيير محضر الدورة، وتضمينه مقرّرا مزعوما بالموافقة على مقرر باقتناء العقار “كنزة” وتفويته لشركة “ز”، وقد تطابقت تصريحات الأعضاء، في شكايتهم وخلال البحث التمهيدي، مع تقرير لقائد “أولاد بوعلي الواد”، الذي حضر أشغال الدورة، وأحاله على عامل الإقليم. من جهته، فجّر كاتب المجلس مفاجأة من عيّار ثقيل، حين جرت مواجهته بمحضر دورة ماي 2016، إذ نفى بأن يكون وقّع على أي مقرّر يتعلق باقتناء العقار موضوع الشكاية، موضحا بأن هذه الوثيقة الرسمية، المكونة من ثلاث صفحات، وقع فيها تزوير وأضيفت إليها فقرات، خاصة بالصفحتين الأولى والثانية، قال إنها منسوبة لأعضاء المجلس، وتتضمن موضوعا لم يتداول في شأنه المستشارون 11 الذين حضروا الدورة، من أصل 15 المشكلين للمجلس. واستغرب الأعضاء، أيضا، كيف لجماعتهم أن تقتني عقارا بأكثر من مليار سنتيم، وميزانيتها السنوية لا تتجاوز 250 مليون سنتيم، وتحقق فائضا بالكاد يصل إلى 20 مليون سنتيم، وكيف حوّلها الرئيس لوكالة عقارية تتوسط في عملية اقتناء عقار سلالي وتفوّته، في اليوم نفسه، لشركة خاصة. مقاطعة جماعية لأنشطة رسمية لم يكتف أعضاء المجلس بالشكاية، فقد سبق لهم أن اتخذوا خطوة احتجاجية تصعيدية ضد التفويت، بتاريخ الجمعة 28 يوليوز من 2017، حيث قاطع 11 مستشارا جماعيا، من أصل 15 عضوا المشكلين للمجلس، إطلاق أشغال تهيئة سوق الزيتون بدوار “أولاد عليليش” بالجماعة الترابية نفسها، وهي العملية التي ترأسها عامل الإقليم السابق. مصادر محلية أكدت بأن مقاطعة المستشارين لنشاط رسمي ليست مقاطعة للاحتفال بمناسبة عيد العرش، وإنما شكلا احتجاجيا ضد مصادقة وزارة الداخلية وعامل الإقليم على التفويت، مضيفة بأنه “خرق كل القوانين، ولم تحكمه أية خلفيات لخدمة المصلحة العامة، وإنما منافع شخصية ضيقة”، موضحين بأن المجلس لم يصادق، من الأصل، على أي مقرّر لاقتناء العقار أو تفويته، وإنما اكتفى الرئيس بإصدار قرار فردي أشّر عليه العامل صبري بالموافقة. وزارة الداخلية تلغي التفويت في الوقت الذي كان فيه الجدل القانوني والسياسي محتدا، أصدرت وزارة الداخلية قرارا بإلغاء التفويت، وهو القرار الذي تم تبليغه شفويا لذوي الحقوق، من أعضاء الجماعة السلالية، من طرف لجنة تابعة للمفتشية العامة للإدارة الترابية، سبق لها أن حلت في المرّة الأولى بمقر عمالة الإقليم، بتاريخ 28 شتنبر من السنة المنصرمة، وعقدت لقاءات مع رئيسي قسمي الجماعات المحلية، والشؤون القروية، ونائب الجماعة السلالية، الذي كان من بين المؤشرين بالموافقة على التفويت، قبل أن تلتقي بممثلين عن ذوي الحقوق، وبتسعة من أعضاء مجلس “أولاد بوعلي الواد”. وانتقلت اللجنة، المكونة من مفتشين اثنين، في المرّة الثانية، إلى مقر الجماعة القروية، بتاريخ 2 أكتوبر من السنة نفسها، وعقدت لقاءات مع رئيس المجلس الجماعي، وكاتب المجلس، ومدير المصالح الجماعية، وطلبت من قائد “أولاد بوعلي الواد” أن يعد تقريرا يتضمن تصريحات جميع الأطراف. ما هي مسؤولية رئيس بلدية القلعة؟ الجدل القانوني والسياسي لم يستثن بلدية قلعة السراغنة، التي تقع “كنزة” داخل مجالها الترابي، فقد وجّه الفريق الاستقلالي بمجلس البلدية المذكورة رسالة إلى رئيس المجلس، يسائله فيها حول السر الكامن وراء عدم تنفيذه لمقرّر سبق أن صادق عليه المجلس في الدورة العادية، المنعقدة بتاريخ 24 فبراير من 2015، والمتعلق بالموافقة على اقتناء العقار نفسه، وسكوته عن تفويته للشركة الخاصة، بعد أكثر من سنتين على التصويت على المقرّر الذي ظل بدون تنفيذ. من جهتهم، تقدم بعض ذوي الحقوق المنتمين للجماعة السلالية “أولاد بوكَرين” بتعرّض (تقييد احتياطي) لدى المحافظة العقارية بقلعة السراغنة، يطعنون من خلاله في إجراءات تحفيظ العقار من طرف الشركة الخاصة.