في تحول جديد، وبنبرة مغايرة تحاول استرجاع القرار الحزبي الاستقلالي المستقل، قدم حزب الاستقلال رؤيته من ضبابية المشهد السياسي، منتقدا الوضع الحالي والتضييق على الحريات، مقرا بأن الوضع الحالي للمملكة يعرف تراجعات وأزمة هيكلية، ومشددا أيضا أن المكتسبات الحقوقية والديمقراطية غير قابلة للتراجع. وفي هذا الصدد، دعا نزار بركة إلى “الإسراع بإعادة فتح ورش الإصلاح السياسي والمؤسساتي، بترصيد مكتسبات ما قبل وما بعد دستور 2011، والانكباب على معالجة التداعيات السلبية التي ساهمت في تحجيم طموحات المسار الديمقراطي بالمغرب”. نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، الذي تحدث أمام أعضاء برلمان حزبه، صباح أول أمس السبت بمدينة سلا، بكلام سياسي طغى عليه نبرة انتقاد حادة للوضع السياسي الذي يمر منه المغرب، قال إن “الإرادة الشعبية تدفع تجاه تغيير حقيقي، بعدما تعمق الشعور باليأس والإحباط وسط الناس”، مؤكدا “أن المغرب يعيش ترهلا سياسيا بسبب غياب الإصلاح وضعف التعاقد بين البرلمان وعموم المواطنين”. وأوضح بركة أن “الحكومة تراجعت كثيرا عن المكتسبات الديمقراطية، وباتت البلاد ترزح تحت التضييق عن الحريات، وأفرغت المؤسسات من مضمونها الحقيقي”، معترفا ب”ضعف كل مبادرات الوساطة”، في إشارة منه إلى ضعف الأحزاب، قائلا: “نحتاج أحزابا قوية، ومن يعتدي عليها فهو يدمر مكونا أساسيا في صلب الديمقراطية”. التقرير السياسي، الذي قدمه نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، في دورة المجلس الوطني، بالنسبة إلى محمد شقير، الباحث في العلوم السياسية والدستورية، هو محاولة من حزب علال الفاسي التميز بخطاب سياسي في المشهد الحزبي، مغاير عن باقي الأحزاب الأخرى، يسعى من خلاله إلى وضع تصور سياسي جديد للتعامل مع الأزمة السياسية والهيكلية التي يعرفها المغرب. وحسب شقير، فإن الاستقلال يحاول أن يحسس الرأي العام الوطني بأنه هو الحزب الذي يمكن أن يكون البديل لكل الأحزاب المنافسة، وهذا ما يجعل خطابه السياسي في الظرفية الحالية، يرتكز على مجموعة من التوجهات والثوابت، وفي مقدمتها دعوته إلى تعاقد سياسي جديد لتجاوز الأزمة الهيكلية، وإجراء نقد ذاتي لأسلوبه في العمل بعد التمزقات الداخلية التي كادت تعصف به بعد مرحلة شباط. حزب الاستقلال في الفترة الحالية يحاول إرسال إشارات قوية، يشدد شقير، تفيد بأنه الحزب البديل الذي يمكنه معالجة المشاكل التي يتخبط فيها المغرب سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية. وتعليقا منه على التحول في نبرة بركة، التي يحاول من خلالها تقمص دور الحزب المعارض البديل عن صراعات أحزاب الأغلبية، يؤكد شقير، أن نزار بركة داخل حزب الاستقلال يسعى إلى القطع مع الخطاب الشعبوي لسلفه شباط، الذي تميز في السابق بخطاب الشخصنة وغير المسؤول، فبركة كقيادي جديد، كان مفروضا عليه أن يتميز بخطاب سياسي جديد يقوم على مجموعة من التصورات وتحديد المطالب السياسية والوقوف أمام التراجعات على الصعيد الحقوقي والسياسي، ومن ثم، فهو يرى نفسه البديل لتجاوز هذه التراجعات. وقال شقير، وهو يحلل بعضا من مضامين التقرير السياسي للاستقلاليين، إن الأمر لا يتعلق بتحول في الخطاب السياسي، ولكن بمحاولة تعزيز موقعه في المعارضة، بخلاف مرحلة شباط، التي كان الحزب فيها يتأرجح بين المعارضة والأغلبية، فانطلاقا من هذا الموقع، فإن الاستقلال يحاول أن يبني خطابا سياسيا جديدا يتميز به عن باقي أحزاب المعارضة التي باتت في نظر شقير تفتقد للثقل السياسي، وفي مقدمتها البام، الذي يعاني من عدة تمزقات وانشقاقات، وبالتالي، فإن حزب الميزان بات يعتبر نفسه هو منقذ المغرب في السنوات المقبلة. وجوابا منه عن مدى رغبة الاستقلال في إعادة إنتاج خطاب سياسي معارض للتوجهات الرسمية التي تدفع في اتجاه نموذج تنموي وطني جديد، نفى شقير أن يكون الاستقلال يمتلك القدرة السياسية على تجاوز ثوابت المنظومة السياسية، فبالنسبة إليه هو داخل هذه المنظومة السياسية المحددة من طرف المؤسسة الملكية، فهو يحاول أن يتميز ويبلور خطابا سياسيا متماسكا، يوحد أولا، مكونات حزب الاستقلال بعد التمزق والتأرجحات التي عرفها مع مرحلة شباط، كما يحاول في الوقت عينه أن يضع لنفسه موقعا ما بين الأحزاب الكبرى التي باتت تتصارع على 2021، خصوصا ما بين العدالة والتنمية، والتجمع الوطني للأحرار. الجديد في خطاب الاستقلال، حسب المحلل السياسي شقير، هو أن القيادة الحالية تحاول إعادة بناء الحزب من جديد، وذلك بإبداع خطاب مغاير يقوم على مرتكزات وأهداف جديدة، لن تصادم إرادة المؤسسة الملكية، وإن بدا أن هناك تقاطعا ما بين الدعوة الملكية بتنفيذ نموذج تنموي وطني وجديد، ودعوة الحزب بضرورة إجراء تعاقد سياسي جديد، فحزب الاستقلال يوضح شقير أن من قلب الضبابية السياسية يحاول أن يضع لنفسه خطابا متماسكا يمكن من خلاله توحيد صفوفه واستقطاب بعضا من مكونات الرأي العام، والتي بالنسبة إليها الصورة السياسية غير واضحة، خاصة بعد التراجعات التي أبان عنها البيجيدي، والضعف الشديد لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وبعد انسحاب التقدم والاشتراكية. لذلك فحزب الاستقلال يحاول أن يبتعد عن حالة الإنهاك السياسي التي باتت تعاني منها بعض الأحزاب، فهو يرى نفسه حزبا عريقا وله تجربة في الأغلبية والمعارضة، ومن ثم، فهو يمتلك الشرعية السياسية، ويسعى إلى استرجاع قدراته السياسية السابقة عشية الاستحقاقات التشريعية المقبلة. بركة، الذي بشر بأن حزبه سيكون بديل المرحلة المقبلة في 2021، شدد أن “سقف مطالب المواطنين أصبح مرتفعا، كما أن البلاد تشهد احتقانا اجتماعيا غير مسبوق”، داعيا إلى “إرساء تعاقد سياسي جديد يقطع مع ضبابية المشهد السياسي واحتقانه”. وأوضح بركة على أن “البلاد عليها أن تنتبه إلى ما يجري في بلدان الجوار من الجزائر ولبنان والشيلي، مطالبا بضرورة تعاقد سياسي جديد يقطع مع الجمود والتردد، ويصالح المواطن مع السياسة”، مؤكدا على “إلزامية القيام بوقفة تقييمية للدستور والوقوف على العمل الحكومي بشكل دقيق”، كاشفا رغبة حزبه “للقيام بنقد ذاتي وبناء التوافقات والبناء المشترك داخل التنظيم”. وعرج بركة، على الصراعات الحكومية داخل الأغلبية، وقال إنها مرتبطة ب”الربح الانتخابي، والزعامة والقوة، ما كرس نزيفا حادا للثقة”، موضحا أن “الأغلبية اصطفت بدورها ضمن طوابير المنتظرين للمستجدات، في حين أنها المطالبة بالمبادرة لتحسين الأوضاع، بحكم الاختصاصات الواسعة التي خولها لها الدستور”. وشدد الأمين العام للاستقلال، على أن “الواقع الحالي يهدر زمن الإصلاح، ويغذي الاحتقان والفوارق على عدة أصعدة”، وتابع قائلا: “لقد اتسعت دائرة الشك بشكل كبير، خصوصا بعد خروج حكومة معدلة طغى عليها طابع التراضي السياسي والحزبي، ما تنافى مع مخرجات الانتخابات الماضية، وهو ما يشكل خطرا على الاختيار الديمقراطي”. وشدد بركة في تقرير سياسي مطول، أن ما يعيشه المغرب منذ استحقاقات 2017، هو تراجع عن مكتسبات حقوقية وديمقراطية غير قابلة للتراجع، لأنها مس وتضييق على الحريات، وعودة لسلطة المال الانتخابي، والتقلب في المواقف والتحالفات، وإفراغ المؤسسات المنتخبة من مضمونها السياسي، واعتماد الترضيات والتسويات وحسابات الربح والخسارة في إطار درجة الصفر للواقعية السياسية التي لا ثوابت ولا عهود لها، على حساب اختيارات الناخبين ومخرجات صناديق الاقتراع، وصورة السياسة والسياسيين لدى المواطن وفي المجتمع. ودعا الاستقلال، على لسان أمينه العام، إلى تعاقد سياسي جديد، يخرج البلاد من حالة الجمود والتردد، كفيل بإقرار مصالحة المواطن مع الشأن السياسي، ومع الأحزاب، يكون بمثابة المدخل والبوابة إلى التعاقد الاجتماعي الجديد الذي دعا إليه الملك. وقال بركة إن “الديمقراطية لن تحمل معناها الحقيقي والملموس بالنسبة إلى المواطن إذا لم تكن محركا دافعا لإنتاج النمو المُدمج والتوزيع المنصف للثروة، وتحقيق الكرامة والرفاه في المعيش اليومي، لن تحمل معناها الحقيقي والملموس بالنسبة إلى المواطن إذا لم تكن هي الوسيلة التي يستند إليها للمراقبة الشعبية والمحاسبة وتغيير السياسات عندما لا تفي هذه السياسات بوعودها والتزاماتها”.