منذ أسبوع وأنا أحاول التفكير في التعديل الحكومي، لأقرأ دلالاته في حقل السياسة ليس من زاوية السياسيين، وتحديد الرابح من الخاسر، ولا حتى من زاوية تقييم واقع العدالة والتنمية في هذه الحكومة، وإن كان البعض بدأ ينتشي بالتقليص الذي حصل، وبالتشبيب الذي برهن عليه تعيين وزير من قيادة شبيبة العدالة والتنمية. منذ حراك الريف، نبهنا في مقالات مطردة على مخاطر تصدر الملك لواجهة السياسة، ووضعه في اشتباك مباشر مع الجمهور، ونبهنا أيضا إلى واقع "حكومة تحت الضغط"، لا تملك أي بوصلة سوى ما يحدد لها من توجيهات، تجاوزت منطق العموميات والعناوين الكبرى، إلى طرح التفاصيل والإجراءات الجزئية. البعض يتصور بأن الأمر يرتبط بتوجه الدولة، وأن ملأ المكان في الكل والجزء هو ما تريده، وأن المطلوب من أفضل من التشكيلات السياسية، هو الاجتهاد في مسايرة هذا المنطق والانتقال بالحكومة إلى جهاز تنفيذي ناجع وفعال. لكن للأسف، هؤلاء لم ينتبهوا إلى رسائل الإعفاء المتكرر من المسؤولية، ولم ينتبهوا أن الوضع الدستوري لا يسمح بجعل الملكية في دائرة المساءلة، بل لم ينتبهوا لخطاب الملك القاسي الموجه للنخب السياسية، معلنا عدم ثقته فيها، وذلك بسبب عدم تحملها مسؤولية التأطير السياسي والوساطة السياسية المنوط بها. سؤال عريض أرقني وأنا أخوض تمرين التفكير في التعديل الحكومي: ما ذا تريد الدولة؟ هل تريد فقط النجاعة والفعالية والسرعة في الإنجاز؟ أم أنها تنزل جوابا في السياسة يملأ بعض الفراغ الموجود فيها؟ بعض الذين تأملوا التعديل الحكومي، استنتجوا أن الأحزاب لا تملك كفاءات، وأن ذلك ما دفع الدولة لملأ الفراغ بكفاءات غير متحزبة، لكن مناضلي الأحزاب، ينتفضون ضد هذا التعميم، ويعتبرون أن المشكلة في البيروقراطية والزبونية وثقافة العائلة، فذلك ما أوصد الباب في وجه الكفاءات الحزبية ومنع أخرى من الالتحاق أصلا بالأحزاب. لكن المشكلة هي أبعد من مجرد كفاءات، إذ ترتبط بتصور الدولة لواقع الأحزاب، ومدى قدرتها على مواجهة التحديات السياسية، وأن الدولة تجد نفسها، في غياب أحزاب حقيقية قادرة على لعب دور في أوساط المجتمع لتأمين استقرار البلد واستقرار مؤسساته، مضطرة لملأ المكان كله، وإبقاء الحد الأدنى من التمثيلية السياسية، حتى يحترم الشكل الدستوري في اشتراط ثابت الاختيار الديمقراطي. ثمة من سيسارع للرد بمسؤولية الدولة عن إضعاف الأحزاب، وأنها تفعل ذلك من واقع رغبتها في ملأ المكان، وأن هذا الأمر هو ما كان، وما هو كائن، وما سيكون، وأن فترات تباشير الأمل المحدودة، كانت مرتبطة بورطة الدولة، ولجوئها إلى خيارات الضرورة، والتحامها المؤقت بالقوى الإصلاحية للخروج من الخطر، كما حصل مع اليوسفي وبنكيران، وأنه ما إن يستتب الأمر بمؤشرات الخروج من النفق، حتى تعود الأمور لنصابها. لكن هذا التشخيص على واقعيته، لا يعير الاهتمام لسؤال واقع الأحزاب الإصلاحية، ولماذا تخرج عن طبيعتها، وتفقد عناصر المقاومة فيها؟ مهما تكن قدرة الدولة على التطويع، فإن الوضع الدستوري والتقاليد السياسية تفرض عليها إبقاء الملك بعيدا عن دائرة الاشتباك المباشر بالجمهور، ومهما تكن رغبتها في إضعاف الأحزاب، فإنها مضطرة إلى البحث عن سند لها من داخل المجتمع، يرفع عنها الضغط، ويعينها في تأمين استقرار البلد واستقرار مؤسساته. الذين يفرحون اليوم بواقع العلاقة الطيبة مع الملك، لا ينتبهون إلى أن الدولة، حتى وهي تنزع إلى إضعاف الأحزاب، لا ترتاح أبدا لوجود أحزاب تكتفي بانتظار ما يقوله الملك، وتفعل كما فعل رئيس الحكومة حين كشف للرأي العام بأن الملك هو الذي اقترح استوزار شاب من شبيبة العدالة والتنمية. نعم، الملك يفكر برؤية استراتيجية بعيدة، لكن، هل يمكن أن نتأمل سلوك حزب لم يفعل في التعديل الحكومي شيئا سوى أنه أسقط وزراءه وكتاب الدولة عنده، ولم يتفطن حتى لفكرة ترشيح أحد من شبيبته، حتى جاء الطلب من الملك؟ الذي يتأمل ذلك، يخرج بفكرة عميقة عن حال السياسة في المغرب، وهي أن الأحزاب، بما في ذلك العدالة والتنمية، لم تعد مقنعة بالنسبة إلى الدولة، وأنه لهذا السبب، اتجهت الدولة إلى تقليص كبير في حجم التمثيلية التي أفرزتها الانتخابات، وأبقت على الحد الأدنى من التشكيلة السياسة، وذلك فقط للتوافق مع الشكل الدستوري في احترام الاختيار الديمقراطي.