يونس التايب بعد مرور قُرابة سبعين يوما من الترقب، وُلدت الحكومة المُعدلة وخرجت للوجود التشكيلة الرسمية للوزراء الذين سيشرفون على تدبير القطاعات الحكومية و تنزيل سياساتها العمومية. مباشرة بعد ذلك، انطلق المتتبعون وعموم المواطنين، في التحليل ونقاش الأسماء، في محاولة للتأكد من أن صيغة الحكومة الجديدة، تُحققُ فعلا كامل التطلعات التي خلفها أفق انتظارها الطويل. ومن خلال ردود الأفعال، تبين أن الغالب هو الانتقاد الشديد لاستمرار بعض “الوجوه”، و شجب غياب “وجوه” أخرى يرى البعض أنها كانت أحق بالاستوزار، وتسفيه “الكفاءات” المعينة من خلال الإشارة إلى أسماء “كفاءات” أخرى لم تدخل إلى الحكومة، وانتقاد الأحزاب عامة لعدم قدرتها على تقديم الكفاءات التي لا حظ لها في الاستوزار عبر البوابات الحزبية. ومن تم انطلق التشكيك، من الآن، في قدرة الحكومة على تحقيق الطفرة المرجوة للنهوض بأوضاع البلد. تفاعلا مع هذا الأمر، طرحت مع نفسي أسئلة عديدة: هل صحيح لم تأت الصيغة الجديدة للحكومة بأي شيء يستحق أن نُسجله ونُثمنه؟ ألم تأت في التعديل أية كفاءات تُذكر؟ طيب، أية معايير وضعها البعض لمسألة الكفاءة في هذا المقام، حتى نناقش هل هؤلاء الوزراء الذين أتوا فاقدين لها؟ ألم يتغير فعلا أي شيء في الحكومة بصيغتها الجديدة؟ ماذا كان الناس ينتظرون بالضبط؟ وعلى أساس أية شرعية بنوا انتظاراتهم تلك؟ أليس المشكل أننا حملنا هذا التعديل أكثر مما يجب، وتناسينا أنه، رغم كل الحماس الممكن، لن يتم إلا ضمن ما نحن مجبرون على التعاطي معه، منذ أكتوبر 2016، من دينامية وتوازنات لا تتيح إلا ما هو قائم من وضع سياسي؟ هل فعلا كان هنالك مكان لانتظار حلول خرافية من خارج التوازنات القائمة، خصوصا إذا اعتبرنا الوضع الحزبي الحالي، بما له وما عليه؟ وهل فعلا كان بالإمكان أفضل مما كان؟ أعترف أن الإجابة عن الأسئلة أعلاه، تمرين صعب ودقيق، خصوصا إذا كنا نريد التزام الموضوعية، دون التطبيل والتهليل الكاذب، ولكن أيضا دون السقوط في فخ التسفيه والانجرار لمستنقع العدمية. ولا شك أن الموضوع يقتضي منا الابتعاد عن الذاتية، وعن الأحكام المُسبقة في حق هذا أو تلك، وترك التمثلات النسبية والأحكام المعيارية. وعلى العكس، أظن أن أسهل شيء يمكن فعله، هو تسفيه هذه الحكومة الجديدة، ووصمُها بكل الصفات وإثقالُها بكل العيوب، والحُكم عليها من الآن بالفشل والعجز. ويكفينا لهذا الغرض، أن نعتمد “مقاربة تحليلية” لا تأخذ في الحسبان السياقات التي أتى ضمنها التعديل، ولا تلتزم بضوابط منهجية دقيقة، و لا تتجنب الذاتية والمواقف المُسبقة من الفاعلين الحزبيين المعنيين. بكل صراحة، رغم أنني لا أتردد في انتقاد الحكومة و إبراز ضعف أدائها، وعدم نجاعة بعض سياساتها، كلما تبين لي ذلك، إلا أنني، هذه المرة، لم أجد مبررا كافيا يجيز كل هذا التفاعل السلبي الذي خلفه التعديل الحكومي، لأنني أعتبر أنه لم يكن بالإمكان أفضل مما كان، لعدة اعتبارات. فمن جهة، هامش المناورة كان ضيقا بالنسبة لجميع الفرقاء، لأسباب سأبينها في هذا المقال، وكذا بالنظر إلى الخلل الكبير الذي تعرفه أحزابنا في علاقة بمسألة الكفاءات، التي لا يمكنها أن تمر إلى المسؤولية العمومية إلا بدعم ملكي، عبر بوابة “التقنوقرط”. وأقصى ما كنت ألتمسه هو أن يتجنب رئيس الحكومة السقوط في “ممنوعات سياسية وأخلاقية” في اختيار الأسماء، بينتها في مقال سابق، وتمنيتُ أن نقترب أكثر ما يمكن من الرؤية المُعبر عنها في خطاب العرش، حتى يسهُل الانتقال إلى المرحلة الجديدة الموعودة من تدبير الشأن العام الوطني. ودون الدخول في التفاصيل، أسجل أن النسخة النهائية للحكومة المعدلة، لم تحمل أيا من “الممنوعات” التي نبهت إلى خطورة الوقوع فيها. وأنا متأكد أن الفضل في ذلك هو صرامة الرد الملكي على المقترحات الأولى التي قدمهما رئيس الحكومة، ورفض عاهل البلاد استوزار أسماء كان تواجدها ضمن التشكيلة الجديدة سيخلف موجة غضب كبير، و يحيي النعرات الشعبوية بين فرقاء الأغلبية، ويلهي الحكومة عن الأوراش التي عليها القيام بها، بما لذلك من أثار خطيرة. أما من أحسوا بالخيبة مما أتى به التعديل، وكانوا ينتظرون أمورا أخرى، فيبدو أنهم تناسوا الواقع السياسي القائم، وما يترتب عليه بالضرورة. ولهؤلاء أقول إنه لا يمكن تقييم ما جاء في التعديل الحكومي إلا باستحضار تجليات ذلك الواقع، وفهم أثره على قرارات الفاعلين، وعلى هامش المناورة الفعلي الذي لكل طرف، وعدم نسيان أن جميع الأحزاب تحدوها رغبة، غير مصرح بها، في تحقيق أكبر قدر من المكتسبات، وتقبل أقل قدر من الخسائر والأضرار الجانبية، استعدادا للمحطة الأهم، ألا وهي الانتخابات التشريعية التي تقترب بسرعة كبيرة. ومن تجليات الواقع التي يجب أخذ أثرها بعين الاعتبار عند محاولة تقييم ما أفرزه التعديل، أذكر هنا : أولا، أن التعديل الحكومي لم يكن وليد قرار سياسي لرئيس الحكومة، وحزبه وأغلبيته، بعدما تبين لهم أن الأمور لا تسير على أحسن ما يرام. بالعكس تماما، رئيس الحكومة وأحزاب الأغلبية، حتى أيام قليلة قبل خطاب العرش، كانوا يقولون للمغاربة بأن “كل شي مزيان” وأن “الإنجازات الحكومية عظيمة”، وأن “الحكومة تعيش جوا طيبا بين أعضاءها”. وبالتالي، لولا أن جلالة الملك أمر بتعديل حكومي يأتي بكفاءات جديدة، وعيا منه بالمشاكل الكبرى القادمة في الأفق، من جراء سوء التدبير الذي نبه إليه غير ما مرة في خطبه السامية، والإيقاع البطيء للعمل الحكومي الذي لا يساير الطموحات الوطنية الكبرى، ما كان رئيس الحكومة ليُقدم على هذه الخطوة، رغم أنه كان محرجا جدا من بعض أعضاء أغلبيته، وكان بإمكانه طلب التعديل بمبادرة منه، يرفعها إلى جلالة الملك وفق الأعراف المرعية، و ما ينص عليه الدستور، إلا أنه لم يفعل خوفا من انفراط عقد الأغلبية.
ثانيا، أن نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2016، وما أفرزته من احتلال حزب العدالة والتنمية للرتبة الأولى، واستحقاقه، وفق مقتضيات الدستور، أن تُسند إليه مهمة تشكيل الحكومة، اعتبارا لشرعيته الديمقراطية القائمة حتى موعد الانتخابات التشريعية المقررة سنة 2021، هي ما يؤطر تحرك كل الفاعلين. ومهما بلغ الغضب والنقمة من السياسات العمومية التي أقرها وزراء هذا الحزب، ومن الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة التي يسيرها، إذا كان بإمكان المواطنين أن يعبروا عن احتجاجهم ورفضهم لهذه السياسات، إلا أنه لا يُمكن تغيير الحزب الذي يدبر الحكومة والشأن العام، إلا من خلال عملية انتخابات ديمقراطية، يمكن للناس فيها أن يختاروا أحزابا أخرى بديلة، إن وُجدت وإن لاقى عرضُها السياسي، وخطاب قياداتها، صدى لدى الناخبين. وذلك موضوع آخر فيه ما فيه من القول الثقيل. ثالثا، واقع عدم الانسجام الواضح بين أحزاب الأغلبية الحكومية، واستمرار الشنآن والتهجمات القوية بين زعماءها حتى عشية التعديل الحكومي، بما لذلك من أثر على استمرار غياب الثقة، بل واستحالة أن تتوفر لدى هذا الفريق، إرادة موحدة للدفاع عن مشروع متجانس لتدبير البرنامج الحكومي والنهوض بأوضاع تدبير الشأن العام، و تحقيق نتائج كبيرة بالتزام وتضامن. وعليه، كما نقول بالدارجة، “كلشي لاعب مع كلشي، و كلشي حاضي من كلشي” إلى أن يحين موعد “الطلاق”. رابعا، واقع تردي الأداء العام في عدة قطاعات، وطغيان أخبار الفساد في مجموعة من المؤسسات والإدارات، كما كشف عن ذلك تقرير المجلس الأعلى للحسابات، وكذا واقع الوضع المالي والاقتصادي السيئ، بحسب التقرير الذي قدمه والي بنك المغرب، واستمرار المؤشرات الاجتماعية في التراجع السلبي، وارتفاع أرقام البطالة، كما جاء في تقارير المندوبية السامية للتخطيط. مما أدخل المجتمع في دوامة سلبية عمقت أزمة الثقة وزادت من مستوى القلق المجتمعي، مع استمرار عجز الحكومة في تشكيلتها السابقة عن اتخاذ ما يلزم من قرارات تحد من خطر تصاعد حركات احتجاجية لا تريدها كل الأطراف، سواء الحكومة أو المعارضة، أو الدولة برمتها. خامسا، تأكد النفور المتزايد من السياسة والعمل الحزبي، والخشية من أن تعرف أي انتخابات تُنظم، نسبة عزوف عن المشاركة قد تصل إلى مستويات قياسية، خاصة في صفوف الشباب والطبقة المتوسطة والمثقفة. إضافة إلى تصاعد منسوب انعدام الثقة في المؤسسات بشكل يمنع تحقيق اللُحمة المجتمعية اللازمة للتعبئة ومواجهة تحديات العجز المسجل في عدة قطاعات، بشكل يُهدد تحقيق الشروط اللازمة لانطلاق تنزيل نموذج تنموي وطني جديد، المأمول فيه أن يُحرر الطاقات ويتيح تحقيق أهداف التنمية والمساواة. وبالتالي، ظهرت فكرة التعديل، حتى بالنسبة للأحزاب التي لم تكن تفكر فيها أو تخطط لها، كأفضل طريقة لمحاولة تصحيح الأداء الحكومي عبر أسماء وهيكلة حكومية جديدة. سادسا، الخوف من وضعية “البلوكاج” التي كان حدوثها مجددا، لو تعنت الفاعلون الحزبيون، سيضع كل الأطراف أمام نفس الحالة التي لم ينتبه إليها من وضعوا دستور 2011، ولا تحسبوا لفرضية احتمال حدوثها. وبالتالي، تفاعلت جميع الأحزاب، وتجاذب قادتها، وناوروا ما استطاعوا وهم واعون أن استمرار حكومة سعد الدين العثماني، بكل ما حملته نسختها الأولى، وما سيستمر في صيغتها المُعدلة، من “عيوب جينية” تحد من قُدرتها على أن تنهض بوظائفها، أهون من تجربة “بلوكاج” جديد. ومن تم ليس أمام الأحزاب إلا “التعايش”، بأي شكل من الأشكال، في انتظار إعادة توزيع الأوراق بحسب نتائج انتخابات 2021. أمام كل هذا الواقع، لم تكن هنالك خيارات كثيرة: إما ترميم الحكومة ورفع قدرتها على أن تؤدي عملها بشكل أفضل، من خلال تعديل حكومي كبير. وإما الإقرار بفشل حزب العدالة والتنمية وأغلبيته الحزبية في قيادة الحكومة، والتجاوب مع الاحتجاجات القوية والمتنوعة التي عرفها البلد خلال الأشهر الأخيرة، والسير نحو انتخابات سابقة لأوانها، بحثا عن حل سياسي للأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحالية، مع كل ما قد تفرزه أية انتخابات تشريعية من احتمال تكريس نفس الوضع السياسي وبقاء حزب العدالة والتنمية في المرتبة الأولى، خصوصا وأن أهم أحزاب المعارضة يعرف وضعية شبه شلل تنظيمي، وعجز عن تقديم عرض سياسي تنافسي قادر على الحصول على ثقة المواطنين، واحتلال المرتبة الأولى. ولما لم تجرؤ أحزاب الأغلبية على الخروج من الحكومة لتسهيل حجب الثقة عنها، كما لم تظهر أحزاب المعارضة رغبة في تحقيق نفس الهدف عبر الآليات البرلمانية المتاحة، بدا من المتعذر السير في اتجاه خيار الانتخابات السابقة لأوانها. وبالتالي بقي حل التعديل الحكومي، الذي لم يسع إليه رئيس الحكومة إلا بعد تدخل قوي من الملك الذي أمر به، مستندا في خطاب العرش على تشخيص واضح لأوجه العجز في عدة قطاعات، ومقدما خارطة طريق لتحقيق الإصلاح والإقلاع الشامل، والعبور نحو محطة جديدة على الجميع فيها أن يتحملوا مسؤولياتهم السياسية من خلال تفعيل المبدأ الدستوري لربط المسؤولية بالمحاسبة، والاشتغال على التخفيف من العجز القائم في عدة قطاعات. اعتبارا لكل ما سبق، اعتبرت أنه لم يكن بالإمكان أفضل مما كان في التعديل الحكومي، الذي حقق أمورا إيجابية تستحق أن تسجل، وإن كانت هنالك تساؤلات عدة ستبقى معلقة حتى تتم الإجابة عنها من طرف أحزاب الحكومة ورئيسها، ومن طرف الطبقة السياسية عموما. أما أولى الإيجابيات، في رأيي، فهي تقليص وزراء الحكومة من 36 إلى 24 وزيرا، وإحداث تغييرات كبيرة في هيكلة مجموعة من القطاعات، من خلال إلغاء بعض منها، ودمج البعض في قطاعات أخرى. ومن المؤكد أن مثل هذا المجهود سيؤثر بشكل إيجابي على التنسيق العام وعلى التقائية السياسات القطاعية، إذا ما أبان الوزراء عن قدرات حقيقية لتدبير قطاعاتهم وتحفيز مواردهم البشرية. وهنا من المهم أن نتحدث عن الأسماء التي دخلت لأول مرة، على فرضية ما تتوفر عليه من كفاءات. ومن باب الإنصاف القول أن أغلب الأسماء الجديدة إما لها تجربة سياسية وتدبيرية، أو لها تجربة كبيرة في التدبير في مواقع كانت فيها سابقا، مما يترك الباب مفتوحا أمام قدرتها، في مواقعها الوزارية الجديدة على تحقيق أداء جيد. وأذكر هنا قطاع الصحة الذي حل به مدير المستشفى الجامعي بفاس، وهو إطار مستقل يحضا باحترام كبير لدى كل العاملين بالقطاع، وكل المتتبعين والمهتمين. نفس الشيء يمكن أن نقوله عن الوزير المنتدب المكلف بالتعليم العالي، الذي قدم إلى المنصب من رئاسة جامعة الأخوين التي تظل من التجارب الأكاديمية المغربية الأكثر اقترابا من النموذج الجامعي الأنجلوساكسوني المعروف بنجاعته على المستوى الدولي. ومن المشروع، أن نتوقع تمكن الوزير الجديد من تقديم إضافة محترمة لقطاع يعاني كثيرا. وجهان آخران لفتا الانتباه إليهما وهما سيدتان اقترحتهما أحزابهما. سيدة عن حزب الحركة الشعبية، وهي رئيسة القطاع النسائي في الحزب، ولها مسار أكاديمي ومهني متميز. وسيدة أخرى نالت مسؤلية قطاعات مهمة باسم حزب التجمع الوطني للأحرار، قادمة من القطاع الخاص، ووراءها تجربة أكاديمية وتدبيرية معتبرة، ومشهود لها بقدرة كبيرة على العمل وتدبير ملفات معقدة. حالة الوزيرة التجمعية لم تمر دون طرح تساؤلات عديدة لدى البعض، خصوصا ارتباطها المهني مع رئيسها السابق وزير التجارة والصناعة الحالي، وأحد أركان حزب الحمامة. كما طرح تساؤلات حول استحقاقها السياسي لهذا المنصب مقارنة مع نساء تجمعيات أخريات لهن من الكفاءة والنضالية الحزبية الشيء الكثير. لكن، يبقى هذا السؤال، في رأيي، ضمن دائرة الاختصاص الحصري للمنتسبين لحزب التجمع الوطني للأحرار. هم من عليهم مناقشة الاسم من هذه الزاوية. أما الرأي العام، فله طرح السؤال حول كفاءة المعنية بالأمر وهو ما يبدو أنه قائم، وستثبت الأيام صحته. وجهان آخران جديدان أثارا الانتباه أيضا، وهما الوزير الشاب الذي سيشغل مهمة وزير الشغل والإدماج المهني، والذي سجل رئيس الحكومة، من خلال تعيينه، “ضربة معلم” أصاب عبرها عدة عصافير بحجر واحد، حيث أعطى، من جهة، المثال للأحزاب الأخرى على أن حزب العدالة والتنمية يحترم شبيبته ويعتني بها ويمنح أعضاءها فرصة الترقي السياسي، ومن جهة أخرى، أدمج مناضلا “مشاكسا” عرف عنه قربه من الأمين العام السابق للحزب، وبذلك سيضمن أن تصبح الشبيبة “أكثر براجماتية”، وتركز في المفيد. أما الشخصية الأخرى، فهي الوزير القادم من حزب الاتحاد الدستوري، والذي له رصيده العلمي والأكاديمي، بالإضافة إلى أنه منحت له فرصة إنجاح فكرة جيدة تجلت في تجميع قطاعات الشباب والرياضة والثقافة في قطاع واحد. ولو استطاع الوزير الجديد أن يجد التوليفة لمواكبة الشباب وجعله في قلب الدينامية الرياضية والثقافية، فالأكيد ستتغير أمور كثيرة في واقع التهميش الذي يعيشه ألاف الشباب المغربي، وسيكون من حق حزب الوزير أن يتباهى بالأمر. أما الفائز الأكبر في هذا التعديل، فهو، بدون شك، رئيس الحكومة الذي دافع عن مصالح حزبه، وأكد الالتزام بمقتضيات الديمقراطية الداخلية لديه، ولم يتردد في تغيير وزراء قياديين لهم وزنهم التنظيمي والسياسي، وشجع قياديا من شبيبة حزبه، ودفع بسيدتين لموقع المسؤولية الوزارية. فعل ذلك بهدوئه المعهود، والمستفز أحيانا، وبدبلوماسية ولياقة كبيرة، ودون الحاجة إلى التصادم مع أي من الفرقاء. و هذا في رأيي أمر جيد للغاية، يلزمنا بالاعتراف أن رئيس الحكومة وحزبه، أكبر الفائزين من هذا التعديل الحكومي، وأنه سيستثمر الأمر ولا شك، من خلال العمل على محو أثر أكثر من سنتين من التدبير السابق، بكل ما كان فيه من سلبيات، والانطلاق من جديد وكأن هذه الأغلبية الحكومية استلمت المسؤولية العمومية هذا الأسبوع فقط. فيما ستجد الأحزاب المشاركة في الحكومة، باستثناء حزب التجمع الوطني للأحرار، صعوبة كبرى في جني ثمار سياسية تذكر من تواجد غير وازن في حكومة تلزمهم عضويتها على تقديم الحساب أمام الرأي العام الوطني وتبرير الحصيلة ساعة الانتخابات التشريعية المقبلة. آنذاك إما أنهم سيدافعون بشراسة عن “الحصيلة”، وسيكون ذلك بالضرورة في مصلحة الحزب الذي يسير الحكومة. أو أنهم سينتقدون “الحصيلة” وآنذاك سيضحك الناخبون كثيرا وسينصرفون للتصويت على غيرهم. تلك هي المعادلة التي تحتاج من الجميع أن يعتبروا ويفكروا فيها مليا من الآن. بصفة عامة، أظن أن علينا أن نتمنى النجاح لهذه الحكومة لأنها الخيار الوحيد الممكن في أفق السنتين المقبلتين، ولأن مشاكل مجتمعية كثيرة تنتظر الحل، وأوراش اقتصادية كبرى يجب أن تنطلق، ولا يمكن أن نلعب باستقرار الوطن، أو أن ندخل في متاهات شعبوية وسياسوية مقيتة. ولكن، علينا أن نستمر في مواكبة عمل الحكومة، وتتبع سياساتها، وتقييم قراراتها وبرامجها، لنتأكد من أنها تسير في اتجاه مصلحة المواطنين، أولا، وتحترم القيم والأساسيات التي حملتها خارطة الطريق التي حددها خطاب العرش الأخير. كما أن على الأحزاب المعارضة وعلى المواطنين عامة، أن يستغلوا ما هو قادم من زمن سياسي لتحقيق تصالح حقيقي يعيد الشباب إلى مجال الفعل السياسي، ويضمن عودة قوية للمشهد عبر تجديد للنخب المُسيرة، وترسيخ للديمقراطية الداخلية في صفوف الأحزاب، وتجديد للبرامج وللعروض السياسية، وتعزيز القدرة على الاستقطاب الجاد لأكبر قدر من الكفاءات، والعمل على إنتاج سياسات بديلة، والاستعداد الجيد للاستحقاقات المقبلة حتى يتسنى تحقيق تناوب سياسي يأتي ببدائل أخرى ترقى لما ينتظره المواطنون. أما إذا استمرت الأحزاب المعارضة فيما هي عليه، و إذا ترسخ العزوف عن المشاركة، و إذا استمرت النخبة في نضالها من أجل أولويات لا تتفاعل مع القضايا المجتمعية الحقيقية، وظلت نخبة شباب الوطن جالسة تنتقد و تقترح أمام شاشات الحواسيب والهواتف الذكية، فمن الآن أقولها، ليستعد الجميع لتقبل نتائج انتخابات تشريعية في سنة 2021، حيث ستعزز مكانة الحزب الذي يقود الحكومة حاليا، والذي استطاع امتصاص الضربات وتمرير كل السياسات الاجتماعية والاقتصادية دون أن يتآكل رصيد شعبيته لدى قاعدته الانتخابية، وحافظت قياداته ومنتخبوه وفاعلوه الجمعويون على وتيرة مستمرة للنضال في الشوارع والأزقة، ينسجون علاقات القرب والتواصل اليومي مع المواطنين، وابتعد أغلبهم بقدر كبير عن الشبهات، بشكل لا يمكن إنكاره. بل أكثر من ذلك، ليستعد الجميع لتقبل أن يكون حزب العدالة والتنمية في المقدمة، بنتيجة قد تجعله، ولو بأغلبية جد نسبية، في حل من تحالفات هجينة منعته من التحرك بالأريحية التي يتمناها. وقد لا يحتاج أكثر من حليف سياسي أو حليفين لتشكيل حكومته، وتطبيق برنامجه السياسي والمجتمعي كاملا. هذا هو الأفق بكل يقين، إلا أن يصحو المجتمع وتصحو نخبه وقياداته، ونسترجع جميعا كل قيم الجدية والاستقامة والغيرة الوطنية، والقدرة على احترام الكفاءات وعدم التضييق عليها، وتجديد المشاريع السياسية على ضوء مستجدات الواقع، والتعالي على مصيبة الجري وراء المنافع الشخصية و المغانم، والحروب التي تحركها الطموحات الصغيرة، والكف عن التجاذبات السياسية المتمحورة حول الأنا…