لا شيء يثير اهتمام الحكومة خلال هذه الأيام سوى الأخبار التي ترجح إجراء تعديل حكومي موسع يطيح بوزراء من الأغلبية الحكومية، بعد أن كانت أمطار مركب مولاي عبد الله خلال كأس العالم للأندية الأخيرة قد أطاحت بمحمد أوزين وزير الشبيبة والرياضة. كل ما رشح إلى حدود الآن لا يعطي صورة واضحة عما يجري بالتحديد وعدا بعض التسريبات الصحافية، ليس ثمة أي معلومة يمكن أن تقود إلى الخبر الحقيقي في ملف التعديل الحكومي. مع ذلك، فإن التعديل الوزاري أصبح «سنة» حقيقية اعتادت عليها الحكومات المتعاقبة منذ حصول المغرب على الاستقلال، وإذا كان التعديل في عهد الملك الراحل الحسن الثاني تحكمت فيه حسابات سياسية في الكثير من المرات، فإن صيغة التعديل كما تواضع عليها القصر والحكومات المتعاقبة خلال مرحلة حكم محمد السادس تتخذ صبغة التدخل في قطاعات معينة، وإن كانت بعض التجارب مثلما فعل حزب الاستقلال بعد فوز عبد الحميد شباط بالأمانة العامة لحزب الاستقلال تعطي بعدا آخر للتعديل الحكومي قوامه التنافس السياسي ومحاولة لي الذراع. الكثيرون ممن تتبعوا معركة «كسر العظم» بين حزبي العدالة والتنمية وحزب الاستقلال لم ينتبهوا إلى أن الفراغ الذي خلفه خروج الاستقلاليين من الحكومة ضيع الكثير من الزمن الحكومي. بعيدا عن الأسباب الحقيقية التي أدت بشباط إلى أن يترك سفينة العدالة والتنمية في نصف الطريق ويرغمه على التحالف مع أحد ألد أعدائه في خضم الانتخابات التشريعية السابقة، فإن بنكيران وجد نفسه منهمكا في البحث عن حلفاء جدد، الأمر الذي فوت عليه الانخراط في تنزيل برنامجه الانتخابي. وقد بدا ذلك واضحا في الاضطراب الحكومي في التعامل مع مواعيد الانتخابات الجماعية التي كانت مقررة قبل سنة من الآن. الآن، تبدو الأزمة أقل حدة من نظيرتها السابقة، سيما وأن امحند العنصر، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية خلف أوزين على رأس وزارة الشبيبة والرياضة لكن إشارات كثيرة لاحت في الساحة السياسية توحي بأن الملك سيجري تعديلا حكوميا وشيكا أبرزه رفض الديوان الملكي لطلب تقدم به لحبيب الشوباني بشأن «الرعاية الملكية» للاحتفال السنوي باليوم الوطني للمجتمع المدني، وهو المؤشر الذي فهم على أن الوزير الإسلامي يوجد في فوهة المدفع. قبل أيام فقط قال بنكيران إن بعض الأسماء لا تستحق الاستوزار، لكنه في الوقت نفسه قال بما يلزم من الاختصار إن الديمقراطية تحتم في بعض الأحيان أن تقبل الأمور كما هي. ما الذي يعنيه بنكيران من وراء هذا التصريح؟ يمكن قراءة تصريح بنكيران في هذه الظرفية بالذات من زاويتين اثنتين: الأولى أن الأخبار التي رشحت عن وجود تعديل حكومي وأن الملك ليس راضيا عن تسيير بعض القطاعات لها ما يؤكدها، والثانية أن بنكيران كان مضطرا أن يقبل بعض الأسماء، ولو على مضض، لأن لعبة التحالفات في نهاية المطاف لا يتحكم فيها شخصيا حتى لو تعلق الأمر ببعض الأسماء من داخل حزبه. مهما يكن من أمر، فإن التعديل الحكومي بات قريبا وإن بدا مختلفا كثيرا هذه المرة، فالأخبار الرائجة الآن تفيد أن التعديل سيشمل بعض الأسماء الحركية وأسماء داخل حزب العدالة والتنمية. على المستوى الحزبي، لن يمر التعديل الحكومي دون أن يثير انقسامات حادة داخل الأحزاب التي سيشملها التعديل، بل إن حزب العدالة والتنمية الذي بدا متماسكا إلى حد ما سيكتوي من تبعات التعديل وقد سبق له أن عاش لحظات عصيبة يوم الإعلان عن حكومة عبد الإله بنكيران الثانية. وقد بدأت تظهر ملامح الانقسام داخل الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية بعدما خرجت قيادات حركية بارزة إلى العلن لتعلن ميلاد حركة تصحيحية يقودها كل من أولباشا وبنقدور والمرابط. على المستوى الحكومي، قد لا يؤثر كثيرا تعديل حكومي صغير على سير الحكومة بالنظر إلى أن العمر الحكومي يقترب من نهايته، رغم أن أجندة الانتخابات التشريعية والجماعية ستجري كلها خلال هذه المدة الصغيرة. التعديل الحكومي قد يكون ضروريا في تقويم بعض القطاعات التي أبانت عن فشلها طيلة مدة تقترب من أربع سنوات، لكنه سيضيع المزيد من الوقت، فأنى كانت التبريرات التي سيقدمها بنكيران حول التعديل إلا أنه سيضيع الكثير من الوقت، وسيدخل أحزاب الأغلبية الحكومية في دوامة جديدة تشبه دوامة التعديل الأول، لكن هذه المرة سيكون أمام الحكومة تحد من نوع آخر وهو قدرتها على الإعداد للاستحقاقات الجماعية التي لم يتبق لها سوى بعض الشهور، بمعنى أن أي تعثر في المدى القريب سيؤثر بشكل أو بآخر في مسار الإعداد. لكن إمكانية إجراء تعديل حكومي في هذا التوقيت يطرح أسئلة كثيرة: هل سيعرف عودة قوية للتكنوقراط بعدما سيطروا على الداخلية والتعليم والفلاحة والشؤون الإسلامية؟ وهل هناك بالفعل حاجة حقيقية للقيام بالتعديل قبل سنتين فقط من نهاية عمر حكومة عبد الإله بنكيران؟ ثم إذا كان التعديل ضروريا: هل هو ضرورة سياسية أم إعادة هيكلة الحكومة وفق مواضعات بين القصر من جهة وبين الحكومة من جهة أخرى؟
هل يبسط «حزب التكنوقراط» سيطرته على الائتلاف الحكومي؟ المصلوحي: وجود وزراء «تكنوقراط» داخل الحكومة مخالف لروح الدستور المهدي السجاري عندما عين امحند العنصر وزيرا للداخلية، ساد اعتقاد أن حكومة عبد الإله بنكيران قد قطعت شوطا كبيرا في التخفيف من حضور التكنوقراط داخل الفريق المدبر للشأن العام، قبل أن تأتي النسخة الثانية للحكومة التي سيعود فيها حزب اللامنتمين بقوة عبر تعيينهم في عدد من الوزارات ذات الأهمية الكبرى، والتي كان بعضها تحت مسؤولية السياسيين من قبيل قطاع التربية الوطنية. حصيلة المشاورات حول النسخة الثانية من الحكومة اعتبرها متتبعون انتصارا ل«حزب التكنوقراط»، وطرحت السؤال عن المسؤولية السياسية لفئة من أعضاء الحكومة بدون لون سياسي، خاصة في بعض المواقع الحكومية التي لا تدخل ضمن وزارات السيادة. على مستوى الوثيقة الدستورية، لا يوجد بشكل صريح ما يمنع أو يبيح تعيين الوزراء التكنوقراط، فالفصل 47 ينص على تعيين الملك لرئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها، وتعيين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها. بنكيران رد في أحد اللقاءات على الانتقادات الموجهة للحكومة، بسبب اتساع دائرة الحقائب الممنوحة للتكنوقراط، بأنه هو الذي ستتم محاسبته، حيث ربط الأمر بالكفاءات التي يتوفرون عليها. وأعطى مثالا بموقع إدريس الضحاك داخل الحكومة الذي قال بنكيران إنه كان موجودا، موضحا أن «الضحاك رجل متمكن من القانون ويشتغل بنجاح». ونفس الأمر ذكره بالنسبة لعبد اللطيف لوديي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني، الذي وصفه بالرجل «الممتاز». ويرى عبد الرحيم المصلوحي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس في الرباط، أن مجال التكنوقراط داخل الحكومة لم يعد ممكنا، لكن هناك اجتهاد لتأويل دستوري يدعم وجودهم، معتبرا أن الدستور يربط المسؤولية بالمحاسبة، في حين أنه لا توجد آلية لمساءلة هؤلاء الوزراء. واعتبر أن وجود التكنوقراط داخل الحكومة يخالف روح الدستور، على اعتبار أن الوثيقة الجديدة تحمل توجها برلمانيا للنظام السياسي المغربي، وهو ما يعني أن الأجهزة التي تسير، سواء على مستوى الحكومة أو البرلمان بمجلسيه، تنبثق من صناديق الاقتراع. وأوضح أن «إقحام الوزراء غير الحزبيين في التشكيلة الحكومية يمكن تفهمه في حال تعلق الأمر بوزارات السيادة، بيد أن القراءة الديمقراطية تقول إنه عندما يتم تعميم حضوره في وزارات ليس فيها هاجس السيادة، فإن ذلك يشكل تراجعا عن المقتضيات الدستورية». وأضاف أن «المفروض في الدستور الجديد هو أنه قوى وعزز التوجه البرلماني للنظام السياسي المغربي، وهو ما يعني أن من يتحمل المسؤولية على مستوى الجهاز التشريعي أو التنفيذي يجب أن يكون نابعا من صناديق الاقتراع، حيث تتولى الكتلة التي تكون مؤهلة لتكوين أغلبية، الجهاز التنفيذي لأنها سترجع إلى صناديق الاقتراع لمساءلتها، على خلاف التكنوقراط». وذهب الخبير السياسي إلى أنه «في الأنظمة الديمقراطية، كإسبانيا وفرنسا وإنجلترا، فالحكومة بكاملها تتشكل من فاعلين سياسيين يساءلون أمام المواطن والبرلمان، إلى درجة أنه في بريطانيا جميع أعضاء الحكومة من البرلمانيين، على اعتبار أن ثقة المواطن، التي يتم التعبير عنها عبر صناديق الاقتراع، هي التي تمنح الأهلية لتولي مناصب وزارية وليس الكفاءة». وأضاف أن «صناديق الاقتراع لا تنبني فقط على الكفاءة بل أيضا على الثقة والمصداقية». وأشار، في سياق حديثه عن الإشكالات الدستورية التي يطرحها تعيين التكنوقراط، إلى أن الفصل 47 لا يلزم الملك بتعيين أعضاء الحكومة بكاملهم من الحزب أو الكتلة الحزبية الفائزة بل فقط رئيس الحكومة. بمعنى أن الربط بين نتائج الانتخابات والتعيين الملكي يهم فقط رئيس الحكومة. وزاد المصلوحي قائلا: «ليس هناك أي ربط واضح بين صناديق الاقتراع وتعيين الوزراء، على اعتبار أن رئيس الحكومة هو من يقترح على الملك، وبالتالي يمكنه اقتراح سياسيين أو تكنوقراط، لكن المنطق العام للدستور هو أن يقترح رئيس الحكومة أسماء من الأحزاب الفائزة في الانتخابات». واعتبر المتحدث ذاته أنه «يمكن تفهم تعيين وزراء تكنوقراط في بعض وزارات السيادة كالداخلية أو الأوقاف، لكن المعضلة أنهم لا يمكن أن يتحملوا المسؤولية أمام الشعب مادام أنهم لا يرجعون إلى صناديق الاقتراع، في حين يمكن مساءلتهم صوريا أمام البرلمان في إطار الأسئلة الكتابية والشفوية والتصويت على الميزانية ومسطرة التنصيب الحكومي أو ملتمس المراقبة». وبخصوص ما يمكن أن تسفر عنه مشاورات التعديل الحكومي، توقع المصلوحي أن يكون التعديل محدودا وأن يشمل حقيبة أو حقيبتين، وهو الأمر الذي ذهب إليه الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، خاصة أن الحكومة أشرفت على نهاية ولايتها. قد يكون رئيس الحكومة يواجه ضغطا متزايدا بسبب الانتقادات الموجهة لعدد من وزرائه، الذين أثبتوا فشلهم في تدبير القطاعات التي أسندت إليهم، لكن تعيين أعضاء جدد من خارج الأحزاب المكونة للأغلبية سيجر على بنكيران انتقادات لاذعة. وضع قد يجعل زعيم الائتلاف الحكومي مجبرا على إجراء تعديل بسيط، رغم عدم اقتناعه بأداء وزراء ينتمون لحزبه، الذين قال عنهم: «لست راضيا عن بعض وزراء الحزب الذي أسيره، لكنها الديمقراطية».
بلكبير: التعديل المقبل سيعكس ميزان القوى وسيكشف ملامح الانتخابات قال إن «التكنوقراط» خدعة ومظهر من مظاهر تعثر حكومة بنكيران حاورته حليمة بوتمارت يرى عبد الصمد بلكبير، الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، أن الحكومة الحالية تعاني منذ بداية ولايتها من ثقوب لإفشالها، موضحا أن هناك أطرافا تدفع رئيسها عبد الإله بنكيران إلى اليأس وإعلان العجز. وقال في حوار مع «المساء» إن «المغرب في التجربة الحالية معرض لعدة تناقضات، والخروج منها صعب، لكن ليس بالضرورة القول بأن التعديل الحكومي هو الحاسم». واعتبر بلكبير الحكومة «هشة من حيث النفوذ داخليا، ولكنها قوية نسبيا على اعتبار أن المؤسسة الملكية في حاجة إليها في هذه المرحلة المضطربة من جهة، وللاستجابة للضغوط الخارجية من جهة أخرى». – هل هناك حاجة إلى نسخة ثالثة من حكومة بنكيران؟ من الناحية العامة، أعتقد أن من الطبيعي في كل مسيرة حكومية، خصوصا في مرحلتنا الانتقالية التي تتسم بنوع من الارتباك والتردد والمفاجآت، أن ينعكس ذلك على التشكيلات الحكومية، سواء على مستوى الأحزاب المتحالفة أو على مستوى الأشخاص أو بالنسبة إلى الهندسة الحكومية، حيث يبدو أن هناك قطاعات يجب أن تدمج مع بعضها أو تفصل عن بعضها. وهذا لا يعني أن هذا الأمر يدل على أزمة بالضرورة، أو بالأحرى لا يدل على أزمة بالمعنى السلبي. فهذه الأخيرة يمكن أن تكون إيجابية، خصوصا أن الأمر لا يتصل فقط بتناقضات الداخل، بل بتناقضات الخارج أيضا، فلا يجب أن ننسى أن البلد هش في علاقاته الخارجية، وبالتالي فهو معرض لزعزعتها. ويمكن القول إن خروج سعد الدين العثماني، مثلا، كان مرتبطا بخروج أمثاله في المشرق العربي عندما انتهت مرحلة من مراحل العدوان الأطلسي على الشرق العربي عموما. طبعا هذا يظهر أن الأمور معقدة وليست بسيطة. – في نظرك، ما هي الوزارات التي يتوقع أن يشملها هذا التعديل؟ في هذه الحالة يصعب علي أن أحدد ذلك لأن الأمر يحتاج إلى معرفة الخفايا، والخفايا لا يعلمها حتى الراسخون في العلم، فالصحافة نفسها لا تستطيع أن تكشف حقيقة الصراعات. على كل، أعتقد أن الاتجاه إلى التعديل سيعكس نتيجة القوى، سواء في الداخل أو في الخارج. – بلغة الربح والخسارة، ماذا سيربح بنكيران وأغلبيته ونحن على مشارف نهاية ولاية حكومته؟ بنكيران أدرى بمصالحه، ولا يمكن لأحد أن ينوب عنه في تحديد ما هو في مصلحته كحزب وما يضر به، لكن في جميع الحالات هو لا يسلك سلوكا حرا، فهو تحت ضغوط متعددة. نحن لا نعرف تماما نوعية الضغوط التي تمارس عليه داخل الحزب، كما لا نعرف توازن العلاقة بينه وبين القصر الملكي، ولا علاقته الخارجية مع الرأسمال المالي والاقتصادي، فهي أمور دقيقة جدا يصعب التدقيق فيها لمعرفة الربح والخسارة. وعموما، يمكن القول ألا أحد يربح دون أن يخسر، وهذه قاعدة تنطبق على الحياة كلها وليس فقط على السياسة، فالرهان الأهم هو أن يقلل الخسائر، وأن يكثر الأرباح، سواء بالنسبة إلى الحزب أو إلى قاعدته الاجتماعية والسياسية والانتخابية. المغرب في تجربة حكومة بنكيران معرض لعدة تناقضات، والخروج منها صعب، لكن ليس بالضرورة أن يكون التعديل الحكومي هو الحاسم، فنحن نتذكر خروج الوفا من وزارة التعليم. لقد كان ذلك ضربة قاسية للبعد التعليمي ولسياسة حزب العدالة والتنمية، حيث لم يقيلوا الوزير، لكن قلموا أظافره. والآن لاحظنا أن السهام موجهة إلى الشوباني، حيث إن قطاع جمعيات المجتمع المدني في زمننا الراهن حساس جدا، ويعتبر من أهم أدوات الضغط التي تمارسها القوى الخارجية على إدارة الدولة، وخصوصا الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي لا يوجد لها ممثلون ذوو نفوذ داخل إدارة الدولة ولا داخل أجهزتها النافذة ولا داخل الأحزاب والنقابات، ولكن مدخلها هو المجتمع المدني، بما في ذلك الصحافة والإعلام. وأظن أن من بين الأمور، التي تفسر درجة عالية من الانسجام في هذه النقطة بين بنكيران وبين مؤسسات الدولة، وتحديدا المؤسسة الملكية، أن الطرفين لديهما نفس الموقف من التغلغل الأجنبي في المجتمع المغربي من خلال ما يسمى بجمعيات المجتمع المدني، فعلى صعيد الموقف السياسي للشوباني كان منسجما تمام الانسجام مع ما أشرت إليه، وحتى إن كان القصر الملكي لم يزك خطوات الشوباني، فهذا لا يعني أنه لا يتفق معه، فهذا يدل فقط على أن هناك ضغوطا اقتضت هذا التدبير المتسم بنوع من الحماية الضمنية، ولكن الطريقة التي سير بها الموضوع كانت غاية في الذكاء. إجمالا يمكن القول إنه عندما يراد الإجهاز على سياسة معينة مثلما وقع مع الوفا في التعليم والشوباني في ملف الجمعيات، فإن الاتهامات لا توجه إلى السياسة، بل إلى الأشخاص. – هناك من يرى أن التعديل الجديد هو فقط لإضعاف حكومة عبد الإله بنكيران سياسيا، ولخلق توازن مفقود مع معارضة ضعيفة؟ صحيح، لأن الأمر منطقي. فمنذ البداية لم تعترف الأغلبية المحتكرة للسلطات السياسية والمالية في المغرب السابق، أي حزب فرنسا، في دواخلها بالهزيمة ولم تستسلم، حيث بقيت دائما تبذل مجهودات من أجل استرجاع إرثها، واشتغل هذا النمط من الصراع منذ صعود حكومة بنكيران إلى اليوم. وأظن أن التناقض الرئيس في المغرب يكمن هنا، أي أن القوى الجديدة استغلت ظرفا استثنائيا عربيا، وليس فقط مغربيا، ودخول قطروالولاياتالمتحدة على الخط، مما نتج عن ذلك من تداعيات مفاجئة. والمفاجأة أحبطت رد الفعل ولم تسمح للطرف الآخر الذي يمكن أن نسميه «المعارضة» بأن يلم شتاته، وأن يغير تكتيكاته. أظن أن التناقض محتد لأن حكومة بنكيران ليست لديها جذور، أي أنها مستنبتة على صعيد الدولة والمؤسسات الاقتصادية، ولذلك فهي إلى حد ما معلقة مع الصناديق (صندوق المقاصة والتقاعد)، فالحكومة هشة من حيث النفوذ داخليا، ولكنها قوية نسبيا على اعتبار أن المؤسسة الملكية في حاجة إليها في هذه المرحلة المضطربة، ومن جهة أخرى للاستجابة للضغوط الخارجية. في رأيي، الذي يشكل أزمة داخل الدولة، والذي لا أحد في الحكومة السابقة استطاع أن يمسه، والذي سيحسم الصراع السياسي، هو ملف الصناديق. لكن المعضلة تتجلى في كون بنكيران ورث هذا المشكل، ويريد أن يقدم خدمات، وأن يؤسس مؤسسات تحمي القدرة الشرائية للطبقات الدنيا قبل أن يقوم بالعملية الجراحية الصعبة التي تحتاجها الصناديق، لكن ذلك لا يمكن أن يتم إلا على حساب القدرة الشرائية. لا أستطيع أن أحكم كيف ومتى سيتصرف بنكيران في هذا الملف، فإذا قام بهذا الإجراء قبل الانتخابات وليس قبيلها سيكون المشكل أخف، وإذا قام بذلك قبيل الانتخابات فهذه نهاية شعبيته، بل يمكن القول إنها ستسقط قبل إبانها، خاصة أن الخصوم يتربصون به، ويدفعون بطرق ووسائل غير معلنة لاتخاذ هذا الإجراء، لكنه محتاط، ويعرف مصالحه كشخص وكحزب، ويعرف مصالحه كحكومة. لكني لا أعتقد، حسب معرفتي بشخص بنكيران، أنه سيخطئ في هذا الصدد، ولو اقتضى الأمر أن يضحي بالحكومة دون أن يضحي بالحزب. – بمناسبة التعديل الجديد، هل يمكن أن نرى قاعدة التكنوقراط تتسع؟ وجود التكنوقراط كذبة كبرى. هناك أشخاص ينتمون إلى أحزاب معلنة أو إلى تيارات سياسية غير معلنة، وأنا أومن بأن الحديث عن التكنوقراط خدعة. هناك سياسات تكون أحيانا غير صريحة، لا تكشف عن وجهها وتغلفه بشيء اسمه التكنوقراط، وهذا مؤسف ومظهر من مظاهر تعثر هذه الحكومة، حيث منذ بداية ولايتها وهي تعاني من ثقوب لإفشالها. هناك أطراف تدفع ببنكيران وحكومته إلى اليأس، وإلى إعلان العجز، لكنه مصر على البقاء، وهذا لا يكون بدون ثمن. عموما، بنكيران راض عما وصلوا إليه لحد الآن، ويعتبر أن الإنجازات أكثر من الخسائر. – وما تأثير التعديل الجديد على الانتخابات القادمة وخارطتها السياسية؟ التعديل المقبل سيعكس غالبا ميزان قوى والصراع حول السياسات، مع العلم أن هذا التعديل سيكون الأخير، وسيعطي ملامح الانتخابات المقبلة. هذا أمر لا شك فيه. وبالمناسبة، فقد تأجلت الانتخابات الجماعية أكثر من الوقت اللازم، وشابتها خروقات حتى بالنسبة إلى الجانب الدستوري. فهذا التأخير لا يتصل بالحكومة وحدها، بل يتصل بالصراع السياسي في الميدان، الذي لم يكشف عنه الإعلام، سواء الرسمي أو الحزبي أو الخاص.
احزرير: بسبب الانتخابات التعديل سيكون طفيفا خديجة عليموسى لم يتوقف الحديث والنقاش عن تعديل حكومي مرتقب منذ إعفاء الملك محمد السادس لمحمد أوزين، وزير الشباب والرياضة، من مهامه خلال الأسبوع الأول من شهر يناير الماضي، على خلفية فضيحة عشب ملعب مولاي عبد الله إبان تنظيم «الموندياليتو»، الذي احتضنه المغرب نهاية سنة 2014. تعويض الكرسي الشاغر لوزارة الشباب والرياضة، الذي فوض تدبيره مؤقتا للأمين العام للحركة الشعبية ووزير التعمير وإعداد التراب الوطني، قد يكون سببا في إجراء تعديل محدود يشمل بعض الحقائب قد لا تتجاوز الثلاث، هذا في الوقت الذي يؤكد عدد من المتتبعين أن التغيير المرتقب على تركيبة الحكومة لن يتجاوز منصب وزير الشباب والرياضة، أو تغيير على مستوى إحدى الوزارات، وهو السيناريو المرجح لدى العديد من المتتبعين، الذين يرون أنه لا يمكن أن يتم الإقدام على خطوة تعديل موسع في الوقت الذي لم يتبق من عمر الحكومة إلا الوقت القليل وأن اللجوء إلى إجراء من هذا النوع قد يربك تسيير عدد من القطاعات، وهو ما يزكيه التصريح الإعلامي لعبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، الذي نفى وجود أي تعديل حكومي موسع دون الحديث عن المزيد من التفاصيل. وفي هذا السياق يرى عبد المالك أحزرير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة المولى إسماعيل بمكناس، أنه إذا هناك كان من تعديل حكومي فإنه سيكون طفيفا حتى لا تعطى هالة كبيرة لهذا التغيير، خصوصا في ظرف انتخابي جد حساس، قد يتم تأويله واستغلاله من قبل أحزاب المعارضة، من أجل ضرب مصداقية الأحزاب المشاركة في الحكومة. ويوضح أحزرير، في تصريح ل»المساء»، أنه لا توجد بالمغرب مشاكل كبيرة في مجال من المجالات لها أثر سياسي كبير أو مخلفات اقتصادية تتطلب اللجوء إلى تعديل حكومي موسع، موضحا أن الوضعية الاقتصادية الحالية مطمئنة ولا توجد أزمة اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية تفرض هذا النوع من الإجراء، كما أن الحكومة الحالية لها ثقة في النفس، لذلك لا حاجة لها بتعديل حكومي يمس هيكلتها. وتحدث أستاذ العلوم السياسية عن السياق الذي تجري فيه إعادة التعديل الحكومي بكافة الدول الديمقراطية، والذي يرتبط عادة ب«ضجة» أو قضية كبرى تستدعي إعادة النظر ومراجعة البرنامج الحكومي أو الأجندة الحكومية، وهو ما لا ينطبق على الحكومة الحالية التي قد تعيد النظر في أداء بعض القطاعات أو الأشخاص أو ملء الحقيبة الشاغرة لوزارة الشباب والرياضة، والتي سيحسم فيها حزب الحركة الشعبية على اعتبار أنه هو المعني بذلك أكثر من الأحزاب الأخرى، بسبب انتماء الوزير المعفى للحزب المذكور. وإلى جانب السيناريو الأول المتمثل في تعديل جزئي، هناك حديث عن سيناريو محتمل، أشارت تقارير إعلامية إلى بعض تفاصيله ومنها تعديل موسع يشمل إلى جانب ملء كرسي وزارة الشباب والرياضة، تعويض المامون بوهدود، الوزير المكلف بإعادة هيكلة القطاع غير المنظم، الذي عرف بقلة ظهوره في البرلمان، والذي أشارت أخبار عن ضعف أدائه وعن غضبة ملكية تجاهه بسبب المستوى الهزيل للبرنامج الوطني لتجارة القرب، فضلا عن الحبيب الشوباني، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، والذي أشارت المصادر ذاتها إلى فشله في الحصول على الرعاية السامية للاحتفال باليوم الوطني للمجتمع المدني وكذا توتر علاقته مع مجلس المستشارين لغيابه عن ندوة الرؤساء، ومن بين الوزراء الذين قد يطالهم التعديل محمد مبديع، وزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، الذي قيل إن عينه على قطاع الشباب والرياضة، الذي أعفي وزيره طبقا للفصل 47 من الدستور الذي ينص على أنه «يحق للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم الفردية أو الجماعية. ويظل التعديل الحكومي مفتوحا على كل الاحتمالات والسيناريوهات، التي سوف تتضح معالمها خلال الأيام المقبلة.
جناتي: بنكيران تعامل مع التعديل كموظف يجتهد في التنازل عن اختصاصاته الدستورية مصطفى الحجري من جديد سيجد رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران نفسه أمام امتحان حقيقي لإخراج النسخة الثالثة من حكومته، بعد أن أصبح التعديل الحكومي أمرا واقعا سيطرح بدون شك علامات استفهام حول تبريراته وجدواه ومدى تأثيره على التماسك والتحالف الحكومي. ورغم التكتم الشديد، الذي يحيط بهذا الموضوع والأقوال والتكهنات المتضاربة حول طبيعة الحقائب والأسماء المرشحة للرحيل، فإن عددا من المتتبعين يؤكدون أن ثقل هذا الأمر انتقل من امحند لعنصر، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، بعد فضيحة العشب إلى عبد الاله بنكيران. في هذا السياق قال الدكتور محمد الجناتي، أستاذ العلوم القانونية والإدارية والسياسية، إن التعديل الحكومي المرتقب في حال اقتصاره على المنصب الوزاري الشاغر فقط (وزارة الشبيبة والرياضة)، فإن ذلك سيبقي على وتيرة العمل الحكومي نفسها، التي لن تتأثر بخروج وزراء ودخول آخرين، ما سيمكن من تجنب الانجرار إلى حسابات حزبية جديدة قد تعطل الانسجام الحكومي المنشود، أما إذا تم إجراء تعديل حكومي يطال حقائب وزارية في حوزة أحزاب سياسية بعينها، فمن الممكن أن «يُفهَم عند الرأي العام المغربي على أن الأمر مرتبط بفشل في المهام المنوطة بهذه الأحزاب داخل الحكومة، وهذا سيؤثر عليها سياسيا لا محالة، خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات في شهر شتنبر القادم». وحول ما إذا كان المغرب بحاجة فعلا لنسخة ثالثة من الحكومة، قال جناتي إن التشكيلة الحكومية الأولى قد شهدت تعديلا حكومياً موسعاً، بعد انسحاب حزب «الاستقلال» منها في يوليوز2013، ليعوضه حزب «التجمع الوطني للأحرار» في النسخة الثانية من الحكومة في أكتوبر 2013، لذلك فإن التعديل الحكومي المرتقب، قد يمنح دينامية جديدة للحكومة، مثل ما حدث عند دخول «الأحرار» للنسخة الثانية منها. وأشار جناتي إلى أن الأداء الباهت لبعض الوزراء جر عليهم غضب الملك محمد السادس، خاصة بعد تعثر مشاريع تنموية كان يفترض أن يتم إطلاقها خلال الشهر الجاري، لذلك فالحكومة تهرول لإجراء تعديل في تشكيلتها تنفيذا للتعليمات الملكية الأخيرة، في حين أن هذا التعديل الحكومي كان يجب أن يستهدف النهوض بمستوى العمل الحكومي، وطريقة ممارسته، في إطار الالتزام التام بما هو منصوص عليه في الدستور. إلى ذلك، فإن دفاع بنكيران في أكثر من مناسبة عن حصيلة الحكومة ووزرائها رغم سلسلة الفضائح التي تورط فيها بعضهم، سيشكل عامل إحراج سياسي له بعد الكشف عن قرب تعديل حكومي بتعليمات من الملك، رغم أنه لن يعدم الحيلة لإيجاد التبريرات. في هذا السياق قال جناتي إن رئيس الحكومة دافع عن عدد من الوزراء الذين ارتكبوا «فضائح»، وبالتالي فعوض أن يكون هدف التعديل هو وضع حد لفساد بعض وزراء حكومته وتسريع وتيرة البرنامج الحكومي وتنفيذ السياسات العمومية، من أجل كسب رضا المواطنين، وإضفاء المصداقية على العمل الحكومي، ورفع التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها الشعب المغربي، وتعزيز المكتسبات، وتجاوز العوائق والسلبيات في تدبير الشأن العام، وكل ما من شأنه أن يؤثر سلباً على الحصيلة الحكومية في مجال السياسات العمومية، نرى أن الأمر جاء بأوامر من جلالة الملك. وقال جناتي إن هذا الواقع يجعل المواطن يشعر بخيبة الأمل من سياسات رئيس حكومة كان يدعي أن حزبه جاء لمحاربة الفساد والتصدي لكل من سوّلت له نفسه نهب المال العام، قبل أن يكتشف أن ذلك ليس إلا شعارات شأنها شأن تلك التي كانت ترفع من طرف أحزاب تقليدية أخرى. علامات الاستفهام حول التعديل الحكومي اقترنت أيضا بسؤال كبير حول ما إذا كان من الضروري لرئيس الحكومة أن ينتظر تعليمات الملك، وكذا الأسباب التي دفعته إلى عدم اتخاذ المبادرة رغم القصور الواضح المسجل على مستوى أداء بعض الوزراء. جناتي قال إن رئيس الحكومة التزم الصمت حيال موضوع التعديل الحكومي، منتظرا إشارات من صناع القرار لمباشرة التفاوض في الموضوع في الوقت المناسب، وهذا أمر يجعل المواطن يقتنع بأن الجهة الوحيدة القادرة على محاسبة الوزراء هي المؤسسة الملكية وليس رئيس الحكومة، الذي تنازل طوعا عن اختصاصاته الدستورية في هذا المجال. واعتبر جناتي أن هذا التنازل يضرب عرض الحائط كل المكتسبات الدستورية المقوّية لسلطات رئيس الحكومة، حيث كان على رئيس الحكومة أن «يضرب بقبضة من حديد على يد كل وزير ثبت تورطه في عمل غير أخلاقي أو غير قانوني أو ثبت ضعفه، وكان عليه أن يطرده من التشكيلة الحكومية، تفعيلاً لمبدأ المسؤولية السياسية ومبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، إلا أنه فضل ترك دار لقمان على حالها». وربط جناتي هذا الموقف بمحاولة الحفاظ على «مصالح حزبية ضيقة وعلى ائتلاف حكومي متناقض وهش»، مضيفا أن موضوع التعديل أثبت أن «رئيس الحكومة أخلف موعده مع التاريخ، وانتظر، مثله مثل أي موظف، أن يتدخل جلالة الملك لإعادة الأمور إلى نصابها تجاوبا مع نبض الشارع المغربي».