نشرت صحيفة «إلموندو» مقالين حديثا متقاربين في الزمان والسياق والمضمون، إذ يضربان في السيادة التاريخية للمغرب على المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية، ما هي قراءتك للمقالين؟ المقالان لا يشكلان استثناء بين المقالات التي تنشر بين الحين والآخر في الصحف الإسبانية، خصوصا إلموندو المعروفة بقربها من الدوائر المخابراتية وبعض الأوساط العسكرية، كما كشف ذلك المدير السابق للجريدة نفسها دافيد خيمينيث غارسيا، الذي فضح الارتباطات المشبوهة للجريدة وآليات التحكم التي تجعلها أداة في أيدي جهات معينة. القضايا التقليدية والكلاسيكية التي تركز عليها هذه الصحيفة هي دائما نزاع الصحراء والهجرة السرية والوجود الديني المغربي في إسبانيا والمؤسسة الملكية وسبتة ومليلية والصيد البحري، بمعنى القضايا الحيوية بالنسبة إلى مدريد وأجهزة المخابرات وبعض دوائر المؤسسة العسكرية، التي لا تريد تفاهما بين المغرب وإسبانيا. وقد لاحظت في المقال الأول عن المغرب وأوروبا والحدود أن الجريدة تدعي بأن المغرب لا حق له في المطالبة باستعادة سبتة ومليلية، لأنه لم يكن موجودا كدولة في المرحلة التي احتلت فيهما المدينتان، وهذه أكذوبة وتزوير للتاريخ الحقيقي لخدمة تاريخ استعماري، فنحن نعرف أن إسبانيا نفسها لم تكن موجودة لأنها كانت عبارة عن ممالك مسيحية متقاتلة بينها مثل مملكة أرغون ومملكة قشتالة ومملكة ليون، ولم تتوحد هذه الممالك إلا بصعوبة للتعاون على طرد المسلمين واليهود في القرن الخامس عشر، أي بعد قرن على احتلال المدينتين، فإذن واقع الاحتلال سابق على نشأة الدولة الإسلامية، وهذه الخلفية لاتزال موجودة بدليل بروز نزعات انفصالية دائمة كما هو الحال في كاطالونيا والباسك. كما أن إسبانيا الحالية كانت تحت التاج البرتغالي، بينما نجد أن المغرب وجد كدولة مستقلة منذ قرون سابقة على الوجود الإسباني، وهذا أمر معروف لأي طالب في شعبة التاريخ، كما أنه لم يخضع للعثمانيين الذين بقوا قرون في تونس والجزائر، وهذا لأن المغرب كان دولة قائمة لها قيادة سياسية رفضت الدخول تحت سلطة العثمانيين. فهذه كلها أكاذيب لا أساس لها من الصحة. هل يمكن القول إن المقالين يندرجان في إطار المواجهة بين إلموندو والرباط بعد نشر الصحيفة الإسبانية تحقيقا حول مجلس الجالية وأشياء أخرى كذبتها السلطات المغربية؟ هذا أمر مؤكد، وأنا أعتقد أن جزءا من المشكلات الكبرى لإسبانيا مع المغرب اليوم، هي مشكلة تدبير الشأن الديني داخل إسبانيا، ومن الطبيعي أن تكون هناك مؤسستان مستهدفتان من الصحافة اليمينية الإسبانية، هما وزارة الأوقاف ومجلس الجالية المغربية بالخارج، نظرا إلى دورهما في المجال الديني في أوروبا. فالمجلس كان ابتكارا مغربيا لتدبير ملف المهاجرين بشكل عام بما فيه المسألة الدينية، وهو فريد من نوعه بالنسبة إلى كثير من البلدان العربية، ودور الوزارة والمجلس في هذا المجال أن يبقى إسلام المغاربة المهاجرين في إطار الثوابت المغربية، وطبيعي أن يكون هذا أمرا مرفوضا. على سبيل المثال، في الوقت الذي تبحث فيه فرنسا عن إسلام فرنسي، تجد باريس أمامها نموذجا يريد للمهاجر المغربي أن يظل مرتبطا بالتجربة المغربية، فهذه مشكلة. لذلك، هناك استهداف للمغرب من خلال هذه المؤسسات. وأنا أظن أن جريدة “إلموندو” استبد بها الغضب بسبب رد فعل المجلس ورئيسه عبدالله بوصوف، إذ كانت تنتظر أن يشكل المقال الذي نشر في الشهر الماضي مفاجأة، لكن المفاجأة التي حصلت هي أن المجلس توجه إلى القضاء الإسباني بدل الانكماش ومحاولة تدبير الأزمة في صمت. ونحن نعرف تأثير القضاء بالنسبة لسمعة الصحافة في إسبانيا، خصوصا وأن هذا يتزامن مع نشر كتاب خيمينيث والفضائح التي يتحدث عنها داخل المؤسسة الناشر للجريدة. هل الأمور بين الطرفين تسير نحو التصعيد؟ وكيف يمكن للمغرب مواجهة صحيفة ذات صيت إقليمي كبير في ظل ضعف الصحافة المغربية، وضرب المستقلة منها، وقتل اللغة الإسبانية في المملكة وتراجع شعبة الإسبانية مما قد يؤدي إلى «انقراض» النخب المهتمة بالشأن الإسباني، إن لم نقل إنها انقرضت أصلا؟ التصعيد بين المغرب وإسبانيا في النطاق الإعلامي ليس جديدا، هو تصعيد دوري يحصل في كل مرة. لا يجب أن ننسى ما حصل في أزمة جزيرة ليلى، أو جزيرة المعدنوس، بعد ثلاث سنوات فقط، على تولي الملك محمد السادس الحكم، وما فجرته تلك الأزمة من حروب إعلامية ضد المغرب. المشكلة التي نعيشها هي أنه في الوقت الذي تعرف فيه إسبانيا ماذا تريد، لا نعرف نحن ماذا نريد. فالمغرب بارع في قتل نخبه وتجميد طاقاته وفي اغتيال المثقفين معنويا وماديا، هذه هي الحقيقة التي يجب قولها. إسبانيا دولة لديها نخبتها الوطنية التي تدافع عن مصالحها، بصرف النظر عن موقف النظام السياسي، بينما نحن تعودنا على أن نتصرف فقط، عندما يطلب منا ذلك، لذلك ظهرت عندنا نخبة مرتزقة غير وطنية تتصرف بالأوامر ولا يهمها شيء إذا لم تكن هناك أوامر. زد على ذلك، صناعة صحافة قسم كبير منها يثير الشفقة ولا يشرف صورة المغرب والمغاربة، لكن الدولة تدفع لها بدون حساب، وجزء منها خاضع لتمويلات أحزاب أو أشخاص وتتصرف بدون أي رؤية وطنية. والمشكلة أن إسبانيا تعرف عنا هذا، لذلك يستمرون في استفزازنا والضحك علينا.