قبل زيارة الملك خوان كارلوس للمغرب بأيام، كتب قيدوم الصحافيين الإسبان اليميني لويس ماريا أنصون في عموده بجريدة "إلموندو" الإسبانية ليوم الخميس 11 يونيو 2013 عن سبتة ومليلية وما يتهددهما، حسب تقديره، من ردات ربيع عربي وتهديدات اختراقهما من طرف حركات إسلامية مسلحة. المُثير في ما كتبه صحافي مُؤثر من حجم لويس ماريا أنصون، المعروف بقربه من خوان كارلوس، أنه اعتمد في تحليله على العودة إلى ما قبل استيلاء الإسبان على المدينتين، عازيا وضع المدينتين اليوم إلى قرار الملكة إيصابيل الكاثوليكية باختيارها أمريكا اللاتينية هدفا للتوسع ونشر المسيحية بدل اختيار التوسع على حدودها من سبتة ومليلية نحو إفريقيا كما كان يشير عليها بذلك بعض رجال الدين والجيش آنذاك. والمعروف أن الصحافي المذكور كان الوحيد، من بين زملائه الإسبان في الصحافة المكتوبة، الذي حظي بمقابلة مع الملك الحسن الثاني في نهاية الثمانينيات ونشرها آنذاك في جريدة أبسي ABC اليمينية التي كان مديرا لها. ومن جملة ما يذكره من هذه المقابلة، التي لم يأذن الحسن الثاني بنشرها كاملة، كلام الملك عن ثقة المغرب في الزمن وفي التحولات الديمغرافية والدينية لاسترجاع المدينتين؛ كما يشرح الصحافي الإسباني، والعهدة عليه، أن الملك الحسن الثاني الذي استقبله، برفقة ولي العهد آنذاك والملك حاليا، كان يُضمر استراتيجية بعيدة المدى، تقوم على تشجيع شراء العقار في المدينتين من طرف المسلمين، وعلى نشر الإسلام عبر متسللين من الدعاة وغيرهم، وجزء مهم من هؤلاء -حسب نفس الصحافي دائما- انحاز اليوم إلى الأصولية المتطرفة وحتى إلى الحركات الجهادية، ولن يتأخر اندلاع عمليات عنف على شاكلة ما حدث في الجزائر الفرنسية التي انتهت باستقلالها. مثل هذه المقارنة بين الجزائر الفرنسية والمدينتين تسلط الضوء على العمق الذي ينطلق منه الإسبان في تقدير شرعية وجودهم في المدينتين. إنه اللاوعي الذي يمتد إلى التاريخ الاستعماري في المنطقة ما يؤسس للموقف الإسباني كما أسس للفرنسي في الجزائر، وهي إذن القاعدة التي تؤكد الاستثناء في الموقف المغربي كموقف يحمل كل الشرعية. الصحافي الإسباني ينقل إلينا بوضوح ما يجب على نخبنا المغربية أن تفهمه وعلى ساستنا أن تستحضره في علاقاتها بإسبانيا، وهنا أترككم مع أهم الفقرات التي تشرح عمق العلاقة الموشومة بالريبة وعدم الثقة في "المورو المسلم": "صحيح أن المغرب يتصرف كحليف لإسبانيا ضد أي هجوم إرهابي مُحتمل، لكن سيكون من جهلنا بالعرب الاعتقاد أنهم صادقين. أكيد أن الحكم في المغرب سيحارب معنا ضد الإرهاب، لكنه وكعادة المغاربة سيستغلها لتغيير وضع المدينتين وفتح ملفهما، لقد اقتربنا كثيرا من وضع اليد على النار.." يواصل قيدوم الصحافة الإسبانية تفسيره بشكل يشرح عمق الصدام بين الدولتين، وهو العمق الذي ميّز هذه العلاقة خلال قرون والتي أصبح اليوم لزاما على الدولتين وضعها في سكة التعاون والتحالف بداية بتفكيك أسباب هذا التوتر والمكاشفة الواضحة والفهم المتبادل لحمولات الطرفين ضد بعضهما البعض. لويس ماريا أنصون، بما هو صحافي مؤثر وعضو للأكاديمية الإسبانية ومثقف يتصدر النخب الإسبانية، ينقل إلينا من خلال ما كتبه رؤية الإسبان الحقيقية للمغرب والمغاربة، وهذه الرؤية التي علينا أن نفهمها بهدوء، وأن نفهم أسبابها وأن نتفاعل معها بهدف تغييرها أو، على الأقل، تلطيفها. بالمقابل، على الإسبان أن يروا أنفسهم في المرآة، وأن يحاولوا فهم المغاربة وتفكيك أسباب عدم تبادل الثقة معهم، وأسباب الصدام الذي مهما خَفتَ لا يفتأ يعود بقوة وعنف. لكي تكتمل لدينا الصورة لا بأس أن نعود إلى ما أنهى به الصحافي الإسباني عموده مخاطبا حكومته بما يلي: "في قصر المونكلوا، الحكومة تواصل سلوكها المعتاد القائم على عدم الاكتراث وعدم الرد أو الاهتمام، لكن السياسة الجدية والمسؤولة تتطلب المواجهة المفتوحة مع هذه الوضعية، وتتطلب تهييء مخطط متوسط وبعيد المدى يُؤمّن استقرار سبتة ومليلية. ما ينقص رئيس حكومتنا ماريانو راخوي أن تنفجر في يديه هذه القنبلة الموقوتة، وأن تجدنا أمام سلسلة من العمليات الإرهابية في المدينتين، وأمام إرهابيين خارج السيطرة.. المسؤولية السياسية تفرض على حكومتنا القدرة على التوقع لسيناريو نقترب منه بسرعة، وأن تتصرف بحزم قبل أن تجدنا بدون حل سوى قطع الجزء المريض وإيقاف النزيف تلافيا لما هو أسوأ".. بمعنى أن الصحافي المرموق يحتمل أن تتأثر المدينتين بالربيع العربي، وأن تتسلل الخلايا المسلحة التي مهما حاربها المغرب سيستعملها، حسب تقديره، للضغط على إسبانيا، ويشير من بعيد إلى الخلايا الجهادية التي تم تفكيكها مؤخرا في سبتة بالتعاون بين البلدين. مثل هذه التحليلات تكاد تملأ فضاء الرأي في الإعلام الإسباني، والتي ندرجها في هذا المقال هي الأكثر اعتدالا بالمقارنة مع أخرى صدامية ومتطرفة، وفقط يحتفظ الخطابان الدبلوماسي والسياسي ببعض الرزانة واللياقة دون أن يكون لهما دور في صناعة رأي عام مرافق للرغبة في تحسين العلاقات وتطويرها. هي إسكيسوفرينيا تعيشها النخب الإسبانية في علاقتها بالمغرب، وفي فهمها للمغرب والمغاربة، والتي بدون تجاوزها واتخاذ رؤية منفتحة وانخراط النخب في صنع رأي عام إيجابي لن تستقيم العلاقة بين البلدين، ولن تكفي فقط الإرادة السياسية التي تبدو عازمة في البلدين على مواجهة هذا التحدي. طرح هذا الموضوع في وقت يوافق زيارة الملك خوان كارلوس للمغرب، لا يهدف إلى تعكيرها ولا التغاضي عن إيجابياتها وأهميتها الاستراتيجية والاقتصادية، بل أهدف من جانبي إلى دعوة النخب في البلدين إلى مواكبة السياسة وإلى المكاشفة الصريحة.