يرى الباحث المغربي حسن الزواوي، في دراسة له بعنوان: “الربيع العربي وخصوصية الانتقال الديمقراطي والمؤسساتي في المغرب”، أن دراسة الديمقراطية الخصوصية تفرض البقاء على حذر فيما يخص استهلاك الأدوات والمفاهيم والنظريات المتبلورة؛ لأن السؤال الذي يطرح متعلق بالقيمة التجريبية لهذه الأدوات ولهذه المفاهيم ولهذه النظريات، حين يتعلق الأمر بدراسة نظام عربي إسلامي مثل النظام السياسي المغربي. من جانبه، شارك الباحث المغربي أناس المشيشي في الكتاب ذاته الموسوم ب””الانتخابات والانتقال الديمقراطي”: مقاربات مقارنة”. إذ اعتبر التجربة المغربية في مجال الانتقال الديمقراطي راكمت مجموعة من الإصلاحات في الحقل السياسي، وساهمت في تفكيك النسق السلطوي في المغرب، كما ساهمت التراكمات التي عرفها المغرب ابتداء من تسعينيات القرن الماضي، إضافة إلى ثورات الربيع العربي، في تعزيز الانتظارية للانتقال إلى نظام ديمقراطي. من جانب آخر، اهتمت الباحثة المغربية إكرام عدنني بمشاركة المرأة في الحراك السياسي، وأبرزت أن وضعيتها في المغرب لا تزال تتسم بالتمييز على مستوى الحقوق والتفاوت في درجة انخراطها السياسي، وأن مشاركتها السياسية تظل دون المأمول، على الرغم من الدور الذي اضطلعت به. ويستمر التعامل معها على نحو نفعي بوصفها ناخبة أو موضوعا للمزايدات السياسية لا باعتبارها فاعلا سياسيا. والمطلوب، بحسب الباحثة، أن تعمل القوى السياسية والمدنية على تأهيل المرأة، والاهتمام بتكوينها لرفع نسب تمثيلها في الهيئات السياسية ودعمها لتتبوأ المناصب القيادية، بوصفها موقعا متقدما في المشاركة السياسية، انطلاقا من حقيقة مفادها أن كل مرحلة انتقال ديمقراطي تنتج معجمها الخاص وأبجدياتها القانونية والتنظيمية، كما تفرز فاعلين جددا في الميادين السياسية والاجتماعية، وتفسح المجال لتأكيد حضور فئات اجتماعية جدية على غرار المرأة والشباب. فالديمقراطية في مراحلها الانتقالية والتأسيسية تحتاج إلى تعزيز المشاركات السياسية الفاعلة للفئات كافة، حتى يترسخ السلوك الإيجابي، وتتجذر القيم في الواقع. ويقول الباحث الإسباني برنابي لوبيز غارسيا إن قواعد اللعبة السياسية لم تتغير بطريقة جوهرية في المغرب، مع أن المنظومة أصبحت أقل اعتباطا، وأن ضمانات حقوق الأفراد اتسعت من دون أن تبلغ مستوى دولة القانون. ويظل الانتقال غير مكتمل، بما أن دستور 2011 لم يضع الأسس الفعلية لمملكة برلمانية طالبت بها حركة 20 فبراير. وركز الباحث الفرنسي جورج جوفيه في الفصل الثامن على “الانتقال السياسي في شمال أفريقيا”، حيث اعتبر أن الانتقال الديمقراطي عملية صعبة ومعقدة وطويلة المدى. وأن اختلاف التجارب في شمال إفريقيا أظهر بوضوح أهمية الخصوصيات التاريخية في تحديد النتائج في مثل هذه العمليات. كما أظهرت التجارب أن التشابه لا يحدد النتائج السياسية في ظروف كالتي حدثت في عام 2011، حتى وإن كانت الدوافع مشتركة، بل إن الخصوصيات التاريخية للدول والشعوب هي التي تقوم بذلك. جدير بالذكر أن هذا الكتاب تضمن مشاركات العديد من الباحثين الذي تناولوا ما عرفته المنطقة العربية في العقدين الماضيين من تنامي مطالب الحرية والديمقراطية، واشتداد الضغط للحد من النزعات التسلطية للأنظمة الحاكمة، ولتوسيع نطاق المشاركة السياسية، ولو بأشكال محدودة. فقد اتضح أن النخب السياسية العربية تأكل من شرعية الحكام، على نحو أدى إلى أزمات حادة وصدامات دامية، علاوة على تنامي مظاهر العنف والإرهاب، وقاومت أنظمة الاستبداد المطالب الشعبية متبنية خطابات تخلط بين الديمقراطية والتعددية، والديمقراطية والانتخابات الشكلية، والحريات الفردية والحريات العامة، والتفويض والمشاركة؛ ما أفضى إلى سلب تلك المطالب جوهرها الكامن في الحريات والمشاركة الواسعة في إدارة الشأن العام. في هذا السياق، اعتبر الباحث التونسي عبدالرزاق المختار أن لكل انتقال هندسته الانتخابية، وداخل الانتقال نفسه يمكن المرور من هندسة انتخابية إلى أخرى بناء على متغيرات تتصل باختلاف نوعية الاستحقاق الانتخابي، وتغير الفاعلين السياسيين، والتحولات الطارئة على الحقل السياسي. وتؤكد التجربة التونسية هذا الأمر؛ فكان مراد الهندسة الانتخابية للمرحلة الانتقالية الأولى تشكيل البناء المؤسساتي الجديد، ومراد الهندسة الانتخابية للمرحلة الانتقالية الثانية تثبيت البناء المؤسساتي الجديد. في حين، أكد الباحث الجزائري نصر الدين بن طيفور أن صورة المسار الديمقراطي في الجزائر لم تتغير بعد الربيع العربي. وعلى الرغم من الإصلاحات وتغيير قانون الأحزاب، فإن تلك الإجراءات لم تأت بشيء جديد ولم تقنع المواطنين بجدوى المشاركة. إذ يرى زاهي المغيربي ونجيب الحصادي أن الانتقال الديمقراطي لا يسير بصورة خطية، وإنما تواجهه تحديات كبرى في مساره وفي مآلاته وفي عملياته المختلفة التي قد تصل إلى إيقافه أو الانقلاب عليه، أو إفراغه من مضامينه المدنية والتاريخية والمجتمعية. وقد أبرز الباحثان انطلاقا من المثال الليبي ضعف مؤسسات الدولة، ووهن المؤسسة العسكرية وحداثة التجربة الحزبية وهشاشة المجتمع المدني التي أفضت إلى المأزق الحالي. كما سلط حاجي دوران الضوء على رواج أطروحات تُرجع تعثر التجربة الديمقراطية إلى سلبية الميراث الثقافي الديني الذي قد يكون ساهم في تغذية الاستبداد أو دافع عنه، وربما ذلك ما يدفع بعض الخصوم إلى منع اندماج الإسلاميين في المنظومة السياسية، خصوصا أن بعض أطياف الإسلام السياسي ناصبت الديمقراطية العداء، ولم تر فيها إلا فكرة غربية غازية، أو اختزلتها في أفضل الوضعيات في مفهوم الأغلبية العددية. هذا الأمر أثير مع صعود الإسلاميين إلى الحكم، في إثر ما آلت إليه الانتخابات في تونس ومصر وليبيا، كما أثير من جديد السؤال حول دور الدين في بناء الديمقراطية. واستند دوران إلى التجربة التركية تحديدا ليبين أن نخب الأحزاب الإسلامية لا تعرف بإسلاميتها بل ببعدها المحافظ والليبرالي والديمقراطي وتطويعها للعلمانية. لذلك تستمر المعركة الثقافية في صلب الانتقال الديمقراطي من أجل بناء المعنى، مستهدفة القضاء على كل ما يهدد الحريات وبناء اللحمة الوطنية والاجتماع المدني، وقيم الديمقراطية وترسيخها.