إذا كانت أوراش الحكومة السابقة متوقفة فيما يخص تعزيز استقلالية القضاء، والمجتمع المدني، بينما تم الالتفاف على مدونة الصحافة والنشر بواسطة القانون الجنائي، فمن الطبيعي أن يتدهور الوضع فيما يخص حقوق الإنسان. وبحسب المعطي منجب، فقد عاد المغرب مع هذه الحكومة، إلى الفترة ما بين 2006 و2011. لقد “عادت حليمة إلى عادتها القديمة، وبات النظام يسيطر على كل شيء من خلال الارتكاز على جهاز الأمن، وعلى رجال الأعمال المنتفعين، بينما كل المؤسسات المنتخبة تعيش في الحضيض”. الارتكاز على جهاز الأمن معناه تغليب المقاربة الأمنية في معالجة القضايا السياسية والحقوقية، وهو ما حدث في التعامل مع معتقلي حراك الريف (أكتوبر 2016- يونيو 2017)، والشيء نفسه تكرر مع معتقلي جرادة، وفي عدد من الملفات أخرى، خصوصا اعتقال الصحافيين أمثال توفيق بوعشرين وحميد المهدوي بتهم، رأت منظمات حقوقية دولية عديدة، أنها “ملفقة”، وتعود لأسباب سياسية. ففي حالة بوعشرين، اعتبر تقرير أممي لفريق الاعتقال التعسفي أنه معتقل اعتقالا تعسفيا بسبب مهنته، أي لأسباب سياسية، ودعا إلى إطلاق سراحه فورا وتعويضه ومعاقبة الموظفين الذين اعتدوا على حقوقه، جاءت تقارير أخرى، مثل تقرير منظمة العفو الدولية، لتؤكد أن بوعشرين اعتقل في إطار التضييق على حرية التعبير، وأدرجت قضيته ضمن معتقلي حرية الرأي. بل إن مسؤول المنظمة بالمغرب، محمد السكتاوي، علّق بالقول إن بوعشرين “يؤدي ثمنا باهظا بسبب آرائه”. وعادت السلطة لتلاحق أعضاء جماعة العدل والإحسان، حيث تم إغلاق 10 منازل لأصحابها بمبرر أنهم حوّلوها إلى دور عبادة غير مرخصة، لكن الحملة تبدو أكبر من ذلك، ويمكن العثور على أيادي السلطة في تقارير صحافية نشرت في صحف أجنبية، الغرض منها تشويه صورة الجماعة في الخارج. تضييقات تقول الجماعة إنها تشبه الحملات التي شنّتها ضدها السلطة سنة 2006. واتسع التضييق ليشمل المدافعين عن حقوق الإنسان أنفسهم، ففي فبراير الماضي نظمت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ندوة تناولت موضوع: “وضعية المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان وسؤال الحال والمآل”، أكدت أن “الردة الحقوقية” باتت تستهدف المدافعين عن الحقوق والحريات، وأن الظروف تقتضي “بناء تكتل” بين مختلف المنظمات الحقوقية لمواجهة التضييق الممارس من قبل السلطة. وبحسب عادل بنحمزة، المحلل السياسي، فإن “تراجع المستوى السياسي، انعكس سلبا على المستوى الحقوقي”، مشيرا إلى الاعتقالات والمحاكمات ذات الخلفيات السياسية. وأضاف بنحمزة أن “الاحتجاجات انتقلت من البعد المناطقي إلى البعد الفئوي، ما يرشحها لأن تتطور بشكل سلبي، في ظل السياق الإقليمي الحالي”. ويؤكد حقوقيون مغاربة، ومنهم الحقوقية البارزة خديجة الرياضي، أن الانتهاكات في المغرب “أصبحت متصلة ومتتالية” في السنوات الأخيرة، خصوصا ضد الصحافيين والمعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان في المغرب، بل إن محمد أغناج، حقوقي ومحامي بهيئة الدارالبيضاء، يرى أن مقولة: “المغرب قطع مع ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان”، تحتاج إلى إعادة نظر، لأن بعض المواطنين لازالت تمارس ضدهم لأسباب سياسية، “انتهاكات متصلة وخطيرة تمس الحريات والحقوق”. هكذا إذن، يظهر أن حكومة العثماني تخسر على جبهتين: جبهة السياسة، حيث تبدو غير قادرة على إدارة أي نقاش سياسي حتى الآن، وجبهة الحقوق والحريات، حيث صورة المغرب تتدهور باستمرار بشهادة منظمات حقوقية دولية مثل منظمة العفو الدولية وغيرها. وهي خسائر تغطي على بعض الإنجازات في المجال الاقتصادي والاجتماعي، والتي تبدو بدورها غير قادرة على الاستجابة للخصاص الاجتماعي الكبير، الذي يعكس درجة من الاحتقان الاجتماعي لا يمكن الاستهانة به، في الظروف الوطنية والإقليمية التي تشهد موجة ثانية من ثورات الربيع العربي، كما يحصل في السودان والجزائر.