حذرت جمعية حماية المال العام من إغلاق قوس محاربة الفساد، الذي انطلق بداية 2011، وعبرت عن قلقها من استمرار نهب المال العمومي والإفلات من العقاب. وكشفت الجمعية عشية انعقاد مؤتمرها الوطني الأول، أول أمس السبت، تجميد ملفات الفساد والاكتفاء بمتابعة بعض الموظفين الصغار، وقالت على لسان رئيسها محمد الغلوسي: “إنها ماضية في التصدي للإرادة التي تحاول غلق قوس الإصلاحات”، معلنة تصديها للجهات التي تسعى إلى انتشار الفساد وتوقيف الإصلاحات الدستورية والتشريعية. وكشف الغلوسي عن وجود محاولات سياسية، إفراغ الدستور من محتواه في شقه المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة، بسبب قوة لوبي الفساد في المغرب، معلنا في تصريح ل”أخبار اليوم” استمرار مراكز النفوذ ولوبيات الفساد للتصدي لأي إصلاح، كاشفا رغبة هذه الجهات في إضعاف مؤسسات الحكامة وتجميد عملها وفي مقدمتها المجلس الأعلى للحسابات، وأضاف أن هذه المؤسسات تم “إفراغها من محتواها وعدم تمكينها من الإمكانيات البشرية والتقنية الكفيلة لممارسة صلاحياتها الكبرى”. وجدد الغلوسي استمرار أعطاب العدالة المغربية، وقال: “إن القضاء أصبح عائقا في التصدي للفساد، في الوقت الذي كان بإمكانه أن يلعب دورا مهما”، مشددا على دور السلطة القضائية في التصدي للرشوة والإفلات من العقاب، لكن المؤشرات المتوفرة للجمعية، يضيف الغلوسي، لا من حيث طبيعة الأحكام القضائية أو المتابعات ومدة الأبحاث التمهيدية التي تستغرق وقتا طويلا، كلها مؤشرات تؤكد على غياب إرادة قوية، لأن القضاء غير حازم مع الفساد ونهب العام، وهو الوضع الذي وصفه بغير العادي، وقال: “إن هذا التوجه إذا استمر سوف تكون نتائجه وخيمة على الجميع”. ودعا الغلوسي إلى ضرورة التنزيل الحقيقي والفعلي لكافة مواد الدستور المغربي، وخاصة تلك المتعلقة بربط المسؤولية بالمحاسبة، وقال: “إن الأمل الوحيد في وضع حد لقضايا نهب المال العام، هو القضاء”. من جانبه، أوضح الناشط الحقوقي، فؤاد عبدالمومني، في ندوة افتتاحية للمؤتمر تحت عنوان: “مناخ الأعمال بالمغرب، رهانات الاستثمار بين المنافسة والشفافية”، أن تقدم المغرب في التصنيفات الدولية ومؤشرات مناخ الاقتصاد، يبقى تقدما “خدّاعا”، وقال: “إن المغرب دولة ضليعة في العمل على المؤشرات دون العمل على الأهداف، وتحقيق الهدف الحقيقي والتقدم الواقعي”. ودعا عبدالمومني الدولة إلى التوجه نحو الاستثمارات المفيدة والخالقة لمناصب الشغل والثروات، عوض الاستثمار غير المنتج، أو الاهتمام ب”صفقات تجديد الأسلحة التي تكلف المغرب ثروات ضخمة لا تعود بالنفع على المواطن”. وأضاف المتحدث، أن المستثمر الدولي غير متحمس لدخول المغرب، بسبب غياب الضمانات الإدارية والقضائية التي تشجعه على المغامرة، والتنافسية نظرا إلى احتكار المخزن الاقتصادي للقطاعات الحيوية، وهو ما يجعل المغرب غير قادر على جلب نسبة الاستثمارات التي تجلبها دول أخرى في نفس مستوى المملكة. وشدد عبدالمومني على أن قضايا الفساد والريع هما قضيتان أساسيتان في جلب الاستثمار، مبرزا أن القضاء عليهما يعد مدخلا لإصلاح أوضاع الدولة، وذلك بالإضافة إلى خلق التنافسية وتشجيعها، معبرا أنها المحدد الرئيس في تقوية الاقتصاد وجعل المستثمرين يرغبون في القدوم إلى المغرب. مضيفا أن المشكل الكبير الذي يعاني منه المغرب هو غياب التنافسية، حيث لا يسمح لمن يريد الاستثمار إلا لمن يتوفر على مظلة تحميه، فيما مستثمرون آخرون لا يجدون الفرصة للولوج إلى الاستثمار الذي باتت تهيمن عليه الدولة لوحدها. وفي جانب آخر، أكد عزالدين أقصبي، الخبير الاقتصادي، على أن المؤشرات في المغرب لا تعكس بأي شكل من الأشكال تقدم البلاد، باعتبارها لا ترسم الصورة الحقيقية للتنمية بالنظر إلى تفشي الرشوة واستمرار الفساد في المجتمع. وانتقد ممثل ترانسبارنسي المغرب، بعض مواقف المجلس الأعلى للحسابات، متهما إياه ب “التستر” على بعض الملفات ومنع الوصول إلى المعلومة في بعض التقارير، مثل التقرير الذي أنجزه عن المكتب الشريف للفوسفاط، مطالبا المسؤولين بالتحرك وأخذ نتائج الافتحاصات كبداية طريق لمحاسبة الفاسدين والمختلسين والمسؤولين عن ضياع المال العام. كما وجه أقصبي رسالة مباشرة للمجلس المنافسة شدد فيها على ضرورة وقوف المجلس على اختلالات سوق المحروقات، والتي لا تنخفض أسعارها في المغرب رغم تراجع أسعار البترول عالميا، لمحاسبة الشركات المسوقة للمحروقات بالمغرب.