لم يتوانَ مصطفى المعتصم طيلة زمن محاكمته في ترديد جملة «نموت ويحيى الوطن»، بعد اعتقاله رفقة نائبه محمد الأمين الركالة عام 2008، ومن تم حل حزب البديل الحضري، حيث ستعلن السلطات آنذاك أن هناك قرائن على تورط قادة الحزب الرئيسيين ضمن شبكة وصفت ب«الإرهابية الخطيرة». لأول مرة في تاريخ المغرب السياسي سيتم اعتقال قادة سياسيين بتهم تتعلق بالإرهاب، في هذا الحوار يتحدث المعتصم عن «خطة تفكيك الحركة الإسلامية» والأسباب التي أدت إلى صياغتها من طرف من يُوجدون خلف الأضواء. يعود المعتصم للحكي عما وصفها ب«الحرب الباردة» التي حبكت ضده وإخوانه في الحزب، قبل أن يتهموا القيادات بخدمة أجندة إيرانية ويكشف المتحدث عن خلفيات حلّ حزب البديل الحضري، التي يرى أنها كانت بسبب مواقف «صريحة» عبر عنها، وإلى هنا يقول المعتصم «القضاء لم ينصفنا.. والداخلية أفادت أنها لا تتوفر على قرار حل الحزب.. والملك محمد السادس لم يرد على مراسلاتنا..». وتحدث المعتصم عن النموذج التنموي وقال «إن الأمة التي لا توفر ما تشرب وما تأكل في القرن الواحد والعشرين مصيرها مظلم وغامض». في عام 2008، لأول مرة سيتم فيها اعتقال سياسيين بتهم تتعلق بالإرهاب في تاريخ المغرب فيما يُعرف ب»خلية بلعيرج»، كيف رأيتم تلك المرحلة بالذات بعد حلّ حزب البديل الحضاري واعتقالكم؟ كان هناك ترتيب بئيس، الذين لم يكن في استطاعتهم إبداع حلول لمواجهة تزايد زخم وقوة حزب العدالة والتنمية فكروا وقدروا وأخرجوا من أرشيف التاريخ تجربة الفديك الفاشلة، ويا ليتهم كانوا قد لجؤوا على الأقل إلى تجربة تاريخية ناجحة ليستمدوا منها الدروس. نحن في حزب البديل الحضاري كنا نرفض تونسة التجربة المغربية، وكنا ندعو إلى المزيد من تعزيز البناء الديمقراطي، فرفضنا هذا الترتيب الفاشل لأنه لا أفق له ولأننا لمسنا فيه رجوعا عن الانتقال إلى الديمقراطية مما سيشكل تهديدا على أمن واستقرار وسمعة المغرب. موقفنا هذا لم نسكت عنه ولا كتمناه بل بلغناه إلى بعض الفضلاء الديمقراطيين، بل قد كتبت للتاريخ مقالا تحت عنوان” إلى أين يسير المغرب”، أتبعته بمقال “إلى من يهمهم الأمر”، كانا بمثابة إعلان موقف من هذا الترتيب الذي كان سيدخل المغرب في صيرورة صراعات لا طائل من ورائها. وما زلت أقول إلى يومنا هذا إن مصادرة حق أو قرار هذا الحزب وذاك التيار يزيدهم شعبية، وأن المعارك الهوياتية ضد حزب العدالة والتنمية كلها كانت معارك خاسرة، وأن من زاد من عدد المصوتين على حزب العدالة والتنمية في استحقاقات 2017 هم خصومه الذين حرصوا على خوض معارك هوياتية معه قبل الانتخابات. معارك حورت النقاش الذي لم يكن نقاشا حول البرامج والأداء، بل أصبح نقاشا حول المثلية وحق الجهر بالإفطار وغيرها من المواضيع الثانوية، ولم تراع الزمن الانتخابي الذي دخله المغرب حينها. وللأسف الشديد التسرع والارتجالية والرغبة في تحقيق المنافع الآنية والشخصية كلها عوامل فوتت على المغرب فرصة تنضيج شروط خلق قطب ديمقراطي كبير يجمع الفضلاء الديمقراطيين بمختلف توجهاتهم الفكرية والإيديولوجية. موقفنا من هذا الترتيب كلفنا الاعتقال وحل الحزب بدون وجه حق. ولكن في فبراير 2011، حدث ما سبق وتنبأنا به في أكتوبر 2007، عندما بدأ تنزيل هذا الترتيب الفاشل. هل رأيتم حل حزب البديل الحضاري بداية للهجوم على «الحركة الإسلامية»؟ نعم، ميزة حزب البديل الحضاري أنه كانت له مواقف وآراء واصطفافات جعلته يتبوأ مكانة متميزة وسط الحركة الديمقراطية. لكن موفقنا الرافض لمحاولة بنعلة النموذج المغربي، من خلال خلق حزب كبير تدور في فلكه أحزاب صغرى، بما فيها الأحزاب الوطنية ويكون همه الأول مواجهة العدالة والتنمية وإعطاء الأولوية للاقتصادي على إنجاح الانتقال إلى الديمقراطية، سيدفع للهجوم على حزب البديل الحضاري وحل الحزب واعتقال بعض قيادييه بتهمة الإرهاب، وفي ذلك إرسال رسالة للقوى الديمقراطية بأنه ليس في القنافذ أملس بين الإسلاميين، ولا يمكن الثقة حتى في من يتبنى الديمقراطية منهم، كالبديل الحضاري وفي تقديري بالفعل كان الهجوم على البديل الحضاري مقدمة للهجوم على باقي مكونات الحركة الإسلامية. وأفتح قوسا لأقول للسيد بنكيران إن العدالة والتنمية ليس من أنقذ المغرب حتى يقول إن هذا الحزب كان هدية من لله، بل حركة 20 فبراير هي من حالت دون استنقاع المغرب في مستنقع التراجعات المهددة لأمن واستقرار المغرب. بعد الربيع العربي وصلت «الحركة الإسلامية» إلى السلطة في عدد من البلدان، وفي المغرب وصل «الإسلاميون» إلى الحكم، ماذا عن توجهكم في ظل هذا التحول؟ الحقيقة أن الحركات الإسلامية وجدت نفسها في الحكم ولا أقول السلطة التي بقيت في حوزة الدولة العميقة. ولنقل إن الجماهير حينما صوتت عليهم قد ورطتهم عندما أوصلتهم إلى الحكم في أكثر من بلد، ولم يكونوا في الحقيقة مهيئين لهذا الأمر، إذ ليس من السهل الانتقال من حالة حركات محاصرة وغير معترف بها، وفي أحسن الحالات تعيش على هامش الفعل والتأثير السياسي والاقتصادي، إلى حكومات تقود بلدان على حافة الانهيار الاجتماعي والاقتصادي. أكثر المتفائلين من أبناء الحركات الإسلامية كانوا لا يتطلعون لأكثر من وزارة أو وزارتين في ائتلاف حكومي يقوده حزب غير حزبهم. بالنسبة للمغرب وصل حزب العدالة والتنمية بعد تعديل دستوري وإجراء انتخابات لم يطعن فيها. لكن للأسف الشديد حصيلة هذه المدة لم ترق إلى انتظارات الشعب المغربي. نحن في حزب البديل الحضاري لم نكن نتوقع الكثير سواء من هذه الحكومات التي ترأسها حزب العدالة والتنمية أو من حكومة أخرى يترأسها حزب آخر، خصوصا في المستوى الاقتصادي والاجتماعي، نظرا لثقل واستعصاء هذين الملفين بسبب توحل المغرب في المديونية وبسبب إعاقات النموذج التنموي المتبع. ولكن كنا نأمل أن تشكل مرحلة وصول الإسلاميين إلى بعض الوزارات مناسبة لتحسين أدائها وتحسين خدماتها، ومناسبة لتعزيز الانتقال إلى الديمقراطية والعمل على تخليق الحياة السياسية وتأويل الدستور المغربي تأويلا ديمقراطيا، لكن لا شيء من هذا تم. كيف تُقيمون المشهد السياسي بالمغرب منذ مجيء الملك محمد السادس للحكم؟ المشهد السياسي بالمغرب منذ مجيء الملك محمد السادس مر من عدة مراحل، وعاش على وتيرة عدة سرعات، المرحلة الأولى تميزت بخطاب دعا لتحقيق الانتقال إلى الديمقراطية والمصالحة الوطنية والمفهوم الجديد للسلطة، تلتها مرحلة تميزت بثنائية في الممارسة، حيث استمر من جهة خطاب وممارسات الانفتاح والرغبة في تصفية إرث سنوات الرصاص وطي صفحة الماضي الأليمة، ومن جهة أخرى بدت جليا رغبة بعض الدوائر في الدولة في تحجيم دور بعض الأحزاب التاريخية ومحاصرة مد حزب العدالة والتنمية، باستغلال الظروف التي رافقت بروز الإرهاب بالعنوان الديني والذي ضرب بقوة المغرب في 16 ماي 2003. محاصرة ذهبت إلى تحميل حزب العدالة والتنمية وذراعه الدعوي التوحيد والإصلاح المسؤولية الأدبية لبروز الإرهاب ومساسه بأمن واستقرار المغرب. المرحلة الثالثة دشنت بعد استحقاقات 2007 التشريعية، حيث سيبرز للوجود حزب سماه بعضهم بحزب الملك. وفي اعتقادي أن خروج الهمة في تلك اللحظة عنوان فشل النخب التي كان العهد الجديد يراهن عليها لإحياء الحياة السياسية المغربية واحتواء التوسع وانتشار حزب العدالة والتنمية الذي كانت النخب المحيطة بالملك والعديد من النخب الاقتصادية تنظر إليه بعين قلقة. المرحلة الرابعة ما بعد 20 فبراير 2011 وما تلاها من إصلاحات سياسية ودستورية وإن لم ترتق إلى ما كان ينتظره الكثيرون، ولكن على الأقل رفعت منسوب الثقة في العملية السياسية ودعمت آمال الكثيرين في مغرب آخر ممكن، مغرب الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة واحترام حقوق الإنسان. لكن هذه الآمال ستتبخر مع العبث والانحطاط الذي دخل فيه المشهد السياسي منذ 2012 إلى اليوم. نعم المغرب يتغير لكن ببطء شديد ومنسوب الحرية وهوامشها اتسعت مقارنة بسنوات الرصاص، لكن المسار المتعرج والبطيء لإنجاز الانتقال الديمقراطي إن لن نقل توقفه حتى لا نقول التراجع عنه أصبح يقلق المشهد السياسي المغربي. جاء المغرب بدستور 2011 وقيل إنه يتضمن مكتسبات عدة، ماذا تغير بعد الدستور بالنسبة لكم كحزب تم حله؟ كما قلت دستور 2011 جاء بمكتسبات عدة، نعم لم يرق إلى ما كان يتطلع إليه الكثيرون، خصوصا من كان يطالب بملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم، ولكن على كل حال كان أكثر تطورا من الدستور الذي سبقه. بالنسبة إلينا الوثيقة الدستورية شرط ضروري لدمقرطة المشهد السياسي ولكنها ليست كافية. فالدستور على أهميته لا يمكن أن يؤسس للديمقراطية إذا لم يتشبع الفاعلون السياسيون والاقتصاديون والأمنيون وغيرهم بالقيم والمبادئ الديمقراطية. دستور إسبانيا لا يختلف كثيرا عن الدستور المغربي، لكن في إسبانيا هناك حياة سياسية ديمقراطية في حين يتعثر الانتقال إلى الديمقراطية في المغرب. في إنجلترا لا يوجد دستور مكتوب لكن الإنجليز متشبعون بهذه القيم ويفعلونها في حياتهم السياسية. هناك دول تنص دساتيرها على أنها جمهوريات برلمانية لكن برلماناتها استعملت للانقلاب على الشرعية كما حدث في البرازيل. صحيح أننا أصلحنا الوثيقة الدستورية لكن فشلنا في إنجاح الانتقال إلى الديمقراطية للأسف الشديد، لأن لا ديمقراطية من دون ديمقراطيين. وهذا الفشل أثر بشكل مباشر على تفعيل بنود الدستور وتأويلها تأويلا ديمقراطيا. ما هو الدور الذي تلعبه الأحزاب السياسية المغربية في ظل هذه الأوضاع؟ دور بئيس وبئيس جدا وتتحمل مسؤولية مباشرة في إعاقة الانتقال إلى الديمقراطية. ففي جل أحزابنا تهيمن نخب تقليدية تخشى تفعيل الديمقراطية على مناصبها ومصالحها لذا لا تحترم المنهجية الديمقراطية وتغيب تفعيلها داخليا. فكيف لأحزاب تصادر الديمقراطية الداخلية أن تكون فاعلة ومحرضة على دمقرطة الحياة السياسية بالبلاد. فاقد الشيء لا يعطيه. ماذا عن نيتكم العودة إلى المشهد السياسي؟ قرار حل حزب البديل الحضاري قرار جائر ضد قانون البلاد ودستورها. لجأنا إلى القضاء، فكان جوابه أننا لم ندل بما يفيد أن الحزب قد حل، عدنا لنطالب وزارة الداخلية بقرار الحل فلم تمكننا من قرار الحل، لأنها لا تتوفر عليه، راسلنا واتصلنا برئاسة الحكومة فصمتت صمت الحملان واكتفى بعض القريبين منها بالقول إن أمر حل الحزب يتجاوزها، وإن الأمر بيد جهات عليا، فتوجهنا صوب القصر الملكي طالبين تدخله، فلم نتلق أي جواب. هناك في ما يبدو قرار وإصرار على مصادرة حقوقنا السياسية والدستورية من دوائر معينة. هل سنعود إلى المشهد السياسي وأقول نحن لم نغادره يوما بالرغم من التضييق والحصار، وأتمنى أن يرفع الحضر الإداري على الحزب ليعود إلى نشاطه العادي، خصوصا في ظل الفقر في العرض السياسي والفراغ الذي تعاني منه الساحة السياسية، وتراجع منسوب القيم والأخلاق في الحياة السياسية. ألا تعتقدون في ظل تصاعد وتيرة الاحتجاجات المتعددة، أننا أمام فاعلين جدد ليسوا أحزابا ولا جمعيات للمجتمع المدني، بل أمام فاعلين جدد هم من أصبحوا يمتلكون طرقا للتعبير خاصة بهم؟ عندما كانت جهات تعمل على تكريس نفور المواطنين من المشهد السياسي والحزبي الذي تصدره الانتهازيون والوصوليون، لم تنتبه الدولة والمشهد السياسي في عمومه إلى أن وسائل التواصل الجديدة من أنترنيت وفايسبوك وتويتر وغرف الدردشة الاجتماعية، تصنع رأيا عاما جديدا ولم يقدروا أهمية هذه الوسائل وكونها قد أنهت شيئا مهما، أنهت احتكار الدول للمعلومات والأخبار وأنهت قطيعتين: قطيعة الزمن وقطيعة المكان. فالإنسان في مقدوره اليوم أن يكون وهو في غرفة تواصله في تواصل مع آخرين يعيشون في أوقات أخرى ويعيشون في أماكن متباعدة. وسائل الاتصال الجديدة هذه ساعدت على بروز فاعلين جدد ساهموا في إعادة تشكيل وعي المواطنين وتنظيم حركتهم (أقول تشكيل وعي وعقل المواطنين سلبيا أو إيجابيا). عندما ظهرت حركة عشرين فبراير بقي المشهد السياسي لمدة بعيدا عنها طاعنا فيها ولم يتم استيعاب وفهم مطالبها إلا بعدما سيرت مسيرات حاشدة في العديد من المدن. تحركات الحسيمة وجرادة وغيرهما كانت بعيدة إلى حد كبير عن الفاعلين السياسيين الحزبيين، حركة مقاطعة بعض المواد الغذائية ومحطة لتوزيع النفط والتي عرفت نجاحا منقطع النظير، بقيت خارج تأثير الفاعلين السياسيين الحزبيين، ومن المحتمل أن تكون هناك دعوة إلى مقاطعة الانتخابات القادمة وتوجيه ضربة قوية للعملية السياسية. تحدث محمد الساسي، القيادي في حزب الاشتراكي الموحد، عن أنه لا يمكننا الوصول إلى ديمقراطية مع الملك محمد السادس، وعلينا السعي إليها مع «الحسن الثالث»، بنظركم ما معقولية هذا الكلام؟ لم أسمع ولم أقرأ مثل هذا الكلام وأستغربه. الانتقال إلى الديمقراطية لا يكون بكلمة صفر تكوين: كن فيكون. في تقديري مسار الانتقال الديمقراطي مسار تراكمي يتأثر بعوامل داخلية وأخرى خارجية. هناك أزمنة قد ترتفع فيها وتيرة هذا الانتقال، وهناك أزمنة تتباطأ وقد تتراجع فيها هذه الوتيرة ارتباطا بالمحفزات والمعيقات. صحيح أن مسار الانتقال إلى الديمقراطية متعثر اليوم، ولكن لا أحد باستطاعته التكهن بما سيحدث غدا. من كان يتنبأ بحركة 20 فبراير؟ لا أحد، ولكن تلك الحركة وفي سرعة قياسية دفعت النظام المغربي إلى إصلاح الدستور وإجراء انتخابات شهد الجميع أنها كانت الأكثر نزاهة منذ استقلال المغرب. بالعودة إلى تنظيمكم السياسي، اليوم أنثم تقولون إن مشكلة حزبكم هي أنه عاجز عن الدفاع عن نفسه، كيف ذلك؟ نحن حزب اختار الديمقراطية قيما وممارسة، وحزب يحترم الدستور والقانون، لهذا لجأنا إلى استعمال الوسائل التي يتيحها لنا القانون لمواجهة المنع الظالم الذي طال حزبنا، لكن كما قلت سابقا نحن نتعامل مع جهات لا تقيم وزنا للقانون. القضاء يرفض أن نطعن في قرار الحل لعدم وجود ما يثبت الحل، رئاسة الحكومة تقول إنها لا تتوفر على قرار الحل ولم يصدر في الجريدة الرسمية، حاولنا تنظيم أنشطة بحكم أنه لا وجود لقرار قانوني لمنع حزبنا فمنعنا من القاعات العمومية، حاولنا تنظيم أنشطة في مقر الحزب الاشتراكي الموحد فمنعنا وهددنا، بل وهدد الحزب الاشتراكي الموحد إن هو سمح لنا بتنظيم تلك الأنشطة في مقراته. هناك شيء واحد لم نقم به اختيارا هو تدويل قضيتنا. نحن نتعامل مع أناس يحتقرون القانون ولا يقيمون وزنا لمقتضياته. هناك من يتهمكم بخدمة أجندة إيرانية وشيعية، لماذا «إيران والشيعة» بضبط؟ ما هي الأجندة الإيرانية والشيعية في العالم العربي والإسلامي وفي المغرب تحديدا؟ كثر الكلام بعد 2006 حول الأجندة الإيرانية، ليتضح بعد دمار وقتل في العراق وسوريا وليبيا واليمن، أن الأمر لا يعدو أن يكون سوى تواطؤ صهيواستعماري ورجعي عربي لضبط منطقتنا على الساعة الصهيونية وتسليم القدسوفلسطين عبر صفقة القرن، مقابل حماية طموحات شخصية لحكام يعيشون صراعات داخلية وعائلية تهدد مستقبل حكمهم. السؤال المنهجي الذي يجب أن يطرح على الذين يرددون عن جهل أو غباء أو نية خبيثة مبيتة مثل هذا الكلام في بلادنا، ما المقصود بالأجندة الإيرانية بالمغرب؟ هل تريد إيران تصدير ثورتها مثلا إلينا؟ أم تريد تشييع المغاربة؟ أو تريد الاثنين؟. أولا، نحن حزب متشبع بقيم الديمقراطية وملتزمون بمقتضيات النضال والفعل الديمقراطي ولم نصرح يوما سواء في السر أو في العلن أننا نريد إشعالها ثورة في المغرب. ثانيا هذا كلام تردد خلال الحرب الباردة وأثبتت التجارب خطأه مع غيفارا في إفريقيا وأمريكا الجنوبية، ولا أظن أن قيادات ورجالات إيران من أمثال خاتمي أو روحاني وغيرهم بثقافتهم ووعيهم يفكرون في مثل هذا الأمر، فهم يعرفون جيدا استحالته، لأن الثورات والتغيير لا يصدران ولا يسوقان، فلكل بلد خصوصياته الفكرية والمذهبية والسياسية، وكل بلد يتطور في سياقات تاريخية ومسارات سياسية خاصة به. هل نحن شيعة؟ أقول لا ولو كنا شيعة لأعلنا هذا الأمر، ففي المغرب سنة وشيعة مسلمون ويهود ونصارى مؤمنون وملحدون، أي نحن في بلد يحترم إلى حد ما حرية الاختيار الديني والمذهبي. الشيعة في المغرب لهم عناوينهم المعروفة من طرف الدولة العميقة ومن طرف الحكومة، ولهم رجالاتهم وأنشطهم. نعم يعانون من التضييق إلى حد ما ولكنهم موجودون. هل وارد في الأجندة الإيرانية تشييع المغاربة؟ لا أعتقد أن الحكومة والدولة الإيرانية تحرص على هذا الأمر كي تجعل منه سياسة وأجندة، خصوصا أنهم يعلمون يقينا أن هذا الأمر يثير حفيظة الدول والجماهير في الدول السنية. ولو علمنا بمثل هذا المخطط الحكومي الإيراني لنشر التشيع في المغرب لواجهناه، لأننا نعتبر المذهب السني المالكي المغربي بمثابة “إسمنت” يدعم لحمة ووحدة الشعب المغربي بتنوعه العربي والأمازيغي والأندلسي والزنجي، وكل مس بهذه اللحمة نعتبره مسا بوحدتنا. التشيع في المغرب جاء من أوروبا، حيث هناك علماء ووعاظ وأنشطة في المساجد الشيعية تستقطب الشباب. السؤال الذي يجب أن نطرحه بكل جرأة ونجيب عنه بكل شجاعة، هو لماذا يتشيع بعض رجال ونساء المغرب، وما الذي وجدوه في الفقه والفكر الشيعي يجعلهم يتشيعون؟ لا يمكن أن نغطي عجزنا وإخفاقاتنا باتهام الآخرين. هناك شيء أخير أريد توضيحه، وهو أني عضو في مجموعة العمل الوطني من أجل فلسطين، وعضو في المؤتمر القومي الإسلامي، وعضو في المؤتمر القومي العربي، وعضو في مؤتمر دعم القدس، وعضو في مؤتمر الدولي لدعم الانتفاضة الفلسطينية، وحزبنا عضو في مؤتمر الأحزاب العربية، وعضو في المؤتمر العربي العام، وكل هذه المنصات لها مواقف واضحة تجاه المقاومة التي تواجه المشروع الاستعماري الصهيوني، وفي مقدمتها حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني وجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وغيرهم. إذن من الطبيعي أن نكون داعمين ومصطفين مع هؤلاء المقاومين، ومن لم يعجبه هذا الأمر من المتصهينين في المغرب مهما بلغ نفوذهم وعلت مناصبهم، فليشربوا ماء المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، فنحن نقدر أن مقاومة ومواجهة المشروع الصهيوني المهدد من دون استثناء لكل كيانات الدول المدرجة في ما يسمى بمنطقة “المينا”، أي شمال إفريقيا والشرق الأوسط، واجب ديني وقومي ووطني. لكن أحب أن أوضح أيضا أننا بقدر ما ندعم المقاومين لمشروع الهيمنة الصهيواستعماري، بقدر ما نحن على استعداد لمواجهة أي تهديد لوحدتنا الترابية إذا أتى من أي جهة مقاومة. لهذا لم نتردد في الإعلان عن أننا سنكون أول المدينين والمتصدين لحزب الله إن ثبت، وأشدد على كلمة إن ثبت لدينا تعاونها مع جبهة البوليساريو ضد وحدة المغرب. وجهتم رسالة إلى الملك محمد السادس، ما الذي جاء في رسالتكم؟ راسلنا الملك محمد السادس منذ مدة من دون أن نتلقى أي جواب على رسالة أشارت إلى التحولات الجيواستراتيجية الجارية في العالم وفي محيطنا الجهوي والإقليمي، والدور الذي من المنتظر أن يلعبه المغرب في ظل هذه التحولات والتماسنا من ملك المغرب رفع الحظر اللاقانوني عن حزب البديل الحضاري، ليلعب مناضلوه ومناضلاته دورهم في تأطير وتنظيم المغاربة المقتنعين بمبادئ الحزب وخياراته. كنتَ مقربا من قياديين في «الشبيبة الإسلامية» وكذا عبد السلام ياسين وعبد الكريم مطيع، حيث يُحكي أن الأخير كان قد حذرك من بنكيران؟ علاقتي بالشيخ عبد الكريم مطيع انقطعت سنة 1978، أي منذ 42 سنة، وخلال هذه المدة الطويلة جرى ماء كثير في الساحة السياسية المغربية والعالمية. خلال هذه المدة تفكك الاتحاد السوفياتي وسقط النظام العالمي الثنائي القطبية وصاحب كل ذلك تحولات جهوية وإقليمية معتبرة، في هذه الفترة كان هناك التناوب التوافقي ورحيل الملك الحسن الثاني وجاء ملك جديد إلخ. مطيع اتهم بنكيران ومن خرج معه من الشبيبة أنهم على علاقة بالمخابرات المغربية. شخصيا أعتقد أن بنكيران وبها رحمه لله ويتيم وبوخبزة وغيرهم كانوا في قمة البراغماتية حين انقلبوا على مسار الشبيبة الذي دشنه مطيع، عقب صدور الأحكام في قضية الشهيد بنجلون، والذي رأوا فيه مسارا صداميا مع السلطة واعتمدوا خطا ونهجا مغايرا، وأبدوا مرونة في العديد من القضايا كالموقف من الملكية وإمارة المؤمنين. الدولة اشترطت شروطها على بنكيران ومن معه وهم قبلوا تلك الشروط بدون تردد، وظلوا يسعون للحصول على المقابل، أي الحق في الممارسة السياسية والدعوية، وهذا ما تم لهم في سياق الترتيب السياسي الذي حصل بعد رفض الكتلة سنة 1992 الانضمام إلى حكومة فيها إدريس البصري. ما رأيكم في النموذج التنموي، الملك تحدث عن وجود عيوب، كيف ترون المشروع من داخل منظمتكم؟ حملت المشاريع التي قادها الملك محمد السادس والأوراش التي فتحها الكثير من الآمال في مستقبل اقتصادي زاهر، ويجب أن نعترف أن المغرب قد أنجز الكثير من الأوراش المهمة، كبناء الطرق السيارة وميناء طنجة المتوسط وغيرها. هل حقق النموذج التنموي المقاصد منه في إنتاج الثروة وتوزيعها توزيعا عادلا؟ الجواب لا، فالأغنياء ازدادوا غنى والفقراء ازدادوا فقرا، والمشاكل الاجتماعية أصبحت داء عضالا يكاد يشل المغرب ويتهدده بالمشاكل. فأين الخلل؟ الخلل في اعتقادنا كامن في ترتيب أولوياتنا وفي تماهي اقتصادنا لحد كبير مع توجيهات البنك الدولي والمؤسسات المانحة للقروض ومع النظام النيوليبرالي المعولم الذي عولم الفقر والخصاص. ونعتز في حزب البديل الحضاري أننا لم نتردد في مناقشة النموذج التنموي الذي سلكه المغرب منذ 1999 برؤية نقدية إيجابية، نثمن ما نراه مفيدا وصحيحا في البرنامج التنموي وننتقد ما نراه غير مفيد ويجانب الصواب. ثمنا الأوراش الكبرى ولكن عارضنا تنزيل الميثاق الوطني للتربية والتكوين وأبلغنا المرحوم مزيان بلفقيه ملاحظاتنا، وأهمها أن إصلاح التعليم لن يتم من دون مشروع استراتيجي وطني واضح المعالم، وهذا ما اعترف به المرحوم بلفقيه بعد ذلك بعشر سنوات، حينما سألته أسبوعية الأيام عن سبب تقدم التعليم في غزة عنه في المغرب، فأجاب لأن للفلسطينيين قضية وليس لتعليمنا قضية. وعندما طرح المخطط الاستعجالي كنت آنذاك في السجن، كتبت مقالا سألت فيه السيد وزير التعليم حينها كيف لتعليم لا قضية له أن يصلح ببرنامج استعجالي؟ للأسف الشديد أدخلنا تعليمنا المستعجلات والنقاش الدائر اليوم حول إصلاح التعليم سيؤدي به إلى غرفة العناية المركزة. قلناها ونكررها اليوم لا يمكن إصلاح التعليم بأهداف مثل رفع أعداد المتمدرسين ومحاربة الهدر المدرسي ومحو الأمية. التعليم يجب أن يكون هدفه صناعة الإنسان صانع الحضارة المبدع. الطريقة الوحيدة ذات قيمة مضافة عالية وصانعة للثروة هي العلم والبحث العلمي والتفوق التكنولوجي. لم ننتج الثروة الحقيقية لأننا متخلفون علميا وبحثنا العلمي والتكنولوجي دون المستوى. من داخل السجن أيضا عبرت عن تحفظات على المخطط الأخضر، فالأمة التي لا توفر ما تشرب وما تأكل في القرن الواحد والعشرين مصيرها مظلم وغامض. كنا مع جلب المستثمرين، وكنا نعرف أن من سيقبل الاستثمار في المغرب لن يفعل ذلك إلا إذا وجد المناخ والتشجيع المناسب، ولكن كنا ضد إنفاق المال على إعداد البنى التحتية من مناطق صناعية ومناطق حرة وطرقات وسكك حديدية وموانئ، لكي يأتي مستثمرون صيادو الفرص لا يستفيد المغرب منهم سوى تشغيل يد عاملة رخيصة يتركونها في بطالة حينما يجدون عرضا سخيا في دولة أخرى، مخلفين وراءهم آلاف العاطلين ومآس اجتماعية خطيرة. انتقدنا تشجيع هذا النوع من الاستثمار ورحبنا كثيرا بالاستثمارات التي تستقطب للمغرب تكنولوجيات عالية الدقة وصانعة للثروة والقيمة المضافة، كصناعات السيارات والطائرات والإلكترونيات والصناعات الفضائية وغيرها، فعلى الأقل يستفيد العاملون في هذه القطاعات من تكوينات وخبرات قد تستعمل من طرف المغاربة مستقبلا إن هو قرر الدخول لنادي الدول المنتجة للتكنولوجيا. كما لم نصفق يوما أيضا لاقتصاد الفقاعات المدمر.