يقترب الإنسان من الإنسان وتتواصل التهاني والتحيات، رغما عن المسافات، ورغم اختلاف اللغات بحلول كل سنة. ويتنبأ الجميع للجميع بالسعادة ويدعون لهم بها بمناسبة حلول هذه السنة الجديدة 2019. فما أحلاه من دعاء، وما أحوجنا بما يوفر للبشرية هذه السعادة بكل معانيها، وبكل ألوانها البهية. فالحرية والكرامة والمساواة وتفعيل قواعد الدستور، هي السعادة. والديمقراطية وحرية التعبير والرأي والفكر والتنقل والتظاهر والتجمع، هي السعادة. وضمان الأمن الإنساني والقانوني والقضائي بكل الأبعاد ودون اختزال ولا انتقائية، هو السعادة. والحماية من التطرف العنيف والإقصاء والتكفير ومن الفقر والفوارق وتوزيع الثروات، هي السعادة. والعمل غير الشاق، وفِي الظروف الإنسانية والصحية، والشغل بالأجر المشرف والكافي، هو السعادة. واللجوء دون حواجز مادية أو مالية أو بيروقراطية للعدالة والتقاضي المجاني وتنفيذ الأحكام، هو السعادة. والعدل والإنصاف وشروط المحاكمة العادلة واحترامها لفائدة الجميع من مختلف المحاكم، هو السعادة. والبيئة السليمة وضمانها في كل المجالات، وفِي كل الأحياء، وكل المدن ولكل المواطنين، هي السعادة. ومنع القهر والقمع والخوف والشطط والعنف المادي واللامادي وممارستها من ذوي النفوذ، هو السعادة. والحق في المعلومة والوصول إليها، وفي الثقافة والعلوم والفكر الحداثي المتحرر من الظلامية، هو السعادة. فاينَكِ أيتها السعادة؟ تأتي السنوات وتمر من دون أن يتوصل ويتمتع الجميع بالحق في السعادة. ويَعِدُنَا حكامنا بالسعادة فيخلفون وعدهم، لأنهم يلتهمون وحدهم، ويتجرعون لذة السعادة، ويشربونها، ويأكلونها ويخزنونها في بيوتهم، وفِي جيوبهم ليسعدوا بها أهلهم، وحتى قططهم وكلابهم. يَعدُنا حكامنا بالسعادة ويبشروننا بها في يوم الآخرة بالجنة الخالدة مع الصابرين، ومع حور العين. يطلب منا حكامنا انتظار قطار السعادة الذي سنركبه لما يصل، عندما تقترب الساعة التي لا ريب فيها. من المؤكد بمناسبة السنة الجديدة، أن السعادة سيعُم فَضلهَا على حُكامنا، وعلى أبناء وحفدة حكامنا، فما لهم سوى التمتع بها كما شاؤوا وليهنؤوا، فلن نزاحمهم في قصورهم أو على موائدهم أو في حفلاتهم وغنائمهم، وليطمئنوا فنحن نموت لحياتهم، ونشقى لراحتهم ونجوع لإطعامهم. ومن المؤكد أن التعساء والسعداء سيلتقون في سنة من السنوات يوما ما، وبحلول الموعد ستتم المناظرة بين الطرفين، والأُمنِية هي أن يعترف حكامنا بأنهم سرقوا منا حقنا في السعادة، وبأنهم نادمون عن ظُلمِنا وظلم أبنائنا في حقهم في التعليم والشغل والصحة، وظلم أبنائنا المتسكعين جوعا بالشوارع حفاة عراة ومهمشين، يتعرضون لكل الاستغلال والمطاردة. وإلى حين حلول الموعد، لنعمل من أجل أن تكون السنة الجديدة، سنة للحق في السعادة. فالسعادة أنشودة منشودة ولو كانت شاقة المنال بعيدة، فما عليّ وعليك وعلى الجميع، سوى أن نتمناها للجميع.