«المغاربة من أتعس شعوب الأرض».. هذا خبر مضحك وغريب، لأن ما يعرفه الناس هو أن المغاربة من أسعد شعوب الأرض، والدليل على ذلك هو أنهم يعيشون في «أجمل بلد في العالم»، ومن الغريب حقا أن يعيش أتعس الناس في أجمل البلدان. يبدو أن التقرير الأممي الذي صنف المغاربة في الصف 115 من حيث مرتبة السعادة -أي أنهم أقل سعادة من 114 شعبا آخر- سيرعب الكثير من المروّجين لأساطير السعادة في هذه البلاد، وسيجعل الناس يمسكون برؤوسهم وكأنهم يكتشفون شيئا خطيرا، مع أن الناس تعساء بالفعل، وكل ما حصل هو أنهم تعرضوا لغسيل مخ جماعي جعلهم يعتقدون أنهم سعداء فعلا. كثير من المغاربة سيحسون بنوع من الصدمة لأنهم تعساء، وسبب صدمتهم هو أنهم كانوا يعتقدون أنفسهم سعداء؛ فالمواطن الذي يربح 2000 درهم في الشهر، وله 6 أبناء، ويشترك في مرحاض مع الجيران، ونصف أبنائه حفاة، هذا المواطن كثيرا ما يتظاهر بالسعادة، ويمكنه أن يمطر بالشتائم كل من يتحدث أمامه بسوء عن المغرب. والطفل الذي يقطع عشرة كيلومترات للذهاب إلى المدرسة أو يمشي 15 كيلومترا للبحث عن ماء، هذا الطفل مجبر على الإحساس بالسعادة، وحتى لو أحس بالتعاسة فعليه أن يتظاهر بالسعادة، لأن الإحساس العام في أجمل بلد في العالم هو أن تكون سعيدا رغم أنفك.. ورغم أنف جدّك وجدّتك. المذيع الهمام مصطفى العلوي، الذي كان دائما ينسب سقوط الأمطار إلى «الحكومات الرشيدة»، كان ينطق بحكم ثمينة، ومن بينها عبارة «المغرب حباه الله بطبيعة خلابة وشمس ساطعة على مر السنة وبحار ممتدة»، هذه العبارة لم تجد نفعا في بث الشعور بالسعادة لدى الناس، ومقابل ذلك تفوقت علينا بلدان لا يرى سكانها الشمس سوى شهر أو شهرين في السنة، وطبيعتها تغلفها الثلوج أغلب العام، وبحارها داكنة ومخيفة، مثل النرويج وفنلندا. نفس المذيع ردد على مدى عقود عبارة «وهاهُم رعاياك يا مولاي خرجوا عن بكرة أبيهم...»، وهي عبارة تعني وجود فائض من السعادة عند المغاربة، لذلك يفرغون فائضهم في الزغاريد. من الغريب حقا أن المغرب واحد من أدفإ بلدان العالم، والتجارب العلمية تقول إن التعرض لأشعة الشمس لمدة خمس دقائق كاف لكي يمنح هرمون السعادة والإحساس ببعض الابتهاج، لكن يبدو أن المغاربة تعرضوا لأشعة الشمس حتى احترقت سعادتهم، فأشعة الشمس لا تنفع مع الجيوب الباردة. من المثير أيضا أن أكثر بلدان العالم تعاسة، حسب التقرير الأممي، هي البلدان الإفريقية، وفيها فائض من الشمس والبحر والطبيعة، وسكانها لا يتوقفون عن الرقص وترديد الأهازيج وكأنهم في عرس دائم، بينما أكثر البلدان التي يشعر سكانها بالسعادة لا تكاد تشرق فيها الشمس، مثل البلدان الإسكندنافية، وسكانها يحطمون أرقاما قياسية في نسبة الانتحار، ومع ذلك هم سعداء. ويبدو أن السعادة ليست هي أن تتوفر على الشمس والبحر بينما جيوبك خاوية، بل السعادة هي أن تكون جيوبك ممتلئة وترحل إلى أي مكان بحثا عن فضاءات جديدة. التقرير الأممي لم يشر إلى تفاصيل التعاسة المغربية، لكنها عموما مرتبطة بغياب الحريات السياسية وانتشار الفقر والأمية واستمرار المعاناة اليومية للمواطنين. صحيح أن ثلاثة مغاربة ضمنوا مؤخرا مكانا لهم في لائحة «فوربيس» لأغنى أغنياء العالم، لكن ذلك لا يعني سوى وجود بضعة أشجار مخضرة يسقيها ملايين الفقراء بعرقهم ومعاناتهم. في المغرب أيضا انتشار مذهل للسيارات الفاخرة، وهناك فقراء كانوا لا يملكون قوت يومهم وأصبحوا اليوم يركبون سيارات مهيبة بعد أن ابتسم لهم الحظ، وأحيانا بعد أن ابتسمت لهم كتامة أو الميزانيات المنهوبة، ومع ذلك فإنهم تعساء لأنهم يحسون في قرارة أنفسهم بأنهم لا شيء.. لا شيء على الإطلاق. في المغرب مسؤولون يتحدثون صباح مساء عن الإحساس بالمسؤولية والمحاسبة، وبعضهم صاروا يصرحون ببعض ما يمتلكونه، لكنهم ليسوا سعداء مثل وزراء أسكندنافيين يتزاحمون في سيارة زميل لهم حتى يوفروا البنزين والمصاريف بينما بلدانهم غنية حتى الثمالة. هناك مسألة أخيرة، وهي: هل يمكن لمغربي أن يكون سعيدا وهو الذي يرغب، فجأة، في قضاء حاجته فلا يجد مرحاضا عموميا؟