قال فؤاد فرحاوي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة بمكناس، وباحث في مركز الدراسات والبحوث الاجتماعية والإنسانية بوجدة، إن استراتيجية ترامب قد تقوي مكانة المغرب في سياسة أمريكا الإفريقية. هل تحمل استراتيجية ترامب بخصوص إفريقيا مبادرات جديدة؟ عندما يأتي رئيس جديد إلى الإدارة الأمريكية، فإنه عادة ما يعلن سياسته في عدد من القضايا، عبر مبادرات أو سياسات تسجل له في رصيده الشخصي وتميزه عن سابقيه. وقد تمثل هذه المبادرات انعطافا في تلك السياسة، أو تكون تعبيرا عن استمرار سياسات سابقة، مع تغيير في بعض الآليات والميكانيزمات. وعلى العموم، يمكن القول، في ما يتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية تجاه إفريقيا منذ نهاية الحرب الباردة، أنها تعبر عن تصاعد الاهتمام الأمريكي بهذه القارة، سواء في المجال الاقتصادي أو الأمني أو الاستراتيجي. ومنذ التدخل الأمريكي في الصومال بداية التسعينات من القرن الماضي، في عهد جورج بوش الأب، إلى غاية إدارة ترامب، شهدنا عدة مبادرات رئاسية نحو إفريقيا تحولت إلى مؤسسات تشكل الآن أعمدة للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه القارة. فمثلا، إعلان تأسيس القيادة المركزية الإفريقية للقوات المسلحة الأمريكية «أفريكوم» في فبراير 2007، جاء تتويجا لمسار من التعاون الأمني والعسكري بين واشنطن ودول القارة، إما في الإطار الثنائي وإما في الإطار المناطقي، لكن إنشاء هذه القيادة سجل في الرصيد السياسي للرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش الابن. ويسجل لإدارة أوباما السابقة عدد من المبادرات التي تقوي الحضور الأمريكي في إفريقيا، اقتصاديا، أعلنت في نونبر 2012 مبادرة «ممارسة التجارة في إفريقيا» "Doing Business in Africa"، و«مبادرة طاقة إفريقيا» في 2013، و«مبادرة الغذاء من أجل المستقبل» في 2010، وغيرها من المبادرات. أما أمنيا واستراتيجيا، فقد أعلن أوباما في غشت 2014 مبادرتين، هما «مبادرة الحكامة الأمنية» Security Governance Initiative (SGI) «ومبادرة الشراكة الإفريقية للاستجابة السريعة لحفظ السلام (APRRP) African Peace keeping Rapid Response Partnership. والأكيد أن إدارة ترامب ستسهم بدورها بمبادرات خاصة نحو إفريقيا. وعند النظر في الأنشطة التشريعية للدورة ال115 للكونغرس الأمريكي، نجد أن إدارة ترامب استصدرت مجموعة من القوانين التي تهم إفريقيا بشكل مباشر أو غير مباشر. ما المتوقع أن يعلن في الاستراتيجية الجديدة؟ يمكن أن نستنتج المبادرات الجديدة من القرارات التي اتخذت، ومن النقاشات التي احتضنها الكونغرس خلال السنتين الأخيرتين. ففي 23 أبريل 2018، صدر تشريع لتحديث كل من «قانون تحدي الألفية» لعام 2003، الذي صدر في عهد جورج بوش الابن، وقانون «الفرص والنمو الإفريقي» لعام 2000 الذي صدر في عهد بيل كلينتون. وخلال أكتوبر 2018، وقع الرئيس ترامب «قانون البناء» "Build Act" الذي عد من بين أهم القوانين التي ستدعم الاستثمارات الأمريكية في الخارج، بما فيها القارة الإفريقية. وفي إطار القانون نفسه، ستُجمع العديد من الوكالات الأمريكية في مؤسسة جديدة سميت ب«المؤسسة الأمريكية لتمويل التنمية الدولية»"U.S.International Development Finance Corporation". أما في الجانب الأمني والعسكري، فإن إدارة ترامب أصدرت في يونيو 2018 «قانون 2018 للشراكة العابرة للصحراء ضد الإرهاب»، الذي عدل من قانون هذه الشراكة الذي صدر عام 2005. وفي إطار هذا القانون، طرحت مبادرة أخرى في نونبر 2018 من أجل إنشاء برنامج ينسق الأعمال بين الوكالات المعنية بالتعاون الأمني مع دول شمال وغرب إفريقيا. وفي هذا السياق أشارت جريدة نيويورك تايمز، في تاريخ 21 شتنبر 2017، إلى أن إدارة ترامب أقدمت على إلغاء مجموعة من القيود التي فرضتها إدارة أوباما على استخدام الطائرات دون طيار، وذلك في إطار تعزيز القدرات في مجال محاربة الإرهاب في إفريقيا. هل تشكل هذه المبادرات والقرارات فرصة للمغرب لمزيد من التموقع الجيد أم تشكل عائقا له؟ الحقيقة أنه، من خلال تتبع النقاشات داخل الكونغرس الأمريكي للدورة التشريعية ال115(2017-2018)، أي بعد تولي ترامب السلطة، نستطيع القول إن المغرب يحتفظ بمكانته في بعض الملفات، منها أساسا ملف مكافحة الإرهاب، فهو معني، مثلا، بتلك المبادرة الخاصة بتنسيق التعاون الأمني بين دول غرب إفريقيا وشمالها. وخلال جلسة الكونغرس الأمريكي، التي عقدت في 7 دجنبر 2017 حول جهود محاربة الإرهاب في إفريقيا، أثار السيناتور ألبيو سيريس "Albio Sires" عن ولاية نيوجيرسي المخاوف من انتقال الإرهاب من تونس وليبيا إلى المغرب، وقد أكد نائب وزير الخارجية الأمريكي، جون سوليفان، John J.Sullivan، أن هناك تعاونا مغربيا أمريكيا في مجال أمن الحدود، مثله مثل تونس، ويشمل هذا التعاون الحدود البرية والبحرية معا. وعند مراجعة ميزانية الخارجية الأمريكية للسنة المالية 2018، نجد أن الإدارة الأمريكية خصصت مساعدات للمغرب في إطار ما سمته بالشراكة في المجال السياسي والاقتصادي والأمني. وفي إطار الميزانية نفسها، أدمج المغرب في برنامج لتكوين الشرطة وإصلاح قطاع العدالة وتأهيل السجون، مشيرة إلى أهمية ذلك لتصدير النموذج المغربي في هذا المجال إلى البلدان الإفريقية الأخرى. هل ذلك يعني أن السياسة الأمريكية في إفريقيا لا تشكل أي عائق أمام المصالح المغربية هناك؟ نستطيع أيضا تأكيد أن السياسة الخارجية المغربية في إفريقيا تتماهى مع كثير من السياسات الأمريكية في القارة خلال فترة ترامب، والملاحظ أنه خلال هذه الفترة عقد الكونغرس الأمريكي عددا من الجلسات تخص مناطق في إفريقيا، تشكل أيضا محور السياسة الخارجية المغربية في السنوات الأخيرة، مثل إثيوبيا ورواندا ونيجيريا والكونغو الديمقراطية وجمهورية إفريقيا الوسطى. وهذا ما سيسهم إلى حد ما في تقوية مكانة المغرب في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إفريقيا. لكن، تجدر الإشارة إلى أن أحد الملفات التي يمكن أن تعزز دور المغرب في السياسة الإفريقية لواشنطن هو ما يمكن أن نطلق عليه ب«دبلوماسية الهجرة»، خاصة أن المغرب استقبل أول مؤتمر للأمم المتحدة لمعالجة إشكالية الهجرة. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الكونغرس عقد جلسة خاصة في 26 أبريل 2018 تحت عنوان: «الهجرة الجماعية في أوروبا.. الاستيعاب والاندماج والأمن»، حيث جرى التطرق إلى تأثير الهجرة من إفريقيا على الأمن الأوروبي. ونجد في هذا السياق أن الولاياتالمتحدة عملت على تعزيز وجودها العسكري والأمني في النيجر، وبررته بمراقبة مصادر تدفق الهجرة إلى أوروبا، وهو ما يجعل المغرب جزءا من الأجندة الأمريكية الخاصة بالآثار الأمنية للهجرة سواء على الصعيد المتوسطي أو الإفريقي. تشكل الصحراء القضية الأساس للمغرب، هل تحمل الاستراتيجية الجديدة لترامب أي تصور جديد لحل النزاعات في افريقيا؟ أعتقد أن على المغرب أن ينتبه إلى الدلالات الدولية للسياسة الأمريكية في إفريقيا، فالملاحظ أن الهاجس الصينيلواشنطن كان حاضرا في كل الجلسات التي خصصت للقضايا الإفريقية داخل الكونغرس الأمريكي، في الفترة التي تولى فيها ترامب الإدارة الأمريكية، سواء تعلق الأمر بالقضايا الاقتصادية أو بالقضايا الأمنية والاستراتيجية. وفي الجلسة التي عقدت حول إثيوبيا في 12 دجنبر 2018، مثلا، جرى الحديث عن ضرورة أن تستعيد الولاياتالمتحدة المبادرة من الصين في هذا البلد، وجرى التطرق إلى المضمون نفسه في الجلسة التي خصصت لزيمبابوي في 28 فبراير 2018. ويشير النقاش الذي طرح في الجلسة، التي عقدت في 7 مارس 2018 بعنوان «الصين.. الاستعمار الجديد لإفريقيا»، إلى قضية أساسية تتعلق بالبعد الأطلسي في الصراع الأمريكي الصيني، وذلك عندما أشار «غوردن شانغ» "Gordon Chang" إلى جهود الصين لإنشاء قاعدة عسكرية في «خليج فالفيس» بناميبيا، فضلا عن تركيز اهتمامها على «جزيرة أزوريس» البرتغالية مقابل شواطئ طنجة الأطلسية، وهي الجزيرة التي كانت توجد فيها القوات الجوية الأمريكية. وقال «غوردن» بالحرف: «لا نريد أن تحلق الطائرات الصينية فوق المحيط الأطلسي وتهدد الوطن الأمريكي». وهذا معناه أننا نعيش حربا باردة صينية أمريكية في المحيط الأطلسي، يمكن أن تعيد ترتيب أوراق النزاعات المطروحة في القارة الإفريقية، بما فيها قضية الصحراء، علما أن هذه الحرب تتداخل فيها الأبعاد الجيواقتصادية والجيواستراتيجية. في ظل الصراع الأمريكي الصيني، ما الخيارات المتاحة أمام المغرب؟ أعتقد أن هذا الواقع يعطي المغرب فرصة لأن يعيد طرح ملف الصحراء المغربية في إطار جيواستراتيجي أوسع، وألا يكتفي فقط بالقضايا التقنية التي تجعله حبيس مبادرات وتكتيكات الخصوم. وأعتقد أن مشروع المغرب لبناء ميناء الداخلة الأطلسي يعد أرضية مهمة لبلورة تصور جيواستراتيجي يرتبط في جزء منه باستحقاقات الصراع الصيني الغربي في المحيط الأطلسي. ونشير في هذا السياق إلى جلسة عقدت يوم 12 دجنبر 2018 بالكونغرس تحت عنوان «التنمية والدبلوماسية والدفاع.. تعزيز مصالح الولاياتالمتحدة في إفريقيا»، وفيها قال مساعد وزير الخارجية في الشؤون الإفريقية «تيبور ناغي»، بشكل صريح، إن الولاياتالمتحدة تسعى أساسا إلى العمل على محاصرة الصين في القارة. ولنلاحظ على سبيل المثال ما تثيره مشاريع البنيات التحتية وتمويلها من تنافس في إطار الحرب التجارية والاقتصادية الأمريكيةالصينية. وقد أشار «كيفين فريمان» "Kevin Freeman"، في جلسة للكونغرس عقدت في 23 ماي 2018 بعنوان «الاستثمارات الصينية وتأثيرها في أوروبا»، إلى أن بكين وموسكو تسعيان إلى تقويض نظام صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وإنشاء نظم تمويل بديلة. وخلال جلسة أخرى للكونغرس في 23 ماي 2018، حول سبل تقوية الدبلوماسية الأمريكية، طرحت فكرة معاقبة «بنك الزراعة الصيني» و«بنك التعمير الصيني». والحقيقة أننا لا نعرف الموقف الغربي من فتح فرع «بنك الصين» في الدار البيضاء من أجل تسهيل المعاملات في غرب إفريقيا، إلا أن الأكيد أن الأمر يشكل قلقا إذا ما موقعنا المبادرة في إطار الصراع الصيني الغربي في إفريقيا. لكن، في النهاية، المغرب هو الذي يقدر تحالفاته والتوازنات التي يحتملها، في إطار استراتيجية تنويع الشركاء.