أعلن الملك محمد السادس، في خطوة سياسية غير متوقعة، مد يده إلى الجارة الجزائر لحل كل الخلافات العالقة، مقترحا عليها تشكيل «آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور»، يتفق الطرفان على تحديد مستوى التمثيلية بها، وشكلها وطبيعتها، «بهدف تجاوز حالة الجمود التي تعرفها العلاقات بين البلدين الجارين الشقيقين». وأعطى الخطاب الملكي، بمناسبة الذكرى ال43 للمسيرة الخضراء، أهمية للعلاقات مع الجزائر، وحمل عبارات الود تجاهها، ووصف الجزائريين بالأشقاء والجيران، قائلا إنه لن يدخر جهدا «في سبيل إرساء علاقاتنا الثنائية على أسس متينة من الثقة والتضامن وحسن الجوار، عملا بقول جدنا صلى الله عليه وسلم: مازال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه». هذه اليد الملكية الممدودة من جانب المغرب، خلّفت رد فعل متشنج من جانب الجارة الجزائر، حيث ساد صمت القبور فترة طويلة، قبل أن ترسو سفينة حكامها المتصارعين على توجيه دعوة إلى مجلس وزراء خارجية اتحاد المغرب العربي، إلى الانعقاد في دورة طارئة، في جواب ضمني عن الدعوة المغربية. ردّ رفضه المغرب رسميا، حيث عبرت الخارجية المغربية، يوم الاثنين الماضي، عن أسفها لعدم تلقي المغرب «ردا رسميا» من الجزائر على مبادرة الملك محمد السادس لتطبيع العلاقات بين البلدين، وخلق «آلية للحوار». محمد اليازغي، الكاتب الأول السابق لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، قال إنه يجب انتظار جواب رسمي من الجارة الشرقية، مضيفا أن «الملك محمد السادس طلب من الجزائر أن تستعجل وتوضح موقفها وتقول رأيا رسميا. الملك محمد السادس يسأل النظام الجزائري هل يقبل هذا الحوار أم يرفضه. إنه يريد المواجهة، وهذا عنصر مهم جدا، وما هذه الخطوة إلا تأكيد للمبادرة الطيبة للمغرب، ورغبته في إطلاق الحوار وآلية التنسيق الثنائي». لكن يعتقد خبراء جزائريون أن المشكلة أكثر تعقيدا. محمد راجعي وهو دكتور في علم الاجتماع وأستاذ بجامعة مستغانم بالجزائر، ومؤسس معهد هايك للتفكير الاقتصادي، يرى أنه حتى لو أراد بوتفليقة اليوم الاستجابة لدعوة الملك محمد السادس، فإن ذلك غير ممكن حاليا، ف«الظروف ليست مواتية للتفاعل مع المبادرة المغربية، خاصة في هذه المرحلة الانتخابية الحرجة التي يعرفها البلد، حيث إنه من المتوقع أن تقدم بعض الأطراف السياسية على الطعن في هذه الخطوة، واعتبارها تطبيعا للعلاقات مع المغرب»، لذلك يسعى بوتفليقة، حسب راجعي، الآن، إلى تحقيق التوازنات، لأنه يعلم جيدا أن النظام الجزائري يضم جماعات معارضة ترفض هذه العلاقات الثنائية مع المغرب، وتعتقد أن المملكة تسعى إلى الاستفادة من الجزائر. ويعتبر هذا الجيل من العسكريين المغرب بلدا عدوا، حسب راجعي الذي يضيف أنه يعتقد أن الرئيس أجل هذا الملف إلى حين حدوث انتقال سياسي جديد، أو أن يخلفه شخص تخلص من رواسب الماضي. وهذا رأي يتفق معه أكرم خريف، وهو خبير جزائري في شؤون الأمن والدفاع، حيث يقول إن ما يحدث هو أن الجزائر اليوم «منهمكة في التحضير للانتقال إلى ما بعد الحكم الحالي»، كما أن الأجندة السياسية الداخلية غنية، والمنافسة مفتوحة للعب دور في مستقبل البلاد، وبالتالي، وفقا لتحليله، فإن الظرفية الزمنية لا تسمح، في الفترة الانتخابية الحالية، بالرد على دعوة الملك محمد السادس، أو الاستجابة لهذه البادرة، والخيارات المتاحة اليوم أمام البلدين هي «الوضوح والانتظار»، وتوضيح هذه البادرة أكثر، وانتظار الجو الملائم سياسيا لإنشاء آلية مشتركة للحوار المباشر والصريح. اللقاء الصعب بعد انتهاء معركة أكتوبر الطويلة التي شهدتها أعلى هيئات منظمة الأممالمتحدة، خاصة الجمعية العامة ومجلس الأمن الدوليّ؛ وبعدما أصبح كل من المغرب والجزائر على موعد مع أول جلسة وجها لوجه، في إطار جولة مشاورات جنيف السويسرية التي تنعقد هذا الأسبوع؛ كان للدعوة التي أطلقها الملك محمد السادس، ضمن خطاب ذكرى المسيرة الخضراء، وقع خاص على الوضع الإقليمي بين البلدين الجارين. فقد أعلن الملك محمد السادس، في خطوة سياسية غير متوقعة، مد يده إلى الجارة الجزائر لحل كل الخلافات العالقة، مقترحا عليها تشكيل «آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور»، يقع الاتفاق على تحديد مستوى التمثيلية بها، وشكلها وطبيعتها، «بهدف تجاوز حالة الجمود التي تعرفها العلاقات بين البلدين الجارين الشقيقين». وأعطى الخطاب الملكي، بمناسبة الذكرى ال43 للمسيرة الخضراء، أهمية للعلاقات مع الجزائر، وحمل عبارات الود تجاهها، ووصف الجزائريين بالأشقاء والجيران، قائلا إنه لن يدخر جهدا «من أجل إرساء علاقاتنا الثنائية على أسس متينة، من الثقة والتضامن وحسن الجوار، عملا بقول جدنا صلى الله عليه وسلم: مازال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه». هذه اليد الملكية الممدودة من جانب المغرب، خلّفت رد فعل متشنج من جانب الجارة الجزائر، حيث ساد صمت القبور فترة طويلة، قبل أن ترسو سفينة حكامها المتصارعين على توجيه دعوة إلى مجلس وزراء خارجية اتحاد المغرب العربي، إلى الانعقاد في دورة طارئة، في جواب ضمني عن الدعوة المغربية. ردّ رفضه المغرب رسميا، حيث عبرت الخارجية المغربية، يوم الاثنين الماضي، عن أسفها لعدم تلقي المغرب «ردا رسميا» من الجزائر على مبادرة الملك محمد السادس لتطبيع العلاقات بين البلدين، وخلق «آلية للحوار». وتباحث وزير الخارجية والتعاون الدولي، ناصر بوريطة، الاثنين الماضي، مع السفير الجزائري بالرباط بشأن الرد الجزائري، قبل أن تصدر الخارجية بلاغا أعلنت فيه أنها قامت بعدة مبادرات، «رسمية وغير رسمية»، على مدى عشرة أيام، قصد ربط الاتصال مع السلطات الجزائرية على مستوى وزاري»، لكن دون جدوى. واعتبرت الرباط أن «الطلب الجزائري لا علاقة له بالمبادرة الملكية»، التي ترمي إلى بحث تطبيع علاقات البلدين، «في إطار ثنائي صرف»، في حين أن الجزائر تطرح «إطار استئناف البناء الإقليمي». واعتبرت الخارجية أن «وضعية الجمود التي يعرفها اتحاد المغرب العربي، منذ سنين، تعود بالأساس إلى الطبيعة غير العادية للعلاقات المغربية الجزائرية، والتي لا يمكن معالجتها إلا في إطار حوار ثنائي مباشر ودون وسطاء».
سياق طويل هذا التململ في إيقاع تطوّر العلاقات السياسية المغربية الجزائرية له سياق يعود إلى ثلاث سنوات على الأقل. فإصرار المغرب اليوم على الجلوس وجها لوجه مع الجزائر، مهّد له تحوّل في الدبلوماسية المغربية برز في السنوات الأخيرة، رافقته تحولات إقليمية. وتجسّد الاختيار الدبلوماسي المغربي أساسا في الخروج من موقع الدفاع، والمبادرة بالهجوم، حيث استعاد مقعده داخل الاتحاد الإفريقي، ومدّ يده بشكل صريح إلى جميع الدول التي كانت تشكّل محور معاكسة المصالح المغربية في إفريقيا، وتستعملها الجزائر معسكرا ظلت تتخندق داخله. الدبلوماسية الملكية في إفريقيا، متجسدة في الجولات المكوكية، والاختراقات المتوالية في محور الجزائر داخل القارة السمراء، وعلى رأسه كل من نيجيريا وجنوب إفريقيا، انتهت بشبه تحييد لمنظمة الاتحاد الإفريقي في نزاع الصحراء، ما جعل الجارة الشرقية للمملكة مطالبة بمواجهة حقيقتها المتمثلة في معاكسة المصالح المغربية. هذا الخروج المغربي، الذي كسر نحو ثلاثة عقود من الجمود، رافقته تحوّلات إقليمية ودولية، تصبّ جميعها في اتجاه تأمين منطقة الشمال والغرب الإفريقيين، حيث توالت المبادرات الفرنسية لمحاربة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، فيما ارتفع منسوب التركيز الأمريكي على محاربة شبكات الجريمة العابرة للقارات، وتلك التي ترتبط بشبكات تهريب المخدرات الصلبة من أمريكا اللاتينية، أو تتقاطع مع الشبكات الإرهابية من حيث التمويل وتبادل المصالح. هذا التحوّل الدولي والإقليمي برز بقوة في أزمة معبر الكركرات التي دامت أكثر من عام، حيث بات تأمين الطريق الرابط بين الشمال والغرب الإفريقيين مطلبا استراتيجيا وحيويا حرص المغرب على ضمانه، فيما فتحت الجزائر معبرا حدوديا هو الأول من نوعه مع الجارة موريتانيا. هذا التململ المسجل حاليا في العلاقات المغربية الجزائرية، والذي يجمع بين ثنائية التقارب والتوتّر، برز في السنوات الأخيرة في عدة مناسبات. فمؤشرات حدوث لقاء أو انفراج كبير في العلاقات الثنائية، ظهرت بشكل كبير مستهل الصيف الماضي، من خلال تسريبات وأحاديث في القنوات الدبلوماسية والإعلامية المقربة من هذا الموضوع. ففي شهر يونيو الماضي، كشف رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية، إحدى غرفتي البرلمان، دعم باريس التقارب الدبلوماسي بين كل من المغرب والجزائر. فرانسوا دوروجي، الذي حل وقتها بالمغرب للمشاركة في المنتدى البرلماني المغربي الفرنسي، قال، في استجواب خص به موقع 360 المغربي، إن فرنسا تريد رؤية تقارب بين المغرب والجزائر لما فيه «مصلحة المنطقة». وأضاف المسؤول الفرنسي أن هناك مؤشرات على حدوث هذا التقارب، معربا عن أمله في إقامة حوار بين البلدين يسهم في تحقيق الاستقرار السياسي والتنمية في المنطقة المغاربية. التقارب الذي ألمح إليه المسؤول الفرنسي يتجسد أساسا في الدعم الكبير الذي قدمته الجزائر لملف ترشح المغرب لاحتضان مونديال 2026، وما تلاه من رسالة شكر ملكية موجهة إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة. كما أن أول ردّ فعل متشنج على خطاب ملكي موجه إلى الجزائر أو متعلق بها لا يتعلق بخطاب ذكرى المسيرة الخضراء الأخير، بل إن ردودا مباشرة صدرت بعد خطاب العرش لسنة 2017. الملك محمد السادس ضمّن خطابه حينها عبارات قوية توجّه فيها إلى الجارة الشرقية بدعوته إياها إلى الكفّ عن معاكسة منطق التاريخ. عبارات كانت كافية لتتحرّك الآلة الدعائية الجزائرية ضد المغرب، بدءا بقيادة جبهة البوليساريو، ثم عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية، لمهاجمة الخطاب الملكي والمقترح المغربي منح الصحراء حكما ذاتيا. وبعد بيان سارعت قيادة الجبهة الانفصالية إلى إصداره، وهدّدت من خلاله بالعودة إلى حمل السلاح، استضافت الإذاعة الجزائرية زعيم الجبهة، إبراهيم غالي، ليدعو إلى فرض عقوبات دولية، اقتصادية وسياسية، على المغرب. تفاعل سابق مع الخطب الملكية ما يشبه الرد الضمني الجزائري على الخطاب الملكي لتلك السنة، جاء على لسان وزير خارجيتها، عبد القادر مساهل، الذي تحدّث بطريقة فجة عن المغرب في لقاء مع فاعلين اقتصاديين جزائريين، حيث اتهم المملكة بتبييض أموال الحشيش في إفريقيا. تصريحات سارعت الخارجية المغربية إلى الرد عليها بتصعيد كبير، حيث أعلنت استدعاء القائم بأعمال السفارة الجزائرية بالرباط، لإبلاغه «بالطابع غير المسؤول، بل والصبياني لتلك التصريحات»، كما استدعى المغرب سفيره المعتمد في الجزائر، حسن عبد الخالق، بمبرر «التشاور». تصعيد دبلوماسي مغربي واكبه خروج كل من المجموعة المهنية للأبناك وبعض الأصوات السياسية والحزبية التي هاجمت السلطات الجزائرية بسبب خرجة مساهل. الرد الجزائري على التصعيد المغربي جاء في رسالة غير مباشرة، مفادها عدم الرغبة في الدخول في هذا التصعيد. وفي الوقت الذي كانت الأرض تتحرّك تحت أقدام الدول المغاربية تهيئا لواقع جيوسياسي جديد يجري تحضيره، تفجّرت معركة هامشية بين المغرب والجزائر مستهل هذا العام، حول منطقة البلقان. البلدان دخلا في صراع حول الموقف الصربي من نزاع الصحراء. وانطلقت الشرارة الأولى للصراع منتصف مارس الماضي، حين أدلى النائب الأول للوزير الأول ووزير الشؤون الخارجية بجمهورية صربيا «إيفيكا دازيش»، بتصريحات خلال زيارته للمغرب، لمح فيها إلى تغير في موقف «بلغراد» من الصحراء، إذ قال، خلال ندوة صحافية بالرباط عقب مقابلته رئيس مجلس النواب الحبيب المالكي، إن المغرب وصربيا يتبنيان وجهات النظر نفسها بخصوص «أهمية احترام الوحدة الترابية للدول»، وأشاد بالمقاربة المغربية في التعاطي مع نزاع الصحراء، والتي وصفها ب«الجدية». وأزعجت تلك التصريحات «الجزائر»، التي سخرت آلاتها الإعلامية للاحتجاج على تصريحات المسؤول الصربي، قبل أن تخرج وزارة الخارجية الصربية ببيان، يوم الاثنين 20 مارس الماضي، للتوضيح. وقال البيان إن «التصريحات التي نُقلت عن إيفيكا دازيش في التقارير الإعلامية الأجنبية، حول موقف صربيا من الصحراء الغربية، قد فُهمت بطريقة خاطئة وأسيء تأويلها»، مضيفا أن «موقف الجمهورية الصربية من النزاع يبقى ثابتا، ويستند إلى أحكام القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة». وبالرغم من صدور البلاغ، قرر رئيس الدبلوماسية الجزائرية، عبد القادر مساهل، التوجه بشكل مستعجل إلى العاصمة الصربية بلغراد، من أجل مقابلة الوزيرة الأولى الصربية «أنا برنابيتش»، في خطوة لاحتواء أي تغيرات محتملة في موقف صربيا من الصحراء. «كانت تلك محاولة لتطويق وحصار أي إمكانية لتغيير الموقف الصربي بخصوص الصحراء، حتى لا ينعكس على منطقة البلقان، التي تعتبرها الجزائر معقلا لها»، يقول الخبير في ملف الصحراء، عبد المجيد بلغزال، موضحا أن الجزائر واعية بأهمية صربيا في منطقة شرق أوروبا، لذلك تعاملت مع تصريحات وزير الخارجية الصربي بجدية رغم صدور البلاغ التوضيحي. إيران بعد إفريقيا والبلقان آخر لحظة توتّر كبير في علاقات البلدين بشكل يمهّد لتحوّلها الاستراتيجي المقبل، جرى، شهر ماي الماضي، حين أعلن المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران، متهما سفارتها في الجزائر بالتحول إلى مقر لاتصالات معادية للمغرب، تدعم جبهة البوليساريو الانفصالية. فبعد أقل من 24 ساعة من إعلان المغرب قراره قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، مفسرا ذلك بثبوت روابط عسكرية بين حزب الله اللبناني الموالي لإيران، وجبهة البوليساريو الانفصالية؛ تحوّل الموضوع إلى محور لمواجهة مباشرة بين المغرب والجزائر، التي تُعتبر المعني الأول بالاتهامات المغربية، لأن التنسيق العسكري بين حزب الله والبوليساريو يجري فوق الأرض الجزائرية، وعبر سفارة إيران لديها. واستدعت الخارجية الجزائرية السفير المغربي لديها، لإبلاغه باحتجاجها على التصريحات المغربية، فيما ردّت الرباط ببيان مفصّل يتضمّن ردودا دقيقة على كل ما صدر من جانب الجزائر وإيران وحزب لله. ولم تتأخر الدبلوماسية المغربية في مواجهة البيانات والتصريحات التي صدرت من كل من الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، وطهران والجزائر. ونسبت قصاصة لوكالة المغرب العربي للأنباء إلى متحدث باسم وزارة الخارجية والتعاون المغربية، إن المغرب يتفهم حرج الجزائر، «وحاجتها إلى التعبير عن تضامنها مع حلفائها، حزب الله وإيران والبوليساريو، ومحاولتها إنكار دورها الخفي في هذه العملية ضد الأمن الوطني للمملكة». وحرص الرد المغربي على إبراز الدور الجزائري في ملف الصحراء، عشية اجتماع مجلس الأمن الدولي لإصدار قراره متم أبريل الماضي. وقال المتحدث باسم الخارجية المغربية إنه «عندما يتعلق الأمر بدور الجزائر في قضية الصحراء، ودعمها الفاضح للبوليساريو، فإن المغرب ليس في حاجة إلى الإشارة إلى تورط هذا البلد ولا إلى اتهامه بشكل غير مباشر. فمن المعروف أن الجزائر، ومنذ 1975، تحتضن وتسلح وتمول وتدرب انفصاليي البوليساريو وتتعبأ دبلوماسيا من أجلهم». ذلك الاصطدام غير المباشر بين المغرب والجزائر وضع هذه الأخيرة في عزلة دولية، بالنظر إلى الموقف الحساس لإيران، بل وحتى عربيا، حيث تطوّر الأمر من بيانات دعم ومساندة للمغرب من جانب دول الخليج العربي، إلى بيان رسمي من جامعة الدول العربية، التي عبرت عن تضامنها مع المغرب في قراره قطع علاقاته مع إيران، «لما تمارسه الأخيرة من تدخلات خطيرة ومرفوضة في الشؤون الداخلية للمملكة المغربية». إعادة تهيئة الإقليم بين هذه الأزمة وتلك، كانت السنتان الماضيتان قد اتسمتا ببروز ملف معبر الكركرات الحدودي بين المغرب وموريتانيا، ليهيمن على الوضع الإقليمي بأبعاده الدولية، حيث حاول المغرب تعبيد وتأمين الطريق الرابط بينه وبين موريتانيا، وتطهير المنطقة من أنشطة الاتجار غير المشروع والتهريب. وأبانت تفاعلات وأبعاد الأزمة أنها ترتبط بالتحوّل المقبل نحو المنطقة، باعتبارها جزءا من القارة الإفريقية التي تسعى القوى الدولية إلى تحويلها إلى مصدر أساسي للنمو الاقتصادي، وخلق فضاء جديد للمصالح يخفف الانحسار الاقتصادي الذي يعرفه العالم ويؤجج توتراته الاستراتيجية. «إن فهم الخلفيات التي دفعت الجزائر إلى التصعيد في «الكركرات» عبر مليشيات البوليساريو، يستدعي بالضرورة الوقوف عند موقفها من مجمل القضايا المطروحة بمنطقة الساحل والصحراء في السنوات الأخيرة»، يقول الباحث المتخصص، فؤاد فرحاوي، مضيفا أن المنطق الذي يحكم التصعيد الجزائري في ملف الكركرات، عبر البوليساريو، يكمن في عرقلة بروز أي محور اقتصادي مغربي-موريتاني-غرب إفريقي، «ينسحب أيضا على مشاريع أخرى تتخوف الجزائر من نجاحها على الحدود الموريتانية المالية، والحدود السنغالية الموريتانية، إذ تعمل على توظيف الأزمات السياسية والتوترات ذات الطبيعة السوسيواقتصادية في المنطقة، للحؤول دون تطور هذه المشاريع». وأضاف الباحث المتخصص في الشؤون الجيواستراتيجية قائلا إنه «إذا كانت الجزائر باستطاعتها في السابق أن تتحكم في جزء كبير من الملفات الأمنية بالمنطقة، فإن حرية حركتها تقلصت في السنوات الأخيرة بالنظر إلى نشاط قوات أجنبية متعددة في الساحل والصحراء». ويجسد فرحاوي هذه القوات الأجنبية في القوات أوروبية في مالي، «والتدريبات العسكرية الأمريكية «فلينت لوك» (Flintlock) مع دول المنطقة منذ 2005، و«عمليات برخان» الفرنسية التي انطلقت عام 2014 في الساحل والصحراء، فضلا عن إعلان ألمانيا عام 2016 اتفاقها على إنشاء قاعدة عسكرية في النيجر، بالإضافة إلى إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في النيجر مخصصة للطائرات دون طيار». ويخلص فرحاوي إلى أن التحرّك المغربي في الكركرات يعود إلى حرص المملكة على منع البوليساريو من الوصول إلى المحيط الأطلسي، «واستحضار استحقاقات وأبعاد الصراع الجيوطاقي بمنطقة الساحل والصحراء من جهة ثانية. ويقتضي ذلك الدخول في مسار من المفاوضات المعمقة مع لندن التي تقف وراء كثير من مشاريع قرارات مجلس الأمن المزعجة للرباط حول ملف الصحراء المغربية. طبعا مع عدم التفريط في المساحات المهمة في علاقاته مع حلفائه التقليديين، وأبرزهم فرنسا».
المعركة الكبيرة أكبر المعارك وأكثرها ارتباطا بالتحولات الاستراتيجية المحيطة بالمجال المغاربي في السنوات الأخيرة، كانت تلك التي خاضها المغرب من أجل استعادة مقعده داخل الاتحاد الإفريقي، وبالتالي، سحب هذه المنظمة القارية من يد الجزائر. ففي منتصف يوليوز 2016، انفردت «أخبار اليوم» بكشف وجود قرار رسمي في المغرب لطلب العضوية في الاتحاد الإفريقي، بعد 32 عاما من انسحاب المملكة من منظمة الوحدة الإفريقية. وصول «أخبار اليوم» إلى هذه المعلومة كان قد جرى في سياق جولة غير معلنة لعدد من كبار مسؤولي الدولة، بين عدد من الدول الإفريقية، تمهيدا لإعلان المغرب هذا القرار في قمة كيغالي الرواندية التي كان الاتحاد الإفريقي مقبلا عليها وقتها. هذا التحرّك المغربي سمعت أصداؤه بشكل فوري في الجزائر العاصمة، حيث استقبلت «الرئيس» الجديد لجبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، إذ خصّه الوزير الأول، عبد المالك سلال، بجلسة رسمية قبل أن يتوجّه، في أول مهمة خارجية له بعد انتخابه، إلى العاصمة الرواندية كيغالي، فيما بادر وزير الخارجية الجزائري، رمطان العمامرة، الذي سافر مبكرا إلى مكان انعقاد القمة، إلى إجراء أولى الاتصالات فور وصوله إلى رواندا حول ملف الصحراء، معلنا حرصه على تحضير «تحية لائقة» بزعيم البوليساريو الجديد أثناء انعقاد القمة. بعد أقل من أسبوع من نشر «أخبار اليوم» خبر اعتزام المغرب الالتحاق بصفوف الاتحاد الإفريقي، صدر بشكل رسمي إعلان القرار عبر رسالة ملكية موجهة إلى القمة الإفريقية التي افتتحت أشغالها اليوم الأحد 17 يوليوز 2016. رسالة قوية ومباشرة، خرج بها الملك محمد السادس تزامنا مع افتتاح القمة ال27 للاتحاد الإفريقي، بإعلان قراره العودة إلى صفوف المنظمة، وإنهاء أكثر من ثلاثة عقود من سياسة المقعد الشاغر. وتخلّلت عبارات دقيقة وفقرات محكمة الرسالة التي حملها رئيس مجلس النواب السابق، رشيد الطالبي العلمي، إلى الرئيس التشادي، إدريس ديبي إتنو، بصفته حينها رئيس الاتحاد الإفريقي. بعد أقل من 24 ساعة من الإعلان الرسمي، بواسطة الرسالة الملكية الموجهة إلى قمة الاتحاد الإفريقي، لقرار المغرب العودة إلى شغل مقعده داخل منظمة الاتحاد الإفريقي؛ حقّق المغرب اختراقا سياسيا ودبلوماسيا غير مسبوق داخل القارة الإفريقية، حيث أثمرت البعثات الملكية، التي طافت أرجاء القارة الإفريقية في الأسابيع السابقة، وثيقة رسمية تحمل توقيعات 28 دولة، تدعو الاتحاد الإفريقي إلى تجميد عضوية «الدولة الصحراوية»، التي تعلنها جبهة البوليساريو في الأقاليم الجنوبية للمملكة. في شهر أكتوبر 2016، وقّع الملك على خطوة كبرى وغير مسبوقة في الحقل الدبلوماسي والعلاقات الخارجية، بتعيينه 65 سفيرا معتمدا في عواصم أجنبية، إلى جانب 4 سفراء جدد بالإدارة المركزية لوزارة الخارجية. أهم مستجدات التعيينات الجديدة، همّت دخول المملكة رسميا إلى عواصم دول شرق وجنوب إفريقيا، والمجال الأنجلوسكسوني في القارة السمراء. سفراء جدد في العواصم الإفريقية الثلاث التي كانت ستشملها الجولة الملكية، جرى تعيينهم ليلتحقوا بمكاتبهم قبيل وصول الملك. حتى العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، حيث يوجد مقر مؤسسات الاتحاد الإفريقي، عرفت التحاق السفيرة السابقة للمغرب في غانا، نزهة العلوي محمدي. وفي ذكرى المسيرة الخضراء، التي حلت يوم 6 نونبر 2016، فاجأ الملك محمد السادس كلّ المتتبعين بإقدامه على خطوة مثيرة وغير مسبوقة في تاريخ المغرب، تتمثّل في إلقاء خطاب تلك السنة من العاصمة السنغالية دكار. هذا التحوّل الدبلوماسي الكبير الذي أقدم عليه المغرب، توّج يوم 31 يناير 2017، حين حقّق الملك محمد السادس أقصى ما كان يمكن توقعه من أول قمة إفريقية يتوجه إليها المغرب، قبل أن يستكمل مسطرة الحصول على العضوية في الاتحاد الإفريقي. خطاب ملكي رسمي من أعلى منصة القاعة الكبرى للمؤتمرات، وأجندة مكثفة من اللقاءات الثنائية مع الرؤساء الأفارقة، ورفع العلم المغربي داخل مبنى مقر الاتحاد، لأول مرة من تأسيسه عام 2000. «المغرب لا يدخل الاتحاد الإفريقي من الباب الضيق، وإنما من الباب الواسع. وإن الاستقبال الحار الذي خصنا به إخواننا الأفارقة اليوم، لدليل قاطع على ذلك»، يقول الملك محمد السادس في ذلك الخطاب. يومها وقف ملك المغرب أمام زعماء إفريقيا، وبعث رسالة صريحة إلى الجيران في الجزائر، مفادها أن قطار المغرب لن يبقى متوقفا إلى الأبد عند الحاجز المغاربي. «من الواضح أن شعلة اتحاد المغرب العربي قد انطفأت، في ظل غياب الإيمان بمصير مشترك. فالحلم المغاربي، الذي ناضل من أجله جيل الرواد في الخمسينات من القرن الماضي، يتعرض اليوم للخيانة. ومما يبعث على الأسى، أن الاتحاد المغاربي يشكل اليوم المنطقة الأقل اندماجا في القارة الإفريقية، إن لم يكن في العالم أجمع»، يقول الملك محمد السادس أمام قمة الاتحاد الإفريقي.
المغرب يبحث عن «وجها لوجه» دخول المملكة إلى مؤسسات الاتحاد الإفريقي، حوّل هذا الأخير إلى ساحة جديدة للمعركة التي حسمها المغرب لفائدته، ما يجعل الجزائر مرغمة على مواجهة عدائها للمغرب بشكل مباشر. وسعت مناورات الدبلوماسية الجزائرية العارفة بأسرار المنظمة القارية، في البداية، إلى تحويل دخول المغرب إلى مقر الاتحاد، الموجود في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، إلى فخ يرغم المغرب على الاعتراف بجبهة البوليساريو، والاستسلام لحقيقة وجودها إلى جانبه عضوا مؤسسا داخل الاتحاد. القمة التي عضدها الاتحاد شهر يناير الماضي، انتهت بمواجهة عاصفة استمرت طيلة يومي اجتماع القادة الأفارقة، بين خصوم المغرب بقيادة المفوض الجزائري في الأمن والسلم، حاملين مشروع قرار يجبر المغرب على تقديم تنازلات فادحة في ملف الصحراء، وبين المغرب الذي عارض المشروع مسنودا بأصدقائه. وأصرّ المغرب خلال القمة على ملاءمة المشروع مع منطوق القرارات الأممية حول الصحراء، أو الاحتفاظ بنص القرار الصادر في القمة الإفريقية في يوليوز 2017. واستمر الصراع إلى ساعة متأخرة من الليل، ليعمد الاتحاد الإفريقي إلى إرضاء الطرفين، حيث صادق على مشروع القرار، وعلّقه في الوقت نفسه من خلال تمديد العمل بالقرار السابق. أثناء مهلة الشهور الستة التي منحها الاتحاد الإفريقي لحسم الصراع المغربي الجزائري داخل أروقته، قاد الدبلوماسي التشادي، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، محمد موسى فقي، مهمة استثنائية لتحضير التسوية التي سيصادق عليها الاتحاد في قمة نواكشوط الصيف الماضي. فقي حلّ بالمغرب خلال شهر رمضان الماضي، ثم توجه إلى مخيمات تندوف، حيث التقى زعماء الجبهة الانفصالية. هنا بالرباط حظي المسؤول الإفريقي باستقبال حافل، رغم أنه لم يحظ باستقبال رسمي من لدن الملك محمد السادس. كما انتقل فقي إلى الجزائر حيث بحث مع مسؤوليها إنهاء الخلاف حول ملف الصحراء داخل الاتحاد الإفريقي.
تحييد الاتحاد الإفريقي في اليوم الأول من القمة ال31 للاتحاد الإفريقي، التي انعقدت في العاصمة الموريتانية نواكشوط، جنى المغرب أولى ثمار عودته إلى هذه المنظمة القارية. المغرب، وبعد عام ونصف من استعادته مقعده الإفريقي، حقّق ما فشل في إنجازه طيلة أكثر من ثلاثين عاما من سياسة المقعد الفارغ، والتي أعقبت انسحابه من منظمة الوحدة الإفريقية في بداية الثمانينات. هناك في نواكشوط أطلق محمد موسى فقي رصاصة الرحمة على الفخ الملغوم الذي وضعه شركي في تقرير المجلس المعروض في القمة السابقة، وسلّم القمة الإفريقية تقريرا يخرج الاتحاد الإفريقي من مسار التسوية الجاري لملف الصحراء، ويضعه في موقع الدعم للمسار الذي تشرف عليه الأممالمتحدة. التقرير الذي يكاد يكون أهم وثيقة عرضت على القمة الإفريقية الأخيرة، قطع الحبل الذي أراد الجزائري، إسماعيل شرقي، في القمة السابقة، أن يربط به ملف الصحراء بالمخططات المتجاوزة التي تركها المغرب في يد منظمة الوحدة الإفريقية قبل أكثر من ثلاثة عقود. ونقل تقرير موسى فقي الدور الإفريقي من موقع الندّية والمساواة مع مسار التسوية الأممي، كما جاء في تقرير مجلس الأمن والسلم الإفريقي في القمة الماضية، إلى موقع الإسناد خلف هذا المسار الأممي. الكتيبة، التي قادها الجزائري إسماعيل شركي، كانت تسعى إلى جعل المنظمة الأممية هي التي تقتعد الكرسي الخلفي وراء الاتحاد الإفريقي. «روح ومنطوق قرارات منظمة الوحدة الإفريقية والاتحاد الإفريقي» عبارة من بين عبارات أخرى وجدت طريقها أخيرا نحو الوثيقة التي أعدها إسماعي شركي لتكون تقريرا رسميا لمجلس الأمن والسلم، والتي كان يفترض أن تستقي منها القمة قراراتها. هذه الحرب الطاحنة هي ما يفسر كيف أنهت قمة يناير، التي شارك فيها المغرب بوفد يقوده رئيس الحكومة سعد الدين العثماني ووزير الخارجية ناصر بوريطة، أشغالها على وقع تراشق بين المغرب وجبهة البوليساريو، حول الصيغة النهائية للبيان الختامي للقمة.
مستجد اليد الأمريكية كل هذه التحولات الإقليمية توّجتها العودة القوية للولايات المتحدة الأمريكية للإمساك بخيوط ملف الصحراء، ومعه المنطقة المغاربية. فقد تمخّض الاجتماع الأخير، الذي عقده جلس الأمن الدولي متم أكتوبر حول ملف الصحراء، عن تحوّل جديد في مسار تدبير هذا الملف على الصعيد الدولي، حيث نجحت إدارة ترامب الأمريكية في استعادة المبادرة وفرض أجندتها على كل الأطراف ومنظمة الأممالمتحدة، وتجسد ذلك أساسا في فرض واشنطن الاكتفاء بمدة 6 أشهر ولاية جديدة للمينورسو، رغم تمسك المغرب ومعه فرنسا بالتجديد سنة كاملة. الخبير في ملف الصحراء، عبد المجيد بلغزال، قال ل«أخبار اليوم» إن الولاياتالمتحدة تتجه بالفعل إلى بسط نفوذها على الملف، «ويتأكد ذلك من خلال؛ أولا، امتناع روسيا عن التصويت احتجاجا على استفراد أمريكا بصياغة القرار. ثانيا، نجاح الولاياتالمتحدة في فرض أجندتها الزمنية بشأن مدة الانتداب، مع المطالبة بإحاطة بعد 3 أشهر. ثالثا، تصريح المندوب الأمريكي بعد التصويت الذي لم يخل من الوعيد، حيث قال إن بلاده لن تدع الصحراء الغربية والبعثة تتسللان إلى الظل». وكان الممثل الأمريكي في اجتماع مجلس الأمن، جوناثان كوهن، صريحا في حديثه الذي أعقب التصويت على القرار، حيث قال إن واشنطن تشجعت بفعل التقدم المحرز في الشهور الستة الماضية، «ونرحب بقرار المبعوث الشخصي كوهلر الشروع في عملية مفاوضات مباشرة بدءا بطاولة مستديرة في جنيف، ويسرنا أن المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا قبلوا جميعا دعوة المبعوث الشخصي كوهلر، بنية حسنة ودون شروط مسبقة». وقال الدبلوماسي الأمريكي إن بلاده تحث على الانخراط البناء في هذه العملية بغية تحقيق حل سياسي عملي وواقعي ودائم، «ونحذر من أن العملية السياسية مازالت في بدايتها، ونحن نؤمن بأن المفاوضات المباشرة، بقيادة الأممالمتحدة، تشكل فرصة فعلية للتوصل إلى حل مقبول من الجميع، واجتماع جنيف خطوة أولى حيوية في هذا الاتجاه».