أثار مقتل الطالب عبد الرحيم الحسناوي في فاس الكثير من الجدل والقيل والقال، وبعيدا عن المتابعة اليومية السريعة لتطورات هذه القضية الذي أخذت أبعادا سياسية، نعيد لملمة كل خيوط القضية وتجميع كل أجزاء الصورة لتقديم القصة الكاملة لهذا الحادث المؤسف. فاس مدينة الخوف، هكذا يمكن وصف العاصمة العلمية للمملكة أياما قليلة بعد جريمة القتل التي شهدتها إحدى مؤسسات «العلم»، كلية الحقوق ظهر المهراز. أجواء من التوتّر والاستنفار الأمنيين، تقابلك بمجرّد ما تطأ أرض المدينة وتطرق باب قضية مقتل الطالب عبد الرحيم الحسناوي. هذا الأخير جاء صباح يوم الخميس الماضي، وفي نيته حضور ندوة علمية تجمع إسلاميبن ويساريبن وأكاديميبن، لمناقشة موضوع العلاقة بين هؤلاء وفكرة الديمقراطية في جوهر هذه العلاقة. ولم يكن يعلم أنه لن يغادر فاس، إلا محمولا داخل تابوت خشبي أعاده إلى مسقط رأسه، مدينة الجبهة قرب الراشيدية، حيث رقد جثمانه رقدته الأخيرة. يومها كان الطلبة المنحدر أغلبهم من جهات وأقاليم مازال النسيان والإهمال السياسي والاقتصادي يلفّانها، على موعد مع درس فريد، أدواته سيوف وسواطير وهراوات، وموضوعه أرواح مدعوّة لمغادرة أجسام أصحابها، باسم الاختلاف في الرأي والفكر السياسيين. والخلاصة اليوم، أن الطلبة المنتمين إلى منظمة التجديد الطلابي، يجوبون بين كليات المدينة في مسيرة انطلقت من كلّية الآداب زوال أول أمس الاثنين، لتمرّ بكلّيتي العلوم فالحقوق، قبل أن توقفهم قوات عمومية بصرامة، محذرة من مغبة التسبّب في حالة فوضى يصعب التحكم فيها لاحقا. «امتثلنا لأوامر القوات العمومية وقمنا بتلاوة بياننا ثم تفرّقنا»، يقول قيادي محلي في المنظمة ل»اليوم24». وفي الجانب الآخر، يكاد يصبح البحث عن طالب «قاعدي» ، أي ممن يحملون فكرا آخر محسوب على اليسار الجذري، أشبه بالمهمة البوليسية المعقّدة. «كيف حصلت على رقمي؟ هل أنت صحافي حقا؟ أنا غير موجودة في فاس»، بهذه العبارات همست إحدى «الرفيقات» ردا على مكالمة هاتفية من « اليوم24»، ضمن محاولات متعددة للقاء أحد طلبة الفصيل المتّهم بإراقة دم عبد الرحيم الحسناوي. فما الذي أعاد فجأة أجواء الرهبة والترقّب إلى محيط مؤسسات جامعية يفترض فيها تخريج الأطر والكفاءات؟ كيف تحوّل الفصيل الطلابي المحسوب على رئيس الحكومة، إلى منظمة «مكلومة» تطلب الحماية كما يطلبها رئيس الحكومة نفسه من «الدولة» خلال خطابه الجماهيري في الجديدة يوم الأحد الماضي؟ وكيف تحوّل طلبة «قاعديون» يفترض أنهم يحملون أفكارا ومشروعا سياسيا، إلى «مطاريد» لا تعثر لذكورهم على أثر ولو هاتفيا، بينما تتحدّث إناثهم همسا عبر أرقام هاتفية لا تشغّل إلا لكي يعاد إطفاؤها؟ وكيف أصبح اسم سياسي وأكاديمي بارز في حزب العدالة والتنمية، عبد العلي حامي الدين، إلى ذريعة لتبرير الموت؟ متى كان محمد بنعيسى آيت الجيد شهيدا لفصيل النهج القاعدي المعروف ب»البرنامج المرحلي»؟
جريمة مع إعلان مسبق الرواية الجوابية عن كلّ هذه الأسئلة باتت ثابتة ومستقرة من جانب أنصار الضحية الراحل عبد الرحيم الحسناوي. منظمة التجديد الطلابي تفيد أنه وفي يوم 21 أبريل 2014، أعلنت منظمة التجديد الطلابي فرع فاس عن تنظيم ندوة جهوية في إطار أيام ثقافية بكلية الحقوق بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، وذلك يوم الخميس 24 أبريل 2014، تحت عنوان «الإسلاميون، اليسار، الديمقراطية»، يؤطرها كل من الأساتذة عبد العلي حامي الدين عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، وحسن طارق نائب برلماني عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وأحمد مفيد أستاذ بكلية الحقوق. «ومباشرة بعد الإعلان عن الندوة هدّدت عصابة «النهج الديمقراطي القاعدي» بمنع النشاط بالقوة من خلال تهديدات مباشرة ومعلنة لأعضاء المنظمة من داخل الساحة الجامعية، وكذا عن طريق، بيان صادر عن العصابة تمت صياغته بلغة عنيفة، ونسج بمصطلحات تمتح من قاموس العنف والإرهاب وتعبر عن سبق إصرار وترصد لارتكاب مجزرة في حق الطلاب». وتضيف المنظمة أن خصومها قاموا بالتعبئة والتصريح في الكليات الثلاث بالمركب الجامعي ظهر المهراز، وداخل المدرجات وأمام مرأى ومسمع من إدارة كلية الحقوق بالدرجة الأولى، «بالعزم الأكيد على ارتكاب المجزرة يوم الخميس في حق منظمي الندوة، دون أن تحرك الجهات المسؤولة ساكنا إزاء هذا التهديد الصريح». التهديد الذي يتحدّث عنه طلبة فصيل حركة التوحيد والإصلاح بالجامعة، يتمثّل في ما تضمّنه بيان صادر عن الفصيل القاعدي يوم الأربعاء 23 أبريل الجاري. البيان المطبوع في ثلاث صفحات، والذي وقفت « اليوم24» عليه لازال معلّقا إلى اليوم في سبورة الإعلانات داخل كلية الحقوق، وفي مدخل المقصف الذي قُتل فيه الحسناوي، يقول إن منظمة التجديد ومعها «النظام» ينفذون مخططا لإعادة عسكرة الجامعة في سياق الحملة المعنلة على «التشرميل» في شوارع المملكة. ويختم محررو البيان وثيقتهم بالقول: «لن يمرّوا لن يمرّوا... وإذا مرّوا فعلى جثتنا... لا سلام لا استسلام .. معركة إلى الأمام».
عميد الكلية: أشعرت بالندوة ولا أعرف كيف ألغيت البيان الذي وقفت عليه « اليوم24»، يوجد على بعد أمتار قليلة من عمادة الكلية، وخبره ذاع وانتشر قبل حلول يوم الفاجعة والموت، وهو ما يضع الجهات المسؤولة عن الجامعة والسلطات الأمنية في موضع مساءلة لسكوتها إلى أن نُفّذ الوعيد. «هل أتيتم بشأن المسرح الجامعي؟»، يسأل أحد موظفي عمادة كلية الحقوق « اليوم24»، بعدما قدّمنا أنفسنا بصفتنا الصحافية. «بل جئنا بشأن مسرح الجريمة»، نجيبهم بمزيج من المزاح والجدية. وفيما حال اجتماع العميد مع وفد عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول الفاجعة نفسها دون لقائنا به، قال العميد عبد العزيز الصقلي في اتصال هاتفي مع « اليوم24»، إن ما بثته القناة الثانية على لسانه في ربورتاج لها حول الفاجعة، أخرج حديثه من سياقه. «أنا لم أقل أبدا إنني لم أُشعر بالندوة، بل تسلّمت إشعارا رسميا وهو موجود، ما قلت إنني لم أكن على علم به، هو دخول تلك المجموعة الغريبة عن الكلية وتسبّبها في أعمال العنف على الساعة 12 زوالا و20 دقيقة تحديدا». ويضيف عميد الكلية المعروف بانفتاحه وتواصله حسب ما استقته « اليوم24» من معطيات في عين المكان، أنه تلقى إشعار منظمة التجديد الطلابي حول الندوة، «وأؤكد على كلمة إشعار وليس طلب، وقمت بإحالته على جميع الجهات المعنية بما فيها رئاسة الجامعة». وعما إن كان قد اتصل بضيوف الندوة وحثهم على عدم المجيء، نفى الصقلي بشدة، مضيفا: «لا علاقة لي بأي من الضيوف، باستثناء الأستاذ الذي يشتغل في هذه الكلية، أي الأستاذ أحمد مفيد، هو الذي اتصلت به وسألته هل سيتدخّل في هذه الندوة، فنفى لي مؤكدا أنه سيكون خارج مدينة فاس». وعما دار قبل اندلاع العنف، قال عميد الكلية: «حوالي الساعة 11 جاء حوالي 40 شخصا (يقصد منظمة التجديد الطلابي)، وطافوا أرجاء الكلية مطالبين بتوفير مدرّج لندوتهم، ولا أعرف من أين سمعوا خبر إلغائها أو منعها، بينما كان يفترض أن تُنظم في المدرج 6 ابتداء من الساعة الثالثة بعد الزوال». عبد اللطيف الركيك يواصل من جانبه سرد لكرونولوجيا الإحداث، موضحا أن يوم الثلاثاء الموالي لتقديم الإشعار، شهد تحرّك طلبة التجديد الطلابي للتعبئة والتحضير للندوة. «حصلنا على الموافقة المبدئية للمشاركين الثلاثة، وشرعنا في تنظيم حلقيات وإلقاء كلمات داخل مدرجات الدرس قبل انطلاق الحصص لإخبار الطلبة بالحدث وحثهم على الحضور، وهو ما أدى إلى تحريك آلة التحريض والتهديد من الجانب الآخر». جانب يتمثّل في فصيل «البرنامج المرحلي»، وعن طبيعة هذا «الترهيب»، يوضّح الركيك أنه يتمثل في حلقيات تحريضية ومقاطعة الدراسة يوم الأربعاء وإعلانهم منع تنظيم الندوة وقيامهم باستفزاز طلبة التجديد بأساليب مختلفة... ضغوط يقول قياديو المنظمة الإسلامية، إنهم طالبوا إدارة الكلية، والتي سارعت إلى الاتصال بضيوف الندوة ودعوتهم إلى عدم المجيء. إخوان عبد الرحيم الحسناوي يقولون إن إدارة الجامعة أصبحت تقع تحت سلطة الفصيل اليساري المناوئ لهم، وأن الأمر أدى إلى اختفاء شبه تام للأنشطة الفكرية والندوات من الكليات. وحين سألنا قيادة المنظمة عن كيفية تمكّنهم من تنظيم أنشطتهم وندواتهم وحمايتها، في الوقت الذي تعجز إدارة الكلية عن ذلك، يسكتون قليلا ليحيلوا على عرف شبه متوافق عليه، كان يقضي بإعراض كل فصيل عن الآخر كلما عمد إلى تنظيم نشاط أو ندوة، إلى أن تمرّ دون مواجهة. وتعتبر اللحظات الأخيرة قبل حدوث أعمال العنف، أكثر المراحل ضبابية في قصة ذلك اليوم المشؤوم، حيث تتضارب الروايات حول كيفية اندلاعها. وفيما تعتبر قصة عبد العلي حامي الدين ذات خصوصية تتطلّب وقفة مطوّلة، تنقل مصادر طلابية أن الاتحادي حسن طارق اعتذر عشية موعد الندوة بانشغالات تحول دون مشاركته. فيما أوضح الأستاذ بالكلية نفسها، أحمد مفيد، في اتصال هاتفي مع «اليوم24»، أنه لم يعط نهائيا موافقته على المشاركة في الندوة، «نظرا لانشغالات كثيرة حالت دون ذلك». فيما تربط مصادر طلابية بين نأي الأستاذ بنفسه عن الندوة، وبين «ضغوط» يقولون إن الفصيل الرافض لها مارسها عليه. فيما حرص أصحاب بيان «إلا على جثتنا»، على إضافة عبارة بالقلم في آخره، تقول إن «الأستاذ أحمد مفيد عبّر عن موقفه من الندوة وقال إن القوى الظلامية أدرجت اسمه ضمن مؤطري الندوة دون موافقته». فيما مصدر من داخل الطلبة القاعديين، وصف اتصالهم بالأستاذ المعني ب»الاستفسار بغرض الفهم».
قميص آيت الجيد أما عبد العلي حامي الدين، العضو في الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، فكان موضوع اتصال خاص من رئاسة الجامعة، سُئل خلاله عما إن كان ينوي الحضور إلى كلية الحقوق والمشاركة في الندوة. فتلقّت الجامعة جوابا يفيد بوجود انشغالات كثيرة في أجندة حامي الدين ستحول دون مشاركته. «طمأنة» يبدو أنها لم تكن كافية، حيث قام أستاذان آخران بالكلية نفسها، بالاتصال به واستفساره عما إن كان سيحضر، محذران إياه من الطلبة القاعديين الرافضين لظهوره داخل كليتهم. منظمو الندوة بدورهم، تلقوا اتصالا مباشرا من حامي الدين، يخبرهم بعدم مشاركته في الندوة. أما سبب اعتراض الفصيل «القاعدي» على مشاركته، فهو قضية الطالب بنعيسى آيت الجيد، الذي قُتل في بداية التسعينيات بمدينة فاس، ويصرّ الخصوم السياسيون لحامي الدين على اعتباره معنيا بهذا الاغتيال. إشهار اسم «آيت الجيد» في وجه الفصيل الإسلامي من طرف غريمه القاعدي، اعتبرته مصادر طلابية عارفة بخبايا التجاذبات الإيديولوجية أمرا غير مفهوم. «فآيت الجيد لم يكن يوما محسوبا على أصحاب «البرنامج المرحلي»، بل إن زملاءه من الطلبة التقدميين، كانوا هم أنفسهم ضحايا ممارسات عنيفة من طرف هذا الفصيل، فكيف يصبح اليوم ذريعة للإجهاز على خصم». هنا قال أنصار حامي الدين من داخل منظمة التجديد الطلابي وحزب العدالة والتنمية، أن هناك «جهة سياسية» خارجية تستهدف رئيس منتدى الكرامة لحقوق الانسان. جهة سياسية تحدّث عنها بالمرموز الكاتب الوطني لشبيبة العدالة والتنمية، خالد بوقرعي، في مهرجان الأحد الماضي بالجديدة، ولا تخفي القيادات الشابة في الفصيل الطلابي الإسلامي ربطها بجهات داخل حزب الأصالة والمعاصرة. مبرّر هذا الربط يتمثل في وجود قيادات في هذا الحزب ضمن المجموعة التي أعادت ملف بنعيسى آيت الجيد إلى الواجهة في الشهور الأخيرة، من بينهم صلاح الوديع ومصطفى مريزق، إلى جانب يساريين مثل عمر الزايدي والناشط الأمازيغي أحمد أرحموش. ما يعرف باللجنة الوطنية لمتابعة قضية اغتيال آيت الجيد، اعتبرت أن ظهور شاهد جديد في الملف يبرّر إعادة فتحه قضائيا، إذ قامت بتقديم شكايتين أمام كل من النيابة العامة وقاضي التحقيق، وكلاهما قرّرا حفظ الملف لعدم وجود ما يبرّر إعادة فتحه ومساءلة عبد العلي حامي الدين. هذا الأخير كان قد وجد نفسه فجأة أمام إعادة إحياء هذا الملف، بعد آراء عبّر عنها بشأن الدستور وكيفية تنزيله ديمقراطيا. وتطلّب الهجوم إصدار أكثر من أربعين شخصية سياسية وفكرية وإعلامية بيانا تضامنيا عبروا فيه عن استنكارهم لهذه الحملة. «نحن نعتبر أن عبد العلي حامي الدين بريء إلى أن تثبت إدانته، لأن البراءة هي الأصل، لكّننا نعتبر أن السبب الرئيسي في ما وقع الخميس الماضي، هو عدم تفعيل الآليات الديمقراطية داخل الجامعة، وبالتالي السماح بعودة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب»، يقول رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمدينة فاس، مصطفى جبور. هذا الأخير قال إن الفرع لم يستكمل بعد عناصر التحقيق في الواقعة التي أودت بحياة عبد اللطيف الحسناوي، «لكننا نسجّل أن منظمة التجديد الطلابي رفضت حتى الآن التواصل معنا والإدلاء لنا بالمعطيات الضرورية». وسجّل جبور ارتفاع وتيرة أعمال العنف داخل جامعة فاس في السنتين الماضيتين، مضيفا أن منظمة العفو الدولية قامت بزيارة المدينة ثلاث مرات بسبب هذا الارتفاع غير العادي، وعما إن كان ما حدث يوم الخميس الماضي يعتبر مواجهة عنيفة أم هجوما من طرف فصيل ضد آخر، قال جبور إن «الجمعية لم تحسم بعد في الجواب عن هذا السؤال لعدم استكمالها للمعطيات».
الرفاق مختفون رحلة البحث عن مصادر من الفصيل الموضوع في قفص الاتهام، فصيل النهج الديمقراطي القاعدي، كانت أشبه بالبحث عن مطلوب خطير للعدالة وسط فضاء مليء بالمخبرين والعيون المراقبة. جلّ الطلبة المعروف ارتباطهم بهذا الفصيل اختفوا عن الأنظار منذ يوم الخميس الماضي. هواتفهم المحمولة باتت بدورها غير مشغلة، ومن تحلوا منهم بالشجاعة للبقاء في مدينة فاس، يختبئون الآن داخل منازل بالأحياء المجاورة للجامعة، ولا يجرؤون على الرد على المكالمات الهاتفية. وحدهن «الرفيقات» تتولّين مهمة التواصل بحذر وريبة كبيرين. «عليك أن تعذرنا فنحن كلّنا متّهمون والنظام لا يتردّد في توجيه التهم الظالمة وهذه فرصته لتصيفة خصومه» تقول إحدى «الرفيقات» اللواتي اتصلت بهن « اليوم24». بعد بحث مضن ومرور عبر قنوات موثوق فيها للوساطة، أسندت إحدى «الرفيقات» القياديات في التنظيم اليساري مهمة تقديم الرواية الأخرى لما حدث يوم الخميس ل»رفيقتين» لا تثيران شهية الأجهزة الأمنية لموقعها غير القيادي. كوثر وحنان (اسمان مستعاران بعد طلبهما عدم استعمال الاسمين اللذين قدّما بهما نفسيهما)، طالبتان تحمل ملامحهما الكثير من ملامح المغرب العميق و»البراءة»، لكن ما تفوهان به لا ينزل عن سقف الثورة والمواجهة الشاملة وإزاحة النظام. «إذا أردت فهم روايتنا لما وقع يوم الخميس الماضي عليك التحلي بالصبر لسماع القصة من البداية»، تقول كوثر، مصرّة على أن فاجعة مقتل عبد الرحيم الحسناوي ليست سوى محطة في معركة خاصة انطلقت شهر شتنبر الماضي. «في بداية السنة وجدنا أن الحي الجامعي ظهر المهراز اختفى، وقيل لنا سيتم ترحيله إلى سايس وإننا سننتقل إلى هناك، لنكتشف ألا وجود لمشروع الترحيل رغم أن كل طالب أدى حوالي 2500 درهم للحجز، فاضطررنا لخوض معارك تجلت في تظاهرات ونقاشات، وعندما قررنا الاحتجاج تم تطويق الجامعة لمدة يومين خلال شهر شتنبر». معركة ملخّصها قيام فصيل النهج الديمقراطي القاعدي بتحويل ساحات بكلية العلوم، إلى «مخيّم» عسكر فيه المئات من الطلبة والطالبات، وحوّلوه إلى سكن دائم لهم احتجاجا على إغلاق الحي الجامعي. تحدّي رفضت السلطات الخضوع له، وقامت بشنّ حملات أمنية مفاجئة، استعملت فيها القوة والجرّافات، لإزالة المخيّم وإخراج الطلبة من الكلية. وهي المعركة التي خلّفت في الشهور الماضية، اعتقال العشرات من الطلبة ومحاكمتهم وإدانة بعض منهم. حين نسأل «الرفيقتين» عن سرّ شكوى جلّ الفصائل الطلابية الأخرى، من إسلاميين وتقدميين وأمازيغ... من هذا العنف، تبتسمان وتردّان إن العنف في حالة الدفاع عن النفس ليس جرما، وعما إن كان جزءا من الخيار الفكري لفصيلهما، تردّ الفتاتان أن «العنف الثوري خيار نضالي، ونحن منذ صدور البرنامج المرحلي، قلنا بمواجهة ما يمكن مواجهته في انتظار المواجهة الشاملة». فيما يعتبر هذا الفصيل ردّ فعل تبلور في ثمانينيات القرن الماضي، رفضا للتحولات التي شهدها المشهد الحزبي اليساري، وتمسّكا ب»استقلالية» النضال الطلابي عن باقي الفاعلين السياسيين الموزّعين بين «إصلاحيين» موالين للنظام، و»جذريين» محرّفين لجوهر المرجعية الماركسية اللينينية في رأي هذا الفصيل.
في انتظار المواجهة الشاملة لكن ما علاقة معركة الحي الجامعي بندوة التجديد الطلابي ومجيء عبد العلي حامي الدين؟ «هانا ماجيا فالهضرة غير اصبر»، تقول حنان، مضيفة أن آخر فصول المعركة كانت خلال العطلة الربيعية الأخيرة، حيث نقل الطلبة المحتجون معركتهم إلى مدنهم الصغيرة وبلداتهم، من خلال تنظيم وقفات وتظاهرات احتجاجية تدعو إلى تمكينهم من السكن الجامعي. «وبعد العطلة فوجئنا بالقوى الظلامية تعلق بلاغا حول ندوة «الإسلاميون واليسار والديمقراطية»، بحضور الأستاذ مفيد وحامي الدين وحسن طارق، «وذلك في يوم الخميس الذي يعتبر اليوم الذي قُتل فيه آيت الجيد، وجاءت عصابات بالسيوف تستفز المناضلين والطالبات وكايلوحو المعيور وتخسار الهضرة والتهديد، ويوم الثلاثاء عقدنا لقاءات في الساحة ثم قال لنا الأستاذ مفيد يوم الأربعاء إنه لا علاقة له بأي ندوة». وتضيف كوثر سببا آخر لرفض الندوة، يتمثل في كون فصيلها كان قد قرّر تخصيص يوم الخميس الماضي لعقد «نقاش تقييمي» للمعركة الدائرة حول الحي الجامعي، «وهو اليوم الذي اختاروه لتنظيم ندوتهم، بل شهد في صباحه ظهور العشرات من العناصر الغريبة عن الكلية والحاملة للأسلحة والسيوف، ترهبنا وتستفزّنا، بينما العميد يقول لهم ليس هناك أي ندوة وأنه لم يرخّص بها، أي أن النظام لعب لعبته لفرض مخططاته الأخرى». وحين نسأل «الرفيقتين» عن موقفهما من قتل الحسناوي، تردّان بهدوء: «النظام هو من قتله، وإلا كيف يعقل أن يتسبب نزيف في الفخذ في الموت، ثم ماذا كان يفعل هنا، هو يدرس في مكناس وليس في فاس، أتى لتكسير حملتنا الوطنية من أجل حقنا في السكن والنظام استعمله في مؤامرة بوليسية لعسكرة الجامعة».