عند باب الفندق “place d anfa”، تجمع عشرات من الشباب المغاربة، حجوا إلى مدينة الدارالبيضاء من كل حدب وصوب، ليجربوا حظهم في الهجرة إلى فرنسا، وذلك بناء على ما جاء في إعلان منشور على إحدى الصفحات المتخصصة لإجراء مباراة، والذي يقول: “إن كنت تحلم بالعمل بفرنسا نحن نحقق حلمك!”، وهم هنا لتحقيق حلمهم. الحاضرون إلى هذا اللقاء كلهم مهندسون معلوماتيون درسوا في المدارس العليا العمومية، بعضهم يعمل في القطاع الخاص والآخر في الوظيفة العمومية، في ما لم يجد البعض الآخر فرصته بعد. يونس، أحد الشباب الراغبين في الهجرة، لم يتجاوز بعد 28 سنة، درس في المدرسة الوطنية العليا للمعلوميات وتحليل النظم بالرباط، يعمل في شركة بالدارالبيضاء، لكن الأجر الذي يتقاضاه لا يكفيه، ولم يجد فرصته بعد هنا في المغرب، يحكي ل”أخبار اليوم”، أنه قبل سنتين لم يكن يفكر في الهجرة، كانت له أحلام في بلده، لكن مع اصطدامه مع واقع سوق الشغل والتغطية الاجتماعية “السيئة”، بدأ يبحث عن فرصة أخرى جديدة للهجرة نحو بلد يقدر طاقاته وتكوينه. تفاجأ يونس عند دخوله لسوق الشغل أن عددا من الشركات يفضلون تشغيل تقني يصرفون على تكوينه سنة إضافية، على أن يوظفوا مهندسا، نظرا إلى التكلفة المادية الكبيرة التي سيتطلبها هذا النوع من التوظيف. الوسيط الشركة، التي تسهر على هذا اللقاء “sintigra consulting”، حسب صفحتها على الفايسبوك، تنظم هذه المباريات بشراكة مع الشركة الفرنسية التي ترغب في تشغيل المهندسين كل أسبوع، حيث يتم انتقاء 50 مهندسا مغربيا كل أسبوع، وأخذهم إلى فرنسا، ويصل عدد المهندسين المعلوماتيين الذين يهاجرون عن طريق هذه الشركة أزيد من 200 مهندس في الشهر، وذلك بناء على المعطيات التي تمكنا من الحصول عليها. الشركة تنظم هذا النوع من المباريات منذ أشهر، حيث أكد لنا أحد العاملين بها، والذي رفض ذكر اسمه أنه خلال الستة أشهر الأخيرة، تم انتقاء أزيد من 1000 مهندس، كلهم هاجروا إلى فرنسا للعمل بها، مضيفا أنه في بداية السنة والسنة الماضية كانوا ينظمون مثل هذه المباريات، كل شهر أو شهرين، لكن في الشهور الأخيرة تزايد الطلب على المهندسين، إذ أصبحوا ينظمون هذه اللقاءات كل أسبوع، وفي بعض الأحايين مرتين في الأسبوع. فبعدما يحصل الناجحون على عقود العمل غير المحدودة، وكل ما يخص ترتيبات السفر من تأشيرة وتأمين بعد اجتياز المباراة، ينتقل المرشح إلى فرنسا ليتسلم وظيفته. هذه الشركة تعمل بين المغرب وتونس وفرنسا، حيث إن مهمتها هي تجميع المهندسين المعلوماتيين وتوفير لهم كل التسهيلات للهجرة والالتحاق بالشركات الفرنسية.
المصدر ذاته، قال في حديثه ل”أخبار اليوم”، إن الشركة هي مجرد وسيط يسهل على الشركات الراغبة في تشغيل المهندسين الوصول إليهم، وعوض أن ينتقلوا إلى فرنسا لاجتياز مباراة التوظيف، توفر لهم الشركة تنظيم تلك المباريات في المغرب بأقل تكلفه وبسرعة وبدون تعقيدات للحصول على التأشيرة والسفر إلى هناك، مشيرا إلى أنه يتم قبول حتى المهندسين حديثي التخرج. البحث عن ظروف أفضل أحد المهندسين الذين سبق له وأن هاجر بهذه الطريقة إلى فرنسا، وهو يعمل الآن بإحدى كبريات الشركات هناك، قال في حديثه ل”أخبار اليوم”، إن فرنسا تعرف نقصا حادا في المهندسين المتخصصين في المعلوميات، لذلك يتم جلبهم من المغرب وتونس ويتم إغراؤهم بالراتب وظروف العمل، هذا الأخير الذي كان يعمل في إحدى الوزارات، ترك عمله في القطاع العام وهاجر، لأنه وجد ظروف اشتغال أفضل من هنا. مهندسة أخرى كانت من بين المهندسين، الذين تم قبولهم لاجتياز المباراة، والتي درست في المعهد الوطني للبريد والمواصلات بمدينة الرباط، قالت في حديثها ل”أخبار اليوم”، إنها لم تعد ترى أفقا في المغرب، بل إنها تسعى إلى البحث عن مكان يحتضنها وتطور فيه مهاراتها، وهو ما لا يحدث في المغرب. المهندسة تعمل بإحدى الشركات المعروفة في المغرب منذ ثلاث سنوات، لكن وضعيتها في تلك الشركة لم تتغير، بالإضافة إلى توقيت العمل السيئ، والأجر الذي لا يتجاوز 10 آلاف درهم. لذلك ترى المتحدثة أن قدراتها تفوق العمل الذي تقوم به، والذي أصبح روتينيا بالنسبة إليها، وأن طبيعة عملها لا تسمح لها بالاستمرار في التكوين ومعرفة آخر ما وصل إليه البحث العلمي في النظم المعلوماتية من تطور. نزيف هجرة الأدمغة تنامي هجرة الكفاءات إلى الخارج سبق وأن حذرت منه سلوى قرقري بلقزيز، رئيسة الفيدرالية الوطنية لتكنولوجيات المعلومات والاتصال والأوفشورينغ، خصوصا في قطاع تقنيات المعلوميات، حيث أكدت أن حوالي 50 مهندسا يغادرون المغرب شهريا، نحو وجهات جديدة، مردفة أن شركات أجنبية قررت استقطاب عدد من المهندسين المغاربة عبر تقديم رواتب مغرية وظروف اشتغال أفضل، ما يجعل الاقتصاد المحلي محروما من كفاءاتهم. وزير التربية الوطنية، سعيد أمزازي، بدوره، قال في إحدى مقابلاته إن حوالي 600 مهندس يغادرون المغرب سنويا، لكن هذا الرقم تفنده المعطيات التي حصلنا عليها من هذه الشركة، التي تعمل بالوساطة لهجرة أزيد من 1000 مهندس خلال 6 أشهر فقط. وفي استطلاع قام به موقع “rekrute”، فإن 6 من أصل 10 مهندسين مغاربة تلقو عروضا من شركات أجنبية للعمل بها، حيث أكد المستجوبون أنه تم الاتصال بهم خلال السنة الأخيرة ما بين مرة وخمس مرات، موضحين أن الشركات العالمية تسعى إلى توظيف المغاربة الحاصلين على bac+4 بتجربة وبدون تجربة، وفي الاستطلاع نفسه عبر 76 في المائة من المستجوبين عن رغبتهم في مغادرة المغرب إذا حصلوا على عرض جيد.