لا يزال نزيف هجرة الأدمغة المغربية مستمرا في المغرب، فحسب ما كشفت عنه الفيدرالية الوطنية لتكنولوجيا المعلومات والاتصال والأوفشورينغ، فإن المدراس والمعاهد المغربية تُكَوِّنُ سنويا 8000 إطارا وخبيرا في مجال تكنولوجيا المعلوميات، غير أن 600 مهندس يهاجر صوب أوروبا سنويا أي ما يقارب 50 مهندسا في كل شهر، في مقابل 20 ألف سنويا في باقي التخصصات، وذلك بالرغم من إحتياجات البلاد لمثل هذه الكفاءات. وفي السياق ذاته، أظهرت بعض الدراسات التي قامت بها جامعة الدول العربية ومنظمة اليونيسكو والبنك الدولي أن العالم العربي يساهم في ثُلث هِجرة الكفاءات من البلدان النامية، وأن 50 بالمئة من الأطباء، و23 بالمئة من المُهندسين، و15 بالمئة من مجموع الكفاءات العربية المُتَخَرِجَة يهاجِرون متوجِهين إلى أوروبا والولايات المُتحِدة وكندا، ما يفرز تبعات سلبية على مستقبل التنمية العربية. ويعدّ المغرب أكثر بلد يحفز علماءه وكفاءاته على الهجرة إلى الغرب وهم من المهندسين والأطباء وعلماء الذرة والفضاء، حيث أن أكبر نسبة مهاجرين للأدمغة في العالم من سكان المغرب ، بنسبة تقدر 23 بالمئة. وحول الأسباب التي تدفع بالشباب المغاربة إلى نقل كفاءاتهم إلى الخارج،يقول مهندس برمجيات مغربي، رفض كشف هويته لوكالة “إيفي” الإسبانية، وهو واحد من الأطر التي فضلت الرحيل عن المغرب والهجرة إلى فرنسا، بأن أحد أسباب تفضيله الهجرة هو الحصول على حياة أكثر أريحية من الصعب توفرها في المغرب. بالنسبة لهذا المهندس، الذي قضى سبع سنوات كمهندس معلوماتي في القطاع المصرفي المغربي،حسب تصريحه للمصدر ذاته، فإن أمورا مهنية إضافية كانت أساسية في هذا الاختيار حيث قال: “لا توجد ظروف مناسبة للعيش في المغرب، خاصة من حيث الأمن والصحة والتعليم، عموما الخدمات العمومية بشكل عام متردية مقارنة بما هو عليه الحال في فرنسا، ويضيف “الإصلاحات السياسية تسير ببطء شديد، وهناك توجس كبير من المستقبل خاصة فيما يتعلق بسياسة الدولة في القطاع الاجتماعي، هي أيضا عوامل أثرت علي قراري في الهجرة، في أوروبا الأمر مغاير، هنا يمكنك الشعور بنوع من الاستقرار الاجتماعي والمهني”. وفي سياق متصل كشفت دراسة نشرتها الجامعة العربية شهر غشت المنصرم، أن حوالي 50 ألف طالب مغربي يواصلون دراستهم في الخارج، وأن هناك 200 ألف خبير مغربي في مجالات مختلفة اختاروا العمل خارج بلادهم. وأن من بين الطلاب 200 ألف، اختار أكثر من الثلثين المؤسسات الفرنسية، ما يجعلهم في صدارة الطلاب الأجانب في بلاد الأنوار، وأن أكثر من نصفهم تابعوا دراستهم في مدارس الماجستير والهندسة. وفي محاولة لوقف هذا النزيف الجارف للأدمغة المغربية أطلقت الحكومة المغربية برنامجا يسمى “فينكوم” منذ عام 2007 يرمي إلى استقطابهم في التعليم العالي والبحث العلمي وقطاع الأعمال في المغرب، وتجري دعوة حوالي 70 مهنيا مغربيا، كل عام، مؤهلين تأهيلا عاليا في أوروبا للمشاركة بخبراتهم مع زملائهم من الشركات المغربية، لكن تأثيرهم على حقيقة الهجرة الجماعية يكاد لا يذكر.