المغرب ثاني دولة عربية من حيث هجرة الكفاءات، و فرد مؤهل من بين أربعة يعيشون خارج المغرب، ويوجد حاليا حوالي 50 ألف طالب يتابع دراسته بالخارج، وأزيد من 200 ألف من أصحاب الكفاءات المتعددة التخصصات ركبت سفينة الهجرة إلى الدول الأخرى. إنها الصورة القاتمة لمغرب يطمح إلى غد أفضل، بينما هذه المؤشرات تنم عن وضعية أقل ما يمكن القول عنها إنها كارثية، بسبب هذه الهجرة التي تختلف بكونها تسهم في نقل المعارف العلمية والقدرات المهنية ومختلف الإبداعات في ميادين شتى إلى دول أخرى. هذه الأرقام التي جاءت بين صفحات تقارير رسمية ودولية تبين مدى خطورة الوضعية، لا سيما أن المغرب محتاج إلى موارده البشرية في ظل إطلاقه عشرات المخططات في شتى الميادين، إلا أن السؤال المعادلة هو مدى إمكانية تشغيل هذه الكفاءات في سوق الشغل، جزء من الجواب يوجد في تقرير رسمي، ويؤكد أن الدراسة بالخارج بالنسبة للأجيال الشابة المغربية لا تمثل ضمانا من أجل الاندماج في التشغيل العالي بالمغرب، والتخوف من التشغيل الأقل كفاءة، والذي يعرف أجورا ضعيفة يدفع الدكاترة المغاربة بالجامعات الخارجية إلى اختيار اللاعودة. تتعدد الأسباب والنتيجة واحدة، غياب الاستثمار في العنصر البشري والتعميق من مختلف التحديات التي يعيش على وقعها المغرب. خالد مجدوب أشارت دراسة مساهمة الكفاءات المغربية بالخارج في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب الصادرة عن وزارة الجالية المغربية المقيمين بالخارج، أنه يوجد حاليا حوالي 50 ألف طالب يتابع دراسته بالخارج، مضيفة أن الهجرة الجامعية سجلت تطورا خلال السنوات الأخيرة، خاصة إلى فرنساوكنداوالولاياتالمتحدةالأمريكية، إذ يبحث الطلبة المغاربة على اكتساب تأطير متخصص عالي، إلا أنه للأسف، الدراسة بالخارج بالنسبة للأجيال الشابة بالمغرب لا تمثل ضمانا من أجل الاندماج في التشغيل العالي بالمغرب. والتخوف من التشغيل الأقل كفاءة، والذي يعرف أجورا ضعيفة يدفع الدكاترة المغاربة بالجامعات الخارجية على اختيار اللاعودة، وهم يأملون أن يكون ذلك مؤقتا. وخلال سنة 1999 من بين 2157 دكتورا من خارج فرنسا يوجد حوالي 204 دكتور مغربي بالجامعات الفرنسية حسب وزارة التربية الوطنية، وأكدت وزارة الجالية المغربية المقيمين بالخارج؛ التي أصدرت هذه الدراسة أن المهاجرين بكندا يتوفرون على دبلومات عالية، إذ إن 87 في المائة من إجمالي المهاجرين بهذه الدولة، الذي وصل إلى 31 ألفا خلال سنة ,2006 يتوفرون على شهادات ودبلومات عالية. من جهتها أكدت منظمة العمل الدولية أن الدول الإفريقية تفقد كفاءاتها البشرية، بالرغم من أنها تخصص إعانات عمومية لتمدرسهم، كما أن البلدان الأصلية تقدم قيمة مضافة عبر هذه الهجرة وتقلل من الإبداع لديها. الصدارة ومن جهته أكد تقرير صادر عن جامعة الدول العربية، حول هجرة الأدمغة، أن الدول المغاربية أكبر الدول تصديرا للأدمغة، ويتعلق الأمر بكل من المغرب والجزائر وتونس. وحسب التقرير ذاته، فإن المغرب يحتل الرتبة الثانية عربيا من حيث هجرة الكفاءات. وتصدر الجزائر هذه الدول متبوعة بالمغرب ثم مصر ولبنان والعراق وتونس وسوريا والأردن والسودان. وأكدت تقارير إعلامية،أنه هاجر من المغرب حوالي 207 ألفا من أصحاب الكفاءات المتعددة التخصصات، الرياضية والموسيقية والفنية التشكيلية والمسرح وكل القطاعات التي تعتمد على الخلق والابتكار والإبداع، وأفادت مصلحة الدراسات التابعة لوزارة الصحة أن هناك حاليا ما يناهز 600 طبيب مغربي بالخارج، مما يجعل الوطن يتيما لفقدانه هذه الثروات الثمينة التي تستقطبها مجتمعات أخرى. حركية العقول كشفت دراسة حول حركية العقول المهاجرة في العالم، التي أصدرتها جامعة الدول العربية، أن المغرب يعدّ من بين الدول الأكثر تصديرا للطلاب والباحثين والخبراء في ميادين مختلفة نحول الدول الغربية، خاصة نحو أوربا، بنسب تتراوح ما بين 10% و 90%، وأكدت الدراسة ما أسمته بالامبريالية الجامعية تكتسح جميع الدول، حتى الأوربية منها، مبرزة أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تعد مركز الاستقطاب الأكبر للكفاءات المهاجرة. ولم تحدد الدراسة المذكورة عدد الكفاءات المهاجرة من المغرب، وإن كانت قد ذكرت أنه في سنة 2004 هاجر نحو 2,7 مليون طالب من بلدانهم نحو بلد آخر، الأمريكو لاتينيين والآسيويين يهاجرون أساسا نحو الولاياتالمتحدةالأمريكية، فيما يهاجر الطلاب والباحثون الأفارقة نحو بلدان أوربا الغربية خاصة. وقال محمد الخشاني، باحث في اقتصاد الهجرة، إن ثمة رأسمالية معرفية باتت تكتسح لدول، وتستقطب الكفاءات والخبرات والباحثين، وأكد الخشاني أن ثمة ثلاثة مدارس للمهندسين في المغرب هم: المدرسة المحمدية للمهندسين، والمعهد الوطني للبريد والمواصلات، والمدرسة الوطنية العليا للمعلوميات وتحليل الأنظمة، يتم التربص بالخريجين منهم قصد تسفيرهم خارج المغرب. وأبرز المتحدث نفسه في تصريح سابق لالتجديد أن المغرب لحد الآن لا يتوفر على عدد الكفاءات المهاجرة، مشيرا إلى أنه في فرنسا، وفي غيرها أيضا، ثمة جمعيات للمهندسين، وللبيولوجيين، وغيرهم من الكفاءات المغربية المهاجرة هناك. وأكد الخشاني أن المغرب يخسر على ثلاث مستويات: منها كلفة التكوين التي صرفتها الدولة على كل باحث يهاجر، واضطرار الدولة لتعويضه إذا هاجر إلى الخارج باستقطاب كفاءة أخرى، ثم ضريبة الانفتاح، ذلك أن المغرب دخل في اتفاقيات للتبادل الحر تتطلب منه عملية تأهيل لمؤسساته الاقتصادية، وهو تأهيل يحتاج إلى المعرفة والخبرة والعلم أساسا. الأسباب على الرغم من الأسباب المتعددة التي تدفع الكفاءات إلى الهجرة إلى الخارج، فإن العمل وقيمة الأجرة يأتيان على رأس هذه الأسباب، بالإضافة إلى غياب وسائل العمل والبيروقراطية وعدم تكافؤ الفرص وضعف سوق الشغل. وحسب المندوبية السامية للتخطيط خلال الفصل الأول من السنة الجارية، فإن معدل البطالة لدى الحاصلين على الشهادات بلغ 17,7 في المائة مقابل 5,4 بدون شهادات. وسجل معدل البطالة ارتفاعا؛ إذ وصل إلى 10 في المائة مقابل 9,6 في المائة مع نفس الفترة من السنة الماضية. وأشارت المندوبية إلى أن عدد العاطلين عن العمل وصل إلى مليون و139 ألفا، وعرف عدد العاطلين تزايدا على المستوى الوطني، أي ما قدره 49000 عاطلا. وتبقى الشريحة العمرية ما بين 15 و24 سنة تسجل أكبر نسبة من البطالة، إذ وصلت إلى 18,5 في المائة، مقابل 13,8 في المائة لما بين 25 و,34 في حين سجلت الشريحة العمرية ما بين 35 و44 سنة 6,7 في المائة مقابل 2,3 في المائة لأزيد من 45 سنة. ولعل أبرز معطى للهجرة هو إيجاد عمل، وفي هذا السياق أكدت منظمة العمل الدولية أنه من بين المهاجرين الرجال بإسبانيا، أزيد من الثلثين من أصل مغربي وجزائري وباقي إفريقيا يتركون بلدانهم من أجل إيجاد عمل والتطوير من وضعيتهم المهنية الحالية. ويحصل المهاجرون من أصل مغربي بفرنسا على راتب مرتفع بأزيد من 6 مرات مقارنة مع المغرب (أزيد من 16 مرة بالنسبة للنساء)، في حين أن المهاجرين المغاربة بإسبانيا يحصلون على راتب مرتفع مقارنة مع المغرب، ما بين 4,5 و 10,5 في المائة، بالنسبة للرجال والنساء على التوالي. وتشير هذه المدلات إلى الهوة بين الأجور، في كل من فرنسا وإسبانيا، والتي يمكن أن تتضاف في دول أخرى مثل كندا أو الولاياتالمتحدةالأمريكية أو بريطانيا. واقع الجالية كشف استطلاع للرأي أنجزه مجلس الجالية المغربية بالخارج أن المغاربة المقيمين بالخارج يعبرون عن عزم قوي على الانفتاح على الخارج والاندماج الدائم في بلدان الاستقبال مع تشبثهم الراسخ بالعلاقات السوسيو- ثقافية التي تربطهم بالمغرب، بلدهم الأصلي الذي ينتظرون منه الاستجابة لتطلعات متزنة. وبالفعل فقد أعلن نحو 78 في المائة من هؤلاء أنهم حصلوا على الجنسية (50 في المائة) أو هم في طور الحصول عليها (28 في المائة)، وأن 87 في المائة يتعاملون كثيرا (46 في المائة) أو نادرا (41 في المائة) مع أشخاص من أصول غير مغربية، و95 في المائة من أولياء أطفال أقل من 18 سنة يرغبون في أن يتقن أطفالهم لغة البلد المضيف. وعلى الصعيد الاقتصادي، أبرزت الدراسة أن عدد المغاربة المقيمين بالخارج الذين يمتلكون عقارا أو هم في طور اقتنائه بأوروبا وفي المغرب متواز حاليا (37 في المائة تقريبا). كما أن 13 في المائة منهم صرحوا أن لديهم مشاريع تجارية خاصة بهم أو أسهما في نشاط اقتصادي في بلد الإقامة مقابل 6 في المائة فقط يتوفرون على مشاريع أو أسهم في المغرب. ويفيد هذا الاستطلاع أيضا أن المغاربة المقيمين بالخارج من الجيل الثاني يتجهون نحو الانفتاح أكثر على أفراد بلدان الاستقبال، مع احتفاظهم بروابط متينة مع المغرب على غرار آبائهم. وأكد 59 في المائة من الأشخاص المستجوبين أنهم يدعمون ماديا عائلاتهم بالمغرب.