في تاريخ إطلاقه المتوقع نهاية الشهر الجاري، فقد حولت التأخيرات المتكررة وتعليقات السير في الخط الأول في ساعات الذروة بالنهار وحتى المساء، حياة الركاب إلى جحيم اضطرتهم إلى الرجوع إلى منازلهم سيرا على الأقدام، كما وقع، مساء أول أمس الثلاثاء، وسط استياء كبير في صفوف المنخرطين. هذا الوضع دفع المئات من البيضاويين إلى شل حركة سير الترامواي مطلع الأسبوع الجاري، ومنعوه من التحرك ومن استكمال رحلاته في اتجاه محطات سيدي مومن والكليات وعين الذئاب، وذلك احتجاجا على سلسلة من التأخيرات المتكررة التي حطمت أرقاما قياسية هذه الأيام، لتتحول رحلتهم في الترامواي إلى كابوس حقيقي يقض مضاجعهم كل صباح وهم يتوجهون نحو مقرات عملهم أوالمؤسسات التعليمية التي يدرسون بها. حركة الاحتجاج توسعت في مناطق أخرى من العاصمة الاقتصادية، إذ تجمهر مواطنون آخرون أمام إدارة الشركة القريب من مركز الصيانة في سيدي مومن في اتجاه نهاية السير قبل أن يعمد رجال الأمن إلى تفريقهم، فيما هَمّ آخرون إلى الوقوف فوق سكة محطات “الأمم المتحدة، و”تكنو بارك” وزينيت”، مانعين عربات الترامواي من التحرك إلى حين تقديم مسؤولي الشركة توضيحات كافية عن أسباب التأخر الكبير الذي تعرفة الرحلات منذ أزيد من أسبوع، والذي بلغ ذروته هذه الأيام، ليتأخر سير الرحلات بأزيد من ساعة. وطالب المواطنون الغاضبون في ثلاث حركات احتجاجية، والتي من المنتظر أن ترتفع وتيرتها، من شركة الترامواي تقديم أجوبة حقيقية وتقديم اعتذار رسمي للركاب عن التأخير الذي تعرفه رحلات الترامواي منذ الفترة الماضية، والذي بات المواطنون يؤدون ضريبته بشكل يومي. شذى طيب، مسؤولة التواصل بإدارة شركة “كازا ترام”، قالت في اتصال مع “اليوم24″، إن هذه التأخيرات ليس لها علاقة بتدهور جودة الخدمة، بل لها علاقة بتجارب الخط الثاني الجارية التي بدأت منذ 10 شتنبر الماضي، وهي المسؤولة عن التأخيرات التقنية. وفِي ردها على التساؤلات التي طرحها المحتجون، لماذا لا تقوم شركة “كازا ترام” بالتجارب في الليل، أوضحت المتحدثة أنها تجارب للترامواي في ظروف واقعية للخدمة بدون مسافرين، للتأكد من سلامة التجهيزات لأنه من الضروري أن تقطع المقطورات الجديدة مسافات معينة للتأكد أن جميع الأنظمة تشتغل بشكل سليم، مشددة على أن الأعطاب التقنية يتم إصلاحها ولن تتكرر بعد إطلاق الخط الثاني. وقالت الطيب: “إن المرحلة الصعبة قد تم تجاوزها والأعطاب الكبيرة وقعت وتم إصلاحها ونريد من الركاب أن يتفهموا الوضعية الحالية، خصوصا أننا فرنا فرقا تقنية لإصلاح الأعطاب والتقليل من أوقات التأخر، ونعمل، أيضا، على التقليل من تأثيرها على الخط الأول”، وأوضحت أن هناك مجهودات تقنية للعمل بالنظام الموحد، في أفق ملاءمة الأنظمة القديمة مع الجديدة. ونفت مسؤولة التواصل أن يتم الاستعانة بمقطورات الخط الأول، وأن الشركة قامت بجلب حوالي 50 قاطرة سوف تتحرك على الخط الثاني، وهي شبيهة الشكل لمقطورات الخط الأول، لكنها أكثر تطويرا وذات جودة تقنية عالية، و”يمكننا وضع هذه العربات بشكل كاف، وحسب احتياج الركاب”. وكشفت المتحدثة ذاتها أنه من السنة الماضية وإدارة الشركة تتوصل تدريجيا بمعدل مقطورة إلى اثنتين في كل شهر، ومع دخول الخط الثاني ستكون المقطورات جاهزة مع مطلع 2019. وحسب المعطيات التي حصلت عليها “اليوم24″، فإن الأسباب الرئيسة في تعثر حركة سير الترامواي في الأيام الأخيرة يكمن في المشكلات التقنية التي تتخبط فيها الشركة تزامنا مع إعطاء انطلاقة الخط الثاني، لأنها عجزت منذ مدة عن تنظيم وتوجيه الخطين تقنيا، والتغلب على الإكراهات المرتبطة بتقاطع الخطين فيما بينهما على مستوى المدارين الأول الموجود بشارع ابن تاشفين، والثاني الموجود في أنوال – عبدالمومن، مما يجعل الأمر أكثر تعقيدا، حسب مصدر مقرب من الشركة، جعلها في غاية الحذر من أن يشكل ذلك خطرا على سلامة الركاب أثناء تنقلهم. وأوضح مصدرنا، أن هذا التزامن في البرمجة التقنية للخطين معا، والذي تسابق فيه “كازا ترام” الزمن قبل البدء الرسمي للخط الثاني في غضون الأيام القليلة المقبلة، فرض عليها وألزمها بإعادة برمجة أحد أكبر البرامج الحاسوبية التي يتم الاعتماد عليها بشكل أساسي في ضبط مواقع القاطرات وموعد خروجها، وكل ما يتعلق بالوقت المخصص بين كل قاطرة وأخرى، لأن هذا الحاسوب هو من يحدد اتجاه القاطرة أثناء تنقلها، لكن المراهنة على البرمجة الحاسوبية غير كاف في نظر مصدرنا ومازال هذا الحاسوب يعرف مشكلات تقنية يصعب تجاوزها، في ظل النقص الحاد في الموارد البشرية، لأن شركة RTPDEV ووكالة شبكات النقل الحضري الباريسي الفرنسية، اعتمدت بشكل غريب على استقطاب المزيد من الأجانب لإدارة الأقسام، لكنها لا تبالي بالخصاص الحاد في الأقسام المدارة. وحسب مصادرنا، فإن ما سيزيد من تأزيم الوضعية، هو أن المقطورات المتوفرة التي اقتنتها شركة الدارالبيضاء للنقل لن تسد الخصاص الموجود، ما سيجعلها تستعين لا محالة بمقطورات الخَط الأول، وهو الأمر الذي نفته شذى الطيب، إلا أنها اعترفت بأن الشركة مازالت تتوصل ب50 مقطورة تباعا، ولن ينتهي تسليمها إلا في سنة 2019، مما يؤكد النقص الحاصل في عدد المقطورات. ومع التعقيدات التقنية التي ظهرت في الآونة الأخيرة ومنها انقطاع التيار على الخط الثاني، فإن مصادر من مجلس مدينة البيضاء تتحدث عن تأجيل محتمل لموعد انطلاق الخط الثاني إلى غاية بداية الشهر المقبل، في الوقت الذي حددت فيه الشركة بشكل رسمي موعد انطلاق الخط الثاني في 22 من الشهر الجاري. وتزامنا مع الانخفاض الحاد في صافي الأرباح في عام 2016، حسب ما جاء على لسان رئيس المجلس التنفيذي سابقا، فقد كشفت مصادرنا عن انعكاسات سلبية على الاستراتيجية المالية لدى شركة “كازا ترام” RTPDEV منذ ما يقارب السنتين، وهي تعتمد على مقاربة تقشفية سواء مع العمال أو فيما يخص الجانب التقني المعلوماتي أو اللوجيستيكي، المتمثل في استبدال وصيانة المعدات بالمحطات، وكذلك قِطع الغيار الخاصة بالمقطورات. وإلى حدود الآن، لم تفصح شركة الدارالبيضاء للنقل التابعة لمجلس المدينة عن تقريرها حول المعايير التي اعتمدت عليها في تفويض شركة RTPDEV، بدل شركات كان لها حظوظ أوفر وتتمتع بسمعة جيدة في الوسط الخاص بالنقل واللوجستيك. إلى ذلك، كشفت شركة “كازا ترام” أن الاضطرابات التي تعرفها شبكة الترامواي خلال الفترة الماضية، تعود بالأساس إلى الاختبارات التي يخضع لها الخط الثاني للشبكة، قصد التأكد من إطلاقه في ظروف سليمة. وأضافت الشركة، في بيان لها أصدرته يوم الاثنين، أن هذه الاختبارات الإلزامية، والتي لا محيد عنها، قد تسبب بشكل غير متوقع، في اضطراب في السير العادي للخط الأول للترامواي، لكون أنظمة الشبكة مرتبطة بعضها ببعض، ما يؤثر على وتيرة تردد القاطرات على المحطات. وأكدت مسؤولة التواصل أنه بالرغم من كون هذه الاضطرابات لا مفر منها في مرحلة “السير التجريبي”، فإنها تبقى متحكما فيها، مشيرة إلى أن الفرق التقنية المكلفة بالمشروع وبتطوير الشبكة تعكف على إنهاء هذه المرحلة التجريبية في أقرب الآجال، وعلى الحد من تأثيرها على السير العادي للترامواي، وبالتالي توفير شرط الراحة للركاب. المسؤولة أوضحت أن العملية التجريبية تتم في ظروف واقعية ومماثلة للمناخ الحقيقي للاستغلال، وذلك لضمان إطلاق الخط الثاني للترامواي في ظروف سليمة، بعد التأكد من توفر كل شروط السلامة وراحة الركاب. وتفيد المعطيات التي حصلت عليها الجريدة، غياب الوكالات التجارية في الخط الثاني مقارنة مع الخط الأول، فقد تم إغلاق وكالة بشارع عبد المومن مؤخرا، على الرغم من الدور المهم الذي تقوم به هذه الوكالات لحل الإشكالات المرتبطة بالانخراطات، والتفاعل مع الشكايات التي يتقدم بها ركاب الترامواي، والتي تتعلق، أساسا، بالمشكلات التقنية التي يتسبب فيها موزع التذاكر، عندما يبتلع النقود، ولا يسلم تذكرة السفر، فيكون مجبرا على تسليم توصيل، إلا أن المشكلة، حسب مصادرنا، هي أن أغلب هذه الموزعات وفي غياب الصيانة، تبتلع النقود ولا تسلم هذه التوصيلات، وقد تصل قيمة هذه النقود إلى (3000 درهم)، تعمد الشركة إلى عزلها في أكياس خاصة، قبل أن يتم توجيهها إلى شركة الدارالبيضاء للنقل.