ما جاء على لسان نور الدين مضيان من أن عملية التصويت على حكيم بنشماس للعودة إلى رئاسة مجلس المستشارين، فاسدة، وجرى التلاعب فيها، وسبقتها تعليمات قال إنه لا يعرف من أصدرها، لكنه ينزه الملك عنها… هل هو أمر خطير؟ نعم. لكن، هل بالخطورة التي تستدعي الوقوف عليه وترتيب المسؤوليات حوله للحؤول دون تكراره؟ بالتأكيد لا، فما قاله القيادي الاستقلالي صار مكررا ومألوفا رغم فظاعته. وسيخرج علينا بعد عشر أو خمس عشرة سنة من سيحكي لنا كيف صدرت الأوامر للتصويت لصالح بشماس والحبيب المالكي، مثلما خرج القيادي الاستقلالي الكبير، عبد الحق التازي، في 2015، يحكي عن كواليس استوزار عباس الفاسي في 2000، بقوله إن الفاسي «التحق بحكومة اليوسفي في طبعتها الثانية لحمل حقيبة التشغيل، ملبيا الدعوة التي جرى تبليغه بها من لدن السيد فؤاد عالي الهمة… فبينما كنا مجتمعين في اللجنة التنفيذية، رن هاتف عباس الفاسي، فقال لنا إن الهمة طلب منه أن «يخلط عليه»، فتركنا وذهب للقائه، وبعدما عُين وزيرا. فهمنا أنهم طلبوا منه الدخول إلى الحكومة». وعندما سألته في الحوار الذي أجريته معه، وصدر في كتاب: هل كان الهمة يريد من الفاسي الدخول إلى الحكومة للضغط على عبد الرحمان اليوسفي وإرباكه؟ أجاب التازي: «هذه هي المهمة.. هذا ما تبين لنا لاحقا». لذلك، لا تنزعج كثيرا، أ السي مضيان، فأمور مثل التلاعب في انتخاب رئيسي مجلس النواب والمستشارين، وزرع المسامير في الحكومات، لم تعد مفاجئة حتى من الأحزاب ذات الماضي الوطني والديمقراطي، فكيف إذا كانت من توقيع طابور بلوكاج 7 أكتوبر. المفاجئ، سيدي، هو أن يأتي من يؤكد للمغاربة أن انتخاب بنشماس أو المالكي، أو استوزار الفاسي في حكومة اليوسفي، ولشكر في حكومة الفاسي، كان بقرار سيادي للأحزاب. لكن، ما أثارني شخصيا في تصريح مضيان هو قوله: «المؤكد أن جلالة الملك لا يتدخل في مثل هذه الأمور». أثارني لأنه لا أحد تحدث أو لمح إلى دور الملك في هذه «العملية الفاسدة التي جرى التلاعب فيها»، بتعبير مضيان، وبالتالي، فإن إقحام الملك، دون إقحام، في موضوع كهذا، يثير الشكوك أكثر مما يجلو الغبار عن مشهد سياسي هو أصلا بارد وغائم. تراجع حزب الاستقلال عن تقديم مرشحه لمنافسة حكيم بنشماس، بعدما كان قياديون داخله قد تحدثوا عن أن مرشحهم قادر على الفوز على بنشماس، بتضافر أصواتهم وأصوات العدالة التنمية، بالإضافة إلى وعود قطعها لهم مستشارون من أحزاب الأغلبية، غاضبون على قيادة أحزابهم وعلى أداء بنشماس، يؤكد أن التعليمات التي أغرقت أحزاب طابور 7 أكتوبر بقيادة أخنوش، قد بللت نزار بركة، الذي لن يُقبل منه أن يصل حزب الاستقلال إلى رئاسة مجلس المستشارين تحت رحمة البيجيدي. إن المنهجية التي يشتغل وفقها طابور 7 أكتوبر، هي منهجية فوق منطق التحالفات السياسية، وتنقسم إلى ثلاثة شقوق؛ الشق الأول، يخص طريقة اشتغال أحزاب هذا الطابور، حيث إن جسده في الأغلبية وأصواته للمعارضة، كما أن وزراءه يدافعون عما يقوم به العثماني في البرلمان، وعندما يعودون إلى أحزابهم يهاجمونه، ويتهمونه بتزعم مشروع خطير يشكك في المؤسسات الدستورية، ويسعى إلى تخريب البلاد ووضع اليد عليها. والشق الثاني يروم عزل حزب العدالة والتنمية عن أي تحالف استراتيجي، مثل الكتلة الديمقراطية، لذلك، أدخل الاتحاد الاشتراكي إلى الحكومة عن طريق أخنوش، وليس بالطريقة التي اقترحها عليه بنكيران، وعوقب نبيل بنعبد الله وحميد شباط، في آخر مرحلته، على تشبثهما بالتحالف مع البيجيدي. أما الشق الثالث، فبعد فشل الخطة «أ»، بجعل حزب الأصالة والمعاصرة حزبا إيديولوجيا كبيرا يجتمع داخله يساريون وليبراليون على قاعدة حداثة دون ديمقراطية، ويقيم توازنا في الشارع مع الإسلاميين، فقد جرى المرور إلى الخطة «ب»، بجعل حزب العدالة والتنمية حزبا إداريا يضع مشاركته في الحكومة غاية في ذاتها، وينفذ الإملاءات، ويمتص الضربات، حتى إذا جاءت انتخابات 2021، يكون البيجيدي حزبا باهتا ومنبوذا شعبيا، وهم، إلى حدود الآن، ناجحون في ذلك، بالرغم من انتفاض الحزب أحيانا، مثلما فعل عندما قدم مرشحه لانتخابات مجلس المستشارين، لكنها انتفاضات لا تصمد طويلا أمام سيل العبث الذي يجرف كل الأجسام المستقلة نحو نفس البالوعة. لذلك لم يزل أمام البيجيدي الكثير من الوقت، فإما الانسحاب أو الانسحاق.