دخلت الأغلبية الحكومية، مجددا، في محطة ارتباك بسبب انتخابات رئاسة مجلس المستشارين. فبعد أزمة التصريحات المتبادلة بين البيجيدي والأحرار، جاءت محطة انتخابات مجلس المستشارين لتصب مزيدا من الزيت على أزمة الأغلبية. البيجيدي قرر، بشكل مفاجئ، ترشيح نبيل الشيخي لمنافسة حكيم بنشماس في رئاسة المجلس، بعد تراجع حزب الاستقلال عن تقديم عبد الصمد قيوح. هذا يعني أن المشهد سيكون عبثيا، فالأغلبية ستكون في صورة مشتتة، بين أربعة أحزاب منها تدعم بنشماس، الذي يقود حزبا في المعارضة، مقابل مرشح البيجيدي، قائد الأغلبية، الذي يعرف مسبقا أنه لن يحظى بدعم حلفائه، وإن كان يراهن على أصوات مستشارين من الاستقلال والتقدم والاشتراكية، وبعض الأصوات الغاضبة من بنشماس. هذا المشهد يجعل رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، في وضع محرج، فقد اتفق مع حلفائه على موقف سياسي مفاده عدم تقديم مرشح للأغلبية، لكنه فوجئ بأن أغلبية أعضاء الأمانة العامة صوتت لصالح تقديم مرشح، وبررت موقفها بأن تقديم «مرشح وحيد لا ينسجم مع قواعد التنافس الديمقراطي». لكن، لماذا أعلن حزب الاستقلال انسحابه من التنافس؟ هل بسبب تأكده من أن قيوح سيكون خاسرا لامحالة؟ حسب قيادي استقلالي، فإن الاتصالات التي أجراها الحزب مع مستشارين من مختلف الفرق، بمن فيهم أعضاء في فريق الأصالة والمعاصرة من معارضي بنشماس، أظهرت أن قيوح له حظوظ كبيرة. لكن ما أغضب الحزب هو ما كشفه نور الدين مضيان ل«أخبار اليوم» عن وجود «تعليمات» لصالح بنشماس. من أًصدر التعليمات؟ لا جواب. لكن هناك قراءة أخرى للموقف الذي رافع من أجله نزار بركة داخل اجتماع اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، المنعقد بصفة استعجالية مساء الجمعة الماضية، وهو السعي إلى منع تقاطب يجعل البيجيدي مصطفا إلى جانب الاستقلال، كما حدث في انتخابات رئاسة الغرفة الثانية سنة 2015 في عهد بنكيران وشباط. نزار لا يريد أن يعطي الانطباع بأنه مع البيجيدي في صف واحد. في المقابل، فإن البيجيدي، الذي امتعض من تكتل «أحزاب أخنوش» لصالح بنشماس، كان يسعى إلى التعبئة للتصويت لصالح قيوح، لكنه فوجئ بتراجع الاستقلاليين في آخر لحظة، ما جعله أمام موقفين؛ إما أن يقاطع جلسة انتخاب المرشح الوحيد، وإما أن يقدم مرشحا، فاختار الموقف الثاني. وهو بذلك يحرج عدة أطراف؛ أولهم حلفاؤه في الأغلبية، الذين سيتركون حليفهم ويصوتون لمرشح حزب معارض، مع ما في ذلك من عبثية سياسية. ثانيا، سيحرج نزار بركة الذي يريد أن ينأى بنفسه عن الاصطفاف مع البيجيدي. فالاستقلاليون حصلوا على دعم البيجيدي، وبما أنهم تراجعوا عن تقديم مرشح، فإن المنطق هو أن يردوا الجميل بالتصويت لصالح الشيخي. ثالثا، هذا الموقف محرج لممثلي الباطرونا. هؤلاء لم يصطفوا يوما إلى جانب المعارضة منذ تشكيل الحكومة، وهم دائما يصوتون لصالح الإجراءات الإيجابية التي تأتي بها الحكومة، وإذا صوتوا لبنشماس، فإن موقفهم سيكون غير مفهوم. وعموما، فإن هذه المحطة ستزيد المشهد السياسي قتامة وسوءا، ولن تسهم في وضوح الممارسة السياسية، ولن تشجع على المشاركة الديمقراطية في الاستحقاقات المقبلة.