في حواره مع «أخبار اليوم»، يحلل محمد المدني أستاذ العلوم السياسية، الوضع السياسي للمملكة، حيث يجيب عما إذا كان المغرب يعيش في أزمة سياسة أم لا، ويحدد أسبابها، كما تحدث عن حملة المقاطعة وتأثيرها على حزب التجمع الوطني للأحرار، بالإضافة إلى أنه أكد على أننا في حاجة إلى تعديل دستوري بشروط معينة. هناك إحساس عارم لدى الرأي العام أن هناك أزمة، هل تعتقد أنه بالفعل المغرب يعيش أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية؟ على مستوى الوصف، نلاحظ أن هناك شعورا بالاحتقان، وهناك حالة يأس تشاؤمي، وإحساس بعدم جدوى العمل المؤسساتي والعمل السياسي بشكل عام، وأيضا عدم جدوى الانتماء للوطن وأن الأمور قد تسير إلى الأسوأ. هذا الشعور إذا تعمم حتى في الحالة التي لا يكون يستند على مؤشرات دقيقة، سيصبح قناعة لدى المواطنين والشرائح الواسعة، وقد يتحول إلى نبوءة تحقق نفسها بنفسها، أي أن الاعتقاد الذي يترسخ لدى الأفراد يحقق نفسه بنفسه، طبعا هذا ليس حتميا، لكن إذا بقيت الأمور بهذا الإحساس ولم تتخذ إجراءات تزرع الأمل، قد تتحول النبوءات إلى حقيقة. الآن ما نعيشه في المغرب يندرج ضمن ما يمكن تسميته الأزمة السياسية، والأزمات السياسية قد تتحول إلى شيء آخر، ويمكن الجواب عنها أيضا، الآن نحن لازلنا في مفترق الطرق. (مقاطعة) هذه الأزمة السياسية التي تحدث عنها ما هي أسبابها؟ لتفسير الأزمة السياسية هناك عدة أدوات، قد نفسرها بناء على معطيات بنيوية عميقة ترتبط بتحولات اقتصادية وسوسيولوجية، وسياسية ليس بالمعنى السياسوي، لكن المرتبطة بتغيرات بنيوية داخل النظام السياسي ونمط الدولة، وفي سؤالك غلب التفسير الثاني، الذي يرجح كفة ما هو ظرفي ومرتبط بسلوك الفاعلين، طبعا ليس هناك تناقض بين هذين التفسيرين، والمطلوب هو إمكانية ربط هذين الجانبين في فهم الأزمة، طبعا ما يبرز وما يتم التركيز عليه هو دور الفاعلين، والاستراتيجيات الكبرى (تغيير الدستور، إدخال العدالة والتنمية)، وهذه الاستراتيجيات أبانت عن محدوديتها، ولم تصل إلى حل وكان لها تأثير مؤقت. اليوم هناك من يقول إن غياب الوساطة كانت سببا من أسباب تعميق الأزمة.. ما رأيك؟ يبدو لي أن من عناصر الأزمة الثقيلة وأن مسار تشكل الدولة الوطنية الحديثة في المغرب لم ينتهيا بعد، ولازال هذا المسلسل في مخاض، ولفهم هذه النقط ينبغي أن نتذكر أن الدولة الحديثة نشأت بناء على ثلاثة عناصر متلازمة فيما بينها، العنصر الأول هو احتكار العنف المادي المشروع ومأسسته، العنصر الثاني هو ارتكاز واعتماد الدولة الحديثة على ركيزة محلية، والعنصر الثالث هو دولة القانون. في الحالة المغرب، نلاحظ أن الدولة لا تتوفر على تواجد وارتكاز محلي، وأنها لا تعرف الهوامش وربما تعرف عنها القليل، ولاحظنا هذا في حراك الريف وجرادة وزاكورة وسنراه لاحقا، وتعتمد في ذلك على الوسطاء، وهم الذين يشكلون مورد المعارف وبواسطتهم تدير هذه المجتمعات. في حالات عادية، قد يكون دور هؤلاء الوسطاء كافيا، لكن في حالات الأزمة يصبح متجاوزا، آنذاك تلجأ الدولة التي تصبح عاجزة عن إدارة هذه المجتمعات بالشكل الكافي، فتستعمل العنف غير المتناسب، وهذا العنف هو تعبير عن العجز وأنها غير قادرة على ضبط تلك المنطقة. نلاحظ أن الدولة لازالت تعول على الأحزاب الإدارية وفي كل فترة تستعمل أحدها، هل ترى أن هذه الأحزاب بديل يمكن أن تقدمه الدولة للتقليل من الاحتقان في المجتمع؟ أولا، حين نتحدث عن الدولة نتحدث عن النظام السياسي المغربي، وهو مجموعة من السلط السلطوية، هو نظام يعتمد على تعددية محدودة، حتى هامش التعامل مع الأحزاب محدود، بما فيها الأحزاب الموالية للنظام السياسي، فإنها تشتغل في هامش محدود، لا يمكنها أن تمس نواة السلطة التي تبقى غير قابلة للمحاسبة. يرى المراقبون أن الدولة اليوم تجهز حزب التجمع الوطني للأحرار لانتخابات 2021 كبديل لحزب الأصالة والمعاصرة، ما رأيك في ذلك؟ كانت هناك تطورات جاءت بعد انتخابات 2016، جعلت من البام ورقة غير رابحة للدولة، هل سيعوضه الأحرار هذا رهان، ورهان سهل، لأنه في بعض الأحيان نتصور أن الدولة لها خطط بعيدة المدى لكنها تشتغل فقط بالموجود والمتاح. هناك حزب موجود لما لا تتم إعادة انتشاره؟ لكن هل هذا الرهان سيدوم؟ هل هو ممكن؟ لا أعلم. لاسيما أن هناك عناصر برزت من بينها المقاطعة، مثلا أتساءل هل إذا استمرت المقاطعة إلى حدود الانتخابات التشريعية هل سيبقى هذا الرهان؟. هل تعتقد أن المقاطعة كانت بوعي سياسي أم أنها اختيار المنتوجات اعتباطي؟ هذا سؤال لا يمكن الإجابة عنه بسهولة، ما نعرفه أنه في العالم الافتراضي دائما هناك مبادرات لها أهداف ولكن ليست كلها تأخذ بعد فعلي، يعني المشكل ليس وجود مبادرات، ومن ورائها في بعض الأحيان توجد مبادرات من أطراف متناقضة لكل أهدافه وهذا شيء طبيعي، وربما حتى الشخص الذي أطلقها لم يكن يتوقع أن تلقى هذا النجاح، حتى في 20 فبراير حين نزلنا كنا نتوقع أن يحضر العشرات حتى تفاجأنا بذلك الكم كبير من الناس. لكن هذه المقاطعة مست إشكالية زواج المال بالسلطة بصورة غير مخطط لها. خروج أخنوش وهجومه على حزب العدالة والتنمية، هل يمكن اعتباره جاء ليغطي على هذا الجانب؟ من بين الوصفات الجاهزة للدولة محاولة ربط الحركة الاحتجاجية بحزب، وفي حالة المقاطعة تم ربطها بالعدالة والتنمية على أساس أن تقلص من تأثيرها وقوتها، لكن في النهاية ولم تنجح وفشلت، لأن ربط حركة اجتماعية واسعة بحزب أو هيئة يضعفها ويزرع الانقسام داخلها، لأنها تحمل مشاريع ومصالح متناقضة. على ذكر بنكيران، هناك من يقارن بين شخص عبد الإله بنكيران والعثماني، ويقال إنه لو كان بنكيران رئيسا للحكومة في الوضع الراهن لما كان الوضع على ما هو عليه.. ما رأيك؟ يمكن أن نقارن لكن.. (مقاطعة) هل تعتقد أن تغيير الشخص قادر على الحد من الأزمة؟ لا أعتقد أن تغيير الأشخاص سيغير الوضع، لكن في وضعية بنكيران لا ننسى أن وضعيته ليست وضعية كانت معطاة سلفا، فوضعيته ومكانته داخل الائتلاف هي نتاج لبناء، فبدايته كانت متعثرة ولم يكن يتوفر على تلك الكاريزما التي تكونت لديه فيما بعد، وفي هذا البناء نمى قدرات تواصلية مهمة لكن في نفس الوقت، حاول أن يناور داخل النسق السياسي دون أن ينسى الناخبين الذين أعطوه أصواتهم، حاول أن يجيب عن المفارقة الكبيرة في النظام السياسي، وهي أن تكون مدافعا عن العرش وفي نفس الوقت تحافظ على قاعدة شعبية وتغذيها. هل تعتقد أنه في انتخابات 2021 سيكون حزب العدالة والتنمية انتهى وسيصبح مثل باقي الأحزاب الصغيرة؟ التنبؤ بشكل عام هو سابق لأوانه.. (مقاطعة) لكن هناك عدد من المؤشرات اليوم، فقط في قواعد الحزب نرى هناك تشتتا كبيرا وأيضا على مستوى القيادة، وهذا يظهر من خلال الانتخابات الجزئية؟ هناك فعلا مخاض داخل الحزب، وداخل القواعد وداخل القيادات، لكن هل هذا يدفعنا للقول بموت الحزب، أنا أتحفظ. بالنسبة لتحجيم الحزب ودفعه للانشقاق.. لا نعلم الآن أين وصل العدالة والتنمية في هزيمته، ليس في الانتخابات، بل في تدبير ما بعد الانتخابات، هل هذه الهزيمة أثرت على النواة الداخلية للحزب؟ حزب فيه عدة طبقات، مثلا الأشخاص الذين صوتوا ممكن أن يكونوا غاضبين عليه، وبدون شك أن المتعاطفين ابتعدوا لكن ابتعاد المتعاطفين والمصوتين لا يعني نهاية الحزب، المؤشر الدال على انتهاء الحزب هو تشتت. (مقاطعة) هل اليوم نواة حزب العدالة والتنمية قد شتت؟ لا أعلم، ليس لدي معطيات بخصوص نواة الحزب، هل لازالت تعتبر أن هناك “ما يدار” أم أنها نفضت يديها، مثلا حزب الاتحاد الاشتراكي عندما نفضت النواة يدها حتى إذا احتل الحزب المرتبة الأولى لن يقوم بشيء. هل هناك مؤشرات أنه في انتخابات 2021 سيكون هناك عزوف عن الانتخابات؟ هذا مشكل لاحظناه حتى في 2015، مع بروز الأصالة والمعاصرة بشكل قوي، كانت هناك مؤشرات على العزوف، وربما في 2021 سيكون أكبر. (مقاطعة) لأن هناك مواطنين صوتوا في الانتخابات السابقة اليوم أحسوا بالخذلان خصوصا بعد تشكيل التحالف الحكومي.. صحيح، لهذا قلت إنه بدون شك أنه المتعاطفين من الطبقات الوسطى غاضبون، لكن المشكل ليس في المقاطعة فقط، بل هل ستستفيد الأحزاب الإدارية من ذلك؟ في اعتقادي لن تستفيد لأن الأزمة شاملة وبنيوية في نظرك من هو مهندس هذه الأزمة؟ هذه أزمة بدون مهندس، لأن كل الفاعلين يحاولون أن يبقوا موجودين، لأن الأزمة تشكل تهديدا للجميع، أما بالنسبة للمسؤولية فتقع على عاتق المسؤولين عن الدولة هم الذين تسببوا في الأزمة، لا يمكن القول مثلا إن النقابات هي السبب.. في رأيكم من يحكم المغرب اليوم؟ الحكومة الفعلية، ولها مراكز السلطة متعددة.. يعني أنك تذهب في اتجاه أن هذه الحكومة «محكومة»؟ أريد التمييز بين الحكومة المحكومة، أي أن لها هامشا ضعيفا، وبين الحكومة الفعلية والشكلية، اليوم لدينا حكومة شكلية وداخل تلك الحكومة الشكلية لدينا حكومة فعلية، ليست كل أطراف الائتلاف بنفس القوة تابعت الخطب الأخيرة للملك ورأينا أنها جاءت بإجراءات؟ كيف ترى طريقة تعامل المؤسسة الملكية مع الحكومة؟ خصوصا وأن الخطب الأخيرة أعطت انطباعا أن الملك يتعامل مع تقنيين وليس مع حكومة سياسية؟ هذا من بين إشكالات النظام السياسي في المغرب، بغض النظر على الخطاب، وما يروج في بعض الأحيان بأن هناك توازنا بين السلط، في الواقع أن القرارات الكبرى تأخذ من طرف القصر، الآن ما نلاحظه أن هناك عددا من الإجراءات تمس الجانب الاجتماعي، وهي بدون شك إجابات عن واقع داخل المجتمع، ومحاولة للتخفيف من الاحتقان الاجتماعي الموجود (مقاطعة) لكن هل علينا دائما أن ننتظر الملك ليقدم لنا وصفات لحل المشاكل أم أن هذا دور الحكومة، خصوصا أننا نتحدث عن الشق الاجتماعي الموجود في البرنامج الحكومي؟ هذا ما ينبغي أن يكون، أن تقوم الحكومة بأدوارها التي ينص عليها الدستور وانتخبت على أساسها، الأحزاب الموجودة في الحكومة قدمت برنامجا للمواطنين وعلى إثره تم التصويت عليها، لكن في الواقع نعلم أنه هكذا تسير الأمور، وأن هامش الحكومة في هذا المجال ضيق جدا هل يمكن القول إن حلم الملكية البرلمانية انتهى؟ الملكية البرلمانية لم يسبق لها أن طبقت.. لكن كانت كفكرة ودستور 2011 أشار إليها؟ هي فكرة جميلة، وفي الدستور موجودة ككلمة.. لكن وجودها في الدستور كان يعطي انطباعا أننا في صيرورة التحول إلى ملكية برلمانية؟ وجود الكلمة في الدستور كان استجابة لمطالب حركة 20 فبراير، وفرضتها الظرفية، لكن نعلم أن الأجوبة الدستورية تكون مؤقتة، وبعد ذلك إذا أمكن التنصل من تلك الوعود يتم التنصل، وذلك ما حدث اليوم، في بعض الأحيان، يتم وضع دساتير ومواثيق مهمة من حيث المحتوى، لكن بعد بعضة أشهر يتم التخلي عنها ووضعها في الرف وظهور الممارسات المعتادة هل نحن اليوم في حاجة إلى تعديل دستوري؟ أعتقد أننا في حاجة إليه، لكن إذا كان تعديلا دستوريا فقط من أجل التعديل ولن يضيف شيئا ولن يجب عن الإشكالات الرئيسية، من ضرورة دمقرطة النظام السياسي، وسيكون تعديلا في عموميته، علينا أن نتساءل ماذا سنضع في هذا التعديل؟ هل لديكم تصور حول ما يمكن تعديله؟ بالنسبة إلي، المشكل الآن المطروح مشكل المحاسبة ودمقرطة النظام السياسي، أي تعديل يذهب في هذا الاتجاه نرحب به. كما أن هناك حاجة إلى حزمة من القرارات لإحداث انفراج سياسي. كيف تقرأ الخرجة الأخيرة لعزيز أخنوش أمام شبيبة حزبه بعد اختفائه لمدة طويلة قاربت الخمسة أشهر، وخطابه الذي يبشر من خلاله بأنه سيتصدر انتخابات 2021؟ يبدو لي أن المهم ليس الخطاب والرسائل، المقاطعة التي بدأت في أبريل هي حدث مهم جدا ولا أعرف مآله، ولكن ما نعلمه في السوسيولوجية المقارنة على الصعيد الدولي أن المقاطعة قد تدوم ثلاث سنوات، هذا قد يبدو مبالغا فيه لكن الدراسة تقول هذا، وليس هناك بوادر أن الناس سينفضون من حولها. الملاحظ أيضا أن هذه المقاطعة رغم تعامل الدولة معها بوسائل التخوين والهجوم… وهي طريقة التعامل مع كل الاحتجاجات، إلا أن هناك وصفة فيها مواقف تستعمل في كل مرحلة، أولا عدم الاكتراث، ثم التخوين، ثم مرحلة “الله يهديكم”، الآن نحن في مرحلة “كأنها غير موجودة” وتبخيسها لكن في الواقع هناك التفاف شعبي حولها وأعطت نتائج بالملموس. بالنسبة لموقف الدولة وحزب الأحرار من المقاطعة صعب جدا، مثلا في مقاطعة سنطرال الشركة متعودة على هذا النوع من الاحتجاجات، بالنسبة ل”سيدي علي” رغم وجود التداخل بين المال والسياسية لم تتأثر بشكل كبير، لكن وضعية “أفريقيا غاز” وضع خاص لأنها داخل قلب النظام السياسي وفي قلب إشكالية علاقة المال بالسياسية. لهذا حلها غير سهل، وتنازل طرف الدولة صعب، مثلا شركة سنطرال خرجت وقالت نعم تكبدنا خسائر، لكن أن تقال من طرف جهة وسط لب النظام السياسي والاقتصادي ليس سهلا، فتكبد هذه الخسارات معناه أنه عندما ستعترف ستضحي، الدولة لم تقم بذلك الآن، لكن هل ستستطيع أن تحافظ على الوضع إلى حدود الانتخابات القادمة؟ يبدو لي هذا غير ممكن، ينبغي أن تكون هناك تضحيات، إما التضحية بالجانب السياسي في المعادلة أو بإصلاح عميق يمس زواج السلطة بالمال. ما رأيكم في التحالف الحكومي اليوم، يوصف بأنه تحالف هش رغم خروج العثماني ليؤكد على أن الحكومة قوية وهناك انسجام بين مكوناتها؟ مآل الحكومة لا يمكن أن نتنبأ به، لأنه مرتبط بمجموعة من الأمور، فالتخلي عن الائتلاف بشكل عام يفترض أن هناك ائتلافا آخر موجودا، وأنا لا أرى هناك أي بديل. الائتلاف هو ضعيف ككل الحكومات الائتلافية في المغرب، ليس لأنه يشكل من أحزاب مختلفة، لكنه ضعيف لأن هامش حركة الائتلاف في مجال السياسات العمومية ضعيف، مثلا الائتلاف الذي قاده بنكيران عوض الضعف على مستوى هامش الفعل في السياسات العمومية، بالتواصل ورأس مال رمزي المتمثل في وجود شرائح صوتت عليه، وتواصل بنكيران كان في هذا الاتجاه. ما وقع بعد بنكيران خلف مسافة بين تأثير مصداقية الانتخابات وما هو موجود، كأنه ليس هناك علاقة بين الائتلاف والانتخابات، وهذا يضعف من مصداقية الحكومة.