بعد نصوص قانونية وتنظيمية متوالية في مسارين مختلفين، اجتمع أمس على طاولة المجلس الحكومي، وبين يدي وزير الداخلية عبدالوافي الفتيت، مشروعا قانونين يتعلّقان بهيئتين عسكريتين تابعتين لوزارته، هما كل من القوات المساعدة والوقاية المدنية. الأولى جاءها وزير الداخلية بمشروع قانون يعرضه “شكليا” على المجلس الحكومي، لأن المصادقة عليه من اختصاص المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك، ويتعلّق بشمل هذه الهيئة الأمنية-العسكرية، بخيار الرفع من سن الإحالة على التقاعد، والذي شمل الوظيفة العمومية قبل سنتين. أما الوقاية المدنية، فجاءها وزير الداخلية مباشرة بعد إخضاعها للنظام العسكري، بمشروع قانون خاص بمؤسسة للأعمال الاجتماعية، تضاف إلى زيادات سخية في التعويضات صدرت مؤخرا. خصوصية كل من الهيئتين المعنيتين بهذه المشاريع، تتمثل في كونها باتت تخضع لأنظمة عسكرية، ما يجعلها تصبح قانونيا جزءا من الجيش الرديف، أو القوات الاحتياطية للمغرب، فيما تعود الوصاية عليهما إلى وزارة الداخلية. “بركة” الربيع العربي منذ الشرارة الأولى للربيع العربي، أبانت الدولة عن التفاتة خاصة واستثنائية تجاه القوات المساعدة، بالنظر إلى النقص الذي كشفه الحراك الشعبي حين اجتاح في بعض الأوقات أكثر من خمسين مدينة مغربية، من حيث الضبط والمراقبة والمواكبة. هذه القوات التي ورثها المغرب عن أنظمته العتيقة، تحوّلت تدريجيا إلى جوكير و”جيش احتياطي” شديد الأهمية، بالنظر إلى تعداد عناصره وتكوين جزء منهم العسكري، وممارستهم الطويلة لمهام حفظ النظام. كما أن أحد مكونات القوات المساعدة كان قد برز بقوة خلال حرب الصحراء، نظرا إلى فعالية ما يعرف ب”الوحدات” القتالية، ومعرفتهم الجيدة بالميدان، والتي كانت تسمح لهم بمواجهة الغارات التي تقوم بها ميليشيا البوليساريو بالأسلوب نفسه. وزيادة على ذلك، يعتبر جهاز القوات المساعدة واحدة من أكبر أعين الدولة، بالنظر إلى انتشارهم الذي يغطي جميع تراب المملكة، ووجودهم داخل كل الإدارات التابعة للسلطة المحلية ومجاورتهم للأمن في مراقبة وضبط المجال العام…
“جيش” لجميع المهام يقدّر تعداد هذه القوات بأكثر من أربعين ألف عنصر، ورغم أن وجودها يعود إلى ما قبل الاستقلال، إلا أن ظهيرها المنظم لم يصدر إلا منتصف السبعينيات، أي في مرحلة كان الملك الراحل الحسن الثاني، يكرّس جهوده فيها لإلجام الجيش الذي حاول الانقلاب عليه مرتين، وتوزيع المهام الأمنية والاستخباراتية بين أجهزة وهيئات مختلفة، لكنها تلتقي في الخضوع المباشر لسلطة الملك. فرغم طابعها العسكري، فإن القوات المساعدة لا تعتبر جزءا من هيكلة القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية، بل تعتبر مديرية تابعة لوزارة الداخلية، مثلها في ذلك مثل المديرية العامة للأمن الوطني ومديرية الوقاية المدنية، إلا أن كل القرارات المهمة والحساسة التي تهم القوات المساعدة، تعود إلى الملك، كما جاء في مشروع القانون الجديد الذي قدّمه الفتيت، أمس، أمام المجلس الحكومي، والذي يسند قرار التمديد بعد التقاعد إلى بعض مكونات هذه الهيئة إلى الملك. الباب التمهيدي من النظام الأساسي الجديد الخاص بعناصر القوات المساعدة، يصف مهام هذه الأخيرة ب”المساهمة في حفظ النظام والأمن العموميين بسائر تراب المملكة، كما تقوم بتقديم مختلف أشكال العون والمساعدة للسكان عندما تصيب البلاد إحدى الآفات أو الكوارث الطبيعية”. وتمارس القوات المساعدة مهامها من خلال وحدات للتدخل، “يرجع أمر تسخيرها إلى جلالتنا الشريفة، ويجري عليها النظام العسكري، وتوضع تحت سلطة وزير الداخلية”. تحت سلطة هذا الأخير، يعيّن مفتشان، واحد للمنطقة الشمالية، وثان للمنطقة الجنوبية، بواسطة ظهائر ملكية. فيما توضع القيادة الإقليمية بكل عمالة أو إقليم رهن إشارة العامل، “قصد استعمال وحدات التدخل التابعة لها، من أجل المحافظة على النظام والأمن العموميين عند الاقتضاء، طبقا للنصوص التشريعية الجاري بها العمل”. وإلى جانب عناصر الحرس الإقليمي الموضوعة تحت تصرف رجال السلطة، تتوفر القوات المساعدة على وحدات للتدخل العام، “وتشكل هذه الوحدات قوات احتياطية رهن إشارة جلالتنا”، يقول الظهير الملكي الصادر في يونيو الماضي. يما تتولى وحدات أخرى مهمة الدعم والإسناد التقني واللوجستيكي لجميع وحدات القوات المساعدة. فبعد المراجعات المتوالية للنصوص القانونية والتنظيمية الخاصة بكل من الأمن الوطني والقوات المساعدة والوقاية المدنية، ودخول هاتين الأخيرتين مرحلة تجديد شامل للأنظمة الأساسية والخضوع التام للنظام العسكري؛ قدّم وزير الداخلية عبدالوافي الفتيت في المجلس الحكومي، مشروعي قانونين، يتعلّق أولهما بمؤسسة الأعمال الاجتماعية للعاملين بالمديرية العامة للوقاية المدنية، فيما يتعلق الثاني بالسن القانونية التي يحال فيها على التقاعد أفراد القوات المساعدة. الخطوة تأتي تحضيرا لتقديم المشروعين في مجلس وزاري يترأسه الملك في وقت لاحق. وبعد نسخ القوانين الخاصة بالتنظيم العام للقوات المساعدة ونظامها الأساسي، والتي تعود إلى السبعينيات؛ ينص مشروع القانون الجديد على الرفع من سن الإحالة على التقاعد في صفوف القوات المساعدة، على غرار التعديلات التي عرفتها النصوص الخاصة بالقوات المسلحة الملكية. وينص المشروع الجديد على رفع سن التقاعد إلى 62 سنة بالنسبة إلى رتب سلك المفتشين الممتازين، و57 سنة بالنسبة إلى سلك المفتشين. أما المساعدون الممتازون والمساعدون، فسن تقاعدهم سيصبح محددا في 54 سنة، مقابل 52 سنة بالنسبة إلى سلك رجال الصف.
التمديد بقرار ملكي المشروع يفتح إمكانية الاحتفاظ بأفراد القوات المساعدة بعد تجاوزهم لسن التقاعد، ويتعلّق الأمر بكل من فئتي المفتشين والمفتشين الممتازين، حيث ينص المشروع على إمكانية الاحتفاظ بهم استثنائيا، وذلك بقرار ملكي واقتراح من وزير الداخلية. كما ينص المشروع على أنه بإمكان وزير الداخلية أن يقرر كلما اقتضت الحاجة، تمديد السن القانونية للإحالة على التقاعد، بالنسبة إلى سلكي المساعدين الممتازين والمساعدين ولسلك رجال الصف، دون أن يتجاوز إجمالي مدة التمديد خمس سنوات. الخطوة التشريعية الجديدة تأتي بعد مصادقة البرلمان في السنة التشريعية الماضية، على القانون الخاص بالتنظيم العام للقوات المساعدة، والذي ينسخ النصوص القانونية القديمة التي كانت تؤطر هذه الهيئة، فيما كان المجلس الوزاري الذي ترأسه الملك شهر يناير الماضي، قد عرف المصادقة على هذا المشروع. أهم المستجدات التي دخلت على جهاز القوات المساعدة تتمثل، حسب ما قاله وزير الداخلية عبدالوافي الفتيت أثناء تقديمه مشروع القانون أمام البرلمان، “تكريس الصبغة العسكرية للقوات المساعدة مع الحفاظ على مهامها الأصلية وشروط تسخيرها وتعزيز قواعد الانضباط العام داخل صفوفها للحفاظ على جاهزية وحداتها، وإعادة تنظيم مصالح هاته القوات بشكل يضمن تمثيلها على المستوى المركزي، وكذا غير الممركز”.
بعد التعويضات نظام جديد أبرز مستجدات النظام الخاص الجديد للقوات المساعدة، تكمن في ملاءمة الأرقام الاستدلالية لأفراد القوات المساعدة مع التدابير الحكومية المعمول بها، والرفع من مستوى تأهيل أفراد القوات المساعدة سواء من الناحية المهنية أو العسكرية، وتمتيع هؤلاء الأفراد على غرار نظرائهم بالقوات العمومية بحماية الدولة، مما قد يتعرضون له من تهديدات وأخطار مرتبطة بمهامهم، وكذا الرقي بالحماية الاجتماعية لأفراد القوات المساعدة، العاملون منهم والمتقاعدون وذوو حقوقهم. مراجعة بدأت منذ 15 عاما على الأقل، وأبرز محطاتها كانت الرفع من التعويضات الخاصة بالقوات المساعدة سنة 2014. هذه الزيادات همّت ثلاثة أنواع من التعويضات، وهي كل من “التعويض عن الأخطار” و”التعويض عن الأعباء” و”المكافأة عن التأطير”، إلى جانب إحداث امتياز جديد لعناصر القوات المساعدة، يتمثل في تمتيعهم بمنحة عن “الأهلية”، وتتمثل في تعويض عن الدبلومات أو الشهادات العسكرية. زيادات اقتصرت على التعويضات، ما يجعلها تحذف بعد إحالة عناصر القوات المساعدة على التقاعد، وهو ما جاءت الإصلاحات الأخيرة لتداركه. مرحلة الربيع العربي وما عاشه المغرب من احتجاجات شعبية غير مسبوقة، لم تكشف للدولة حاجتها إلى تأهيل ودعم القوات المساعدة للمساهمة في المهام الأمنية فقط، بل كشفت، أيضا، حجم الخصاص الاجتماعي في صفوف عناصر هذه الهيئة. فموازاة مع المسيرات الشبابية التي كانت تجوب شوارع الرباط عام 2011، كانت فئة متقاعدي هذه القوات ضمن أبرز الفئات الاجتماعية الخاصة التي دفعها الحراك الشعبي للخروج إلى الشارع، إلى جانب زملاء لهم من متقاعدي القوات المسلحة. تلك المسيرات رفعت مطلبا خاصا يتمثل في إحداث جهاز حكومي مكلف بأوضاع قدماء العسكريين، مع إشراكهم في جولات الحوار الاجتماعي.
“المخازنية” وحقوق الإنسان عملية التأهيل الشامل التي يخضع لها جهاز القوات المساعدة حاليا، لم يقتصر على التكوين في المجال الخاص به، وتطوير الوضع المالي والاجتماعي، بل بات مؤخرا يشمل مجال حقوق الإنسان وكيفية التعامل مع الاضطرابات التي يعرفها الشارع العام. فبعد دورة تكوينية سابقة احتضنها مركز تكوين أطر القوات المساعدة بمدينة ابن سليمان يومي 25 و26 شتنبر الماضي خصصت لمنطقة الشمال، انتقل العشرات من أطر القوات المساعدة بمنطقة الجنوب هذا الأسبوع إلى مدينة أكادير، حيث خضعوا لدورة تكوينية ثانية تحت إشراف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، خصصت لموضوع “الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب”. هذه الأخيرة التي ينتظر إحداثها داخل هيكلة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ستجعل جميع الأجهزة والمؤسسات الأمنية تحت رقابة محمية بالتزامات دولية، في علاقة بتدبير الحريات. العقيد أحمد بولحباش، المفتش العام المساعد للقوات المساعدة شطر الجنوب، قال في كلمة له خلال الجلسة الافتتاحية لهذا اللقاء التكويني، الثلاثاء الماضي، إن الموضوع الذي تتناوله هذه الدورة يتلاءم مع ركائز دولة الحق والقانون التي مافتئ المغرب يعمل على تكريسها. وأشار بولحباش إلى كل من المجلس الوطني لحقوق الإنسان وهيئة الإنصاف والمصالحة “ليتم تتويج هذا المسار الإصلاحي بالمصادقة على دستور 2011، الذي اعتبر من طرف المختصين دستورا للحقوق والحريات”. خطاب يعتبر بدوره تحوّلا آخر في صورة “المخزني”، كما يعرفها المغاربة.