تكتلت القوى الإسلامية في جبهة واحدة ضد أنصار الدارجة، وعلى رأسهم رجل الإشهار نورالدين عيوش، وصلت حد الاستغراب من وجود أمثاله في مؤسسات دستورية يُفترض في أعضائها الالتزام بمقتضيات الدستور واختياراته المتوافق حولها. ففي كلمة له أمام المؤتمر الجهوي لحركة التوحيد والإصلاح أول أمس بسلا، قال عبدالرحيم الشيخي، رئيس الحرك، ردّا على تصريحات لقيادي في الحركة تساءل “واش مكاينش اللي يوقف هذا الشخص عند حدّه”، في إشارة إلى نورالدين عيوش، قال الشيخي منتقدا ومعبرا عن اختلافه “نحن في بلد حرية واختيار ديمقراطي، اللي بغا يقول شي حاجة يقولها، فهذا من حقه في القول، حتى لو قال إن القرآن الكريم لم ينزل باللغة العربية، بل حتى لو قال إن الله غير موجود”، مستدركا بالقول: “لكن ما هو غير مقبول، أن يُمثلنا هؤلاء الناس في مؤسسات دستورية، يُفترض في أصحابها أن يمتثلوا لمقتضيات الدستور الذي صوّت عليه المغاربة، وأن ينضبطوا لاختياراته ماداموا أعضاء في تلك المؤسسات الدستورية”. وأثارت تصريحات عيوش المؤيدة لإقحام الدارجة في المقررات الدراسية، وتنفي القدسية عن اللغة العربية، بل تزعم أن القرآن نزل بلهجة قريش وليس باللغة العربية الفصحى، أثارت ردود فعل غاضبة وسط فئات وقوى سياسية ومدنية ترفض هذا التوجه، وترى أن فيه تجاوزا للدستور الذي أقر اللغة العربية لغة رسمية إلى جانب الأمازيغية. وقال الشيخي إن الجدل الذي أثارته مقاطع معينة في بعض المقررات الدراسية، “ما استدعى توضيحات وتبريرات من قبل وزارة التربية الوطنية، كانت ستكون في غنى عنها لو التزمت بما هو متوافق عليه في الشأن اللغوي الوطني، وأنضجت مقرراتها على نار هادئة وضبطت تأليف تلك المقررات بدفاتر تحملات دقيقة”. وتابع الشيخي قائلا إنه “كثيرا ما يتم تسجيل تجاوز غير مفهوم ولا مبرر لمقتضيات الدستور، وثوابت المغرب واختياراته الثقافية، وفي طليعتها اعتماد اللغة العربية لغة أساسية للتدريس، في أفق تأهيل اللغة الرسمية الثانية: الأمازيغية”. من جهتها، عبّرت جماعة العدل والإحسان عن موقف مماثل، ففي ندوة نظّمتها، أول أمس، بمقر العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان المقربة من حزب الاستقلال حول “ضرب مجانية التعليم والدعوة إلى الدارجة: الخلفيات والأبعاد”، قال محمد حمداوي، نائب رئيس الدائرة السياسية للجماعة، إن الدول ال19 الرائدة تنمويا على الصعيد العالمي “تدرس بلغتها الأم”، منتقدا التوجه الذي يسعى إلى إقحام الدارجة في التعليم باعتباره “مشروعا استعماريا فاشلا”. وأوضح أن فرنسا بعد احتلالها للمغرب كلّفت مختصين بإعداد مشروع يجعل العامية محل الفصحى، لكن المختصين الذين تم تكليفهم بذلك أجمعوا أنه “مشروع فاشل”. وقال حمداوي إن التمكين للدارجة في التعليم “يهدد وحدة الوطن”، و”يفتح المجال لإحلال لغات أجنية محل اللغة الأم”، وذهب حمداوي إلى أن “استهداف اللغة العربية هو استهداف للدين الإسلامي”، كما أن “المس باللغة هو تهديد للأمن اللغوي لأمة بأكملها”. ودافع حمداوي عن تعليم مجاني يوفر تكافؤ الفرص لجميع المغاربة، منوها ب”التفاعل الكبير للمجتمع بكل فئاته ضد ضرب مجانية التعليم، وضد إقحام الدارجة في المقررات الدراسية”. واعتبر القيادي البارز في الجماعة أن هناك “خوفا من مجتمع متعلم”. ففي سنة 1965، يضيف حمداوي، “صدر بلاغ عن الديوان الملكي قال صراحة إن ارتفاع عدد التلاميذ من شأنه أن يسبب مشكلة للدولة”، لأنه في “1956 بلغ عدد التلاميذ 300 ألف، وبعد 8 سنوات ارتفع إلى مليون و300 ألف، ولو استمر الارتفاع بهذه الوتيرة كنا سنقضي على الأمية في سنوات، لقد تم وقف هذا المسار بمبرر الأعباء المالية، علما أن ثروات البلد كانت تُنهب نهبا”. وأوضح حمداوي أن “من آثار بلاغ الديوان الملكي، تبني وزارة التربية الوطنية على عهد الوزير محمد بنهيمة، ما سُمي حينها “المذهب الجديد” في التعليم”. ومن نتائجه أن نسبة التمدرس كانت 17 في المائة سنة 1956 لترتفع إلى 47 في المائة سنة 1965، ثم انخفضت إلى 33 في المائة سنة 1975″. وفي سنة 1985 أقرت الوزارة إجراءات من بينها انتقال التلاميذ من مستوى إلى آخر دون الاحتكام إلى المعدلات، وهو إجراء كارثي قضى على الجانب النوعي، وهو من أوصلنا إلى الهدر المدرسي، وضعف المردودية الداخلية والخارجية”.