لو حكينا القصة لأجنبي يسمع بفصولها أول مرة لما صدّق، ولصرخ في وجوهنا فورا بعبارات الfake news والإشاعات الملفقة، لكنها، ولحظنا التعيس، حقيقتنا المرة. يوشك أسبوع كامل على الانقضاء بعد إعلان إعفاء وزير الاقتصاد والمالية رسميا، ولا أحد أطلعنا على السبب المباشر لهذه الإقالة. قد يقول قائل: «هل كان لعموم المغاربة والرأي العام دور أو اعتبار في تشكيل الحكومة برمتها، حتى يجري استحضارهم بعد الإقالة؟»، لكن الجواب هنا بسيط وبديهي: من اهتموا وانتظروا خروج الديوان الملكي أو رئاسة الحكومة أو أحزاب الأغلبية، في إطار تكامل المؤسسات ووحدة الدولة، لتوضيح خلفيات وأسباب الإقالة، هم فئة من المغاربة تصر على الأمل، وتحرص على رؤية شعاع الإصلاح يصدر من داخل المؤسسات والهيئات السياسية، وترفض الاستسلام لليأس والقنوط من رحمة الله. الزملاء في مجموعة «إيكوميديا» استضافوا، يوم الجمعة الماضي، سعد الدين العثماني في لقاء خاص، وحسب المقتطفات التي نشروها عبر شريط فيديو، فإنهم، وكما تفرض القواعد المهنية، بادروا إلى سؤال رئيس الحكومة عن واقعة إعفاء وزير الاقتصاد والمالية. الدكتور في الطب النفسي والخبير في الشريعة الإسلامية أخبرنا بأن هناك الكثير من التفسيرات والأخبار التي جرى تداولها بعد إعلان قرار إقالة بوسعيد. وفي لحظة اتّسعت فيها آذاننا من شدة الفضول، إلى درجة أصبحت بحجم الثقب الأسود، صفعنا رئيس الحكومة بلوح خشبي آخر، قائلا إن بلاغ الديوان الملكي كان واضحا، وإنه يظنه كافيا. أستسمح السيد رئيس الحكومة في تعقيب بسيط، لأخبره بأن بلاغ الديوان الملكي لم يكن واضحا ولا كافيا. فالحجم الإجمالي لقصاصة وكالة المغرب العربي للأنباء، التي تضمنت إخبارا بهذا البلاغ، لم يتجاوز ستين كلمة، ثلثها فقط تضمن عناصر إخبارية، وهو الذي يقول: «قرر صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، بعد استشارة رئيس الحكومة، إعفاء محمد بوسعيد من مهامه وزيرا للاقتصاد والمالية». باقي أجزاء القصاصة تتضمن إحالة على كل من الفصل 47 من الدستور الذي ينص على مسطرة إعفاء الوزراء، وتذكيرا بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي جاء به الدستور. ومن تكفّل بتحرير البلاغ أو القصاصة -لأننا لا ندري هل نشرت وكالة المغرب العربي للأنباء نص البلاغ كاملا، بما أنها جاءت مستعملة أسلوب الخطاب غير المباشر أو ما يعرف في الإنجليزية بpassive voice- نسي مبدأ دستوريا آخر هو الذي ينص على حق المواطنين في ولوج المعلومة. السيد رئيس الحكومة؛ عموم المغاربة وقطاع واسع من الرأي العام قدموا أكثر من سبب دقيق ومقنع لإعفاء بوسعيد، وبالتالي، فإن انتظارهم اليوم إعلان السبب المباشر لهذا القرار ليس استنكاريا ولا من باب الاستغراب، بل أساسه الحق في معرفة الحقيقة. ولكي لا نضطر إلى انتهاج «فلاش باك» طويل، نذكر بأنه وقبيل مجيء العثماني، خرج علينا محمد بوسعيد رفقة صهره محمد حصاد ببلاغ سيحتفظ به التاريخ في أرشيفه الأسود، يخبرانا فيه بأن البقع الأرضية التي حصلا عليها رفقة عدد من المحظوظين بثمن رمزي على ضفاف «طريق زعير» الرباطية، مستحقة لأنهم «خدام الدولة». وبعد مجيئك وقف بوسعيد في البرلمان واصفا فئة من الشعب بالمداويخ، لأنهم قرروا مقاطعة منتجات استهلاكية لشركات خاصة. وبين هذه وتلك، أقرّ إعفاء ضريبيا فوّت على ميزانية المغاربة 40 مليارا في صفقة واحدة أنجزها زميله في الحزب والحكومة، مولاي حفيظ العلمي، لبيع أغلبية أسهم شركته الخاصة بالتأمينات. لهذا، السيد رئيس الحكومة، لا تنتظر الصحافة منك، ولا من الناطق باسم حكومتك ولا باقي «شركاء» أغلبيتك، كشف الأسباب الدقيقة والصحيحة لإقالة بوسعيد، بل يمكنك التعريج، مساء بعد انتهاء دوامكم الحكومي، على أي مقهى شعبي أو صالون حلاقة أو تجمّع للمتقاعدين هواة «ضامة»، لتحصل على جرد كامل للأسباب الدقيقة التي تستدعي رحيل الكثير من المسؤولين. ما انتظره بعض المغاربة «للي باقيين نية» هو مجرّد بيان مسبق التنقيح والمراجعة، لكي لا نقول ندوة صحافية مفتوحة أو برنامجا تلفزيونيا مباشرا، يفسر فيه رئيس الحكومة أو متحدث باسمها إلى جانب رئيس حزب الوزير المعفي، أسباب ودواعي القرار الملكي إقالة عضو في حكومتكم. هناك من المغاربة من مازال يعتقد أنه رقم في المعادلة السياسية، وإن كان مجرد صفر إلى الشمال. لكن تصريحاتكم وتصريحات الناطق باسم حكومتكم، وحالة البكم التي أصابت باقي مكونات أغلبيتكم، تتقاطع مع أسلوب قصاصة خبر إقالة وزيركم في المالية، لتجعل منكم بالفعل حكومة مسلوبة الإرادة لا صوت لها، passive without voice.