كانت كل الأمور تمر في صمت، أسطول من الشاحنات يتنقل صوب شاطئ المدينة، أعمال الحفر ونقل الرمال كانت على أشدها، إلى أن انتبه عدد من أبناء مدينة العرائش إلى أن هناك أمرا مريبا يقع بالشاطئ، انتقل عدد من النشطاء إلى عين المكان لمعاينة ما يحدث، لم تكن هناك لوحة تدل على أن هناك مشروعا للتهيئة سينجز في المنطقة. منير بوملوي، وبتكليف من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، تمكن من تصوير أسطول الشاحنات وفجر القضية لدى الرأي العام المحلي، لكن بعد الانتشار الواسع لشريط الفيديو تعرض هذا الأخير إلى الاعتداء من طرف أحد أفراد عائلة رئيس تعاونية أرباب الشاحنات بالمدينة، وهو ما دفع التعاونية إلى توقيف أنشطتها بعد الهجوم عليها من طرف الأحزاب والمجتمع المدني واتهامها بنهب رمال شاطئ "peligrosa". بعد الاتهامات التي وجهت للتعاونية علمت "أخبار اليوم" أن لجنة من الداخلية انتقلت إلى المدينة للتحقيق في الموضوع، وأيضا انتقل الدرك الملكي إلى عين المكان لمعاينة مكان التنقية، وحسب مسؤول من المقاولة المشرفة على المشروع، الذي تشرف عليه مبادرة التنمية البشرية ووكالة تهيئة أقاليم الشمال، فإن تأخر الإعلان عن المشروع يعود إلى تأخر خروج قرار بالبدء فيه وأن أعمال التنقية التي قامت بها التعاونية تدخل ضمن مشروع تهيئة "كورنيش العرائش". المسؤول ذاته، نفى أن تكون الشاحنات قد نقلت الرمال الخاصة كما يروج في وسط المدينة، حيث أكد أن الرمال التي تم نقلها مختلطة بالحجر والأتربة، وهو ما بينه لنا خلال زيارتنا للشاطئ، من خلال عينات قال عنها إنه كان من المفروض أن تأتي الشاحنات لنقلها، لكن بعد الضجة التي أثيرت حول الموضوع تم توقيف كل شيء. وبعد الأخذ والرد معه، أكد على أن كل الرمال الممتدة على خط شاطئ "peligrosa" والممتدة إلى غاية شاطئ "مولاي عبدالرحيم"، والتي تدخل ضمن مشروع تهيئة الشاطئ كانت ستنقلها شاحنات التعاونية، مضيفا أن "تكليف التعاونية بنقل ما نتج عن عمليات الحفر لم يكن من طرف المقاولة، بل من طرف الجهة المسؤولة عن المشروع". حفر مثيرة من خلال معاينتنا للشاطئ لاحظنا وجود حفر كبيرة عمقها تقريبا متران ونص، تم حفرها وسط الشاطئ والرمال المستخرجة هي نفسها الرمال التي تغطي الشاطئ، هذه الحفر متفرقة على طول شريط الشاطئ، الذي تقلصت مساحته بسبب التهيئة، وعندما سألنا المقاول عن هذه الحفر قال إنه هو من حفرها ونقل رمالها إلى الجهة الفارغة من الشاطئ، لكن جهات أخرى تواصلنا معها أكدت أن تلك الرمال المستخرجة هي التي تم نقلها عبر الشاحنات. نقلنا هذه الأسئلة إلى تعاونية أرباب الشاحنات بمدينة العرائش، لكن هذه الأخيرة بدورها نفت أن تكون قد نقلت الرمال خلال عملية التنقية التي تم تكليفها بها، حيث قال حاتم المجدوبي، أحد أعضاء التعاونية، إنهم دأبوا على القيام بعملية التنقية في كل المشاريع التي تنجز بالمدينة، موضحا أنه "في هذا المشروع اتصل بهم الحاج بنحمدان رئيس التعاونية، الموجود خارج المملكة، وأخبرهم أن ينتقلوا إلى الشاطئ من أجل التنقية قبل الشروع في المشروع، دون أن يعرفوا الجهة التي كلفتهم بالمهمة". المجدوبي أكد في حديثه ل"أخبار اليوم"، أن تلك الرمال غير صالحة لا للبحر أو لاستعمالات أخرى، موضحا أن تلك المنطقة كانت مخزنا للرومانيين الذين كانوا يهيئون مدخل الميناء، وكانت تلك الرمال مختلطة بالحجر والتراب والحديد، مشددا على أنه لم يقتربوا من رمال الشاطئ ولم يتم الحفر هناك من أجل إخراج الرمال. وأضاف أنه بمجرد نقل الشاحنات لتلك الرمال تنتهي مهمة التعاونية، ويبقى صاحب الشاحنة حرا، فيما سيفعله بتلك الشحنة. وعكس ما أكدته المقاولة والتعاونية، فقد أكد عدد من أرباب الشاحنات الذين تحدثنا إليهم، أن الشحنات التي تم نقلها هي من الرمال الخالصة، وتم شراؤها من التعاونية بمائة درهم للمتر وباعوها لمخازن الرمال في المدينة ب 140 درهما للمتر، وهو ما يفند رواية التعاونية ويؤكد أنه كانت هناك عملية "نهب" لرمال شاطئ مدينة العرائش. شبهة ونهب المصادر ذاتها، والتي رفضت ذكر اسمها لحساسة الموضوع، أوضحت في حديثها ل"أخبار اليوم" أن "جودة الرمال التي تم نقلها رفيعة وثمنها يعتبر الأغلى بين جميع أنواع الرمال"، مشيرين إلى أن "كل شاحنة شحنت خمس شحنات في تلك المدة التي خصصت للتنقية، أي 65 مترا مكعبا لكل شاحنة". أصحاب الشاحنات أكدوا، أيضا، أنه كان من المفروض أن يستمروا بالعمل إلى غاية نهاية الأسبوع الماضي، لكن بسبب الضجة التي أثيرت حول الموضوع تم توقيف عملية النقل والتنقية، وهو عكس ما قاله عضو التعاونية، الذي أكد بدوره أن توقف التعاونية عن العمل يعود إلى عطلة العيد التي تمتد لأسبوعين لأن أغلب سائقي الشاحنات ليسوا أبناء المنطقة". وبخصوص عدد الشاحنات التي شاركت في عملية التنقية، حددها المقاول في 80 شاحنة، بينما أكدت التعاونية أن عددها لم يتجاوز 40 شاحنة، أما أصحاب الشاحنات، فقد أكدوا على أن كل الشاحنات المنضوية تحت لواء التعاونية شاركت في العملية، والتي يقدر عددها تقريبا ب 150 شاحنة. وفي الوقت الذي يقول أرباب الشاحنات إنهم اشتروا الرمال من التعاونية، تؤكد التعاونية أن عملية التنقية كانت مجانية وأن الشاحنات قامت بذلك العمل بشكل تطوعي، كما قالت إن الشحنات بعد نقلها من الشاطئ لا تعلم مصيرها لأن سائقي الشاحنات هم من يتصرفون فيها. الشكوك بخصوص نهب رمال الشاطئ أكدها سعيد لفضولي، نائب الأول لرئيس المجلس الإقليمي للمدينة العرائش، إذ قال في حديثه ل"أخبار اليوم"، إن المرجعية الإدارية والقانونية للمشروع فيها شبهة، متسائلا: "هل ما يحدث في إطار هذه الصفقة التي خرجت بدون جدوى، أم هناك صفقة تفاوضية مباشرة بين المشرفين على المشروع والتعاونية والمقاولة لتبدأ الأشغال دون الإعلان عنها"، وزاد "حين نذهب إلى الشاطئ لا نجد أي إشارة أو لوحة توضح أن هناك مشروعا، نعلم أن تعاونية الرمال هي التي تقوم بنقل الرمال، ومعروف أنها دائما تقوم بهذه العملية، لكن نحن لا نعرف هل ذلك مقلاع، ولا أظن ذلك لأن المقلاع يحتاج إلى عدد من المساطر". وتابع لفضولي في الشأن ذاته "تلك المنطقة دائما معرضة للنهب، وحين تنقل فقط شاحنة رمال تقوم القيامة من طرف السلطات، لكن في هذه النقطة بالضبط لم تحرك ساكنا، هذا يعني أن هذه العملية تكون تحت عيون السلطة"، مشددا على أنه "لنفرض أن تلك العملية هي من أجل تهيئة الكورنيش، فتلك الرمال تباع على الأقل، لكن أين حقوق الجماعة ووزارة التجهيز منها؟".