أعلن ناصر الزفزافي، قائد حراك الريف، رفقة باقي المعتقلين قرارا جماعيا بمقاطعة أطوار جلسات المحاكمة، مبينين في وثيقة ذيلوها بمجموعة من التوقيعات، الأسباب التي على أساسها اتخذوا هذا الموقف الجماعي. وتناولت الوثيقة التي حصلت "اليوم 24" على نسخة منه، وتلاها الزفزافي في جلسة اليوم الثلاثاء، من داخل القفص الزجاجي، أسباب وخلفيات القرار. وأوضح الزفزافي أنه "لقد كانت انتظاراتنا في البداية من هذه المحاكمة أن تكون عادلة ومنصفة، وذلك عبر التزام المحكمة بالحيادية، وانحيازها فقط إلى جانب الحق والحقيقة وعدم السماح لأي جهة كانت أن تجعلها أداة لتصفية حساباتها ضد طرف آخر مهما كان شأن هذه الجهة أو نفوذها". وقال:" كان أملنا أن تبرهن هذه المحاكمة على مدى مصداقية الشعارات الرسمية التي ترفعها الدولة في مجال القضاء، وتثبت فعلا أن الإصلاحات التي عرفها هذا الجهاز في السنوات الأخيرة ليست مجرد إصلاحات شكلية، وأنه تم القطع فعلا مع العهد القديم حيث القضاء الموجه والمسخر، وألا تكون هذه المحاكمة نسخة مكررة من التجارب السابقة السيئة الذكر في المحاكمات السياسية التي عرفتها بلادنا." وأوضح الزفزافي:"لم يكن أملنا يصل إلى حد الانتظار من هذه المحكمة أن تعلن بكل الجرأة المطلوبة مباشرة بعد اطلاعها على الملفات، عن وجود خلفية سياسية تحكمت في ملف دعاوي الاعتقالات في ما يتعلق بقضيتنا، وما يستتبعه ذلك من إعلان عن بطلان أساس الدعاوي، والحكم بإخلاء سبيل المعتقلين. وأضاف:"لقد كان أملنا على الأقل أن تعتبرنا المحكمة كطرف مكافئ للطرف المدعي، وبذلك تفتح لنا صدرها وتستمع إلى تظلماتنا ذات الصلة بالخروقات والانتهاكات التي شابت مسطرة الاعتقال والحراسة النظرية والتحقيق، وتأخذها مأخذ الجد، وتفتح تحقيقا استعجاليا في شأنها. كذلك أن تسمح لنا بتقديم كل ما لدينا من أدلة نتعتبرها تثبت برائتنا، وتثبت بطلان دعاوي الاعتقالات وذلك انطلاقا من كون المحكمة هي بمثابة الحكم المحايد الذي من المفروض أن يتعامل مع الأطراف على حد سواء من دون ميل أو انحياز إلى طرف على حساب طرف آخر مهما كان شأنه." وزاد ناصر الزفزافي: "على أساس هذه الانتظارات تعاطينا مبدئيا بحسن النية مع هيئة المحكمة وبشكل جدي ومسؤول مع جلساتها منذ البداية، إلا أنه ومع الأسف الشديد أخذ أملنا في هذه الانتظارات يخبو مع توالي الجلسات في ظل المنحى الذي سارت فيه المحاكمة وانحيازها السافر لصالح طرف الادعاء وميلها المسبق نحو الإدانة قبل حتى أن تنظر في ما لدينا من أدلة. وهذا الأمر لا يعد مجرد انطباع منا، ولكن قناعة تشكل لدى كل المتتبعين لأطوار هذه المحاكمة. ورغم اعتراض دفاعنا، يقول قائد حراك الريف، فلقد دشنت المحكمة افتتاح جلساتها بقرارها على محاكمتنا من داخل القفص الزجاجي غير الشفاف، بما ينسجم مع رغبة النيابة العامة في إظهارنا لدى الرأي العام كمجرمين خطيرين، رغم كونه يهدم قرينة البراءة التي تعد أساس المحاكمة العادلة ويجعل المحكمة متناقضة حتى مضمون قرارها. ورغم ذلك تغاضينا، يشير المصدر ذاته، عن هذا الأمر واعتبرنا أن إصدار حكم إلى هذه المحاكمة سابق لأوانه، ولا يمكن أن يتم بناءا على هذا القرار، ولكن للأسف الشديد ستكرس المحكمة هذا الانحياز من خلال النهج الذي ستسير عليه لاحقا، بدأ باللامبالاة التي قوبلت بها تظلماتنا المذكورة سلفا ولا سيما منها التعذيب وتزوير المحاضر وكذلك الأوضاع المزرية التي نعيشها داخل السجن حيث كان من المفروض على المحكمة أن تبث فيها في الحين قبل الانتقال إلى مناقشة أي مضامين." وواصل الزفزافي بالقاعة 7 بمحكمة الجنايات بالدار البيضاء "وانسجاما مع هذا النهج ستقوم المحكمة برفض مجمل الدفوعات الشكلية والطلبات الأولية التي تقدم بها دفاعنا، والتي من ضمنها ما يعد أساسيا في إثبات برائتنا ومن جملتها نذكر: – رفض طلب استدعاء مجموعة من الشهود الذين يعدون من المحوريين في القضية. – رفض طلب السماح بعرض الأدلة ووسائل الاثبات المقترحة من قبل دفاعنا، والتي من شأنها أن تثبت براءتنا والاكتفاء بما هو متضمن في ملف الادعاء من أدلة، وتاليا غياب تكافؤ الأسلحة والفرص التي لطالما تغنت بها النيابة العامة. – رفض طلب السماح بإجراء خبرة طبية للمعتقل جمال بوحدو، للنظر في حالته النفسية وإصرارها على متابعته كشخص سليم، انسجاما مع رغبة النيابة العامة، رغم أن هذه الخبرة وحدها هي المخولة لها إثبات ذلك. واستمرارا في نفس النهج غير المحايد، ستعرف مختلف أطوار الجلسات، استئثار النيابة العامة بالكلمة وتفرض نفسها سيدة المحكمة، وتفرض جميع قراراتها، على حساب أعضاء دفاعنا الذين كانت جل ملتمساتهم محل الرفض كما يرغب طرف الادعاء، وغالبا ما تقاطع مداخلاتهم من طرف المحكمة، بينما تسمح لممثل الحق العام بأخذ راحته في الكلمة، بل حتى أنها تتغاضى عن هفواته التي تصدر عنه من قبيل وصف المعتقلين كونهم يحملون جينات التمرد ووصفهم بالمجرمين… إلخ ولم تستطع المحكمة إخفاء انحيازها إلى طرف الادعاء وحكمها المسبق تجاه معتقلي حراك الريف على خلفية أن كل من يبدي اعتزازه برموز الريف وتاريخه وخصوصياته يعد انفصاليا ويشكك في وطنيته، وعلى هذا الاساس كانت تحاكم المعتقلين، فحمل أعلام الريف أو صور الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، أو الأعلام الأمازيغية أو أحدا من رموز المقاومة الوطنية… كلها تعتبر شبهة يسائل عليها المتهم بمجرد إظهار إعجاب بها. كما أن المحكمة لم تستطع أن تخفي تعاونها مع النيابة العامة وذلك بتعاملها بانتقائية وتصرف في عرض وسائل الاثبات المتضمنة بالملف بشكل يسمح بتأويلها حسب رغبة النيابة العامة في إثبات الإدانة، ومن ضمن ذلك الإصرار على عرض أدلة مستفزة باستمرار لا علاقة لها بوقائع الحراك الريفي، من قبيل الشريط الذي يظهر منزلا يقيم فيه رجال الأمن وهو يحترق، ومن قبيل إقحام المكالمة الهاتفية من مجهول مع الصحافي حميد المهداوي كدليل إثبات في الملف… " وأشار المتحدث إلى "الكيل بمكيالين من طرف المحكمة في تعاملها مع شهود الطرفين الذين تقرر استدعاؤهم وانحيازها بشكل لا غبار عليه إلى الطرف المدعي، حيث لم تسمح لهيئة دفاعنا باستجواب شهود الادعاء إلا في حدود ما سمحت به النيابة العامة، ودفاع الطرف المدني اللذان قاما بالاعتراض على أهم الأسئلة التي من شأنها كشف تناقضات هؤلاء الشهود، وإظهارهم على حقيقتهم باعتبارهم شهود زور، ثم استخدامهم لتكوين التهم غير الموجودة في الأصل، في حين كان العكس تماما أثناء استجواب شهود المدعى عليهم. ورغم كل ما سجلناه، يقول الزفزافي، كان موقفنا أن لا نقاطع هذه المحاكمة قبل مثولنا جميعا أمام المحكمة حتى لا يقال عنا أننا خائفين من مواجهة أسئلتها وادعاءات النيابة العامة وما لديها من أدلة وشهود. لذلك واصلنا حضور الجلسات إلى غاية امتثال جميع المعتقلين واستجواب جميع الشهود، حيث أبلى كل المعتقلين بلاءا حسنا وواجهوا بكل جرأة ادعاءات النيابة العامة، وكشفوا عن زيفها باقتناع كل المتتبعين لملف القضية الذين قطعوا الشك باليقين أنه إذا كانت هناك مؤامرة فهي مؤامرة تحاك ضد هؤلاء المعتقلين بسبب مواقفهم المناهضة للفساد ولسياسات الإقصاء والتهميش. وتابع :"وأخيرا وبعد أن أدينا واجبنا في إبراز الحقيقة لم نجد جدوى من مواصلة ما تبقى من أطوار الجلسات، ولم نجد بدا من اتخاذ قرار المقاطعة، تعبيرا عن احتجاجنا على مسار هذه المحاكمة التي نزعت عن نفسها صفة العدالة والحيادية. هذا مع التأكيد على برائتنا ومطلب الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين. وختاما ندعوا هيئة دفاعنا إلى التزام الصمت وعدم الترافع انسجاما مع الخطوة التي اتخذناها، هذا ونحن نحييكم عاليا على ما تجشمتموه من عناء، وما بذلتموه من مجهودات في سبيل الدفاع عنا مؤكدين تشبثنا بكم كموكلينا في هذه القضية."