أواخر فبراير الماضي، أقدمت إدارة مركز الفن الحديث بتطوان على منع عرض لوحة "كاماسوترا" للفنانة التشكيلية خديجة طنانة خلال معرض فني محلي. وقد ألقت هذه الواقعة بظلالها على تداول الأعمال الفنية والإبداعية خلال الآونة الأخيرة تدفع إلى طرح السؤال: هل عاد الرقيب إلى مزاولة الرقابة والمنع؟ هذا، ويعتبر منع لوحة "كاماسوترا" للتشكيلية خديجة طنانة، خير دليل على عودة مقص الرقيب إلى ممارسة مهنته المفضلة: قص جناح طائر الإبداع. إذ لا يمثل منع لوحة "كاماسوترا" من العرض بمركز الفن الحديث بمدينة تطوان سوى آخر فصل من فصول المنع التي مارسها الرقيب خلال الفترة الأخيرة، حيث تمثلت بعض فصوله الأخرى في منع كتاب "صحيح البخاري.. نهاية أسطورة" لمؤلفه الباحث رشيد أيلال، ومنع عرض نحو 30 عنوانا خلال الدورة الرابعة والعشرين للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، إلخ. في هذا السياق، كانت الفنانة خديجة طنانة قد أوضحت، في اتصال لجريدة "أخبار اليوم"، أنه لا يوجد منع كتابي رسمي، بل تلقى المنظمون تهديدا بنزع اللوحة، إذا لم يمتثلوا لقرار المنع. وبما أن اللوحة تتكون من 246 قطعة، ولا تتحمل تدخلات عشوائية، فقد لجأت الفنانة والمنظمون إلى نزع اللوحة خوفا من إلحاق الضرر بها. من جانب آخر، قالت طنانة إن قرار المنع يعد جزءا من سحابة الظلام التي تزحف على البلاد، مشيرة إلى "أننا بدأن نعود إلى الوراء ولم نعد نتقدم إلى الأمام، ولم نعد نعيش في القرن الحادي والعشرين". كما كشفت أن لوحتها تعالج واقع الكبت الجنسي الذي بدأ يفرز سلوكيات شاذة، مثل التحرش والاغتصاب، موضحة أن لوحتها تدعو إلى ضرورة إعادة النظر في هذا الواقع وتهدف إلى وضع الأصبع على مكمن هذا الجرح الاجتماعي. من جانبه، علق الإعلامي والناقد الفني شفيق الزوكاري على واقعة منع لوحة خديجة طنانة، قائلا إن الأمر يتعلق بحالة فنية تعكس جرأة كبيرة على معالجة جسد المرأة. كما قال، في تصريح لجريدة "أخبار اليوم"، إن هذه الجرأة في معالجة الجسد الأنثوي غير مقبولة في مجتمع مازال مترددا، بل خائفا من علاقة المرأة بجسدها. من جهة ثانية، سلط الزوكاري الضوء على الطبيعة الفنية في أعمال خديجة طنانة، مبينا أنها تشتغل على الجسد الأنثوي، محاولة طرح أسئلة متعددة وجريئة من منظور فني يعتبر الجسد أيقونة ثقافية تعبر عن الحرية واستقلالية الجسد. وتساءلت الكاتبة والقاصة فاطمة الزهراء الرغيوي، قائلة إنها "عندما تمنع لوحة تشكيلية من العرض في معرض في متحف الفن الحديث بتطوان، يحق لنا أن نتساءل: عن أي فن وأي حداثة يتحدثون؟!" وتابعت مستفسرة: "كيف يعقل أن ندير ظهورنا للفن في أكثر أبعاده رمزية: حرية التعبير عن الرأي الآخر، والنظر من الزاوية المقابلة التي بلا طابوهات ولا رقابة…؟" غير أن إجلال مصلوحي، رئيسة مصلحة الشؤون الإدارية والمالية والثقافية بالمديرية الإقليمية للثقافة بتطوان، أوضحت أن اللوحة المذكورة تتعارض مع القانون الداخلي للمعارض، الذي ينص على أن تحترم الأعمال المعروضة القيم والأخلاق العامة والدين، مشيرة إلى أن لوحة "كاماسوترا" تتضمن وضعيات جنسية تخل بالدين والأخلاق. كما كشفت أن اللوحة ذاتها لم تكن واردة ضمن "الكاتالوغ" الأولي الخاص بالمعرض المذكور. من جانب ثان، قالت إن المديرية ضمنت توضيحات شاملة حول منع اللوحة في تصريح رسمي، وبعثت به إلى وزارة الثقافة. وكانت الفنانة نعيمة زيطان قد أوردت خبر المنع على صفحتها في الفايسبوك، حيث قالت إنه "كان من المفروض أن يشاهد رواده لوحة "كاماسوترا" للفنانة خديجة طنانة، والتي استمدت مادتها من كتاب "الروض العاطر في نزهة الخاطر" لصاحبه النفزاوي.. غير أنها فوجئت كما الزوار بإزالة عملها الفني، دون سابق إخبار.. مع رفض إعطائها مسببات وعلل هذا الحجب…" كما أن الفنانة خديجة طنانة نفسها كتبت على صفحتها مؤكدة الخبر: "تم منع عملي الفني من طرف وزارة الثقافة، وأتأسف لأصدقائي في مدينة تطوان لكونهم لن يستطيعوا رؤية هذا العمل". تجدر الإشارة إلى أن مصطلح "كاماسوترا" تحيل على نص هندي قديم يتناول السلوك الجنسي لدى الإنسان. غير أن التشكيلية خديجة طنانة لا تحيل بلوحتها "كاماسوترا" على الثقافة الجنسية الهندية، بقدر ما الاسم فقط، وهي تطلقه على عملها الفني المقتبس من كتاب "الروض العاطر في نزهة الخاطر" لصاحبه التونسي عمر بن محمد النفزاوي، حيث تناولت الفنانة أوضاعا جنسية تحدث عنها النفزاوي، بإعادة تجسيدها على أوراق اتخذت شكل "الخميسة" المغربية.